عالم الأدب

عندما تكون الرواية رديئة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إعداد عبد الله كرمون من باريس: "النجاح الأدبي سلفٌ من الصعب جدا الحصول عليه، غير أن من النادر المطالبة بتسديده: فعندما نسبغ على كاتب ما موهبة عالية، قلما نراجع حكمنا عليه." هكذا يبدأ مقال إمي أونسيون في مجلة لوماغازين ليتيرير حول رواية "كلب أصفر" (ترجمة حرفية) لمارتان أميس (ولد سنة 1949 بلندن) والمترجمة مؤخرا إلى الفرنسية. تضاربت الآراء، من الأقصى إلى الأقصى، حول قيمة هذا النص بغض النظر عن رواياته العشر الأخرى. هناك من يعتبره نصا جيدا يعلن انهيار الزمن الحديث وينفث نقدا لاذعا لعالم اليوم. وهناك من يسِمه بكونه نصا رديئا جدا إلى درجة أنه ينسينا تماما رواياته الأخرى. حاولت أن أقارن بين الحكمين مستعينا بمجلتين هما "لوبوان" و"لوماغازين ليتيرير" وبين ملحقين ثقافيين لجريدتين هما لوموند ولوفيجارو ظهرت كلها بداية هذا الشهر.
مقالة ميشال شنيدر في لوبوان لم تتجاوز بعض تعميمات حول مضمون الرواية، لعلها بعض تنويعات حول التلخيص الذي نجد عادة على الغلاف. إذ دون أن يبلور رأيا موثقا عن الرواية ليست مقالته سوى خبرا مبتذلا عن إصدار، وإن لم يكن أول من يأتينا به. تدارك بل اعتقد أن ذلك هو المطلوب منه إذ كتب في الأخير: "وإن كان انعدام ثمة قوة في مسار الحكي، يدفعنا إلى الاعتقاد بأن أميس يركض خلف شخصياته أكثر مما يقودها". غير أنه لم ينس أن يعلن لربما عن جهل ما أعظمه ما يلي: "لا أحد يصور مثله (مارتان أميس) فظاظة العالم الحديث".
أما ملحق لوموند فقد أثنى هو أيضا على رواية مارتان أميس من خلال مقالة رفائيل ريرول من قبيل: " اتضح مرة أخرى أن هذا الكاتب الذي يناهز عمره سبعا وخمسين عاما هو من أشد مجايليه أهمية".
ليس في المقالة وفي بعض التفاصيل الواردة فيها أية إشارة تثبت جودة الرواية سوى نعوتا ليست تتجاوز المدى الصوتي لكلمات من قبيل "رواية أخاذة" أو "رواية مثيرة" أو أقصاها لما نقرأ في الأخير، "أن هناك أيضا الأدب، ذلك الذي يمنحنا منه مارتان أميس عينة رائعة".
ثمة دائما دوافع كثيرة خلف موالاة كتاب وناشرين لكتاب ما في انعدام كلي لأية موضوعية. فليس ورود عبارة من نوع "الباكستان بلد الخراء" في رواية هو ما يرفعها إلى مصاف الروايات الكبرى وإن كانت نفس العبارة، في الوقت نفسه، ليست تحط أبدا لوحدها من قيمة عمل جيد.
جدير بالقول أن رواية أميس تدور بإنجلترا وتحاول أن تحيط ببعض مظاهر العنف والفساد الجنسي والإعلامي فيها، مرورا بلحظات سخرية من الملكية مثلما يورد إيمي أونسيون (لوماغازين ليتيرير). منطلقا من اعتداء على بطله يوم احتفاله بعيد ميلاده وحيدا في بار تعود على التردد إليه. أحداث، في واقع الأمر، غير ذات بال متى انعدم الجوهر الفني والفلسفي في الخلق.
"الأحداث تنسج بدون حاجة حقيقية إليها" يقول إريك نووُّف عن "كلب أصفر" في لوفيغارو بعدما أكد في بدء مقالته أن مارتان أميس هذا يستهزئ بالقراء، وكأنه يهمس، وهو ينقر متثائبا على الكومبيوتر، ما يلي:(("لقد حصلت على مقدّم أرباح مدهش، وعلى كل حال سيكون هذا جيدا بما فيه الكفاية بالنسبة لهؤلاء القراء الخنازير (الأغبياء)").
"هذا السِّفر كثير الصفحات تفوح منه رائحة طعام بارحةٍ يُسخَّن".
لم ينس إريك كون مقالات مارتان أميس التي نشر في الصحافة البريطانية على مدى ثلاثين سنة ترجمت هي أيضا إلى الفرنسية ونشرت بالموازاة مع روايته هذه، كلاهما لدى غاليمار.
في المقالات كثير من النقد يمضي حتى الخصومة ويلين حتى الولاء. غير أن إريك نووُّف يود لو يدرك كيف سوف ينظر مارتان أميس إلى "كلب أصفر" روايته، في يوم يكون فيه بكامل قواه. يرى إريك أنه في نظره قد لا ينتهي اللقاء بينهما سوى بضربة قاضية!
في كتابه النقدي يرى أميس، مثلما يورد إمي أونسيون ذلك، أن الأدلة الوحيدة التي يتوفر عليها الناقد هي الأمثلة الواردة في العمل. ينهي إمي مقالته في لوماغازين ليتيرير بالقول، كنوع من الرد على اكتشاف أميس، بأن: "صفحات "كلب أصفر" الخمسمائة بكاملها تشكل ضده ملفا مفحما بشكل خاص".
أما مجلة لونوفيل أوبسرفاتور فقد نشرت حوارا مع مارتان أميس بهذه المناسبة، أجراه ديديي جاكوب، دون أن يستطيع أن يدافع فيه عن روايته التي هوجمت، كما يلزم في فرنسا، بعدما اعتبرته المجلة البريطانية غرانتا من أهم الروائيين البريطانيين المعاصريين. سأل ديديي جاكوب أميس إن كان ما يزال يرى في نفسه كاتبا جيدا، فأجابه أميس قائلا:
"ـ بلا شك."
أليست تبدأ الرداءة من هنا

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف