حكايات عراق مجهول من داخل غرفة علي بابا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شهادة الكاتب الايطالي فاليريو بيليزاري
القاهرة: تقف كهرمانة في ساحة تحمل اسمها ببغداد وهي تصب المياه على تماثيل لصوص أثاروا خيال كتاب وسينمائيين في أفلام عن (علي بابا والاربعين حرامي) قبل مئات السنين من اكتشاف كاتب ايطالي أن هناك عراقا مجهولا يشبه قصص ألف ليلة وليلة. وسجل فاليريو بيليزاري قصصا تعد من المفارقات منها أن الحرب بدت كأنها تدور في زمنين يفصل بينهما نحو 580 عاما تمثل الفرق بين التقويم الهجري الذي استخدمه الجيش العراقي والتقويم الميلادي الذي تستخدمه القوات الاميركية. ذهب المؤلف الى العراق في فترة تمتد من نهاية عهد رئيسه الراحل صدام حسين وبداية الغزو الاميركي للبلاد في مارس اذار 2003 ليروي كيف تحول بلد في حجم العراق الى ملجأ يحتمي فيه الناس من القصف الاميركي الذي كان "يبدو وكأنه يوم القيامة".
كما سجل في كتابه (غرفة علي بابا.. حكايات العراق المجهول) مشاهد وتفاصيل الحياة اليومية "لبلد دهسه طاغية وهدده جيش أجنبي جبار" بداية من وجوده داخل ملجأ بلا نوافذ أسفل الشارع بطابقين على الشاطئ الغربي لنهر دجلة حيث كانت "غرفة علي بابا لمدة ثلاثة أسابيع منذ بداية القصف حتى نهايته عالما صغيرا مستقلا بذاته... كانوا يتصرفون كأناس سلبت منهم الحرية مرتين."
وتقع الترجمة العربية للكتاب في 234 صفحة كبيرة القطع وتصدر بالقاهرة عن دار (افاق للنشر والتوزيع) متزامنة مع معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي بدأت دورته التاسعة والثلاثون الثلاثاء الماضي ويستمر حتى الرابع من فبراير شباط بمشاركة 667 ناشرا من 26 دولة منهم 118 ناشرا يمثلون 16 دولة عربية. وتقام بالمعرض السبت القادم ندوة لمناقشة الكتاب يحضرها المؤلف. وقالت مستشارة النشر في دار (افاق) الكاتبة المصرية سوسن بشير لرويترز ان بيليزاري عمل مراسلا صحفيا في عدد من مناطق النزاع الملتهبة في العالم ونشر كتبا منها (فيتنام بدون ذاكرة) عام 1985 و(كابول كابول) عام 1989 "وترجع أهمية كتاباته من كونه كاتبا مستقلا لم يتبع سلطة في حياته... كان شاهدا على حروب تمتد من فيتنام الى كمبوديا ومنطقة الخليج وأفغانستان."
وأضافت أن بيليزاري كان في العراق "قبل قصف الاميركيين وعاش تفاصيل الشهور الاولى لحرب أميركا على العراق مخاطرا بحياته ليكتب عن التفاصيل اليومية للعراقيين الذين عاش بينهم واختبأ معهم في غرفة علي بابا وهي مخبأ يحمي الناس بحوائط واهية من قنابل الاميركيين. فضح في كتابه دعاوى كثيرة وأكد أن أميركا كان هدفها الاول "هو بترول العراق غير عابئة بالناس." وقالت سوسن بشير ان المؤلف رحب بصدور الترجمة العربية لكتابه في مصر لكنه اشترط أن يصدر عن "دار نشر مستقلة لا يدعمها أحد أو جهة رسمية." وسجل بيليزاري مساحات الاتفاق والاختلاف بين صدام والرئيس الاميركي جورج بوش في بداية الحرب.
فحين قررت أميركا "الهجوم" على العراق دعا "بوش الرب أن يحفظ العساكر الاميركيين في مهمتم وسوف يدعوه في مناسبات شتى فيما بعد خلال الحرب وسيستمر في دعائه في الاسابيع اللاحقة لسقوط النظام. وصدام نفسه بعد أعماله الثورية العلمانية في شبابه أصبح منذ سنوات كثيرة يذكر الله وأضاف الى العلم العراقي جملة (الله أكبر)." ونفذت الحكومة المدعومة أميركيا حكم الاعدام في صدام يوم 30 ديسمبر كانون الاول الماضي فجر عيد الاضحى وهو يردد "أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله" بعد ادانته بارتكاب جرائم ضد الانسانية في نهاية مثيرة لزعيم حكم العراق بقبضة حديدية على مدى نحو ثلاثة عقود قبل أن يطيح بنظامه الغزو الامريكي.
وقال المؤلف ان "الحملة العسكرية لم تختف وراء رمز أو شفرة ولكنها كانت تحمل شعارات صريحة متكررة.. امتداد وتوغل. صدمة ورعب" حتى أن الخارج من غرفة علي بابا الحديدية الاسمنتية كان يرى بوضوح التحول والتغير في المدينة كأعمدة الدخان السوداء التي جعلت الافق شاشة رمادية. ورصد بعض مظاهر الحياة في تلك الظروف منها بحث العراقيين عن الحماية داخل "ملاجئ مرجلة" منها مخزن أو مراب للسيارات. وفي مستشفى تديره الراهبات كانت الجدران تقاوم الانفجارات "ويوميا كان هناك عدد من حالات الاجهاض بسبب الخوف يفوق عدد المواليد" قائلا ان هذا المؤشر لم يدخل ضمن النشرات العسكرية لاية جبهة رغم تعبيره الاكثر بلاغة من الكلمات عن حقيقة الظروف النفسية للمدينة.
وأشار الى أن أعواما من دكتاتورية صدام "والحرب الشخصية" بين ولديه قصي وعدي نزعت الامل من نفوس المواطنين الذين أصبحوا بلا تطلعات بعد العزلة عن العالم خوفا على الشعب من "التعرض للعدوى" حيث تحرم الصحف الاجنبية أما الفضائيات المعتمدة من الحكومة فكان من حق أربعة الاف عراقي فقط موثوق بهم سياسيا أن يشاهدوها.
وقال بيليزاري إن الجيش العراقي كان يستخدم التقويم الهجري في نشراته التي تصدر من الجبهة إذ كان يحارب في عام 1424 هجرية في حين كانت "قوات بوش المتجهة إلى بغداد" تتبع تقويما مختلفا وتحارب في زمن آخر هو عام 2003 من الميلاد.
ونفى أن تكون الحرب حتى تلك اللحظة تندرج تحت مسمى حرب الأديان لكنها لم تبق كذلك إلى النهاية حيث تصادم نظاما حياة وثقافتان "كان التناقض بين شارب العراقي المنسق الكثيف حالك السواد وشعر جندي المارينز المقصوص على موضة الرؤوس اللامعة المحلوقة بالموسى يضيف اكتئابا وعدم تفاهم جديد. كان الرئيس صدام يذكر جنوده قائلا.. يتدلى العراق من شواربكم." وتوقف أمام حدثين أولهما استيلاء المارينز على ميناء أم قصر كأول هدف مهم في بداية الحرب حيث أنزلوا العلم العراقي ورفعوا العلم الأميركي لكن صدرت إليهم اوامرتنهاهم عن هذا السلوك "حتى لا تجرح كرامة الشعب". أما الحدث الثاني فهو إسقاط تمثال صدام في التاسع من ابريل نيسان 2003 في ساحة الفردوس ومعه شعر العراقيون بالسخط أمام تنكيس العلم الوطني.
وقال بيليزاري "كنت هناك بنفسي في الساحة. كنت أشاهد مرة أخرى خداع الكاميرات التي تنظر من حولها أولا ثم تختار نقطة وتركز عليها اهتمامها ثم تستدرج المشاهدين والكومبارس الغافلين عما يحدث والذين يعشقون الظهور نحو تمثيل المشهد الذي تود الكاميرات إخراجه وبثه. انهار التمثال أخيرا. كان يبدو وكأن الرئيس يخلع سرواله بطريقة غير مهيبة حيث كان هناك دعامتان معدنيتان بداخل الهيكل تمنعان التفكك الفجائي.
"صورت تلفزيونات العالم في ساحة الفردوس تمثيلية شعار البث المباشر... في الحقيقة كانت هناك مجموعة صغيرة حول التمثال مكونة فقط من صحفيين أجانب ومترجميهم إلى العربية وأطفال عراقيين أما الكبار فكانوا يحصون على أصابع أيد قليلة. والشوارع الأربعة المؤدية للساحة كانت خالية تماما" ووصف ما حدث بالمسرحية الملفقة المخرجة بلا فن.
وأضاف أنه بعد أن "استعمرت" بغداد وسقط التمثال كان "الطاغية موجودا في المدينة في حي الأعظمية محاطا بأتباعه من السنة... كان يمثل دور الشجاع. لم يكن مرتديا درعا واقية من الرصاص" كما أدى الصلاة في مسجد ثم صعد فوق مقدمة سيارة ليلقي خطبة على مؤيديه قال فيها "البلاد المستعمرة تنتصر دائما في النهاية على الغزاة" واصفا ذلك الظهور بأنه جريء ومستفز. وأشار إلى أن مصوره الخاص صور الحدث ولم يتمكن من بثه "وتظل هذه الوثيقة التاريخية هي الأكثر أهمية خلال فترة الحرب كلها... في توقيت سقوط بغداد كان الرئيس يبعد عن جيوش الأعداء أقل من كيلومترين وغير مختف في خندق بل في شوارع المدينة." (رويترز)