تهديد بالموت من أجل صورة فوتوغرافية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
المصور عكاش يوثق حياة الهامشيين ويفضح البؤس والقمع
تهديد بالموت من أجل صورة فوتوغرافية
مازن الراوي من برلين: "مهمة المصور الصحافي هي أن تجعل الناس يبصرون"، قال هذا ج. ام. بي عكاش. وهو مصور صحافي يوثق منذ أكثر من عشر سنوات في سلسلة من الأعمال حازت على جوائز عالمية موضوعات اجتماعية خطيرة مثل تشغيل الأطفال وأوضاع المومسات والعنف وغيرها من الوقائع الاجتماعية المؤلمة في بلده بنغلادش.
في بداية تشرين الثاني من هذا العام تمكن عكاش من الهروب من بنغلادش وحلّ في المانيا الاتحادية بمساعدة "مؤسسة هامبورغ لرعاية الملاحقين الساسيين". كان سبب الهروب التهديد بالقتل بعد أن نشرت له صحيفه صوراً إلتقطها في مدرسة لتعليم القرآن، وهي مدرسة تتقاضى مبلغاً قليلاً لتعليم الأطفال، خاصة أولئك الأطفال القادمون إليها من الأحياء الفقيرة. والصورة الأكثر إثارة التي حركت نوازع المتطرفين تمثل صبياً في السابعة من عمره يحدق برعب في الكاميرا وهو مقيد بسلسة حديدية ـ وكان الطفل قبل ذلك قد هرب من المدرسة مرتين. واعتبرت الجماعة "الاسلامية" تلك الصورة تشنيعا بها وفضح سلوكها وأرادت ان تؤدب المصور وتجعله عبرة للآخرين.
كانت الصورة قد عرضت في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2005 ونشرتها صحيفة (هيمال ـ ماغازين) النيبالية في العام 2006 التي لفتت النظر في بنغلادش وأثارت لغطاً فيما جعلت حياته وحياة اسرته في خطر. لقد اقتحمت المجموعة المتطرفة بيته وفتشت أرشيفه ومقتنياته ورسائله البريدية والألكترونية دون أن يكون في البيت. منذ ذلك الوقت جرى تهديده بعقاب الموت لتطاوله على مدرسة القرآن. ولم يجد الاحتماء بالشرطة نفعاً فكذبت "مزاعمه".
تسود في بنغلادش منذ وقت طويل موجة عارمة من العنف، وبضمنها إرهاب مجموعات اسلامية متطرفة. تفجيرات كبيرة ومئات من العبوات الناسفة تستهدف المرافق الحكومية ومؤسسات أهلية، وتستهدف بالدرجة الأولى حماة حقوق الانسا ن والقضاة والمحامين وقوى المعارضة والأقليات في البلاد. وقد قامت الحكومة البنغالية بتعبأة قوى الأمن والشرطة للوقوف امام العنف المتصاعد في البلاد، ولكن تلك القوى تقوم في الواقع بهجمات واقتحامات عشوائية عنيفة ليس فقط ضد الميتيشيات الأسلامية الاصولية بل ضد أهداف أخرى كما تريدها. وتقول منظمة العفو الدولية في تقريرها المنشور لعام 2006 بأن التعذيب وممارسة أشكال العنف ضد النساء وسلسلة الاعدامات هي التي تسود بنغلادش.
لقد ساعدت عكاش هيئة تحرير مجلة (جيو ـ الألمانية) و(شبيغل) التي سبق وأن نشرت له صوراً فوتوغرافية في الوصول إلى ألمانيا. ولكنه مع الإحساس بالطمانينة والأمان في هامبورغ يقول عكاشة "إنني في الواقع لا أرى هنا ما يمكن تصويره، يمكن تصوير الكلاب على الأرجح، ما عدا ذلك كل شيء نظيف ومنظم بدقة".
يمكن أن يكون وجوده في هامبورغ غير أليف لديه، أو بالأحرى يشعر بالغربة فيها، هو الذي صوّرَ ووثق منذ حوالي عشر سنوات وقائع البؤس والأوضاع غير الانسانية في بلاده ليجد نفسه الآن في عالم آخر يختلف عن عالمه الذي عاش فيه وخبر تفاصيله.
وفي العام التالي أنجز بنفسه مجموعة فوتوغرافية صورت عالم المومسات البائس لدى غلق بيوت الدعارة في مدينته نرايانغانج، ومن ثم قدم سلسة من الصور عن الناس الذين يعيشون على هامش المجتمع موضحاً بها الواقع القاسي والمؤلم لشرائح واسعة من الناس المحطمين. واشتهرت صوره التي جسدت بحساسية تشغيل الأطفال والمخدرات وضحايا الارهاب السياسي والعنف والاستخدام الجنسي للاطفال. في العام 2006 حاز كتابه المصور "الضوء الأول" على "الجائزة الأمريكية لتصميم الكرافيك" بينما نشرت أعماله في مجلات شهيرة مقل جيوغرافي وتايم ونيوز ويك وديرشبيغل و إيكونوميست وآرت وجينا ديلي وصنداي تيلغراف وغيرها.
إن نتاجاته الفنية ومنظوره الشخصي الذي شحنت صوره النادرة حازت على تقدير عميق فضلاً عن العديد من الجوائز التي كرمته وأعلت من شأنه كفنان متميز بالتقاط وقائع الناس في محنتهم. وقد منحت له جوائز في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الصين وفرنسا واليابان والنرويج. كما نالت صورة له في العام الماضي على المرتبة الثالثة في "جائزة الصحافة العالمية". ويعتقد بأن ما أنجزه وما حظي به من رعاية واهتمام وتقدير
سيعزز مضيه نحو الهدف الذي اخطته لنفسه "أن يقدم حياة الناس الذين يُستخدَمون والذين يُساء فهمهم ويُهملون" والآن يبدو جي. ام. بي. عكاش هو نفسه قد اُسيء فهمه، في بلده بالذات، لكنه ربما سيمضي عاماً كاملاً في هامبورغ، ويأمل بذلك أن تتغير الاوضاع في بلادة، أو ربما ينسى أولئك الأصوليون "جريمته" فيتمكن من العودة إلى بلاده ويقوم بما هو قادر عليه : أن يمنح للفقراء والمعدمين وجهاً ليحظوا بالكرامة بين الناس.