عالم الأدب

جاسم كريم حبيب: عام على رحيله

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من الغرف الصغيرة.. إلى مقبرة الغرباء

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعتُ فيه بامالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً
شرقتُ بالدمع حتى كاد يشرق بيّ

من أمستردام- صالح حسن فارس: مثل أوراق الخريف تتساقط حياة العراقين من شجرة الحياة. كلما تسقط ورقة تذوي معها عشرات الأرواح، أي مصير غامض هذا الذي يزحف بجوارنا هنا وهناك؛ في جحيم منافي الداخل والخارج. كلما أتصفح ورقة أرى فيها أوراق ذاكرتي فأعود قليلاً إلى الوراء مشاهدا بعين الخيال؛ وجوهاً، أسماء، أماكن، أهلاً، اصدقاء، قرى، أريافاً، ومدناً تبدو شاحبة. أعود إلى الوراء لا للمتعة والتسلية بل من أجل إعادة رسم لوحة تأريخ شخصي. أحاول شحن روحي اليائسة التي جاءها نبأ حزين: لقد مات صديقي الأديب والصحفي العراقي "جاسم كريم حبيب" بعد صراع مرير مع مرض السرطان الذي لم يمهله الوقت الكافي لإتمام روايته الأخيرة (قرية على اكتافها بنادق) التي كان يدون فيها سيرته الشخصية وعذاباته الطويلة وأحلامه ومتعه البريئة المؤجلة .
كان كتاب " فنسنت فان كوخ: بحث تطبيقي في تفسير أنماط السلوك البشري" أول ما عرفني عليه، فرحتُ باحثا عنه ببغداد بعد أن أستشعرت روحا معرفية رائعة متجلية في كتابه هذا. قدر لي أن ألتقيه باليمن في مدينة صنعاء في منزل أحد الفنانين العراقيين. جرى حوار تبعته حوارات كانت بداية صداقة طويلة مع إنسان سحرني بصمته البليغ وأدبه الجم وهمّه الادبي والفكري الذي لايفارقه لحظة، حزن كبير مزيج من الماضي والحاضر والمستقبل، بسيطاً وديعا نقيا مخلصا يدافع عن الانسان اينما حل. تورط جاسم بالادب منذ صغره علّه يمسك بخيط الامل أو الحلم البعيد.
ولد في الناصرية عام 1948 وعاش وتلقى تعليمه في بغداد، تخرج في كلية الزراعة جامعة بغداد، أهتم منذ وقت مبكر بالدراسات النفسية والفلسفية، اشتغل في الصحافة الادبية، كما ألف العديد من الكتب في مجال التحليل النفسي للادب والفن.
في غرف صغيرة سماؤها معتمة مثل حياته، رطبة، متأكله، جدرانها لا تسع غير سرير واحد، وشباك صغير أنه عالمه الوحيد الذي كان يطل منه على العالم كأنه بطل رواية الجحيم "لباربوس" حين أتخذ بطلها أحدى غرف الفندق ملاذاً له ليرى لعالم من ثقب الباب. هكذا كان جاسم يرى العالم من ثقب ابرة وليس من ثقب باب. كان باحثاً عن الصمت والهدوء، هارباً من ضجيج المدينة والشرطة الذين اعتقلوه وحلّ جاسم ضيفا عليهم بتهمة أنه كان يعيش في بقايا غرفة خربة على أطراف المدينة، يالها من حماقة؟! أقتاده الامن السياسي اليمني حين كان معتزلا في محرابه، يعتاش على البيض المسلوق- وكان يقول لنا دائما سوف أذهب إلى البيت" أكل بيض وأتبنهه تبن" ( تعبير عراقي عن الأكل حد التخمة)- ويلتحف البرد والجوع، كان مشغولاً بتأليف كتاب، والامن العسكري اليمني مشغولا به، هذا الكائن المجهول القاطن هناك، أرعبهم في عزلته وهكذا هم دائماً؛ مرتعبون يعكرون صفاء خلوة الانبياء والانقياء، تباً لهم ولقوانين الارض المغفلة. عانى جاسم من الجوع والبرد والسجن، أختار اليمن كمقر أستراحة له ليتحفنا بين آن وآخر بدراسة أو مقالة حيث تكشف مؤلفاته الستة عشر عن ثقافته العميقة والشاملة المتوزعة، كتب في الادب والشعر والنقد والرواية. ثم حصل في جامعة صنعاء على شهادة الماجستير في علم النفس التربوي.
رحل جاسم بهدوء دون أن يفتقده أحد، لم يُكتب عن رحيله أي شئ ولا حتى خبر خجول في صحف اليمن التي عمل فيها لمدة طويلة، عمل هناك مدرسا لمادة اللغة العربية، وأنجز خمسة كتب، منها: في النقد التحليلي للأدب: المضامين السايكلوجية في شعر عبد العزيز المقالح، ومدخرات النص: في فضاءات النقد التحليلي للأدب اليمني.
جاسم الذي حمل مشروع هموم الانسان على كتفه اينما حل ونذر عمره للكتابة. لم يحظ من أحد أصدقائه وأقرانه وحتى وزملائه بالكتابه عنه وعن أعماله وأبحاثه في الأدب والفن والسايكلوجيا. غاب بهدوء عن صنعاء بعد أن ملّ البقاء فيها دون جدوى. بعيداً عن الضجيج والثرثرة في حياته وفي مماته، بعيداً عن السلطة والإعلام والاضواء وهو العامل في ميدان الإعلام والصحافة. بعد أن سمعتُ نبأ وفاته تخيلتُ فان كوخ ناهضا من قبره محتجا علينا وعلى الآلهة والسلطات ومؤبناً جاسم الراهب الأعزل. أنادي في وحدتي وأخاطب جاسم، لماذا تخذلنا وترحل صوب المجهول بصمتك الاثيري وحزنك الابدي، أرحيلك أحتجاج على ما يجري في العراق وفي العالم؟
رحل "جاسم كريم حبيب" عن عالمنا بعد رحلة طويلة من الابداع والترحال والتشرد والعمل الدؤوب والمستمر ليل نهار رغم مرضه بسرطان البنكرياس - هذا ما شخصه الاطباء- بعد أن تم إسعافه إلى مستشفى الكويت بصنعاء، مات جاسم يوم الاثنين بتاريخ 13 -2 - 2006 في مستشفى الكويت الجامعي بصنعاء، بعد أن مكث فيه شهراً واحداً ودفن هناك وحيداً أعزل. ولم يكن حاضراً انذاك غير مجموعة صغيرة جداً من الشباب العراقيين. دفنوه ورجعوا يرددون ما كتبه جاسم يوماً:

( آه ايتها الحياة السرمدية
لقد منحت روحك لشجرة البلوط
كما للعشبة الكليلة
أه أيها التأريخ البشري
كان لوحك بهيا فاتناً
وكان سواه حالكا منفراً
اه أيها الموت الابدي )

المؤلفات الصادرة في العراق:
1 - الأثارة والاستجابة عند الانسان على ضوء بحث تجريبي
2 - الوعي والفكر في الفلسفة وعلم النفس
3- إيضاحات نقدية في الوراثة وتفسير السلوك
4 - القلق من وجهة نظر خاصة
5 - رسالة في تفسير السلوك البشري
6 - ملاحظات في سايكولوجيا الحرب
7 - فنسنت فان كوخ: بحث تطبيقي في تفسير انماط السلوك البشري
8 - في التحليل السايكولوجي للأدب
9 - رؤية جديدة للوظائف المعرفية للجهاز العصبي عند الانسان
10 - البيان السايكلوجي
11 - في النقد التحليلي للأدب: (الفانوس) رحلة مضيئة إلى اضاءة الشعر

المؤلفات الصادرة في اليمن
12- في النقد التحليلي للأدب: المضامين السايكلوجية في شعر عبد العزيز المقالح
13 - محمد يونس السبعاوي: بحث تطبيقي في تحليل السلوك السياسي
14 - الاعاقة والتحدي: احاديث سايكلوجية مع المتحدين
15 - مدخرات الذات المتوارية: تسعة دروس سايكلوجية برؤية خاصة
16 - مدخرات النص: في فضاءات النقد التحليلي للأدب اليمني

المؤلفات غير الصادرة:
1- مايخفيه دثار الذات: مختارات في الأدب والسايكلوجيا والنقد
2- هوامش سايكلوجية وأدبية جديدة (سبع حلقات)
3- مختارات سايكلوجية واجتماعية مختلفة
4- علي بن أبي طالب: بحث تطبيقي في تحليل السلوك الديني
5- مصافات السمو: في مدار الابداع والمبدعي
6- متوالية الابداع والتحصيل: دراسة ماجستير في التربية- تخصص علم النفس التربوي
7- متوالية الصحة والتحصيل: دراسة دكتوراه في التربية- تخصص علم النفس التربوي
8- الذخيرة الورقية (رواية)
9- قرية على اكتافها بنادق(رواية)
10-ذكريات لها ظلال (قصص قصيرة)
11- كتابات متفرقة.


salehnl@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف