عالم الأدب

صور أماكن كافكا البرلينية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كافكا في برلين
معرض فوتوغرافي معزز بنصوص يستحضر الأماكن التي عاشها


مازن الراوي من برلين: هنا في هذا البيت عاش كافكا. ومن هذه السلالم الموحشة التي تنحدر من الطوابق العليا ملتوية، كما لو أنها تفضي إلى بئر، هبط الى الباحة الضيقة المسورة بجدران عالية. البوابة بجناحين من خشب ثقيل والرواق إليها صقيل جامد دون نوافذ. هنا آثار أقدام الكاتب الملتبس التي تقود إلى "شلوش ستراسة" ومنه يمشي صوب "تسيمرمان شتراسة". إنه في برلين، في أعوام 1922 ـ 1923، في شتاء رمادي، تتعثر الرؤية فلا يمكن الاطلالة إلى البعيد، وكافكا يعاني من المرض الذي سيفضي بحياته بعد فترة.
كافكا في برلين " وعلى أثر خطوات كافكا" اسم المعرض الفوتوغرافي الذي افتتح ليجسد الأماكن التي عاشها والتي انعكست في أعماله.
برلين مازالت تسكنها روح تلك الأعوام. لم يضفي التحديث على بيوتها وشوارعها، خاصة بعد الحرب، إلاّ لمعاناً: تغيرت واجهات الحوانيت بالاعلانات الضوئية والواجهات بالدهان، لكن طراز المعمار الضخم وجدران الحجارة وهندسة البيوت القديمة مازالت تقود المتأمل والفاحص إلى تلك السنوات التي جاء فيها كافكا إلى برلين. لم تتبدل برلين في الواقع لتكون مدينة مثل مانهاتن او نيويورك أو سيدني. لذلك فان المضي على أثر كافكا في المدينة يستجلب التاريخ ويثير المخيلة ويجسد إلى ما تلك الفترة التي قضاها في برلين.
في التاسع عشر من يانيوار في الساعة السادسة مساء افتتح معرض " كافكا في برلين" وسيستمر حتى16. 3 من هذا العام. وقد اثار منذ افتتاحه انتباه المعنيين. واستحضر المعرض ذلك التاريخ الذي جاء فيه إلى العاصمة التي كانت تمثل مركزاً ديناميا للثقافة وللمدارس الفنية والاتجاهات السياسية، والتي تركت تراثاً مهماً في هذا المجال. وكان كافكا يعنى بمعرفة التيارات الثقافية ويريد تلمسها بسفراته الكثيرة لمعايشة وتفحص الحياة الثقافية فيها عن كثب.
تخلى كافكا عن عمله في براغ في العام 1922 بسبب من اصابته بمرض سل القصبات، وفي العام التالي جاء إلى برلين ليكرس نفسه للكتابه. بعد عام توفي في الأربعين من عمره في مشفى للأمراض الصدرية في (كيرلنغ) على مقربة من (كلوستر نويبورغ) في النمسا، ووري جثمانه في المقبرة اليهودية في براغ.
كافكا، كما هو معلوم، واحد من أهم كتاب القرن العشرين إن لم يكن من أهمهم. لقد أصبحت الكافكوية مصطلحاً يعبّر فيما يعبر عن شعور بالاضطراب والحيرة وبلبلة الأفكار، وفي نفس الوقت عن المفارقة الصارخة بين الجنون والإضحاك. وتصورأعمال كافكا مشاعر داخلية لشريحة واسعة من الناس في عالمنا الراهن. وكما في حلم كابوسي تتحرك شخصياته بينما تحركهم قوى مبهمة وعلاقات غير منظورة داخل متاهة يصعب الخروج منها.
منزل كافكا ويصح هذا ليس على الصعيد النفسي والتشكل الوجودي الذي ركز عليه كافكا في نتاجاته بل أضفى على تلك المحنة مسرح المكان أيضاً ليقدم بذلك تمازجا قلّ شأنه في العمل الأدبي. في القلعة التي تحمل نفس الاسم لروايته المشهورة، ومعمار بيت المحكمة في رواية القضية تتداخل أمكنة وغرف غير منظورة. وكذلك في معظم رواياته وأعماله لتكون المسرح الذي تقدم فيه الأفكار.
"طريق فرانس كافكا" سُميَ المعرض الذي افتتح في التاسع عشر من الشهر الماضي ببرلين، وفي مكانين مختلفين. يسبرالمعرض الأول الأماكن التي عاش فيها كافكا في برلين. ويصورالمعرض الثاني الأماكن والبيوت في عموم أوربا التي عاش فيها والتي كانت موحية ومهمة بالنسبة إلى حياته وأعماله.
واعتمادا على النصوص التي كتبها كافكا بدقة في مذكراته وفي رسائله إقتفى المصور الفوتوغرافي الجيكي يان ييندا محطات مهمة لكافكا في جيكوسلوفاكيا والنمسا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا. وقدم المصور في معرضه 90 صورة فوتوغرافية لكل مكان في البلد الذي حلّ فيه ليقرب ويجسد للمشاهد تلك الأماكن لتثير جدلا معرفيا بأفكار كافكا ورؤيته وكيفية التفاعل مع المكان الذي جسدها في أعماله. وتقترن عرض الصور بشروحات وبنصوص مستلة من اعماله وكذلك بشروحات ومعلومات ضافية عن وقائع تلك العلاقة بين كافكا وبينها.
في المعرض المقام في " فريدريش شتراسه 206 " صور ومعلومات غنية عن إقامة كافكا في برلين وفي ألمانيا. و في المعرض الثاني المقام في غرايستهاوس الكائن في " ماور شتراسة " صور غنية عن البلدان الاخرى التي عاش فيها.
ولد المصور الفوتوغرافي الجيكي يان ييندرا في العام 1962. ودرس فنون التصوير في جامعة " فوما" للتصوير السينمائي التي تخرج منها، وهي الأكاديمية الشهيرة التي تخرج منها العديد من المخرجين السينمائئين مثل إمير كستريكا. واتهر يان ييندرا بأعمال الفوتوغرافية التي تتسم بحساسية وبمعرفة ثقافية تمنح لقطاته عمقاً يتجاوز الرؤية العيانية. وتكشف صوره أيضاً دراسة متعمقة في المضامين التي يصورها معتمداً على نصوص يجسدها من خلال متابعة وفهم دقيقين لتلك النصوص. وكان عمله السابق " براغ كافكا" قد منح العاصمة براغ، حيث عاش كافكا ملابسات حياته، تلك الرؤية والانطباع الذي تشكل في وعي وفي كتابات كافكا. بتعبير آخر،انه خلافا للعديد من أرشفة المصورين الفوتوغرافيين، تجاوز يان تثبيت ملامح سياحية لأماكن عاش فيها الكاتب.
افتتح المعرض الأول الذي توافدت عليه نخبة من الزوار، في التاسع عشر من كانون الثاني في المركز الجيكي ثم افتتح المعرض الثاني بعد ذلك بساعات. ورافق افتتاح المعرضين عدد من الفعاليات. وهكذا اقيم في الحادي عشر من كانون الثاني جولة في المدينة اقتفت خطى كافكا في برلين حيث عاش السنة الأخيرة من حياته. بدأت الجولة من موقع محطة " شلوس شتراسة" وباتجاه " تسيمرمان شتراسة".
هنا عاش كافكا، ومن هنا مضى في شوارع برلين القديمة محتشدا في فكره إلتباس الذات وإلتباس المكان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف