مصائر المثقفين: الانتحار أو الاغتيال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلوى اللوباني من القاهرة: نتحدث عن مصائر بعض المثقفين المصريين والعرب الذين وردت أسماؤهم في كتب أو مقالات..ربطت بينهم بانتهاء مصيرهم إما بالمرض أو الانتحار أو حتى القتل، قد يجمعهم فكر أو توجه واحد... أو حقبة زمنية مثل عهد عبد الناصر أو عصر السادات..أو جمعتهم مواقف معينة منها الصراع العربي الاسرائيلي، إلا أن التساؤل الذي يلح كثيراً خلال قراءة سيرهم الذاتية أو ما كتب عنهم.. هو لماذا وصل بهم الحال الى هذه النهاية المؤلمة؟ هل هي الافكار التي آمنوا بها وصدقوها إلا أنها جاءت بما لا تشتهي السفن مثل هزيمة عام 1967؟ هل هو الواقع العربي آنذاك؟ الذي وصفه البعض بالهزيل...أم التحولات العالمية والتي بدورها أثرت محلياً على النهج السياسي لبعض البلدان؟ منهم من نشأ في بيئة فقيرة جداً وعانى من إضطهاد طبقي وبطالة.. ومنهم من سجن وعذب ومنع من الكتابة، إلا أنهم جميعاً اتفقوا على أن الكلمة سواء من خلال المقال أو القصة أو الشعر لها أهميتها في نضالهم الفكري والسياسي والثقافي، كما جمعهم حال واحد وهو تغير وتبدل دورهم من أشخاص مؤثرين في المجتمع الى مشاهدين ومهمشين الى حد ما...
فعلى سبيل المثال ذكر د. مصطفى عبد الغني في أحد كتبه أن بعض المثقفين سقطوا نتيجة المرض النفسي قبل العضوي ومنهم الاديب "محمد مندور" الذي سقط في نوبة قلبية ولم يكن قد تعدى 55 من عمره، والناقد "أنور المعداوي" بانفجار في المخ وموت مبكر ولم يكمل 45 عاماً، و"إسماعيل المهدي" الذي نقل من المعتقل الى مستشفى الامراض العقلية ثم الى القبر!! وأيضاً مصير الادباء مع المرض مثل أحمد بهاء الدين ونجيب سرور وصلاح جاهين، والانتحار مثل خليل حاوي الذي رفض رؤية الدبابات الاسرائيلية في
المرض النفسي والعضوي: الشاعر نجيب سرور:
"شوهد الشاعر نجيب سرور وهو ينظم المرور في إحدى إشارات الاسكندرية"..دفعتني هذه العبارة للبحث أكثر في حياته..لمعرفة سبب الحالة النفسية التي كان يعاني منها.. نجيب سرور كان متعدد المواهب مخرجاً وشاعراً ومسرحياً وممثلاً وممتلئاً نشاطاً وطاقة، يحب العمل ويعتبره قضيته الرئيسية، درس في المعهد العالي للفنون المسرحية وسافر الى الاتحاد السوفيتي في بعثة دراسية عام 1958 وأقام لفترة هناك، ثم قرر العودة الى مصر وبقي في بودابست قرابة عام يستأذن السلطات لتسمح له بالعودة الى مصر وعاد عام 1964، واشتغل بنشاط في الحركة المسرحية فكان في تلك الفترة مؤلفاً مرموقاً ومخرجاً لامعاً، نشر أشعاره باللغة الفصحى على صفحات مجلة الاداب، وديوانه الاول كان "التراجيديا الانسانية" عام 1967، كان شديد الاعجاب بالفيلسوف العربي أبي العلاء المعري وقد كتب كتاباً كاملاً عنه ولم يطبع، وفي السنوات العشر الاخيرة من عمره كتب أعمالاً نقدية عديدة بالرغم من أن أزمته النفسية بدأت في هذه السنوات حيث كان بلا عمل، كان ممنوعاً من أن يخرج أو يمثل أو ينشر إلا نادراً، كانت مأساة كبيرة بالنسبة له حين منع منعاً متعمداً عن كل ذلك في السبعينيات من القرن الماضي، فبعد حرب أكتوبر بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي وبرزت آثارها واضحة على المجتمع المصري وفي كافة المجالات، وانتشر الفساد وتكدست الاموال بيد قلة من الناس على حساب آخرين، واجهت سرور ظروف اقتصادية صعبة إضافة الى اضطهاده بالعمل والفصل..وفي هذه الفترة كتب قصائد انتقد فيها سياسة السادات وعبر بسخرية عن الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي كانت سائدة آنذاك، فلفقت له التهم من قبل الحكومة وبناء عليها أُدخل الى مستشفى الامراض العقلية، وكان يكتب بصفاء ذهني حتى وهو راقد في المستشفى.. حيث أنجز مسرحيته "منين أجيب ناس"؟ ومجموعة شعرية "رباعيات نجيب سرور"، بعد خروجه من المستشفى عاد الى العمل بالمعهد عام 1975 ...لم يكن يستطع دفع إيجار شقته.. و لم يستمر في العمل فقد تم الاستغناء عن خدماته بعد تولي رشاد رشدي إدارة المعهد...كل هذه الاحداث عمقت من أزمته النفسية...لينهار بعدها جسدياً في عام 1977..ارتفعت نسبة السكر في دمه مما تسبب في موته، ونذكر هنا أنه في الاشهر الاخيرة من مرضه كتب خلالهما مجموعة شعرية "هكذا تكلم جحا"...وقبل وفاته بساعات كان يكتب "دراسة عن أدونيس"، مات نجيب سرور ولم يكن قد أنهى 47 من عمره، ويقال بأن ما نشر خلال حياته من أعماله لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً مما كتبه..
الشاعر صلاح جاهين:
صلاح جاهين كان فناناً شاملاً فهو كاتب وشاعر، رسام كاريكاتير وممثل، كان يعبر بكل هذه الادوات عن الحياة المصرية ببساطة إبن البلد.. جاهين هو شاعر العامية والشاعر الغنائي وشاعر الرباعيات، عمل صحافياً بجريدة الاهرام ورأس تحرير مجلة صباح الخير، ورسم الكاريكاتور في الاهرام، والجدير بالذكر أنه قام بطباعة أول أعماله الشعرية بمبلغ جمعه من أصدقائه وقام بتسديده من النسخ التي وزعها عليهم، كان شديد الحساسية بهموم وطنه..وهو الأمر الذي ساعد في تأثر نفسيته سريعاً بأي أحداث تلم بمصر والعالم العربي... كتب كلمات أغنية "والله زمان يا سلاحي" بعد العدوان الثلاثي على مصر، كما أصدر ثلاث دواوين في نفس الوقت بعد نكسة 1967 وهي "عن القمر والطين" "رباعيات" و"قصاقيص ورق"، وأثرت هذه النكسة على نفسية جاهين ويقال بأنه مرض نفسياً جراء النكسة ولم يتعافى بعدها فهي حطمت الحلم العربي الذي آمن به عدد من المثقفين آنذاك، كما كتب "لموا الكراريس" بعد هجوم الطائرات الحربية الاسرائيلية على مدرسة بحر البقر الابتدائية عام 1970، لينهار جسده بعد هذه الحادثة ويمرض... دخل المستشفى ومن ثم فارق الحياة عام 1986.
الصحفي أحمد بهاء الدين:
أحمد بهاء الدين الملتزم بقضايا وطنه، كان يعمل من أجل وطنه..تخرج من كلية الحقوق وعمل موظفاً في وزارة التربية والتعليم.. نما إحساسه بالقضايا العامة وفضل الاتجاه الى الصحافة، وانشغل بتعرفه على الكٌتاب والقضايا المصرية والعربية من خلال مجلة "الفصول"، كان مفكراً مغامراً جريئاً لم يتردد في طرح قضية..خاض العديد من المعارك الثقافية والسياسية من خلال قلمه وكانت آخر معاركه والتي أودت بحياته هي هجرة السوفييت الى أرض فلسطين في نهاية الثمانينات..سقط صريعاً للمرض بعد إصابته بنزيف في المخ انتهى الى حالة من شلل في الحركة وخاصة في جانبه الايسر بسبب الارهاق العصبي والنفسي الشديدين، فهو لم يستطع أن يصدق ما يحدث حوله من تبدل في التحالفات الدولية والمواقف العالمية، فكان يعتقد بأن الاتحاد السوفيتي لا يمكن أن يضحي بصداقة الفلسطينين، كانت القضية الفلسطينية عنده قضية عمره، فاختار عدم الوعي لمدة 6 سنوات خيراً من العيش في هذا الحاضر العربي، بعد أن أرهق نفسه عصبياً ونفسياً ليوقع على البيان الذي يدين الموقف السوفيتي والامريكي والاسرائيلي أكبر عدد من المثقفين والمسئولين المصريين، ويصطدم في كثير من أصدقائه وزملائه بمواقفهم الغريبة من التوقيع على البيان.
الانتحار: الشاعر اللبناني خليل حاوي
خليل حاوي الذي رفض رؤية الدبابات الاسرائيلية في شوارع بيروت فآثر أن يلقي مصيره بيده هو عام 1982، كان استاذاً في الادب والنقد في الجامعة الامريكية "بيروت"، واستاذ محاضر في الشعر العربي الحديث في الجامعة اللبنانية، ويعتبر سبب انتحاره القشة التي قصمت ظهر البعير، واجه العديد من الصعوبات والمواقف في حياته، منها مرض والده وهو في عمر الاثنتا عشر سنة فضاقت سبل العيش وتحتم عليه أن يترك المدرسة ويبدأ بالعمل.. ومن الذكريات المؤلمة بالنسبة له أنه كان عليه أن يحمل الحجارة ..والمؤلم أكثر عندما توقف زملائه الطلاب من التحدث اليه، مع العلم بأنه كان يعيش من قبل حياة ذات مستوى جيد، وفي الرابعة عشر عمل عاملاً متدرباً في التطيين والتبليط، وفي الخامسة عشرة انجرف في الحزب السوري القومي، وفي السابعة عشر أصبح مدرساً، وكما قيل أن الطباع الجبلية التي نشأ عليها لعبت دوراً في تكوين شخصيته وبلغ ذلك في المغالاة في مجال الخلق الشعري لديه والالتزام بالعقيدة العربية، ومن أقواله "لا فضل لمسلم على مسيحي إلا في أصالة عروبته".. وكان يحتقر بعض المثقفين المسلمين الذين يظنون أن إسلاميتهم تجعلهم أصيلين في عروبتهم...من مؤلفاته نهر الرماد، الناي والريح، بيادر الجوع، رسائل الحب والحياة.
الأديب الاردني تيسير السبول:
شاعر وروائي، كتب الكثير من القصائد عن الحب، حصل على منحة من الجامعة الامريكية "بيروت" لدراسة الفلسفة إلا أنه تركها لدراسة الحقوق في جامعة دمشق منطلقاً من إهتمامه بقضايا الامة العربية، وفي دمشق اشتهر كشاعر شاب فكتب العديد من الاشعار في صحف يومية واسبوعية ودوريات شهرية أدبية "الثقافة، الاداب، الاديب"، تقول زوجته الاديبة والطبيبة د. مي التميم أنه كان شاعراً مبدعاً مجبولاً بالشفافية والحساسية، صادقاً مع نفسه والاخرين مثالياً وذا وعي حاد بكل ما يدور حوله، وعلى المستوى
الاغتيال: الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني:
كاتب قصص وروائي وناقد...نزح مع عائلته عام 1948 وعاش في سوريا كلاجئ ثم في لبنان حصل على الجنسية اللبنانية، عمل عامل مطبعة في دمشق ثم مدرس في مدارس الاونرا، أكمل دراسته الثانوية في دمشق وانضم الى حركة القوميين العرب، ذهب الى الكويت ليعمل في التدريس ثم انتقل للعمل في بيروت في مجلة الحرية الناطقة باسم الحركة، ورئيس تحرير جريدة المحرر ومن ثم انتقل الى جريدة الانوار، وترأس تحرير جريدة الهدف الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأصبح ناطقاً رسمياً باسم الجبهة، كل ما كتبه كنفاني من أدب كان تصويراً لواقعاً عاشه... وقتل بانفجار سيارته المفخخة في بيروت عام 1972 وعمره 36 عاماً...من مؤلفاته رجال في الشمس، موت سرير 12، أرض البرتقال الحزين.
الرسام الفلسطيني ناجي العلي:
هاجر مع عائلته عام 1948 الى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة بعد الاجتياح الاسرائيلي.. لم يعرف الاستقرار أبداً في حياته..اعتقلته القوات الاسرائيلية وهو شاب صغير وقضى أغلب وقته يرسم على جدران الزنزانة، نشر له غسان كنفاني اولى لوحاته في مجلة الحرية، عام 1963 سافر الى الكويت ليعمل محرراً ورساماً ومخرجاً صحفياً "الطليعة، السياسة، السفير، القبس، والقبس الدولية"، ابتدع شخصية حنظلة في 5 حزيران عام 1967 وهي تمثل صبي في العاشرة من عمره، وأدار حنظلة ظهره في رسوماته في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، كان يقول أن حنظلة بمثابة الايقونة التي تحفظ روحه من الانزلاق، وعندما سئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب "عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الانسان العربي شعوره بحريته وانسانيته"، أطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي في لندن يوم 22 يوليو عام 1987 فأصابه تحت عينه اليمنى ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 اغسطس من نفس العام... ودفن في لندن في مقبرة بروك وود الاسلامية وقبره الوحيد الذي لا يحمل شاهداً..شاهده هو العلم الفلسطيني، وفي مقولة أخرى للدكتور مصطفى عبد الغني أن التقارير الطبية الصادرة في لندن تقول بأن ناجي العلي مات بالسكتة القلبية قبل أن تصل الرصاصة الى الرأس وهي تتجه الى الدماغ بأعشار قليلة من الثانية إذا ما قسمت الثانية الى مائة عشر!!
وأختم بمقولة للمفكر والفيلسوف "هنري بيرجسون"..كثيراً ما نرى أشياء على غير حقيقتها..لأننا نكتفي بقراءة العنوان"....