عالم الأدب

أدونيس بأغادير: قدْ يختفي العرب إذا لم يتغيروا!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من أغادير:عبداللطيف الوراري: بعْد كلية الآداب بجامعة ابن زهر، كان الشاعر أدونيس في ضيافة المعهد الفرنسيّ بأغادير يومه الجمعة09/02/2007،لإحياء لقاء شعْريّ يجمعه بالشّاعر الفرنسيّ أندري فلترA.velter.وقد لوحظ حضور جمهور عريض منْ فعاليات ثقافية وطلبة وسياح وأوربيين مقيمين بالمدينة، الذي ظلّ متابعاً ،بإصغاء مدهش،للحظات قوية إمتزج فيها الشعر والموسيقى والنقاش الثقافي ،عدا الدعابات الخفبفة التي كانت تكسر ،بين الفينة والأخرى، روح الإنضباط والجدية التي خيّمتْ على القاعة.
وإذا كان اللقاء الذي جاءت جلّ فقراته باللغة الفرنسية قدْ نُظّم أساساً،كما جاء في الورقة التي وزّعها المنظّمون بالمعهد،لتقديم الشاعر الفرنسيّ جاك لاكارييرJ.lacarriere، المولود بليموج عام1925وصاحب قصائد وروايات وأنطولوجيات ومصنفات جمعت بيْن معارف لعلّ أهمّها"أثناء المسيرchemin faisant"الصادر عام 1973،و" الصيف اليوناني"عام 1976،من لدن الشاعرين أدونيس وفلتر باعتبارهما أهمّ مقرّبيه من مجايليه من الشعراء لأجل أن يطلعا الحضور على أريحيّته العارفة ،ومفهوماته الخاصّة بالكتابة والزمان والفضاء،إلّا انّه سرعان ماخرج إلى ضفاف أخرى للنقاش الذي أداره،باقتدارٍ،حسن وهبي الناقد وأستاذ اللغة الفرنسية بجامعة ابن زهر،بحيْث تعدّت إلى انشغالات الشاعرين نفسهما.
وقال أدونيس ،في معرض سؤاله عن الذات والآخر والهوية، أنّه "لا يمكن فهم الذات إلا من خلال الآخر الذي يعبرها"،و"أنّ الهويّة لا تُصنّع،وليستْ شيئاً معطى.بلْ هي حركة مستمرّة يبدعها الكائن الإنسانيّ".وتحدّت أندري فلتر عن صداقته لفلتر وأدونيس بماهي أخوّة في الشّعر ومحبّته،وعن الميديا ومزاحمتها لفضاء الشعر "الذي يخرج،رغم ذلك ،ظافراً "،بحيْث لا يزال للشّعر جمهوره مهما يكن عدده،"لأن مايهمّ الشّعر هو الفرد".وأعقب أدونيس بالقول"إن هناك إشكالية بين الشعر وقارئه...وإنّنا ،دائماً، بحاجةٍ إلى قراء خلّاقين" .وعمّا إنْ كان الشاعر يسكن القصيدة،قال فلتر مستشهداً بقوْلة الفيلسوف باشلار "أنّ الشاعر ليس هو نفْسه في كلّ الصباحات"،و"الشعْر هو توْقٌ وحبٌّ وصداقةٌ" ،يردف أدونيس.وفيما يخصّ أدوات الكتابة الشعرية،أكّد الشاعر فلتر على أهمية الأذن لأنها تمنحه قدرة على ضبط إيقاع القصيدة وموسيقاها الداخلية أثناء كتابتها فيما يشبه نداءً خفيّاً،وهو ما أشار إليه، منْ جهته،الشاعر أدونيس عندما ألْفت إلى ماتتيحه اللّغة العربية في الشعر من قيمة للصّوت والموسيقية كملمحيْن بارزيْن للشفويّة فيها.
وفي معرض السؤال عمّا يجْري ،اليوم،في العالم العربي من عنفٍ وتقتيل،قال "إنّ العرب لم يستطيعوا بعد أنْ يستوعبوا ما يجري حولهم من تغيّرات.وإنّ أيّ حلّ جذري لمشاكلهم لن يتأتّى إلّا من خلال الدّين والسياسة.ولا سيما من العلاقة العميقة بيْن الدين والسياسة ،عدا معضلة المرأة" . وشعّتْ منْ عينيه حسرة شفيفة كادت تدمعهما وهو يستطرد قائلاً "إذا لم يحل العرب مشاكلهم ويتغيّروا فإنهم سوف يختفون شأن الأمم السابقة"،وندّت منْ جنبات القاعة ضحكات عالية فيما ينمّ عنْ تشفٍّ.
بعْد ذلك اعتكف الشاعران أدونيس وفلتر على قراءة مقاطع أونصوص من شعرهما.وإذا كان فلتر أكثر نشاطاً وحيويّة في إنشاد نصوص كاملة من شعره تحْتفي بالذّات والرغبة والحبّ والطبيعة والأرْض على إيقاع خفيض ومرتفع من موسيقى غربيّة فألقى ،بإنشاديّته الغنائية،قصائد " Ce jour-la"، "Toi alors" ولا سيّما"quel royaume" التي كان الشاعر يضغط بصوته العالي على لازمتها حتّى ارتجّتْ أركان القاعة؛بدا أدونيس ،في المقابل، متهالكاً على الكرسيّ ويقرأ بصوتٍ خافتٍ قصيدة للشّاعر جاك لاكاريير منْ ترجمته"شجرة اللّوز البربريّة" التي جاء منها: [دائماً ترتجف الصّحْراء/عنْدما تلْتقي مع الفجر/كما لوْ أنّ عليْها قبيْل طلوع الفجر/ أنْ تتخلّص منْ قطرات النّدى المرْهقة...شجرة اللّوز البربرية /شعار نسبٍ لهذه الصّحْراء/أو بالأحْرى لهذه الأرض التي تُشْبه الصّخْرة...صارتْشجرةً اُخْتاً]، ثمّ قصيدته" تركتني" الّتي جاء منْها :[تركْتِ في جسَدي ورْداً/تركْتِ ندىً/تركْت غابة ألْوانٍ /تُراه غدي يُضيئُها/أوْ تُرى أمْسي يضيّعها...تخِدْتُ ليْلكِ ضوْءاً /رُحْتُ ألبسُهُ/كما تشاءُ مراياهُ].وانتهى اللّقاء بمقاطع من أحد أعْمال جاك لاكاريير قرأتْها، بحسّ مشْبوب لا يخْلو من رهافةٍ ،خليلته السيّدة سيلفيا ليباـ لاكاريير.
والجدير بالإشارة أنّ أدونيس له لقاء آخر على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء في دورته الثالثة عشرة حيث يقدّمه للجمهور المغربي الشاعر حسن نجمي .وقدْ صدر لأدونيس في مطلع هذا العام2007 عنْ دار الساقي ديوانه الشعريّ الجديد "تاريخ يتجسّد في جسد امرأة" ،الذي يقوم ،في بنيته الدراميّة ونبرته الغنائية الطافحة بالألم ،على محاكمة تاريخ الكبت والقمع من خلال حبكة معقّدة تتشابك بها أصوات متداخلة للراوية والجوقة والرجل والمرأة بطلة الدّيوان ـ القصيدة الّتي يتمّ رجْمها في نهايتها،كأنّما ترجم معها كلّ معادلات الحياة،في زمن الموت والخراب.
// شاعر وناقد من المغرب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف