عالم الأدب

متعة القراءة في الخطاب الموازي للقصيدة العربية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد مسعاد من بون: إن تقديم كتاب الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصرة للشاعر والباحث المغربي نبيل منصر، الصادر مؤخرا عن دار توبقال للنشر، هو شكل من اشكال المغامرة المجهولة النتائج على الأقل بالنسبة لواحد مثلي،غير ماسك بأدوات النقدي الأدبي الأكاديمي وتنحصر علاقته بالشعر على مستوى العشق والكتابة، غير أن ما يشفع لي هو تلك المتعة التي تلقيتها من جراء الابحار في صفحات هذه الذخيرة التي ستفتح من دون شك الطريق أمام عدد من الباحثين في متون الشعر العربي المعاصر للتمعن في نصوصه ونصوصه الموازية، وهو البحث الذي سيفتح شهية القراء والدارسين والمهتمين للتوغل في أسئلة تبدو ترفا معرفيا غير أنها تشكل أفقا جديدا للقبض على بعض أسرار الشعر العربي الحديث، لقد أبدع الدكتور نبيل منصر في نقل البحث الأكاديمي إلى مستويات تتجاوز القصيدة/ الكتابة إلى تخومها أو ما سماها هو بلغته الشعرية الرفيعة بالمصاحب النصي والمحيط النصي والتي تطرق فيها على المستوى الأول إلى عدة عتبات هي جزء من القصيدة كالعنوان و علامة الناشر و الاسم الشخصي أو المستعار وعتبات أخرى ظلت مغيبة في التحليل الأكاديمي أو ما سماها بهذه اللغة الأنيقة في الصفحة 5 من المقدمة " لقد اخترنا مواجهة الشعر العربي المعاصر من مكان النص الموازي. وعوض أن نفزع عراة إلى النص ونجعله ينوء بأوهام امتلاكنا له، قررنا استضافة العتبات النصية إلى مجال البحث وجعلها دفعة واحدة في مركز الضوء". أما على المستوى الثاني أو ما أطلق عليه الباحث بالمحيط النصي فلق تناول من خلاله متنا للدراسة، وجعل هذا المتن يتعرف على حواشيه وجعل هذه الحواشي تضيئ متونها كما قال في الصفحة 152 من الاستهلال الذي خصه للقسم الثاني في هذا البحث القيم.
يشتمل هذا البحث على قسمين الأول نظري يشتغل على إعادة بناء موضوع النص الموازي وأجناسه الخطابية سواء داخل الشعرية الغربية الحديثة أو الشعرية العربية القديمة. ولقد ولج الباحث هذا الفصل مسلحا بمرجعية نظرية تستقي أدواتها بشكل واسع من النمذجة البنيوية للباحث جيرار جنيت في تحليله لشعرية النص الموازي، ومنفتحا أيضا على عدة مدارس أخرى في التحليل والنقد الأدبي المعاصر من أمثال مدرسة الشكلانيين الروس و ياكوبسون و آخرون. أما المبحث الثاني من هذه الدراسة فكان تطبيقيا جاء ليتراشق بشكل مباشر مع المحيط النصي، الذي هو عبارة عن متن عمد الدكتور الباحث أن تكون عتباته ثلاث مجلات عربية شكلت البوابة الرئيسية التي تنفس منها الشعر العربي المعاصر حداثته في مشرقه ومغربه، وهي مجلات " شعر" و "مواقف" و " الثقافة الجديدة" وهو متن عمر لأربعة عقود تقريبا من تاريخ الشعرية العربية، من أواخر الخمسينات إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي بكل الأسماء الشعرية التي حلقت أو التي لا تزال في سماء القصيدة العربية المعاصرة. ولقد اختار أيضا الباحث تحليل ظاهرة البيانات الشعرية التي شكلت من جهة مفاصل حداثية أساسية في تاريخ الشعر العربي المعاصر، ومن جهة أخرى جغرافيات شعرية مختلفة في خريطة القصيدة العربية المعاصرة، وتمحورت هذه البيانات التي أكملت هذا المتن ضمن المحيط النصي، "بيان الحداثة" لأدونيس سنة 1979 و"بيان الكتابة" لمحمد بنيس سنة 1984 و بيان "موت الكورس" لقاسم حداد وأمين صالح سنة 1984 . لقد شكلت دراسة هذه البيانات بمثابة بوابات ضوء اضافية على حد تعبير الكاتبة اليابانية جاءت لتستكمل أيقونة المتن المختار موضوع الدراسة هنا.
يكتسي هذا البحث في نظري قوة تجعله في مسار البحوث الجادة التي ستظفي قيمة مظافة واستثنائية إلى الخزانة العربية في مبحث الشعرية العربية، إلى جانب عدد من الدراسات القيمة خصوصا داخل البحث الأكاديمي المغربي طيلة العقدين الأخيرين حيث شكلت الدراسة التي قام بها الشاعر والباحث محمد بنيس " الشعر العربي الحديث: بنياته وابدالاتها" نبراسا قويا فتح أعين النقد الأدبي للشعرية العربية على عتبات جديدة ودقيقة.
وتتجلى قوة هذه الدراسة " الخطاب الموازي للقصيدة العربية الموازية" للشاعر والباحث المغربي نبيل منصر من خلال ثلاث نقاط وهي المنهج، حيث أن الباحث على الرغم من أنه تحرك في مدارس منهجية متعددة إلى أنه استطاع أن يتحكم في أدواته ويطوعها في سبيل كشف أسرار المتن الذي قدمه للقراءة، ثانيا اللغة التي كتب بها هذا البحث وهي لغة شعرية رفيعة وهذا ليس غريبا على الباحث فهو الشاعر أولا وأخيرا، الذي أصدر ديوانا جميلا بعنوان "غمغمات قاطفي الموت"، الصادر عن دار قرطبة للطباعة والنشر سنة 1997 ونحن في انتظار ديوانه الثاني "أعمال المجهول" الذي قد يطالعنا في بحر هذه السنة، لندع هذا النص يبوح لنا ببعض غمغماته:
ومنك
يا شاهقات القلب
يلوح خراب لذيذ
حيث تنتظرني امرأة
تحطب أثمن الكوارث
من فم أعتى
الآلهة...
أما النقطة الثالثة ،وليست الأخيرة بكل تأكيد، من قوة هذا الكنز الثمين فهي الاقتراحات التي جاء بها كترجمات لعدد من المفاهيم من أمثال المصاحب النصي preacute;texteوالمحيط النصي epitexteوهي في نظري ترجمات فيها الكثير من الجمالية جعلت هذا الكتاب يخرج من سياق البحوث الجامعية الصارمة الجافة إلى رحابة الشعر الباذخ ويحوله من ألم البحث إلى متعة دون حدود، فشكرا لك أيها الشاعر وشكرا لدار توبقال على انحيازها المكشوف لكل ما هو جميل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف