عالم الأدب

الخُطبة الشعرية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لقد أجمع العديد من النقاد على أن المنجز الشعري للشاعر الفرنسي (سان جون بيرس) لايجب تصنيفه في أطار القصيدة الموزونة أو القصيدة الحرة أو حتى في أطار قصيدة النثر، وذلك نتيجة الاختلاف الواضح بين بناء وطريقة أداء نصوصه الشعرية وبين بناء وطريقة أداء القوالب الشعرية المذكورة. بل حتى (سان جون بيرس) نفسه كان لايحبذ أن يؤطر نصوصه الشعرية في أي أطار أو قالب شعري معروف، أيماناً منه بأن مايكتبه هي نصوصاً شعرية أوسع من القوالب الشعرية المعروفة. ولكن شغف النقاد في تأطير منجزه الشعري المميز بصعوبته وغموضه وأتساع فضاءاته جعل بعضهم يجري مقاربة بين هذا المنجز وبين الخطب القديمة من حيث البناء اللغوي ومن حيث طريقة أداء النص.
ونحن نرى بأن هذه المقاربة دقيقة الى حد كبير، لأن الخطبة الدينية أو الاجتماعية أو الخطبة بشكل عام تحتوي على الآيات الدينية والأبتهالات والمواعظ والحكم الاخلاقية وعلى السرد القصصي والوصف الدقيق للكثير من الأشياء بلغة نثرية جميلة ذات موسيقى وايقاعات أخاذة. وبالمقابل فأن النص الشعرية ل (سان جون بيرس) يحتوي على الكثير من سمات الخطبة ولكن الشئ المختلف في هذا النص عن الخطبة هو أنه كتب بلغة شعرية عالية وبموسيقى وايقاعات تقع خارج ماهو مألوف منها في الاوزان الشعرية المعروفة. مما يدفعنا هذ الشئ الى أن نطلق على نصه الشعري (بالخطبة الشعرية) لأنه يحتوي على الآيات الشعرية والأبتهالات الشعرية والسرد الشعري والمواعظ الشعرية.
وعلى الرغم من الأختلافات العديدة بين النص الشعري بشكل عام أو(الخطبة الشعرية) بشكل خاص من جهة وبين الخطبة الدينية من جهة أخرى، من حيث أن النص الشعري، يميل الى طرح السؤال المقرون بطرح الجواب الأحتمالي، ويميل الى الشك، بينما الخطبة الدينية تميل الى طرح الجواب المطلق واليقين المطلق حول المفاهيم والتصورات والأخلاق. إلا أننا نرى بأن البناء العام لنص الخطبة الدينية قادر الى حد كبير على أستيعاب الشحنات الشعرية والتعبيرية والانفعالية لدى الشاعر وقادرة على أنتاجها في الوقت ذاته. أي أننا هنا لسنا معنيين بطبيعة المحمول الفكري والاخلاقي للخطبة الدينية، لأنها ستكون مختلفة بصورة أو بأخرى مع المحمول الفكري والاخلاقي للنص الشعري، وانما نحن معنيون بطبيعة نظام العلاقات فيها الذي يربط بين مفردات الجملة الواحدة وبين الجمل فيما بينها وبين الصور الشعرية. ومعنيون كذلك بقدرة الخطبة الدينية على خلق القاموس اللغوي الخاص بها وعلى خلق الشكل العام المختلف لها عن ماهو سائد من أشكال خطابية الى حد ما. ومعنيون من جهة أخرى بشكل الخطاب لها. فالخطبة تأخذ شكل الحوار الذي يدور بين الخطيب وذاته او بينه وبين المتلقي أو بينه وبين الأله. وبأمكان المتلقي (لنعده قارئاً هنا وليس مستمعاً لتوضيح الأمر أكثر) حينما يقرأ الخطبة الدينية في كتاب ما مثلا أن يتحسس صوت الخطيب وأن يشعر بسماع موسيقى كلماته وجمله بصوت عالٍ، وذلك بسبب أن الخطاب المستخدم فيه يكون مباشراً بين (الخطيب) من جهة وبين (المتلقي) من جهة أخرى، أي أنه يكاد يكون خطاباً شفاهياً بين الطرفين. والخطاب الشفاهي أو مايسمى بالخطاب المنتمي للفضاء الصوتي عادة مايكون أقرب الى المتلقي من الخطاب المنتمي للفضاء الكتابي من حيث قدرته على التأثير في النفس البشرية من الناحية الموسيقية، وذلك لأنه خطاب مسترسل ومتدفق وهائج وتلقائي ومليئ بالحرارة والتوتر وبالشحنات الأنفعالية والتعبيرية، وبالتالي هو خطاب قادر على خلق موسيقاه وايقاعاته الصوتية الخاصة به من دون اللجوء الى موسيقى وايقاعات الاوزان الشعرية الجاهزة.
من هنا نعتقد أن الخطبة الدينية تقترب من كل نص شعري مغاير في بنائه اللغوي وفي شكله العام وحتى في طريقة طرحه لمحمولاته وثيماته وتقترب من كل نص شعري يحمل في طياته طريقة صياغة الأبتهالات والمناجاة والأوامر والنواهي والوعظ الأخلاقي حتى لو كان فحوى كل هذه الأمور معارضاً ومخالفاً للفحوى الديني المتوفر في الخطبة الدينية.
والجدير بالأشارة هنا هو أن الدين والشعر يعدان مصدران مهمان لبعضيهما البعض على مر التأريخ. فمثلما أن الفلسفة تعد أحد المصادر الخفية للشعر فأن الدين كذلك يعد ينبوعاً روحانياً وفنتازياً للشعر. وبالطبع أيضا يمكننا القول ومن دون تردد أن الشعر أحد المصادر الخلاقة والضرورية للفلسفة والدين معاً.
من هذا المنطلق رأينا أن التسمية المناسبة لهذا الشكل الشعري هو (الخطبة الشعرية) مع أن هذه الخطبة قد توحي للمتلقي للوهلة الأولى احياناً بعدم التماسك والترابط فيما بين عناصرها وتفاصيلها وقد توحي بعدم وجود وحدة بناء أو وحدة موضوعة فيها حسب المفهوم التقليدي لهذه الأمور (على العكس من الخطبة الدينية) ولكن بعد التعمق بها والقراءة المتأنية والمتأملة لها سيجد المتلقي بأنها مترابطة بخيوط وجسور سرية وخفية ولامرئية الى حد ما.
إن (الخطبة الشعرية) تحمل جميع هموم النص الشعري الفلسفية والوجودية والحياتية الجوانية، وتتضمن التساؤلات والشكوك والألغاز والأسرار والغموض. أي أنها تدور في أطار الشعر من حيث الجوهر والغاية وتدور في أطار الخطبة من حيث الشكل والطبيعة الفنية .
ومن أجل أن لانحلّق في فضاء التنظير التجريدي، علينا أن نسقط كلامنا هذا على تجربة شعرية ما تجسد مفهومنا لها بشكل أوضح.
ولكننا وبعد قراءة طويلة وبحث عميق جاد للمشهدين الشعريين العراقي والعربي المعاصرين، أكتشفنا أن الخطبة الشعرية موجودة فيهما ولكن وجودهما ضئيل ومتناثر هنا وهناك كنصوص متفرقة يتيمة متوزعة على هذا الشاعر أو ذاك. بحيث أننا لم نجد تجربة شعرية كاملة تدور في أطار (الخطبة الشعرية) بأستثناء التجربتين الشعريتين المهمتين اللتين نعتقد بأنهما تستحقان منا الأشارة اليهما كنموذجين لتوضيح مقاصدنا ومفاهيمنا في هذا الأطار الا وهما تجربة الشاعر والروائي السوري (سليم بركات) وبالأخص في مجموعته الشعرية (بالشباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح) وتجربة الشاعر العراقي (نصيف الناصري) الأخيرة وبالأخص مجموعته الشعرية (فجر الزمان الممتد بين الوجود والماهية).
غير أننا سنركز حديثنا هنا على تجربة الشاعر (نصيف الناصري) بسبب قدرتها أكثر من تجربة الشاعر والروائي (سليم بركات) على تجسيد مفاهيمنا وتصوراتنا عن (الخطبة الشعرية) للمتلقي. مع العلم الى أننا سنعرض في نهاية هذا المقال نماذج شعرية للاثنين لتوضيح مقاصدنا أكثر فأكثر.

الخطبة الشعرية لدى نصيف الناصري :
أن تجربة الشاعر (نصيف الناصري) الأخيرة تنضم لهذا القالب الشعري الباهر، لأنها بحق تعد تجربة مميزة بمعنى الكلمة سواء من حيث طريقة أدائها للجملة الشعرية أو من حيث طريقة طرحها للصورة الشعرية أو طريقتها في الوصف الجمالي (الذي يعوض كثيراً غياب السرد الإخباري المألوف فيها) أو أسلوبها في إبراز السؤال الفلسفي والوجودي والحياتي، أو طريقتها في إبراز أصوات الحروف والكلمات وصوته كصاحب خطاب يوجه خطابه لمنادى غائب أحياناً ومنادى حاضر أحياناً اخرى. ونرى أيضاً أن هذه التجربة قد خرجت الى حد لايمكن تغاضيه عن سياق النظام اللغوي الشعري السائد الان كونها تحمل مزيجاً بين البناء اللغوي المميز (على الرغم من أنه موجود في التراث الشعري ولكنه نادراً مايستخدم من قبل الشعراء الآن) وبين روحيته الشعرية الجديدة في التعبير. وهي كذلك تجربة شعرية تمكنت من خلق قاموس لغوي شعري مميز، سواء بمفرداته أو ببناء جمله الشعرية العصية على الفهم لدى البعض أحيانا كثيرة. وهذه الصعوبة في هضم وفهم هذه الخاصية المميزة لتجربة (الناصري) مفهومة بالنسبة لنا ولكن ليس الى حد رفضها أو الى حد عدم تقبلها ذوقياً من قبل المتلقي.
نرى أن السبب الحقيقي لهذه المشكلة هي أن نصوص (الناصري) تحتوي على تراكيب لغوية تكاد تكون جديدة على ذائقة المتلقي، وتحتوي على كلمات مهملة من قبل الشعراء المعاصرين. أي أن (الناصري) سلط الضوء عليها كثيرا في تجربته الشعرية هذه بل وحاول أحيانا كثيرة خلق طريقة جديدة في أستخدام الكلمات وذلك من خلال أعطائها صيغة الجمع تارةً أو من خلال إجتراحها من رحم الكلمات المألوفة تارةً أخرى. صحيح أننا نعترض على بعض تراكيب هذه الجمل لأنها تنحو نحو التعقيد غير المبرر، ولكن هذه التراكيب بشكل عام تمثل أضافة مهمة ولايمكن أن تهمل أبداً على صعيد الشعر.
أن تجربة (الناصري) تحتاج الى ذائقة جديدة للنص الشعري، والى ذائقة لاتبحث عن المألوف في اللغة والصورة والفكرة، والى ذائقة تميل الى التحليق في الفضاء الشعري أكثر من ميلها الى الرغبة السهلة في ألتقاط المعاني والدلالات في النص الشعري. وأظن أن (الناصري) تمكن من خلق خطبة شعرية مميزة، ونعتقد بأنه سيخلق مستقبلا معه ذائقة جديدة تناسب الزاوية التي أنطلق منها في كتابة (الخطبة الشعرية) وتناسب جوهر الشعر الاصيل الذي قبض عليه هذا الشاعر الملعون بقوة.
ونعتقد أيضاً بأنه حينما يبدأ الوعي الشعري لدى المتلقي (سواء كان ناقداً أو شاعراً أو قارئاً عادياً) بتقبل المنطلقات الشعرية التي أنطلق منها (نصيف الناصري) في تجربته الشعرية هذه فأنه سيتفهم هذه التجربة مثلما سيتفهم تجربة (سليم بركات) المهمة على الرغم من ميلها المفرط نحو التجريد المفتعل في العديد من منجزها، ولكنها برأينا تجربة مهمة وحقيقية ولاتخرج عن سياق الفضاء الشعري الفسيح.
نحن نرى بأن هذا الشاعر يسير بمسار اللعنات الشعرية الأصيلة كأصالة جمرة الشعر التي لاتنطفئ أبداً، ويتجه نحو خلق الهزة العنيفة في الوعي الشعري بأصرار هائل. ونعتقد أيضاً أنه بأتخاذه شكل الخطبة الشعرية (حتى وأن كان لايقصدها) قد صنع طريقاً شعرياً لايسلكه سواه نحو ينابيع الشعر الحقيقية، وذلك لفرادة تجربته الشعرية هذه وبسبب طبيعتها اللامألوفة. فميزة هذا الشاعر الملعون بأنه يعي جيداً مايكتب، ويدرك تماماً بفعل صوت ضميره الشعري الصادق أن الزمن قد فرض عليه بعد سنواته الطويلة في الكتابة الشعرية، بأن يكتب شكلاً شعرياً مهملاً وأن يطرح أسلوباً مغايراً من حيث الروحية والنكهة في الكتابة الشعرية. ونرى بأنه معني جداً بخلق فضاءات شعرية مميزة الآن وليس في أي وقت آخر. سواء كان ذلك لأسباب ذاتية خاصة به أو لأسباب موضوعية (فنية او شعرية او ثقافية او اجتماعية او سياسية أو أقتصادية) تحيط به ويدرك تماماً ضرورة التعبير عنها شعريا في الزمن الحالي.
بالطبع نحن لانقصد بأن كتابة (الخطبة الشعرية) حكراً على (نصيف الناصري)، ولكننا نرى أن هذا الشكل الشعري بحاجة (بالاضافة الى الموهبة والى الوعي الحاد بالاشياء وبالعالم حاله كحال حاجة الأشكال الشعرية الاخرى) الى رغبة شعرية واعية جدا وحقيقية تتملك الشاعر من أجل خلق طريقة خاصة جدا له في الكتابة الشعرية. طريقة أو أسلوب يجعلنا نطوف في اجوائه بحرية عالية، مثلما جعلنا (الناصري) نطوف في أجواء مجموعته الشعرية (فجر الزمان الممتد بين الوجود والماهية) بجمالية راقية. تلك الأجواء المشحونة بحرارة شعرية قل نظيرها وبلغة جامحة أشبه بالأبتهالات الشعرية والآيات الشعرية وبصور شعرية صادمة وبتساؤلات فلسفية وفكرية وحياتية مهمة.
بأختصار أن تجربة (نصيف الناصري) الشعرية الأخيرة تعد من الهزات العنيفة التي ستهز المشهد الشعري العراقي والعربي معاً ومن التجارب التي ستثبت مانطرحه الأن بشأن (الخطبة الشعرية) في الزمن القادم بقوة.
وهنا نعرض نماذج شعرية من تجربته الشعرية هذه وسنرى بوضوح أختلافها عن تجربة (سليم بركات) من حيث الجهة التي تنطلق منها في الكتابة الشعرية ولكننا سنرى أيضا أشتراكهما معا بسمات (الخطبة الشعرية) التي ذكرناها آنفاً :

أصواتُ عُطورِكِ المُحَمّلةِ بالهَذَيان
لَكِ السَّلامُ يا شَفيعةُ. يا صَيفَ اللهِ المتوسّدَ شَفاعتَهُ مابَينَ النارنجاتِ الأثيرةِ لعصياناتِ جروحِنا. لَكِ الثَمراتُ المنخفضةُ التي تفصلُ النجومَ عَن النجوم. تَنامينَ تَحتَ شَجرةِ التنهّداتِ وتتدلّى فوقَكِ شعائرُ الدَفنِ المتواطئةِ مَعَ خياناتكِ المنزلقةِ صَوبَ فجرِ الشّواهدِ العَتيقةِ لأسلافِنا العشّاق. لماذا تَترنّحُ بكِ الهاويةُ في السّنواتِ المزدحمةِ بالصّرخاتِ ؟ هَل استراحَت، اطمأنت مَعصيّتُكِ ؟ الآنَ خَمدت ظَهيرةُ تَنفساتكِ واستراحَت الأرياف. في نومكِ تَحتَ الشّجرة التي لا تَثمرُ إلاّ أكماتٍ وهدايا. تَتسلقينَ البَراكينَ المنتصبة تَحتَ أهدابِ أشواقنا وتَقودكِ الظّلالُ البَنفسجيةُ لأسرار العَرّافات. يا شَمسَ موتِنا المتلعثمة فوق وديانِ الليالي، ويا ميراثَ القرونِ المنحنيةِ والمتعاقبةِ في ليَلِ مرايا الساعاتِ العشقيّة.وَميضُ وَجهكِ الإلهيُّ يَخترقُ هاويةَ عطشِنا، وأصواتُ عطوركِ المحمّلة بالهذيانِ، تَتخطّى وتَتجاوزُ بانفتاحاتِها وتعرجاتِها بَين الأيّام المصيرَ الانسانيّ. يا أملُ، شَفيعتَنا الأخيرةَ في صحراءِ العالم.هَل يَمحو الموتُ الحبَّ ويصهرُهُ في التماثلات العموميةِ المنسجمةِ والمتحالفةِ مَع عَوسج الأيام ؟ لماذا مصابيحُ عشقِنا معلقة دائماً بَين غيابِكِ وَغيمةِ الزمان ؟

إجاباتُ الزّيزانِ العاشِقَةِ معلقةٌ ومُتَهَدهِدةٌ في المَتاهات
في شَمسِ النذور المعذبةِ وَتحتَ قَوانين اللبلابِ، في حَنانِ الرملِ للإعصار، عبرَ ضفائر
الهاوية الشاطئيةِ لجذور تثاؤباتِنا المقوِّضةِ العَتيقةِ.. مَشيتُ مَعَ مَلائكةٍ سودٍ. تَتعثَّر بي
المنحدرات، ورأيتكِ مستَيقظة تَحتَ رابيةِ جروحِ لآلئِكِ التي تسندُها الرياحُ وَنحلُ
الساعات. في التّحفظاتِ الشَّفيفة لإيمانكِ المتنزّهِ والمتموّجِ مثل أسرار الصّلصال،
في ثَباتِ الإوّزاتِ المَلاّحاتِ وحركتِها، تَحتَ شَجرةِ كَستناء قَبركِ المنعطفةِ والسَهرانةِ،
في عَجزي عن الإمساكِ بنَسمة برهان.. بَكيتُ طَويلاً لكي أطردَ مذنَّبات موتِكِ مِن شَدوِ
حَياتي وملحِها. لماذا رَحلتِ الآن وَتركتِ إجاباتِ الزّيزان العاشقةِ معلقةً ومتهدهِدةً في
المَتاهات ؟ أرضُ نعاسِنا العَليلةُ متناهيةُ العلاماتِ وإيماضةُ عينِ مالك الحزينِ تَحتَ الهلال، ونبتةُ العَسَلِ السّامةُ فوق مرتفعاتِ الأصائلِ تقولُ لنَا : لا تطردوا حَريرَ الموتِ مِن سنبلةِ جروحِكم المضاعَةِ في الهذياناتِ. هَل يَنبَغي دائماً تَثبيتُ مشاعلِ النَظراتِ الهاديةِ على وَردةِ الهاوية ؟


وهنا أيضا نماذج من تجربة الشاعر والروائي (سليم بركات) توضح مفهومنا حول (الخطبة الشعرية :


الفقمة
أنشد نشيدكَ على صخرة عالية وأجمع الريح كلّها قرب ثدييك، فأنت تفطم البحر الآن، وتهيب بالمرضعات أن (هدهدن وليدي على سريره الرملي)، فما من عويل سيعلو عويلك آن يأخذ القطيع ذكرٌ آخر، وما من أنين سيواسي الأنين آن ترى إناثك يتوسلن فحولة الغريب.
ولينشد قطيعُك الأنثوي أيضاً، نشيده، قطيعك الذي يتبع الغالبين، وليبق الرمل في زرده ويده على مقبض المياه، فبابُكَ إليه، بابُكَ المفضي الى جهةٍ أمينةٍ ككلبِ الضرير.
رذاذٌ يبللُ الجلدَ البهيَّ قبل أن ينحدر الجسد الى سلامه،،
رذاذٌ يبلل الأبدية.


مقطع من نص: الضباب المتّزن كسيَّد
إنها المشيئةُ التي تضرب الأرض بقناعها، وأنت رنين الضربة. فتموّج إذاً. تموّج منزلقاً من ورقةٍ إلى ورقةٍ، ومن لهاثٍ الى لهاثٍ، وأقضُم الأبدية بأسنانِ الخنشار.
لاتقل إن تلك الصاعقة المتدثرة بمعطفها الفرائي هي لك. لاتقل إنّ العذوبة سوطُكَ الذي تقود به جياد النبات، والنهار إوّزة شردت من حقلك الحديدي، بل ألتمس ذاكرة التفاح بكلمات الغصن، وأطلق يديك كذهب مطحون.


مقطع من نص آخر
إيه أيتها الأدراج الواهنة التي لن أطأها. إيه أيها المكانُ الذي يتسلّقُ الظهيرة كغبارٍ مفجوعٍ. إيه نَفْسي نَفْسي نَفْسي، بعصيانٍ واحدٍ، وضربةٍ واحدةٍ، ستأسرُ الهرطقةُ هذه الممرات، وسأبقى حيث يبقى الحاضرُ الخجولُ هنا، تحت القوس المشتعل بفكاهة مرصّعة جاذباً وتري لأرمي سهمَ الفضيحة، فأن أصبت ترامى المكان وديعا يسبط المواريث كطنفسٍ، وإن نبا الرّمي عدتُ إليّ بعصيان الشجر كله، والظلال كلّها، ناظراً ثانيةً إلى الأفق الذي يجمع السهام لسطوتي النبيلة.
basimalansar@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف