أحمد عكاشة يحلل شخصية المصريين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد عكاشة:أن نعلم الصغار احترام آراء الآخرين وتقديس حق الاختلاف في الرأي
نبررفسادنا بدعوى أن أجنبياً وراء ذلك
ايلاف من الإسكندرية: استضاف منتدى الحوار التابع لمكتبة الإسكندرية، مساء أمس، الدكتور أحمـد عكاشــة أستاذ الطب النفسي ورئيس الاتحاد العالمي للأطباء النفسيين. حيث تحدث في ندوة بعنوان "رؤيـة نفسيـة لأحوالنــا"، وقد أدار الندوة الدكتور قدري حفني. وقد أشار الدكتور عكاشة إلي تفاقم المشاكل والمعاناة في المجتمع المصري، ورغم ذلك لا يزال المجتمع حتى الآن عاجزا عن الاتفاق على حلول، مشيرا إلي أن أبشع ما يصيب الإنسان إحساسه بالعجز. كما أعرب عن أسفه لوجود ثقوب واسعة في الضمير العام،
الانسان والضمير
هناك من الأفراد من يتوحد مع هذا كله، وهناك من يمكنهم تكوين ضمير خاص بهم لا ينفصل عن الضمير الكلي للمجتمع، ويكون صاحب هذا الضمير الخاص قادراً على أن يتناول ما يسود مجتمعه بنظرة نقدية، إضافة وتعديلاً أو رفضا أو توكيداً، وهذه الفئة من أفراد المجتمع يتوهج ذكاؤهم وتتسع ثقافتهم بحيث يتجاوزون المتاح للآخرين من معارف. هكذا الأنبياء والفلاسفة والعلماء والمفكرون على حين تبقى الأغلبية الشعبية متوحدة مع الضمير الاجتماعي الجمعي، ذلك العنصر المؤثر في ضمائر الأفراد.
ويشكل الضمير العام في المجتمع هذا الحاجز الصلب المتين أمام ألوان الانحلال والفساد والآثام والجرائم. كما يختلف التزام الأفراد بهذا الضمير العام في المجتمع عن التزامهم أمام الخالق - سبحانه - مخافة غضب الله والعقاب في الآخرة.
يتعرض الضمير الاجتماعي العام إلى هزات وقلاقل، وعلى قدر عنفها أو بساطتها، يتبدى لنا حجم الأسف على ما اعترى هذا الضمير العام من عطب، أو ما لحق به من ثقوب أصبح ينفذ من خلالها ما لا يجوز أن يغض الضمير الاجتماعي العام الطرف عنه، بينما كان في الماضي لا يقبله ويأباه مستنكراً. فنحن جميعاً نذكر - خاصة أصحاب الأعمال المتقدمة - أن الدهشة كانت تعترينا إذا سمعنا من يحكي في استنكار أنه توجه لمرفق حكومي لقضاء مصلحة هي من حقه، فإذا الموظف - صغيراً كان أو كبيراً - يفاجئه بطلب رشوة - مادية أو عينية - حتى يقضي له مصلحته. كذلك كان من النادر أن يستجيب صاحب الحاجة لمثل هذا الابتزاز، فضلاً عن إصراره على قضاء مصلحته دون أي مقابل، وقد يحذر هذا الموظف علناً من مغبة هذا المسلك المشين.
اليوم يأتي السياق مخالفاً تماماً لما كان عليه في الماضي، فصاحب الحاجة - أي حاجة - يحكى بدهشة عن أنه ذهب لقضاء مصلحة ما، وأنه قد أجيب إلى ما أراد دون أن يطلب الموظف مقابلا عينيا أو ماديا، ، فهو حين قصد هذه المصلحة الحكومية قد وقر في نفسه أن "الدفع" أمر معتاد، وكأنه قد أصبح القاعدة، والقاعدة قد أصبحت الاستثناء.
مجتمع تعوزه القدوة
لا بد أن نعترف أن مجتمعنا الآن بات تعوزه القدوة، فالأفراد يعرفون ويسمعون الكثير عن انحرافات تؤرق ضمائرهم، بل هم يرونها تقع في أوساط ومستويات كان الأولى أن تتسم بالنزاهة، كما يشهدون أن العقاب قد يلحق بالبعض دون البعض الآخر.. الخطب في الشعائر الدينية لا تقدم للناس تفسيراً مقنعاً لما أصاب المجتمع من عطب! والحلول إما شعارات غوغائية أو غير واقعية .
الانتماء مفقود
كما أثار الدكتور عكاشة قضية الانتماء، وقال :كلنا نستشعر أن المواطن المصري قد أصبح وكأنه جزيرة منعزلة مستقلة عن الوطن، يشعر بوحدة غريبة وانكفاء على الذات دون أن يجد حلاً أو مهرباً خاصاً لمشاكله؛ الأقرباء والجيران والأصدقاء والمعارف لم يعودوا عزوة المواطن، بل باتوا إما غرباء عنه أو انقلبوا خصوماً له في بعض الأحيان... وبين الحين والحين ترتفع شعارات من قبيل "إعادة بناء المواطن المصري" و"الانتماء.. كيف يتحقق" إلى غير ذلك من الشعارات.. والذين يتحدثون عن انتماء المواطن المصري لا يهتمون كثيراً بالبحث عن دور هذا المواطن في وطنه، ولا ينادون بتدارك وتلافي الأسباب التي حدت بهذا المواطن إلى أن يصبح جزيرة منعزلة.. نحن أمام مواطن ليس له بالفعل أي دور في مجريات أمور وطنه. وما زال أصحاب نظرية أن الشعب قاصر، والحكام هم الأوصياء عليه متمسكين بنظريتهم، نشيطين في تطبيقها بكل الوسائل وفي كل ما يمس حياة المواطن؛ يريدون من المواطن أن يحتشد كلما احتاجوا إلى هذا الاحتشاد، ويلزمونه بأن يتفرق عن غيره وينصرف إلى نفسه إذا انتفت الحاجة - حاجتهم هم أيضاً - إلى احتشاده! هل قرأ أحدنا بعناية عقداً وقعه المواطن مع الدولة نظير انتفاعه بخدمة من خدماتها ودفع المقرر عليه كعقد التليفون أو الكهرباء مثلاً؟ إنها عقود إذعان بالمعنى الكامل للكلمة.. فعلى المواطن أن يذعن دائما بالدفع وألا يتوقف عن ذلك مهما كانت الأسباب، حتى ولو كانت هذه الأسباب تعطل خطه التليفوني وتوقف الخدمة!
هكذا تتنوع الخبرات المرّة لهذا المواطن المصري، إلى الحد الذي يجعله غير عابئ بشيء في الوطن بداية من حقه الانتخابي وانتهاء بحرصه على عدم الإسراف في استهلاك المياه، هذا إذا توفرت صنابير المياه في منزله أصلاً.. فإذا حدّث أحدٌ هذا المواطن عن أمر من الأمور العامة بادر محدثه على الفور "يا عم .. يعملوا اللي يعملوه .. البلد بلدهم" يقولها هذا المواطن دون أن يفسر لك من الذين جعل البلد "بلدهم"!
وقد نجد مواطناً آخر وقد اتسم بالعدوانية الشديدة على كل ما يمت للملكية العامة بصلة، يحطم أو يمزق هنا وهناك إذا لاحت له الفرصة، يتهرب من ضريبة واجبة أو يغافل محصل سيارة النقل العام، وإذا استطاع اقتلع شجرة نابتة في الشارع، أو يدهس النجيل الأخضر عمداً أو عن غير عمد! فهو لا يشعر أنه جزء من هذا الكل ولا أن له حق فيما يخربه من ملكية عامة.
صحوة الضمير العام
وقد خلص الدكتور عكاشة إلي أنه لا نجاة لنا إلا إذا جعلنا الضمير العام الشاغلً الأول لنا حتى يستقيم المجتمع كله بدلاً من الأنين والشكوى الجماعية وكأن ما يقع مثاراً للشكوى هو في مجتمع آخر، أو نتحايل على تبرير فسادنا بدعوى أن أجنبياً وراء ذلك؛ ولنتأكد أنه لو أراد لنا الغرباء هذه الشرور المستطيرة لما استطاعوا دون تعاون منا ! وأظن أن ممارستنا حتى الآن تقدم هذه المعاونة للغرباء بأحسن ما يكون الأداء، ومع ذلك فإنني أشك كثيراً في أن الغرباء مشغولون بنا إلى هذا الحد، فلو كنا شاغلهم لما تفرغوا لما يحققون كل يوم من إنجاز نكتفي نحن أمامه بالانبهار.. فهل نبدأ؟! . ومتى ؟!.
علينا أن نقطع الطريق على تلك القيادات التي تمارس غسيل المخ للشباب الضائع، وتبث الأفكار التي من شأنها إغراق هذا الشباب في غيبوبة فكرية، تصل به إلى حد التنويم الكامل والإقدام على أي شيء في سبيل هذه الأفكار، فهذا الاستفزاز الترفي في الواقع هو أحد أسباب اشتعال نيران التطرف وسط الأغلبية التي تعانى والكثيرين العاجزين عن توفير المأوى أو القوت لأنفسهم، مما يسهل مهمة قادة الأفكار المتطرفة في إقناع ضحاياهم بالاستشهاد من أجل هذه الأخطاء، والوعد بالجزاء العادل والحياة الناعمة المؤجلة إلى العالم الآخر. علينا أن نعلم الصغار احترام آراء الآخرين وتقديس حق الاختلاف في الرأي. لابد أن نغرس فيهم إدانة لكل ما يكرس القبح في الروح وأن ننشئهم على أن العمل وحده هو السبيل الوحيد إلى التقدم. إن الذي يعتبر طفله شاطراً أو فهلوياً لأنه نجح في الغش من زميله على مقاعد الدرس، لا يدرى أنه بمباركته هذه لفعلة ابنه إنما يعد للوطن رجلاً فاسد الخلق عديم الضمير، ولا يدرى أنه يسهم دون أن يدرى في أن يظل الضمير الاجتماعي العام عرضة لثقب بعد آخر يتسع يوماً بعد يوم ..