منى وفيق قاصة مغربية قادمة بقوة..!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
على مساحة مثلثة: "نعناع.. شمع.. وموت"
عبدالكريم هداد من السويد: كانت إحدى هدايا عام 2006، والجميلة بالنسبة لي، مجموعة القاصة المغربية المبدعة منى وفيق المعنونة " نعناع.. شمع.. وموت " والصادرة عام 2006 عن دار شرقيات المصرية في القاهرة. وهي مجموعة أنيقة وهادئة بألوان غلافها ( حجم متوسط القطع ) الذي صممته الفنانة " هبة حلمي " حيث فيه لمحات شفافة
إن المجموعة سارت بيّ عند قراءتها على ثلاث محاور رئيسية، حسب، ما ينبض به نسيجها الفني والتكويني والمتداخل مابين المضمون والشكل، حيث ارتكزت القاصة في سرديتها على نبض الحياة المرصودة للشخوص، ولم يستطع سوى القاصة، أن يمسك بجلبابها لتغوص في عمقهم الدفين، حيث رصدتهم القاصة منى وفيق على مساحة مثلث متساوي الزوايا، وأعادت صياغتهم بما يناسب أدواتها الفنية تخيلاً ولغة وأسلوباً.
فزاوية التكوين الأولى لهذه المساحة التي تفترشها قصص مبدعتنا هي: تلك التي تأتي تحت عنوان النعناع، وهو باعتقادي خاصية لون ونكهة رمزية في تواجده مع الإنسان، ولن يكون ومسار يومياته الغير بعيدة عن تكوينات حوارات الحياة ودفئها الممزوج والشاي الذي يملأ اكواب الشاي الأخضر مغربياً.
اما الزاوية الثانية: هي تلك التي تأتي تحت عنوان الشمع، وفيها من دلالة رمزية نحو أبعاد الكشف عن حقيقة مطمورة بدمها الحي، وإن كانت ملابسها رثة، فالشمع من دلالاته هو إنه يحترق في العتمة من أجل إستشفاف الوضوح الدلالي لتلمس الخفي من الرؤى.
اما الزاوية الثالثة: والتي تقع تحت عنوان موت،فهي دوماً نهاية الحكايا والروي في نسيج قصص منى ، حيث التقاط أحزان الصرخات، و هاوية الموت كنهاية حتمية، من خلال رائحته، تنفذ من خلال نسيج القصص، بمستويات نسبية، بمعية مشاهد الرصد الفني للحكايات المروية هنا في المجموعة.
إن هذه الأبعاد الثلاث، لمستها منذ فاتحة القصة الأولى " صاحب الظل الطويل " حيث كان السطر الأولى، يحمل التضادين أو النقيضين، الضحك - الحزن...، حيث النعناع والنهاية الموت، ويأتي ما بينهما من استشفاف ملموس، خلال جادة المسيرة نحو سعادة مبتغاة من كل البشر، وهو طريق الطموح للأنسانية جمعاء "ملء شدقيها تضحك.. متجاهلة حزناً في القلب يعشش.."ص 11. فهنا، ومن خلال هذه الجملة، تستوضح لدينا جملة من المفارقات والهواجس لأعماق الروح حيث الوحشة. إن الشخوص التي تحاول أن لا تكون لوحدها حيناً. فما اكبر الحزن، وإن كان مؤطراً بالأزهار "تشتري باقة ورد وتهديها لنفسها " ص11. إن القاصة تضع تحت وضوح الرؤية شخوص قصصها على حافة الهاوية أو قريباُ، لكن هنالك دوماً بارقات من أمل تنبع في عمق باطنية الشخصيات ذاتها، وهي تلامس الخطى وجراح النهايات الموجعة - الموت -.
وما توشحت به الأعمال القصصية هنا، بألوان ضغط خارجي، إرتسمت مزقاته في ظلال حركة الشخوص القصصية المرصودة عبر ردود أفعالها أو تعليقات الراوي.
ان الشخوص المرصودة، هي ذات انكسارات حادة ومتعبة جسدياً ، لكنها غير بعيدة عن امراض ضاغطة تعصف بمجتمعاتنا، حيث مازال التاريخ يعيد نفسه بشكل مضحك، فمرض السرطان ، ليس ذلك الذي نهش رئة الأب الجاثم في المستشفى بل هو " سرطان ارتدى ثوباً آخر ليقتل بإسم الدّين. الحلاج صُلب لأنه حلّلوا عقيدته وإيمانه على هواهم. رموه بالماركسي القذر، الذي يتيمّن بقولة نيتشة المريضة " مات الله " ص14. لكن الموت الحقيقي هو حين " يصارحها برعبه من مجرّد التفكير في الموت الحقيقيّ كالأقصاء والتهميش.تبثه حزنها الشّديد وإمتعاضها من دراسة الطبّ.. فيئن أمامها من حوادث الأغتصاب المتكرّرة للعراقيات أما م أزواجهنّ وأبنائهنّ."ص13 وما القصة الثانية من المجموعة الا " فرحاً بالموت" الذي نستشف فيها الوضوح ورؤيتنا للأبعاد الثلاث للنص عند منى وفيق، الفرح بالموت هو ذاته النعناع والنهاية، ومابينهما من سجادة النور، ضياء الشمع. حيث تلخصها مقولة " لا فونتين " إن الموت لا يباغت الحكماء لأنهم مستعدون دوماً للرحيل ". ومن أجل ان لايفوتني الإلتفات الى ان قصص منى وفيق تَصِرُ على إنّها ليست خارج حركة مجتمعات العالم الأخرى، او خارج التاريخ المتحرك، لربما يأتي ضمن سياق التوغل عند نهايات النعناع الأخضر، ويأتي ذلك من خلال التضمينات التي نثرتها منى وفيق، والتي ذكرنا بعضاً منها. أنها لعبة في المخيلة لرسم الأنسان المسحوق، الذي يدور في حلقة تيه مرّ، وقد تكرّر الأمر، في قصة موت " الرجل الرمانة ".
ومن قصص المجموعة الجميلة والشيقة في غوصها ومنولوجها الداخلي، يجد القارئ قصة " قبلة في جسد " التي من نافذتها يمكن له رؤية العالم الخارجي عبارة عن " بازارٌ يقام به مزاد علنيّ لأجساد فاتنة. " أنه عالم المسحوقين بجرافات المال، وانتهاك روح الأنسان وكرامته، حيث يهرس الفقراء بقوة يومياً. إنها قصة ذات إيقاع نزف شديد الألم، لجراح شخصيتيّ القصة، اللتان هما شكلان منتقيان بجمالية، لم تجرح عوالم الشخصيتين - من قبل الكاتبة - المنسحقتين تحت هامش حياة مجتمع يبحث عن ذاته ورغيف الخبز، ضمن عوالم عميقة، وأطر التضاد والتجاذب بين قطبي أحاسيس ومشاعر الأنسان، وما تحمله من ظلال مرادفات رمزية، عند الشهادة الأدبية، هنا تحديداً، كانت قصة " قبلة في جسد " بكل سلاستها ودفئها الانساني أعني القصة " قبلة في جسد "، لها صلاحية كاملة وقوة في أن تكون أرض ناجحة لدراما شريط سينمائي عربي.
إن قصص المبدعة منى وفيق، ضمن شخصياتها المتعددة في المستوى الثقافي لتكويناتها، والمنزلة الأجتماعية والطبقية، قد أقتصر الزمن في مشاهدها على ماضٍ قريب، من خلال ما يرويه لنا الراوي أو منلوجات الشخصيات المتحدثة في السياق المبني للقصص، ويبقى المكان لدينا واضحا بعبقه المغربي. وهذا ما نلحظه في قصة " نعناع.. شمع.. موت.." التي استنهضت على قامة العم شمعدان، بائع النعناع والشمع الملون، الذي غادر وهاجر الجميع، بعد أن اوصى الجميع بما فيهم نحن القراء " لا تلعنوا الظلام انسو النعناع الأخضر، لا تبحثوا عن شمع. " ص 61.
لقد قدمت لنا منى وفيق قصصاً تفيض بالحياة والصراع الداخلي ، عبر هواجس انسانية لوجوه غير ملفتة النظر، حيث مررنا بها مسرعين، دون ان نلتقط منها شيئاً ما، كما اقتنصتها المبدعة منى وفيق، عبر لغة أدبية شفافة، إقتربت بها من روح الشعر، خلال نسيج قصص المجموعة. وقد اثبتت منى شاعريتها حين كتبت الشعر.
منى وفيق قاصة مغربية قادمة بقوة.