عالم الأدب

إختلاس الاكثر مبيعاً في الشروق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إختلاس.. من الكتب الاكثر مبيعاً في الشروق
الرواية السعودية تفرض ذاتها على المشهد الادبي العربي

سلوى اللوباني من القاهرة: أتت رواية اختلاس للكاتب الصحفي "هاني نقشبندي" ضمن قائمة الكتب الاكثر مبيعاً في مكتبة دار الشروق الى جانب العديد من الروايات العربية والمصرية. إضافة الى وجودها ضمن قائمة الاصدارات الجديدة لموقع "أدب وفن" بعد أن تصدرت لفترة طويلة المرتبة الاولى في قائمة الكتب الاكثر مبيعاً على موقع "النيل والفرات". لاقت رواية اختلاس الصادرة عن دار الساقي في يناير 2007 إقبالاً وإستحساناً من النقاد والقراء. فقد نفذت بطبعتها الاولى من الاسواق بعد مرور ما يقرب 3 أشهر على صدورها. وقد وقع الكاتب نسخاً من روايته في معرض الشارقة الدولي للكتاب إضافة الى مشاركة الرواية بمعرض القاهرة الاخير ونفذت من الاسواق خلال يومين من إفتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب وقد بيعت 500 نسخة منها في المعرض. هي الرواية الاولى للكاتب وهي قصة حقيقية ورمزية في آن واحد. ومعظم أحداثها واقعية حدثت في أجواء صحفية عاش فيها الكاتب. تعددت وتنوعت آراء النقاد حول الرواية إلا انها تتفق على أن رواية إختلاس رواية تثير الاهتمام وتشد القارئ حتى النهاية ومن الاعمال الادبية التي تسهم في مجملها الى تطور المجتمع وتدفعه وتحرضه الى الدخول ولو عنوة الى بوابة قرن نعيشه لا قرن عاشه أسلافنا. فكما ذكر الناقد المغربي "يحي بن الوليد" إن الرواية السعودية الجديدة تفرض ذاتها على المشهد الادبي العربي لأن وراءها جيل جديد مغاير ومتمرد في مواجهة التابوهات من أجل الاسهام في صياغة المعنى الاجمالي لمرحلة الرواية الجديدة.. إضافة الى معالجة موضوع المرأة بنوع من الجرأة غير المعهودة في الادب السعودي. مثل "ملامح" لزينب حفني و"الأوبة" لوردة عبد الملك و"الآخرون" لصبا الحرز" و"إختلاس" لهاني نقشبندي.. الا أن ما ميز رواية نقشبندي هو أنها منطلقة من صوت ووجهة نظر ذكورية وليست نسائية. وهو ما أشار اليه أيضاً الناقد المصري "عبد الفتاح صبري" في دراسته النقدية للرواية "اللافت أن الرواية تأتي كتابتها من رجل، أي ممن يمثلون السلطة الذكورية في المجتمع، فهل هو انتصار للمرأة، أم تدجين بطريقة جديدة ومحاولة المراوغة للسيطرة والاستمرار فيها". وعلى الجانب الآخر لم يكن نصيب الرواية مقتصراً على النقد البناء فقط، بل نالت أيضاً الكثير من الاحكام المسبقة إضافة الى إتهامها بأنها تشوه المجتمع السعودي. كما أن بعض الاصوات الناقدة اعتبرت إختلاس مجرد رواية تسجيلية ذات بعد مجتمعي لكنه فردي أكثر مما هي عمل فني يحمل دلالات تأويلية.

الجانب الاجتماعي
ليس بالضرورة أن يتشابه نص أدبي مع نص آخر حتى نقر بأن الرواية نجحت أو انها رواية مميزة. فالقيمة الحقيقية لاي عمل روائي تكمن في النص ذاته.. فمعظم الافكار تتشابه من حيث الشخوص والاحداث في معظم الروايات إلا أن طريقة تركيب الحوار واستخدام اللغة وآراء الكاتب الشخصية تلعب دوراً في تميز نص عن آخر. إضافة الى أن كل قارئ لديه تأويلات معينة من مخزونه الاجتماعي والنفسي لكل ما يقرأه وكذلك كل ناقد لديه رؤية محددة وخاصة في نقده للعمل الادبي. لذلك تم تناول الراوية بطرق مختلفة في العديد من المقالات الى جانب آراء النقاد أثناء مناقشتها في اتحاد كتاب الامارات واتحاد كتاب المغرب من عدة نواحي منها الجانب الاجتماعي للرواية وتقنيات السرد والشخوص والاماكن. فعلى سبيل المثال أشار الناقد "عبد الفتاح صبري" أن اختلاس تعد من الأعمال ذات الدلالات النافذة في الوعي المسكوت عنه في الثقافة العربية عامة والسعودية خاصة، وبالتالي فإنها تنضم إلى مجموعة من الروايات التي باتت في الآونة الأخيرة تكشف عن المساحة المخفية بكل علائقها الإنسانية التي تشكل في محملها ثقافة ما نمت السطح أو الثقافة السرية. أما د. "السيد سعود العاصي" يرى أن أهمية الرواية تكمن في مدى صراحتها في كشف حال معظم رجال المكاتب المهمة في عواصم العالم الذين يتحدثون بشيء ويفعلون نقيضه وبدم بارد. ويقول "أتمنى أن يقرأها كل صاحب قلم يتفنن في مثاليته ويخفي الذئب أو الثعلب او قل ما أردت تحت الجلد ولا يظهر إلا في الخفاء. شخصية هشام استطاعت بعد صدمة الأندلسية الجميلة ورسائل سارة أن تفيق وتعترف بالحقيقة وتعتذر عن إكمال حياة الزيف والكذب. فهل يفعل الآخرون"؟ كما يرى الناقد "يحي بن الوليد" أن هاني نقشبندي الرواية تعكس واقع المجتمع السعودي الهجين بثقافته وعاداته التي تضع المرأة داخل مربعات التهميش، وتحرمها من حقوقها الاساسية. اضافة الى أن الرواية تعيد الى القارئ المتعة السردية باسلوبها الجميل ولغتها السلسة المعبرة وأحداثها المتلاحقة والمشوقة. وقالت الناقدة اللبنانية "مي باسيل" بأن الرواية تتميز بالتحليل الذي ينقله المؤلف على لسان أبطاله، ليفهم سبب مشكلات المجتمع، وهي مشكلات قد تتشابه في أكثر من بلد عربي أو شرقي. وبفضل السياق العفوي المدروس الذي تتبعه الرواية، لن يحس القارئ وَهَنَاً، ويوصل المؤلف رسالته تدريجاً، شارحاً أن الفرق ليس بين النساء، ولا بين الرجال، بل في البيئة وظروف المجتمع التي تجعل امرأة خاضعة، ترضى بأي سلوك يسلكه معها الرجل، وأخرى رافضة ترد عليه بالهجر والانفصال. وهو ما ليس متاحاً في مجتمع منغلق، كل ما فيه نوع من إختلاس، ومن هنا عنوان الرواية.

السرد الادبي
أما عن تقنيات السرد في الرواية فقال الناقد الفلسطيني"محمد السمهوري" رصد هذا العمل الادبي المشغول بطريقة تسجل لكاتبها انه استطاع أن يكتب روايتين في رواية واحدة، سياقين في جسد واحد. فقد استعرضت الرواية شخصية بطلها بكل ما فيها من تناقضات واختلافات وأكاذيب وصدق، وقصة كل النساء عبر امرأة واحدة هي سارة الشخصية الرئيسية التي حاولت أن تعبر عن نفسها من خلال رسائلها الي رئيس التحرير هشام المقيم في لندن وسط ضبابه الشخصي. أما تكنيك المراسلة الذي استخدمه الكاتب في روايته فاشار اليه الناقد "عبد الفتاح صبري" بأنه ولد حواراً بين هشام كرئيس تحرير لمجلة، وسارة كمشاركة في بريد القراء، وعلى ذلك نشأت علاقة بين المكانين، وهو أيضاً ما أشارت اليه الكاتبة السعودية "ريم الصالح" في مقال عن الرواية أنه من خلال تكنيك المراسلة سرد الكاتب الاحداث والتفاصيل بأوضح وأبسط طريقة ممكنة.. "فالرواية تقوم على حكايتين حكاية سارة التي تعيش في السعودية وحكاية هشام الذي يعيش في لندن دون أن يكون هناك أي لقاء بينهما". وعن العلاقة بين المرأة والرجل في الرواية يقول الناقد "يحي بن الوليد" بأن الرواية لا تنطوي على أي نوع من الوصف للعملية الجنسية ذاتها، فالكاتب حريص على أن ينأى بالرواية عن الإثارة. ويظهر أن البطل، وعلى الرغم من مسلكياته التي تبدو ذات بعد شخصي حر، فإنه، في تصورنا، مفعول نسق أو خطاب. بكلام آخر إنه تجسيد للشرق ذاته أو بالأحرى لثقافة الشرق رغم أنه ليس على اطلاع على تراث هذه الثقافة كما اتضح في أثناء تعامله مع الطالبة الإسبانية التي كانت تعد أطروحة حول الموضوع نفسه. وعن التعدد الحواري داخل الرواية قال الناقد المغربي "حسن اليملاحي" أن الحوارية بين الرواية ونصوص أخرى موازية، شعر، قصة، رسائل، مقولات... هي حوارية تفاعلية تقابلية ثقافية تطرح نفسها داخل البناء العام للرواية من دون أن تنال منه". وعن سياق السرد القصصي الذي يعتمد سلاح التشويق قال الكاتب السوري "حيان نيوف" أن الكاتب نجح في تحريض القارئ على القراءة بشغف عميق، فتبرز شخصية سيدة سعودية تدعى "سارة"، والتي تعيش البؤس والتعاسة مع زوجها "خالد". خالد لا يعرف من جمالها وحقوقها كامرأة حسناء ومثقفة سوى بضع دقائق على الفراش يمضيها كما لو كان في حلبة مصارعة، وليس في علاقة زوجية حميمية. وسارة مثلها مثل صديقاتها تفكر بالطلاق والتخلص من هذا الزوج خالد. نقرأ تارة عن سارة وأشيائها وغرفة نومها وتفاصيل علاقتها بزوجها وكلام عن الفلسفة والدين والشعر، وفجأة ينقطع السرد ليبدأ بقصة أخرى هي قصة هشام رئيس تحرير المجلة النسائية التي تصدر في لندن، فيندفع القارئ لقراءة حكاية هشام حتى يعود مسرعاً ويعرف ماذا جرى مع سارة. وهكذا دواليك في حلقة سردية حلزونية. وهو ما أكد عليه أيضاً "يحي بن الوليد" في قراءته النقدية للرواية بأن أول ما يلفت الانتباه هو تقنية المونتاج الموازي السينمائية التي تبرز من خلال الانتقال من سارة إلى هشام أو العكس ومن خلال التنقل بين شخصيات أخرى داخل الإطار السردي القائم، على مستوى الزمن السردي، على التناوب. كما أشار الى أن النص قائم على ذلك النوع من السارد الاله. وعن اللغة التي انتهجها الكاتب قال هي لغة لا تخلو من أسلبة وتهجين وتكسير، لكن دون أن يؤثر ذلك على بعض مظاهر النقاء اللغوي الذي لا يحالف دائماً العديد من الكتاب الجدد. وعلى مستوى آخر فالرواية لا تخلو من بعض مظاهر السيرة الذاتية التي تهيمن داخل الرواية السعودية الجديدة عامة، عكس روايات الأجيال غير أن هذه الهيمنة لا تنطوي أبداً على دلالات سالبة.

الشخصيات والاماكن
وبالنسبة لبنية المكان قال الناقد "عبد الفتاح صبري" أن الكاتب قسمه الى مكانين مستقلين الأول في السعودية دون أن يحدد المدينة. ومن سمات هذا المكان انه قامع للمرأة لأن المفاهيم الحاكمة لها نظرة خاصة تجاه المرأة فهي في التراتبية الاجتماعية دون الرجل. والمكان الثاني حددته الرواية تحديداً واضحاً، مدينة لندن، وسترى في المكان تشكيلة من شخصيات ينتمون لعدة دول ولديانات مختلفة.. وهذه السمات أعطت لبطل الرواية "هشام" حرية بناء علاقات متنوعة، وحرية البوح والاختلاء والسهر والتعرف على النساء.. لكن الرواية لم ترصد حالة واحدة لعلاقات جنسية، رغم أن ذلك مباحاً في قيم المكان. أما شخصيات الرواية فقالت عنها "مي باسيل" قد تكـــون إيزابيل بطلة ثانية فـي الرواية تشبه سارة بنقاط كثيرة، وقد تقصد الكاتب ذلك، ولا عجب في أن تكون دخلت حياة هشام بالتزامن مع رسائل سارة. سارة وايزابيل تأتيان من حضارتين مختلفتين ومن دينين مختلفين لكن كلاً منهما متدينة بلا تعصب، وقوية وذكية، وكلتاهما لا تتبع الغريزة بانقياد بل تبحث عن مُحاور في الرجل وعن تواصل عاطفي وفكري لتقاربه. وبفضل إيزابيل وسارة تسقط الأقنعة وتظهر الخديعة، خديعة أن الرجل الشرقي ولو عاش في أوروبا واحتك بالغرب، فإنه يبقى على موروثه الثقافي والتقليدي نفسه. وثقافته لا تعينه على تخطي الموانع كما تلقاها في صغره. فلا يتفاعل مع ذلك المجتمع، ولا يأخذ منه في المعنى الفكري وفي معنى التعرف الى الآخر، ويكتفي منه بالنساء. ما يفرق بين ايزابيل وسارة وهو جزء من أزمة المرأة الشرقية المترفة أن فراغ حياتها وغياب الزوج المتواصل يجعلانها هشة أمام الحرمان الجسدي ويتركان همومها منصرفة اليه، لأن لا شاغل آخر يشغلها، وهي ممنوعة من العمل والتحرك خارجاً بحرية. هكذا يكون الاختلاس من غياب الحرية. ونختم بقول الناقد "يحي بن الوليد" بأننا كلنا سارة وخالد كما جاء في نص الرواية ذاته... ومن هذه الناحية يمكن التعاطف مع الشخصيتين معاً، وخصوصاً شخصية هشام التي يمكن أن نقسو عليها في القراءة الأولى.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف