عالم الأدب

دالي في معرض في برلين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

"الملاك السريالي يجلب الغبطةإلى الأرض"

مازن الراوي من برلين: أحد أهم المعارض التي تقام حاليًا في برلين هو معرض "سلفادور دالي" الذي إفتتحَ في السادس عشر من كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي ويستمر حتى الثاني عشر من نيسان (أبريل)هذا العام، بعد أن دفع الإقبال الشديد المنظمين إلى تمديد عرضه. ويستقبل المعرض ليس فقط الزوار من ألمانيا بل أيضًا من البلدان الأوربية لفرادته وأهميته، خاصة أنه معرض معني بالسريالية وبأحد أهم ممثليها. ولد سلفادور دالي في الحادي عشر من مايس في العام 1904 قطالانيا، ويعتبر نفسه أكبر عبقرية ظهرت في القرن العشرين.
يقول د. كريستيان هانكه أحد المعنيين بتنظيم المعرض المقام في "سيتي كوارتيرـ دوم اكواري" المتاخم لجزيرة المتاحف: "من يريد أن يستمتع يجب عليه أن يستثار". هذا هو المحرك الأساسي لسلفادور دالي الذي كان يحرض الآخرين ويستثيرهم بنمط حياته وكذلك بلوحاته وأعماله، كان في كلا المجالين عبقريًا مختلفًا عن الآخرين وعظيمًا في تقديم نفسه وتحقيق أفكاره. وقبل كل شيء كان واحدًا من أعظم فناني القرن المنصرم الذي ترك تراثًا فنيًا ضخمًا ومتميزًا، تفتخر بها المتاحف. لم تقف أمام دالي الذي إمتلأ بتدفق فني أي حواجز ليحقق حلمه ويتمثل حياته. إستحوذت عليه أعماله دون أن يطرح على نفسه أسئلة كثيرة. كان دالي متعدد المواهب لم يحصر نفسه في الرسم بل تجاوزه إلى التخطيط والتصميم والكتابة وعمل الأفلام والنحت وإنجاز مختلف التكوينات. إنها مناسبة للتعرف إلى هذا الفنان الذي جعل الحياة غنية بالسريالية.
يختلف معرض دالي المقام حاليًا في برلين عن معارضه السابقة، ليس بعرض عدد كبير من أعماله فقط، وإنما بتوليفة حيوية لأعمال يراد بها تجسيد دالي من خلال تعدد وجوهه وأنشطته وإنشغالاته بمختلف المجالات. أي إن المعرض المقام حاليًا يتيح في المجال، أبعد من إنجازاته الفنية، الإحاطة بحياته وتقديم الكثير من الإنجازات والمشاريع المتعددة الجوانب في حياته الفنية، خاصة الأعمال المبكرة وبعض المشاريع التي إنشغل بها والتي إعتبرت أعمالاً سريالية ولكن غير منجزة، أو هي بعيدة عن أعماله الفنية الخالصة. وبهذا فإن المعرض يُقّربُ للمشاهد حياة دالي المنشغلة كليًا منذ بداياته بالرؤية السريالية التي طبعت كافة أعماله ومشاريعه وحياته، مؤمنًا بقناعة تامة أن يكون نفسه ويكرسها لتلك الرؤية المحمومة.
كتب سلفادور دالي في العام 1935 في نص منشور بعنوان " غزو اللاعقلانية" يقول: "في الحقيقة إنني لا أعي في اللحظة التي أرسم فيها لوحتي ما لذي سأقوم به، ولكن هذا لا يعني أن اللوحات التي أنجزها خالية من المعنى، بل على العكس هي عميقة جدًا ومعقدة، ملتحمة ومتماسكة منطقيًا، بحيث يمكن أن يحدسها ويفهمها بالبديهة أي تحليل منطقي بسيط".
"السريالية للجميع" هذا ما كان يطرحه دالي ويريده للآخرين. كان ممسوساً بها ممتثلاً لها، يريد أن يغتبط الآخرون بهذا العالم الأكثر رحابة. هذا ما أراد المشرفون على المعرض أن يحققوه، و في هذا الإطار يُعرض الآن 300 نموذج من أعماله وعن حياته في مساحة 1600 متر مربع في قلب برلين. وبذلك يقدم دالي نفسه للمشاهد كفنان عظيم عبر أعماله الفنية المتحققة بكافة أشكال التقنية التي إستخدمها، إلى جانب عرض حياته اليومية وإنشغالا ته المختلفة التي يعتبرها جميعًا سيرة فنية متكاملة.
سلفادور دالي ـ أحد أهم عمالقة الحداثة في الفن التشكيلي، عَبّرَ بطريقته المتفردة عن نفسه، وعن أعماله على نحو خاص، أكثر من أي فنان آخر عاصره. وإذا كانت رؤيته السريالية منطلقًا أساسيًا في الإبداع الفني فقد منح نفسه كليًا لهذه الرؤية، بحيث تمثلها في حياته تمثلاً كاملاً تجسدت في شخصيته وفي سلوكه وفي كل ما إحتواه من أنشطة متعددة. وعلى خلاف العديد من الفنانين السرياليين تجاوز دالي تكريس قماشة اللوحة ومادة النحت في عمله ليحقق رؤيته السريالية في أعمال وأنشطة مختلفة ومتعددة، في السلوك وفي السينما وفي التصاميم وفي كافة المجالات التي تبرز في الفنون وفي الحياة، كأنما أراد أن يقول إن الحياة برمتها ينبغي أن تكون متمثلة برؤية سريالية نعيشها فيما تتحدد مختلف أنماط الفنون والثقافة، هذه الرؤية هي التي تمنح الحياة غنى، وبها تتجاوز محدوديتها لنمضي إلى عالم أكثر ثراء.
يقدم المعرض أعمالاً تخطيطية، و تصاميم كتب مصورة، ووثائق، ومشاريع أعمال وإنجازات غرافيكية، وحزمة من ملفات متكاملة في شئون عدة قام بتنفيذها، فضلا عن أعمال مجسمة بأبعاد ثلاثة، وتماثيل أخرى مركبة ومتعددة الأجزاء. ويحتوي المعرض أيضًا على سلسلة من الأفلام التي ظهر فيها دالي، تقدم الأعمال الليثوغرافية الأولى " دون كيخوتة"، وكذلك تقدم أجمل أعماله التي من بينها "تريستان وإيزولدا" وسلسلة إنجازات عن "الكوميديا الإلهية" لدانتي، إضافة إلى أهم أعماله النحتية مثل"ملاك سريالي" الذي أراد به دالي أن يكون "الإله السريالي" الذي يحمل رسالة الفرح والغبطة السريالية للبشر على الأرض.
وهكذا يقدم المعرض للمشاهد إمكانية إستثنائية بأن يكتشف مجددًا سلفادور دالي وعالمه السريالي الغني كجزء من أكثر المدارس الفنية التي أحدثت تأثيرًا عميقًا في الفن وفي الأدب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف