جائزة زايد للكتاب العربي: طعنة فوقها إهانة لا يستحقها الناشر العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الوهاب الكيالي من عمان: صدر أخيراً قرار rdquo;جائزة زايد للكتاب العربيldquo; الذي منح جوائز لعدد من الكتاب المتميزين لأعمالهم الحديثة في مجالات الآداب، والفنون، وأدب الأطفال، والتنمية وبناء الدولة. ونال الأساتذة الكتّاب هذه الجوائز عن جدارة واستحقاق تام. فالأستاذ واسيني الأعرج، الذي حاز على جائزة الآداب عن روايته rdquo; كتاب الأمير- مسالك أبواب الحديد ldquo; (دار الآداب، بيروت، 2005) روائي مهم ليس فقط على الصعيد العربي بل على الصعيد العالمي، كذلك بالنسبة للأستاذ الدكتور ثروت عكاشة، الذي حاز على جائزة الفنون عن كتابه rdquo;الفن الهنديldquo; (دار الشروق، القاهرة، 2005).
ومن المثير للاستغراب الشديد أن تقرر rdquo;الجائزةldquo; التي تأسست بدعم ورعاية هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، تخصيص جائزة rdquo;للمساهمة في تشجيع النشر العربي وحث الناشرين على تقديم كل ما يساهم في الارتقاء بالعقل العربي ويرفد الثقافة العربية، بما هو جديد ومميز ومواكب لقضايا العصرldquo;، ثم تُحجب الجائزة عن صناعة النشر العربية بكاملها rdquo;لأن الدور المرشحة لم تحقق الشروط المأمولة في الرقي بالمستوى الفكري والتقني للنشر في الوطن العربيldquo;.
كيف يستطيع المقررون منح الجوائز لعدد من الأعمال الأدبية والفكرية المتميزة ثم يحجبون الجائزة عن صناعة النشر التي قدمت للقارئ العربي هذه الأعمال؟ هل فكّر بعض المقررين جيداً بعواقب قرارهم على صناعة النشر العربية؟ هل يُعقل أن يحجب بعض المقررين الجائزة عن 43 ناشراً ويتهمونهم كلهم بعدم تحقيق الشروط المأمولة؟ ما هي هذه الشروط؟ إن موقع الجائزة في الإنترنت ينص على أن جائزة النشر تمنح للدار التي rdquo;تجمع بين مراعاة الكم والكيف في إصدار الكتب المنوعة في مختلف المجالات، مع مراعاة شروط الجودة في الطباعة والاتقان في الإخراج وأداء حقوق الملكية الفكرية والتقدم في صناعة الكتاب وآليات تسويقهldquo;
نحن أول من يقرّ بأن بعض الناشرين يعاني من نقائص عدّة لكن يجب أن نكون عادلين ونعترف بصعوبة تقييم مستوى حرفية صناعة النشر دون الأخذ في الاعتبار التخشّب الفكري والجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه العالم العربي. وهناك مشكلة أخرى أود عرضها على هؤلاء المقررين في الصحافة لأنهم لم يتيحوا لنا مناقشة قرارهم: إنّ حرية التعبير عن الرأي والنشر ليست واحدة في كل الدولة العربية فهناك اختلاف كبير بين دولة وأخرى، ولا تعرف الصناعة في معظم الأحايين ما هي المعايير التي تعتمدها الدول العربية لذا يؤدي هذا إلى تعقيد توزيع الكتاب وصعوبة وضعه بيد القارئ العربي في بلاد العرب قاطبة. إن مسؤولية الارتقاء بصناعة النشر العربية واجب كل غيور على اللغة العربية والإبداع العربي. ولا يمكن مساعدة صناعة النشر على تلافي أخطائها والارتقاء بمهنيتها ما لم نكن إيجابيين في الطرح والمعالجة. أين هي الايجابية في استنتاج بعض المقررين أن صناعة النشر العربية بأسرها لا تستأهل حتى عرض الأخطاء التي يعتقدون أن الصناعة تعاني منها؟ إن لم تكن هذه سلبية، بل قمة في السلبية، فلا نعرف ما هي السلبية الحقة.
ومن الطبيعي وجود تفاوت بين دور النشر في الجودة والتزام المستوفيات فهذه الصناعة جزء من المحيط وتعكس تفاوت الجودة في العالم العربي. والدار التي تحرص على حقوق الملكية الفكرية ربما كانت أقل حرصآً على آليات تسويق الكتاب، والدار التي ربما كانت تحرص على جودة الطباعة قد تكون أقل حرصاً على إنتقاء منشوراتها، وهكذا. لكن يصعب على المرء التخيل بأن 43 متقدماً لهذه الجائزة لم يستوفوا هذه الشروط ولو بشكل مقبول في جميع فروعها. لا بد من وجود من يتقن صناعة النشر في العالم العربي، فبعض دور النشر ناشط منذ 50 عاماً ومجرد استمرارها كل هذه المدة إنجاز كبير في ظل التعتيم الثقافي الذي يعاني منه العالم العربي. بعض دور النشر التي لم يعتبرها بعض المقررين مستوفية للشروط الاعتباطية التي اقترحوها تزيد قيمة مبيعاتها السنوية على ملايين الدولارات فألا يُعتبر هذا الإنجاز rdquo;تقدماً في صناعة الكتاب وآليات تسويقهldquo;؟ هذه أرقام ليست بسيطة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار تردي الوضع المعاشي لمعظم الأسر العربية التي لا تستطيع إقتناء الكتب بالصورة المطلوبة، وتفشي الأمية والبطالة وسلبيات كثيرة أخرى تحتويها تقارير التنمية التي صدرت عن منظمات الأمم المتحدة.
لقد أخذت الجائزة على عاتقها هدفاً نبيلاً هو تشجيع الكاتب العربي والمفكر العربي والباحث العربي ، ثم طعن بعض المقررين صناعة النشر في الظهر لأنهم تجاهلوا حقيقة بسيطة ، هي أن طعن الصناعة ما هي حقيقة إلا طعنة في ظهر الكاتب والمفكر والباحث. كيف يستطيع هؤلاء نشر كتبهم من دون دور النشر؟ هل يعرف بعض المقررين الصعوبات الكبيرة التي تواجه هذه الصناعة؟ هل يعرفون ما هي الضغوط التي يتعرض لها الناشرون على مستويات عدّة؟ لا اتحدث باسم صناعة النشر ، لكن يجب أن يعرف بعض هؤلاء المقررين أنه لولا حرفية ناشرين كثيرين لما حقق الكتاب العربي الأهمية التي يتمتع بها الآن، ولولا تشجيعهم لما انتج الكتّاب مؤلفاتهم المتميزة.
إن لم يشجع الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للثقافة والتراث صناعة النشر العربية عبر جائزة خاصة بالفكر والابداع والنشر العربي فمهة rdquo;الجائزةldquo; ناقصة. ولو كانت جائزة النشر حُجبت في الأصل لكان أفضل بكثير من تقريرها ثم حجبها عن الناشرين كافة ، فالتجاهل أقل ألماً من هذه الإهانة التي لا يمكن تسويغها، بل لا يمكن قبولها مطلقاً. أن موقف بعض المقررين صفعة جماعية لدور النشر ، واستخفاف بجهدها في تعزيز الثقافة العربية ، وإيصال الكتاب إلى القارئ العربي في كل مكان تستطيع الوصول إليه.
هل فكّر بعض هؤلاء المقررين بوقع قرارهم على جهد الناشرين العرب لدفع الكتاب العربي نحو العالمية؟ هناك ناشرون كثيرون في العالم العربي يتعاملون مع ناشرين دوليين. يجب على المؤسسات المعنية بالثقافة والفكر والتشجيع والتحفيز أن تساعد الناشرين في فتح أبواب العالمية أمام الكتاب العربي والمفكرين العرب ، لأن الارتقاء بالفكر العربي والابداع ارتقاء لكل العرب وإبراز لتميز الحضارتين العربية والاسلامية. ما هي المساعدة التي قدمها بعض مقرري الجائزة للناشرين بعد اتهامهم بأنهم لا يعرفون شيئاً عن نشر الكتب؟ ليس الحديث هنا عن دار نشر معينة ، لكن أليست هذه بالضبط هي رسالة هؤلاء المقررين إلى الناشرين العالميين الذين تتعامل صناعة النشر العربية معهم؟ هل هذه حقاً الرسالة التي تود الجائزة نقلها عن حركة النشر العربي للعالم؟ إن كان تحفيز الناشر وتشجيعه سيتم بالاستخفاف به وبعمله وجهده ورسالته فالأفضل إلغاء جائزة النشر العربية لأن التجاهل أفضل من الإهانة.