عالم الأدب

قراءة علامات السماء في عصر النهضة الأوروبية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ماريا تاوسيت ترجمة فخري الوصيف: حظي علم النجوم بشعبية هائلة خلال عصر النهضة الأوروبية رغم أن ذلك كان تحديدا حينما أصبح محلا للشك من قـِبـَل بعض الأعلام المتفرقين، الذين قرروا التمرد على جزء كبير من الأساطير الموروثة من العصور الوسطى. ففي منتصف القرن الرابع عشر بينما كان الطاعون المرعب ينتشر في بادوا PADUA صرخ فرنسيسكو بتراركه ممهدا لجدال قد وصل إلى أيامنا هذه : "اتركوا طريق الحقيقة والحياة مفتوحا، [hellip;] كرات النار لا تستطيع أن تكون مرشدات، النفوس الفاضلة المطمئنة إلى مصيرها السامي تتلقى الإشراق من نور داخلي أكثر بهاء. ومادمنا مـُشرقين بهذا الشعاع فلسنا بحاجة إلى منجمين دجالين ولا إلى متنبئين مهرجين، ينظفون خزائن مريديهم، المصدقين لهم، من الذهب، ويملأون آذانهم بخزعبلات، يشلون العقل بأكاذيب، ويعكرون صفو الحياة الراهنة، ويبعثون الحزن بمخاوف باطلة من المستقبل". مع ذلك، وبعد تقريبا سبعمائة عام، فإن الاعتقاد في قدرة النجوم على المصير الفردي ما يزال قائما بالنسبة لكثيرين. إلى ماذا تعزو جاذبية الإنسان هذه التي لا شك فيها على مدى التاريخ إلى "علم السماء" المعروف اصطلاحا باسم علم النجوم؟

النجوم والبشر
رغم أنه في الوقت الحالي نميل إلى التسليم بأن علم النجوم هو بمثابة تقـانـة تكهنية أخرى، فإنه لا يجب أن يعزب عن البال أن هذا العلم ولد كشكل معرفي كان يتطلع إلى تقديم شرحا موحدا لكل ما هو موجود. بهذا المعنى أصبح العلم يمثل ما هو كوني، من حركة الرياح والمد والجزر، وتشكـُّل المعادن أو حياة النباتات والحيوانات، إلى نشاط العقل البشري الذي يحدِّد العواطف والسلوك على السواء.
والفكرة التي كانت تعتمد عليها تلك المعرفة هو التناظر المفترض أو المقابلة بين السماء والأرض. فحسب الصيغة الشهيرة المتضمنة في الجدول الزمردي المنسوب إلى الحكيم والكيميائي الأسطوري المصري هرميس مثلث العظمة : "ما هو فوق يكون كأنه تحت، وما هو تحت يكون كأنه فوق". على هذا النحو تحولت السماء إلى كتاب مفتوح والنجوم التي تسكنها إلى علامات وإشارات تعكس العالم الأرضي.
حمل اعتقاد علم النجوم في "الجاذبية الكونية"، المفهومة باعتبارها صلة توافقية بين شتى أجزاء الكون، حمل على النظر إلى النجوم كنماذج لكل ما هو مخلوق. هذه الأجسام السماوية تحتوي على السمات العامة للأنواع المتنوعة من العالم الطبيعي، بحيث أن ملاحظتها التفصيلية يمكن أن يتفرع عنها حكمة تطبيقية ليس فقط فيما يخص الظواهر الخارجية ولكن أيضا على نفسية كل فرد.
هكذا قدمت النجامة معنى سواء للعالم (الكون الأكبر) أو للإنسان (الكون الأصغر)، هذا صورة ومرآة لذلك، فكل كائن بشري مفهوم كعالم صغير يحتوي في داخله على توازن الخلق، حتى من وجهة النظر التشريحية. حسب هذا الافتراض، ليس مستغربا أن فلافيو ميتريدات FLAVIO MITRIDATE، منجم الدوق فدريكو دِ مونتفلترو FEDERICO DE MONTEFELTRO، يدافع عن علم النجوم باعتباره "العلم الإلهي الذي يجعل البشر سعداء ويزين لهم أنهم بمثابة آلهة بين الفانيين".
كل هذه المثالية المتفائلة، التوهم باستطاعة حكم العالم الفسيح بتناغم مع الإرادة الإلهية بواسطة دراسة القبة الزرقاء، كانت مع ذلك تحتوي على تناقض وضعه مفكرو النزعة الإنسانية على المحك أكثر من مرة طوال عصر النهضة. إن كانت الشخصية تعتمد على وضع النجوم لحظة الميلاد، وإن كانت الأعمال البشرية مشروطة بالتأثيرات السماوية، إذن، إلى أي مدى يمكن التحدث عن الإرادة الحرة؟ وإلى أي قدْر تصبح واطئة ِرفعة الفرد وقدرته على القرار ؟

مكتوب في النجوم
إحدى الصعوبات الأساسية في ثقافة عصر النهضة الجديدة كانت تكمن بالتحديد في هذا التناقض : العلم لا يمكن أن يكون صحيحا دون طبيعة محكومة بقوانين مـُحـْكمة، ولكن إن وجدت قوانين طبيعية عامـّة وضرورية، فكيف يكون ممكنا وجود نشاط بشري حر وخلاق؟ إن كان كل شيء مكتوبا من قبل في السماء، فما هو المغزى الذي يمكن أن يكون لعمل الإنسان؟
حاولت الكنيسة الكاثوليكية حل المعضلة مؤكدة أن الجسد فقط يخضع لتأثير القدر والظواهر السماوية، بينما تملك النفسُ الحرية الكاملة للفعل. بيد أن هذا الفصل المصطنع بين الروح والمادة لم يحلّ المشكلة.
ثمة محاولة أخرى لحل المسألة كانت عن طريق التمييز بين عـِلل وإشارات. فطبقـا لذلك، شيء يكون الدفاع بأن النجوم تقرر مسبقا ما سيحدث، وهو أمر غير مقبول من وجهة النظر اللاهوتية، وشيء آخر أن تقتصر النجوم ببساطة على الإيماء أو الإشارة إلى ما سيقع دون التأثير على مجرى الأحداث. هل هذا غير مكتوب في سفر التكوين (1/14) بأن الله قد قال "تكون نيرات في جَلـَدِ السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين"؟ هذا التفسير الثاني، مع ذلك، ظل من ثمَّ دون إيضاح على الإطلاق، إن كان الماضي والحاضر والمستقبل يشكلون معا في الإرادة الإلهية لحظة واحدة، فكل المستقبل مكتوب في النجوم لمَنْ استطاع قراءته.
خلال قرون طويلة لم يوجد حدا صحيحا بين علميْ الفلك والنجوم كما نفهمه في الوقت الحاضر، وذلك رغم المحاولات المتعددة للفصل بين ميداني العلم والخرافة الشائنة. آية ذلك أن المعتبرين الآباء الثلاثة لعلم الفلك الحديث : نقولا كوبرنيكوس وتيخو براه TYCHO BRAHE ويوهانس كيبلر JOHANNES KEPLER، المدافعون دون هوادة عن النظام الشمسي المركزي في مواجهة الاعتقادات البطلمية التي كانت تجعل الأرض في مركز الكون، أولئك ظلوا يعتقدون بثبات في علم النجوم. هذا يعني أن الثلاثة كانوا يصدقون بإمكانية عمل تنبؤات، سواء كان بواسطة عمل البروج أو ملاحظة القرانات الكوكبية. كيبلر نفسه في رسالة له إلى صديقه دفيد فابريتشو DAVID FABRICIO في عام 1602 كان يؤكد بشكل مباشر ذلك : "أرجوك أن تأخذ بجدية ما كتبته لك بشأن علم النجوم. على ما أتذكر أظهرت بواسطة تقديرات مبدئية وبأمثلة أنني لا أرفضه بشكل كامل [hellip;]، لأن علم النجوم ذو منفعة مباشرة وأهمية بالغة للإنسانية". وبعد سنتين أظهر قناعاته بهذا الشأن في تقرير مشهور له عن تشابه الطوالع الفلكية الخاصة بقادة دينيين غير متوافقين تماما في الأصل مثل النبي محمد (ص) ولوثر.
المصطلح "طالع HOROacute;SCOPO" - من اليونانية (ساعة) و(أرصد) - استخدم للدراسة والتنبؤ بحياة شخص معين على أساس وضع النجوم لحظة ميلاده. وخلال وقت طويل أجريت فقط طوالع لشخصيات مهمة كملوك أو نبلاء. وكانت أوراق الميلاد هذه ترى كعلامة من "خرائط المصير" التي كان يجب الانتفاع بها لمواجهة المستقبل بأفضل المستطاع بواسطة تبني قواعد السلوك وأخذ القرارات الشخصية داخل هامش الحرية المتروك من قبل النصيب.
من أجل الحساب الصحيح لطالع معين كان يجب على المنجمين أن يحددوا البيوت الاثني عشر في القبة السماوية، التي تحتوى على سلسلة من العناصر الأساسية : علامة البرج، ودرجة الطالع (أي مجموعة النجوم التي تظهر في الأفق في لحظة الميلاد)، وتلك المسماة بـ "الهيئات" (أشكال نسبـيـة لكوكبين معا مثل المثلث أو المربع أو المسدس، من بين أشكال أخرى)، سواء كانت مواتية أو غير مواتية. هكذا على سبيل المثال، قـُسـِّم طالع هنري السابع ملك انجلترا (مولود في 1457)، الذي حسبه ويليام برون WILLIAM PARRON، إلى اثني عشر بيتا، كل واحد منها كان يقابل بعدا من أبعاد حياة الملك : شخصيته ومظهره الخـِلـْقي (البيت الأول)، وضعه الاقتصادي (الثاني)، دراساته (الثالث)، العلاقات العائلية (الرابع)، الحب والأولاد (الخامس)، المتاعب اليومية (السادس)، العلاقات الزوجية (السابع)، الموت والإرث (الثامن)، الأسفار والفلسفة (التاسع)، النجاح والمشروعات (العاشر)، الصداقات والتحالفات (الحادي عشر)، وأخيرا الأعداء والأمراض الخطيرة (الثاني عشر). هذا النظام المكون من اثني عشر بيتا أو تفريعاتها، وهو المعروف بالنظام ذي الاثني عشر فصا والمقروء في الاتجاه العكسي لعقارب الساعة، لم يكن النموذج الوحيد المستخدم (كان يوجد نموذج آخر معمولا به أيضا، وهو النظام الثماني، الذي كان يتبع اتجاه عقارب الساعة)، ولكن الأول كان حقا الأكثر انتشارا خلال عصر النهضة لأن جذوره ترجع إلى العصر الهلليني.
لاستطاعة عمل ليس فقط طوالع (تنبؤات فردية)، بل أيضا تشخيصات (توقعات ذات طابع أكثر عمومية بالإعلان عن حوادث استثنائية كأوبئة وحروب أو فظائع أخرى) كان يجب أن تعرف بعمق الاثنتا عشرة علامة للبروج والكواكب السبعة. ومن منظور رجال عصر النهضة، فإن معرفة كلا الأمرين كانت تشكل بامتياز أبجدية كتاب الطبيعة الكبير.

تأثير البروج
كانت دائرة البروج تشير إلى قطاع من السماء متقاطع مع مدار الشمس الظاهري، أو طريق تعبره الشمس ظاهريا على مجرى العام. وحتى أواخر القرن السابع عشر، رغم النظريات الثورية لكوبرنيكوس وجاليليو التي وضعت الشمس في مركز الكون، كان لا يزال يعتقد أن الشمس تسافر على مدى اليوم على شكل قوس من الشرق إلى الغرب، وأن القمر كان يصنع ذلك ليلا بطريق عكسي. كانت مجموعة البروج الاثني عشر تشكل فيما بينها توافقا مع رموز، في أغلبها تشخيصات حيوانية، وبالفعل المصطلح زودياك (المتكون من ذوون "حيوان" ودياكوس "عجلة") يعني حرفيا "دائرة الحيوانات".
كانت كل مجموعة نجمية تمثل لحظة من العام مصاحبة لخرافات متنوعة المصدر. مثال ذلك الحـَمـَل، الأول من أشكال البروج، كان يرمز إلى الميلاد الربيعي للشمس بعد مرور الشتاء المظلم، وبالتالي، إلى الطاقة المتجددة المرتبطة بالدفع الخلاق، إلى الشـجاعة والاستقلاليـة، ولكن أيضا كان يرمز إلى العدوانية المتوحشة والمخربة. ومن هنا يأتي تلازم هذا البرج مع الشباب، والنار، والمزاج الحاد، الحرارة الجافة واللون الأحمر، بالإضافة إلى التوافق مع أسطورة الجـِلـْد الذهبي للحـَمَل المجنح. وبشكل مشابه برج الحوت، آخر الأبراج، يمثل نهاية المسيرة السنوية للشمس، ولذلك هو نقطة الالتقاء بين نهاية دائرة كونية وبداية عملية جديدة. ومن هنا مصاحبته للروحانية والماء، المزاج البارد، البرد الرطب أو اللون الأبيض، وكذلك تتوافق هذه الفترة من العام مع الكرنفال ومعانيه الأولية عن الموت وبعث الطبيعة.
وزيادة على التأثير الهائل الذي يعزى للبروج على أعضاء ونفس الفرد، كذلك كانت العناصر والفصول أو حتى سائر مناطق الكرة الأرضية تنضوي تحت مدار البروج. ولكن عجلة أو دورة الحيوانات هذه إن عبـّرت بشكل حاسم عن شيء، فإنما كانت تعبر عن المفهوم الوثني للزمن القائم على العودة الدائمة للأحداث. ورغم التحويل الجذري المسيحـي لرؤيـة الزمن، الذي تحول من دائري إلى خطي، محددا بـ "قبل" و"بعد" قدوم المسيح (ع)، فإن تمثيل البروج ظل مقبولا من قبل الكنيسة كرمز للبعد الأرضي للزمن. هكذا، على سبيل المثال، فإن كل شهر أصبح مقابلا لأحد البروج ولربّ كوكبي، والذي يفترض أن منهما كانت تتفرع تأثيرات إيجابية وتعاليم قيمة عن الفترة التي كانت تسيطر عليها.

سلطة الكواكب
كذلك، كان للكواكب السبعة ذات الطابع التقليدي، المعروفة أيضا بالنجوم السيارة (من اللفظ اليوناني "دوّار")، والتي تتكون من الشمس، والقمر، وعطارد، والزهرة، والمريخ، والمشتري، وزحل، كان مخوّلا لها مهمة حكم العالم الأرضي بموجب السلطات الممنوحة لها من لدن الأرباب الكوكبية. وكما هو معلوم، كان كل كوكب يرعى يوما من أيام الأسبوع الذي تلازمه الاشتقاقي في الاسبانية لا يسمح بأي لبس، خلا حالة الرب الشمس DIES SOLIS الروماني، حيث أن بمطابقة الشمس مع المسيح كضوء العالم، أصبح معروفا بالسيد الإله DOMINUS DEI أو الأحد DOMINGO.
كانت الأرباب الكوكبية التي تعطي إلى أيامنا الأسبوعية أسماءها تنتسب إلى معبد الآلهة الروماني، وإن شارك القمر (سيلينا في اليونانية) في ذلك بدور رئيس مع آلهة مؤنثة أخرى مثل المصرية إيزيس واليونانيات هيكاتي أو أرطميسا أو ديانا نفسها. وفي داخل السياق المسيحي، انتهت الكنيسـة بأن طابقت القمر مع العذراء، وعلى وجه الخصوص مع معجزة الحـَبـَل بلا دنس، والتي كان تمثيلها فنيا يتضمن هلالا تحت قدميها، وهو ما كان يشير إلى القران الروحي بين القمر (مريم) والشمس (الإله).
على هذا النحو كما كان يمثل القمر ما هو مؤنث والوظائف العضوية، بسبب تلازمه الخصوصي مع دورات الخصوبة النسوية ومدة حمل الجنين في رحم الأم، فإن الشمس كانت تمثل ما هو مذكر، ملازمة للتفكير التقليدي وحب المعرفة. وبالنسبة للكواكب الخمسة الباقية، كان يعتبر المشتري والزهرة سعدين ؛ والمريخ وزحل نحسين، وعطارد ممتزجا. ومن وجهة نظر علم النجوم، كانت تعطى أهمية خاصة للظاهرة المسماة بالقـِران الكوكبي (أو اجتماع كوكبين أو ثلاثة في بيت سماوي واحد). هكذا فإن تصادف اقتران الكواكب الكبيرة معا (المريخ والمشتري وزحل) كان يعتبر علامة على تغيرات في النظام الطبيعي والديني والاجتماعي.

فضل الكنيسة
على هامش الاقترانات الكوكبية كانت توجد ظواهر أخرى ذات طبيعة غير مألوفة، مثل المذنبات أو الكسوف أو النيازك (تعرف أكثر بالنجوم المتساقطة)، أثارت دهشة هائلة بسبب مظهرها غير المعتاد. هذه الظاهرات، التي فسرت كعلامات غير خاطئة مرسلة من السماء، كانت مقبولة تماما من قبل الكنيسة. وفي الحقيقة، حظي علم النجوم بوجه عام بقدر من المصداقية في العالم المسيحي، بخلاف علوم أخرى خفية، ولم يصل مطلقا إلى أن يكون مُـدانا بطريقة قاطعة.
في عام 1586 نشر البابا سيكستوس SIXTO الخامس البراءة البابوية "السماء والأرض" والتي فيها اقـْتـُصِر على التمييز بين نجامة "كاذبة"، وهي التي كانت تنفي الإرادة البشرية، وأخرى "حقيقية"، وهي التي كان يمكنها أن تؤثر في العالم الطبيعي، وبالتالي، في الزراعة أو الطب أو الملاحة أو حتى في نزعات الفرد، ولكن لا تؤثر مطلقا في قراراته.
كان الإيمان بالنجوم متأصلا للغاية لدرجة أن عددا كبيرا من المثقفين المسيحيين كان مستعدا لشرع القلم ضد هجمات من كانوا يجرؤون على وصم علم النجوم بأنه مجرد خداع. هكذا على سبيل المثال، في عام 1538 نشر الطبيب وعالم اللاهوت البلنسي ميغيل سرفت MIGUEL SERVET في باريس كتابه "اختلاف في الرأي بشأن علم النجوم"، معتمدا على تأييد جوان تيبو JUAN TIEBAULT، طبيب ومنجم فرنسوا الأول ملك فرنسا، الذي كان كذلك منجما سابقا لكارلوس الخامس. وكذلك الكلمات المخصصة لـ "علم النجوم الحسن" التي ضمنها غسبار نافرو GASPAR NAVARRO في رسالته عن التطير (1631) لا يمكن أن تكون أكثر بلاغة : "هذا التنجيم علم حقيقي وطبيعي، مثل الفلسفة والطب، ومع أن المنجمين يخطئون مرات كثيرة، فلا محل للدهشة، لأن [hellip;] يعالج مسائل في غاية السمو".
في غاية السمو لدرجة أن ميلاد وموت عيسى المسيح (ع) توافق مع علامتين سماويتين واضحتين : في المقام الأول، المذنـّب الذي رآه المجوس الثلاثة والذي ُفسـِر على أنه الإعلان عن دين جديد ؛ وفي المقام الثاني، الكسوف الشمسي لمدة ثلاث ساعات الذي أغرق فلسطين في ظلمات إثر صلب عيسى (ع). وفي عصر النهضة وخلال جزء كبير من القرن السابع عشر ظلت المذنبات أو ظواهر الكسوف معتبرة كعلامات مرسلة من الله لتحذر الإنسان من عواقب خطاياه.
وبنفس الشكل، فإن مفهوم الكون ظل مستقرا على صورة دائرية وتراتبية، والتي طبقا لذلك كانت الأرض محاطة بعشرة أفلاك أو سماوات تفصلها عن السماء العليا التي يسكنها الله وملائكته والمحظوظون. حسب هذا المفهوم، فإن السماء العليا CIELO EMPIacute;REO (التي تعني الملتهبة أو المفعمة بالضياء) كانت خالية من النجوم وحتى من مادة محكومة بالحركة طالما أنها المجال الإلهي. والسماوات الثلاث التي كانت تحيط بها (العاشرة والتاسعة والثامنة) كانت تشكل المحركات للسماوات الباقية. وكانت تتلوها الكواكب السبعة التي كانت تشغل السماوات السبع التالية، والتي كان آخرها القمر مشكلا السماء السابعة لاقترابه من الأرض.
استطاع هذا النظام دمج المعتقدات الوثنية التي يعود أصلها إلى بلاد الرافدين مع فكرة العناية الإلهية المسيحية إلى درجة أن بالنسبة لمارسيليو فيتشينو MARSILIO FICINO، أحـد كبار ممثلي عصر النهضة الفلورنسي، كان لا يمكن أن يفهم الوحي الإلهي دون علم النجوم والعكس بالعكس. وآية ذلك، طبقا لهذا الفيلسوف، أن الملائكة، رغم انحصارهم في السماء العليا، كانوا مَنْ كانوا يحركون الكواكب، فضلا عن انخراطهم في ظواهر طبيعية أخرى كثـيـرة. وهكذا يصل فيتشينو إلى أن يكتب : "في لحظة موت المسيح (ع)، احتل مَلاك في شكل القمر مكان الشمـس ضد نواميـس الطبيعة وحوّل منتصف النهار إلى ليل. وعندما ولد عيسى (ع)، حوّل نفس المَلك، الذي أخذ شكل مذنـّب، الليل إلى نهار".


مقال بقلم ماريا تاوسيت MARIacute;A TAUSIET
نشر في مجلة NATIONAL GEOGRAPHIC. HISTORIA عدد ديسمبر عام 2006، برشلونة (اسبانيا).
ترجمة : فخري الوصيف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف