عالم الأدب

عودة نثرية لسليم باسيلا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروت من جورج جحا:يعود الأديب اللبناني سليم باسيلا بعد سنوات طويلة مرت على أنشطة تميز فيها بين كلمة شعرية وأدبية انيقة موحية تطل من قصائد ومقالات وابحاث وخطب مختلفة امام قوس المحكمة وخارجها مما كان قد جعله بعد منتصف القرن المنصرم أحد فرسان الكلمة البليغة الملونة.
وبعد فترة زمنية ليست بالقصيرة يعود باسيلا ممتلئا بحزن نبيل ومشاعر تختمر فيها سنوات العمر ليكتب عن فقد الاحبة وتحول الايام ووحشة القلوب ووحدتها معيدا التذكير بجماليات ما سمي قبلا بالشعر المنثور الذي يميز كثير من النقاد الان بينه وبين قصيدة النثر ويعتبرها بعضهم ابنة ذلك الشعر ويرى اخرون انها وذلك الشعر توأمان.
حمل المجلد الانيق عنوانا معبرا وواسع الدلالات على رغم ما يبدو من كونه محصورا في مجال واحد.. والعنوان هو "اوراق... اليها". انها اوراق العمر والسنوات السائرة إلى ما يبدو عالما شاحبا كئيبا بعد ان خلا ذلك العالم "منها". انها "من خلالها" جردة عاطفية لعمر بافراحه الماضية واحزانه الدائمة وغصاته التي لا يكاد يمحوها الا تذكر الشاعر "لها" باناقة وايحاء عرفت بهما كلماته ذات السمات "الارستقراطية" التي تحتفظ بجدية التصور والتعبير عنه وعن التجربة الفنية.
وجاء الكتاب في 91 صفحة انيقة صقيلة كبيرة القطع.
يستهل سليم باسيلا كتابه بكلمات عنوانها "إلى ياء" فيقول "عشت مظللا بها/ سمت بحسنها وبهائها على ان تكون امرأة/ علمتني ان اقرأ في الحياة كمثل ما اقرأ كتابا منشورا بين يديها/ شغلت بي قلبها/ تخليت عن عمري لها."
باسيلا الواسع الثقافة ذات العمق كتب في تقديم اخر وفي مزيج من الحزن الرومانسي ودقة وجمال الصياغة الكلاسيكية فقال "سالت لكلمتي ان لا يقبل عليها قارىء لا تقبل عليه. رايت ان ابقى الكلمات كلمة وجدت حروفها اولا ثم خرجت إلى ما تعني... جعلت همتي ان لا اترسم مواقع احد وان لا يذهب عني ان حظ الاديب من تدفق الالام عليه ان يعيش في سأم من العيش وتزهد فيها على ان لا يقعد به تغير الزمن عليه عن ان يكتب ..."
يقول في مكان اخر "لم يرحمه زمانه منها/ اكثرت عليه اساليب دلالها/ تدفقت عليه/ لم يستطع ان يتجافى عن هواها. تعثرت انفاسه في صدره/ راى في عينيها حلما/ وحلما تبدد/ راى فيها لهفا ووجدا وجوى ووحشة ومرارة وشكوى ووجعا وفراقا."
وفي مجال اخر من الكتاب الذي يبدو كانه قصيدة واحدة طويلة من الشعر المنثور يقول "كانت تخشى ان يدهمهما شتاء عمرها فتعصفها رياحه/ وتاخذ منه صفرة اوراقه وصفيرها/ كانت تخشى ان يصير لها لون الوحل قبل ان تستوحل به الارض/ كانت تخشى ان تصير إلى شقاء تطول صحبة بينها وبينه/ كانت تخشى ان يكلح الشباك مع الشتاء شبابها وان لا يبقى لها من شبابها ما تفرغ في سمع الزمن قصة شبابها/ كانت تخشى ان يأخذ بها الشتاء إلى حيث تسمع جرجرة امواج هادرة على شواطىء متعرجة وعرة بعيدة."
وفي مكان اخر يتحدث عن الحزن الذي يوحد بين النفوس والقلوب فيقول "اذواه الشحوب. وقف به زمانه عند حسنها/ قال ساسترجع قلبي/ قالت سانقذ حبي/ قال ساشغل نفسي عنك/ الّفت بينه وبينها وحدة الشجن/ قالت لا يأتيني الدمع على زماني معك الا اذا اتاني الليل/ ادار عينيه اليها فاذا هي مبلولة الخدين بماء عينيها."
وينتقل إلى القول "كان لا يشغله شيء عنها ولا يعنيه شيء/ غلب عليه وجده بها/ تحرّق بها/ صار بعدها/ إلى انتظار عائد يعرف انه لن يعود/ إلى تذكر ملاحة وصبا/ إلى تذكر احزان/ إلى ليل ضرير النجم/ قال/ متى يصبح هذا الليل.."
اما عن الاحزان والذكريات المرة بعد الرحيل فيقول في مجال اخر قبيل ختام الكتاب "قالت/ كيف اعطيتني من حبك كل حبك وانت تعرف انك ستموت غدا او بعد غد/ قال/ اعطيتك من حبي كل حبي لانني اعرف انني ساموت غدا او بعد غد."
وينتقل إلى القول "قالت/ اي سفر معي تريد/ قال/ اريد معك سفرا إلى بلد لا اعرف اسما له ولا طريقا اليه."
ويختم باسيلا بحزن وبشعور بالوحشة وبفراغ العالم حيث لم يعد فيه مكان لقلبه الذي تحتشد فيه مشاعر الفقد والتوق إلى حب هجر عالمه فيقول "ذهبت إلى كل الامكنة/ بعد ان ذهبت/ لم اجد مكانا لقلبي/ ايها القلب المسكين/ إلى اين اذهب بك .." (رويترز)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف