ثقافات

عيسى بلاطة.. دراسة شاملة للاعجاز في القرآن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروتمن جورج جحا: يقدم عيسى بلاطة في كتابه الاخير "اعجاز القرآن الكريم عبر التاريخ" عرضا تاريخيا لمسألة الاعجاز القرآني وصولا الى العصر الحالي معتبرا انه ليس ثمة من رأي يمكن الركون اليه في شكل نهائي ثابت بالنسبة الى عناصر واسباب هذا الاعجاز. وبعد العرض التاريخي لمختلف الأراء والنظريات في هذا الموضوع يتوقف مليا عند درس اعمال عصرنا الحالي وبتقدير واضح عند عائشة عبد الرحمن التي تناولت الاعجاز القراني. الكتاب الذي جاء في 367 صفحة كبيرة القطع صدر عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في نطاق سلسلة "دراسات..أديان" واحتوى على مقدمة تحليلية -وعرض تاريخي في الوقت نفسه- استندت الى مختارات جمعها المؤلف من اعمال عدد من الكتاب والباحثين.
والدكتور بلاطة باحث اكاديمي فلسطيني يقيم في كندا وهو أستاذ الادب العربي سابقا في جامعة ماكجيل في مدينة مونتريال الكندية. تحدث بلاطة بداية عن الاثر الكبير الذي كان للقران في العرب الذين سمعوه للمرة الاولى وقال "لم يكن هؤلاء العرب الذين عاصروا النبي محمدا علماء بلاغة أو نقاد أدب ولكن كان لهم استعداد فطري لفهم ما يتلى عليهم وقدرة طبيعية على ادراك فصاحته فعرفوا انه كلام غير عادي يفوق في لفطه ومعانيه كل كلام سمعوه سابقا من اذكيائهم وفصحائهم..." وقال بلاطة "هذه الظاهرة وهي عجز البشر عن معارضة القرآن الكريم في معناه ومبناه اشارت اليها الكتابات الاسلامية بلفظة "الاعجاز" منذ اوائل القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). وما قارب هذا القرن على نهايته حتى كان معنى هذه اللفظة قد تطور فأصبحت كلمة علمية تشير الى هذه الظاهرة دينيا على انها معجزة من لدن الله هي الدلالة على صدق نبوة النبي محمد والبرهان على ان القرآن الكريم تنزيل من الله من حيث ان البشر بالفعل غير قادرين ابدا على ان يعارضوه أي على ان يأتوا بمثله او بمثل سورة واحدة منه."
اضاف انه كان للجاحظ وغيره من المفكرين والادباء المسلمين تأثير في تشديدهم على فصاحة القران وبيانه مما جعل "لفظة الاعجاز تزداد ارتباطا بما له من اسلوب بلاغي رفيع لا يدانى. غير ان بعضهم قالوا بان فكرة الاعجاز يجب الا تفهم هذا الفهم الضيق ومنهم "النظّام" (توفي سنة 232 للهجرة) وهو من المعتزلة كالجاحظ فادخل الى النقاش الدائر بين العلماء فكرة " الصرفة" وقال ان اعجاز القرآن الكريم يقوم على ان الله صرف العرب عن معارضته بان سلب علومهم به فلم يقبل هذا الفكرة الا قلائل."
واستمرت الكتابات عن الاعجاز منذ القرن الثالث الهجري "لكن وجوه هذه المعجزة ظلت مدار نقاش بين المفكرين المسلمين..." وقال بلاطة انه مع أن من كتبوا في الاعجاز كثيرون فقد اقتصر على "قول موجز عن اهم الذين كتبوا عنه وطوروا مفهومه عبر العصور..."
ومن هؤلاء المفكرين المعتزلي "الرماني" في كتابه "النكت في اعجاز القرآن" وهو من اوائل المؤلفات التي وردت لفظةالاعجاز في عناوينها..." ويقول الرماني مختصرا كثيرا مما سمي وجوه اعجاز القرآن التي تردد كثير منها عند اخرين غيره "ان هذه الوجوه سبعة وهي.. 1- ترك معارضة القران مع توفر الدواعي لها.. 2- تحدي القران للجميع.. 3- الصرفة.. 4- بلاغة القران اي فصاحته وأثرها الجمالي الفعال.. 5- ما في القران من معلومات وأخبار صادقة عن احداث في المستقبل.. 6- خرق القران للعادة اي لما هو معروف من الاجناس الادبية شعرا ونثرا.. 7- قياس القران بكل المعجزات التي عرفتها الاديان الاخرى..."
اما معاصره الخطّابي وهو سني فرفض فكرة الصرفة في كتابه "بيان اعجاز القرآن" ورفض ان تكون اخبار المستقبل من وجوه الاعجاز واعتبر التأثير النفسي الذي للقرآن في النفوس مظهرا من مظاهر الاعجاز وانه ناتج عن " مجموع ما له من تفرد بلاغي." ووافقه الباقلاني (توفي 403 للهجرة) وهو اشعري في كتابه "اعجاز القرآن" على تفرد بلاغة القران وتميز اسلوبه والكتاب هو من اول المؤلفات الشاملة في هذا الموضوع. اما القاضي عبد الجبار (توفي 415 للهجرة) وهو معتزلي فيؤكد في كتابه "المغني في ابواب التوحيد والعدل" ان اسلوب القران المتميز وجه أساس من وجوه اعجازه وان هذه الفصاحة "ناتجة من امتياز اللفظ والمعنى."
اما عبد القاهر الجرجاني (توفي 470 هجرية) وهو اشعري فله اراء في كتابيه "دلائل الاعجاز" و"اسرار البلاغة" منها ان ما جاء في كتابه الاول وقوله "الالفاظ المفردة بحد ذاتها لا ميزة للواحدة منها على الاخرى وان المعاني بحد ذاتها لا وجود لها بدون الالفاظ ولذلك لا ينبغي الحكم على درجة بلاغتها مفردة بل مجتمعة في نظم..." اما في كتب التفسير كما يقول "فلم يأت من المفسرين من استعمل علوم البلاغة النامية في فهم نصه والقاء الضوء على اعجازه وجمال اسلوبه خير من الزمخشري (توفي 538 للهجرة) في كتابه "الكشاف"." وجاء بعد الزمخشري "مؤلفون كثيرون لكنهم لم يزيدوا شيئا يذكر على مفهوم الاعجاز."
وفي القرن العشرين اعاد الامام محمد عبده (توفي 1905 ميلادية) الدراسات الى "البساطة المعقولة وبحث الاعجاز في اختصار في كتابه "رسالة التوحيد" فتجنب التحليل المفصل لمسائل النحو والبلاغة في القرآن الكريم..." وخصص مصطفى صادق الرافعي (توفي سنة 1937 ميلادية) كتابا للاعجاز اسماه "اعجاز القرآن والبلاغة النبوية" وفيه تحدث عن "العجز البشري عن محاولة المعجزة... واستمرار هذا العجز على مر العصور."
وشدد عبد المتعال الصعيدي في كتابه "النظم الفني في القرآن" على النظر الى القران ككل وعلى "علم ارتباط الآيات". اما سيد قطب الذي توفي عام 1966 فكتب كتبا منها "التصوير الفني في القران" و"مشاهد القيامة في القرآن" و"في ظلال القرآن" ومقالات مختلفة اولى فيها النواحي الجمالية والبلاغية في اسلوب القران اهتماما كبيرا ورأى انه "يعبر بالصور المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية والمشهد المنظور."
وعرض بلاطة اعمالا اخرى في الاعجاز منها كتاب "اعجاز القرآن" لعبد الكريم الخطيب وقد نشره سنة 1964 لكنه توقف مليا عند عائشة عبد الرحمن في كتابها "الاعجاز البياني للقران ومسائل ابن الازرق" وفيه تخالف الذين ينسبون الاعجاز في القران الى اي شيء اخر غير اسلوبه الفريد "وان كانت تعترف ايضا بان الاعجاز يفوت كل محاولة لتحديده والوقوف على سره..." ويقول بلاطة عن دراستها "ان هذه الدراسة الاستقرائية التي تقوم بها عائشة عبد الرحمن لالفاظ القرآن وصيغه تكشف عن تفهم جديد لاستعمال اللغة لم يفطن اليه السابقون في دراستهم للاعجاز ومنه ما يدهش مثل ملاحظتها على الاستغناء عن الفاعل وبناء الفعل للمجهول في موقف يوم البعث والقيامة وملاحظتها على استعمال صيغ للمطاوعة في موقف الاخرة..."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف