اصدارات باريسية جديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بارزو عبد الرزوقوف: ثماني مونولوجات نساء (دار زولما.2007)
عبد الله كرمون من باريس: ليس من مانع أبدا من اعتبار كتيب الكاتب بارزو عبد الرزوقوف الأوزبكستاني "ثماني مونولوجات نساء"، المترجم لأول مرة إلى الفرنسية عن الروسية بداية هذا العام والصادر لدى دار زولما، نصا مسرحيا أو فقط مرصودا لأن يتم تناوله على الخشبة. غير ذلك فهو مثلما يوضح عنوانه فهو منولوجات تتناوب من خلالها ثمان نساء على البوح بكل ما يعتمل في باطن أسرارهن، لذلك فالنص أدبي وهو يسعى في شكله ذاك إلى طرح بعض تساؤلات النساء من مختلف فئات العمر في بلد يمثل بلدانا
كما أسلفت القول ثمة نساء يتناوبن على الحديث وإفراغ بواطنهن بما يستبد بها من أثقال، لا ينفذ ضناها إلا بالكلام دون غيره، لذلك فهن وكأن الكاتب يريد أن يوحي لنا بذلك، دون أن يصرح به بالفعل مباشرة، أن أولائك النسوة يتواجدن كلهن في مكان واحد وكأنهن كما سوف نرى يتخاطبن فيما بينهن، وإلا فماذا يعني أن يتجاذبن أطراف الكلام؟ ماذا يعني الكلام في حد ذاته إن لم يطهّرهن نفسيا من وخز الضمير ومن "أدران" الحياة النفسية المعقدة؟
هذه المرأة التي بدأت أول الأمر تتحدث بنوع من نوستالجيا عن أمور حياتية ماضية، مثل كل ما يتعلق مباشرة بما عاشت وما ذهب بها أن تفكر بل أن تعيد التفكير في مسار حياتها الماضية. أزمنة حملها وكل ما جعل منها أن تكون أمّ أبناء قد صاروا كبارا لحظة تحدثها.
الذي أثارني لدى هذه المرأة هو هذا الأمر المتعلق بزمن وحمها، إذ سبق أن شاهدت خلال ذلك ثمة إشهارا لفاكهة غريبة عنها لم ترها قط بل لم تستطع بتاتا أن تصفها كما يلزم إذ هي في الواقع غير قادرة على معرفة اسمها. الأهم أنها رغبت فيها بشدة وعلى هذا الزوج أن يلبي رغبتها.
قالت: "ذات يوم شاهدت على شاشة التلفزة إشهار عصير فاكهة، فاكهة غريبة، ضخمة، صفراء بأوراق في علوها، ورغبت فيها بشكل جنوني، هكذا دون أن أدرك تماما كيف تسمى هذه الفاكهة، وأكثر من ذلك دون أن أدرك أين تنبت. إن ذلك أقوى مني: لابد أن يتم إحضارها لي وإلا سوف يحدث لي شر ما".
هذه المرأة منزعجة في عمقها سمحت لها نفسها بل دُفعت إلى الأمر دفعا أن تزعج زوجها وتحاول أن تتصل به وهو في إطار عمله وهي ترغب أن يجد لها تلك الفاكهة بل عصيرها وهي تحاول قدر الإمكان أن تشرح له كيف هي، وهو يسألها كيف هي، وأنا أشرح له بأنها تلك الفاكهة التي تعلوها أوراقها وكأنها سلحفاة مقلوبة إلى أعلى.
هذه المرأة التي تقول على لسانها في النص أنها تنبح مثل كلبة عبر العمارة، لكنها تدرك جيدا مع أنها تتساءل باستنكار ، لابد أن هذه الفاكهة لابد أن توجد ثمة في مكان ما وإلا لن يتم عرضها في التلفزة!
هذه المرأة من وقع الوحم تتشبث بإيجاد تلك الفاكهة التي رغبت فيها بجنون. اسمها الذي سمعت وتأكدت منه "لما تمكنت أن أقرأه خطفا على الشاشة، اسم يصعب نطقه": الأناناس. لن أنسى اسما مثله قط". هذه المرأة لم تستسغ عصير تلك الفاكهة بعدما عثر عليه زوجها بعد طول بحث. لقد أَلْفَتْهُ مزًّا ودون طعم كما قالت.
أرادت هذه الزوجة أن تثير سكينة أسرتها وتحكي لنا كيف آفلت سعادتها سريعا، وقد غادرها ذلك الزوج الذي كان مثالا للأب الذي يرعى كما يلزم عائلته. لقد اتخذ له أخرى أصغر سنا، لم تستطع نفسها أن تحتفظ به. "عندما نكون سعداء، نكون سذجا، ويخيل إلينا أن كل مشاكل العالم سهل حلها!"
كتيب صغير إذن يقرأ في خطف البصر، وفيه نجد منولوجات نساء أخرى بل نساء محيطنا أو قد نكون نعرف منهن كثيرات!
ستيفان مالارميه: من أجل قبرٍ لأناتول (سوي بوان. أواخر 2006)
في البدء، وقبل أن أثير موت أناتول، أشير إلى تكهن والده شاعرنا الذي يعرفه الجميع مالارميه، إلى إمكانية أن يصير ابنه "شويطنا فاجرا" لولا انطفائه. في التقديم الطويل الذي يشغل أكثر من ثلاثين صفحة بعد المائة يورد جان بيير ريشار بعض حوادث، جاءت في مقدمة ك. ل. لوفيفيرـروجون لرسائل مالارميه وروجون تثبت ذلك الشيطن. ما يدل على أنه مثلما كتب "كانت له نظرة من ينظر إلى انصراف الحياة بلا اكتراث الذين ليسوا يتأخرون كثيرا على هذه البسيطة. عيني الملهَم كعينيه، جبهته الجميلة، فمه الماكر، التي تظهر في صورة له باهتة، كلها تجعلنا نفكر في أنه لربما كان سيخدم الشعر والجمال بحماس".
من ضمن تلك الحوادث الدالة هناك استقالة أم أناتول للباص الرابط بين أوديون وباتينيوليي، وضعت ابنها على ركبتيها كي تدخر ثمن تذكرته، ونحن نعرف الحالة المادية لمالارميه آنذاك، غير أن أناتول كان يتأمل لحظة راهبا يقرأ في كتابه، غير أنه سرعان ما خاطبه: هل تسمح حضرة الأب أن أقبلك. أجابه الأب تفضل يا حبيبي الصغير. وقال له أناتول والآن قبِّل أمي!
مسودة شعر مالارميه هذه كنوع من رثاء خاص لأبنه الذي غادره سنة1879 عن سن الثامنة والتي افتقد كتابها المطبوع منذ زمن، شاهدة على الألم الذي لم يفارق قط مالارميه إضافة إلى كون نصوصها كتبت بتقنيات معهود بعضها لديه، غير أنها ليست تعكس بحق سوى التمزق الحاد الذي ألم بمالارميه. يقول ص.118: "هذا السر الرهيب الذي أملكه/ما الذي سوف أفعله به/أن أصير ظل قبره/لم يدرك بأنه سوف يموت". نقرأ ثمة إذن شعرا يكسر بشكل هائل تركيب الجملة ويشي بتألم حقيقي!
جان غيرشيي: نهود أخرى. ( غاليمار.2007)
نباغت جان غيرشيي، هذه الأيام عينها، متلبّسا بتكرير "جرمه" وهو ينشركتابه الجديد "نهود أخرى" بعدما نشر فقط في العام الماضي "نهود" وكأن الأمر هنا شبيه بقول أبي نواس عن الخمرة، إذ:
من ذاقها مرة لن ينساها أبدا /حتى يغيب في الأكفان والترب. نطوف مرة أخرى بحوالي ثلاثمائة صفحة حول النهود، لكن هذه المرة خاصة حول النقطة التي ينبثق فيها النهد في النص أو في سياقات حياتية معينة، دوره والسر الذي يحتفظ به، مثل تلك الصبية التي تذوق معها في الصغر لذة الجسد في حديقة جدها بالجنوب، تلك الطفلة التي كبرت والتقاها فيما بعد، نبهته أنه نسى في كل نزواتهما الطفولية أن ينظر بل أن يلمس أو أن يفعل شيئا بنهديها!
"نهود أخرى" وتأملات يقترب من خلالها جان غيرشيي من نفسه ويتخلص قليلا من سلطة دي لاسيرنا!
kermounfr@yahoo.fr