ثقافات

التصوف وشعراء الملحون في الجزائر: بن مسايب نموذجا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

العلاقة بين التصوف وشعراء الملحون (الشعر الشعبي) في الجزائر
"محمد بن مسايب" نموذجا

مقدمة عامة للبحث :
لا شك أن التصوف بوجه عام والطرق الصوفية بشكل خاص، كان لها تأثير كبير على الثقافة الشعبية والفنون في الجزائر والمنطقة المغاربية عمومًا، وقد توسّلت المرجعيات الصوفية من الزهاد والعارفين وشيوخ الطرق، منذ وقت مبكر بالفنون والثقافة الشعبية لتقوم بوظيفتها في نشر و تجذير خطابها الديني والروحي والاجتماعي وحتى السياسي أحيانًا في الطبقات السفلى من المجتمع (البسطاء والفقراء) التي شكّلت الخزّان الذي لا ينضب والمحرّك الأقوى لدواليب الحركة الصوفية من خلال تركيز شيوخ الطرق عليها والتصاقهم بها في اليومي المعيش وحتّى في الشعار الذي اختاروه لأنفسهم وتسموا به (الفقراء). وفي هذا الإطار يأتي الشعر الشعبي (الملحون) على رأس الوسائل التي وظفتها الطرق الصوفية في نشر تعاليمها. وإذا لم يكن باستطاعتنا القول إن جميع الشعراء الشعبيين (شعراء الملحون) كانوا صوفية أومنتمين إلى الطرق الصوفية، فإن المؤكد أنهم تعرضوا كلهم بطريقة أو بأخرى لتأثير التصوف والطرق الصوفية في الجزائر والمنطقة المغاربية عموما. وفي هذا السياق، يعتبر الشيخ محمد بن مسايب التلمساني من أكبر الشعراء الذين كتبوا في باب (الجد) أو (المدح) حيث سيكون موضوع هذه الدراسة.

1- تعريف التصوف:

-يعرف أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي، التصوف في كتابه (التعرف لمذهب أهل التصوف) بقوله : " إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها".. وينقل أيضا عن بشر بن الحارث الحافي قوله : " الصوفي من صفا قلبه لله"..(1) ولعل أشهر ما يتميز به الصوفية من الصفات، هو تسامحهم وسماحتهم، فقد سأل رجل لسهل بن عبد الله التستري :
" من أصحب من طوائف الناس ؟ فقال : عليك بالصوفية، فإنهم لا يستكثرون ولا يستنكرون شيئا، ولكل فعل عندهم تأويل، فهم يعذرونك على كل حال" (2) 0
ومن هذه النصوص تظهر أهم المفردات التعريفية للتصوف فيما نرى وهي : صفاء القلب والسريرة (صفاء النية) والتسامح والانفتاح على الآخر وقبوله كما هو، لا كما نريده نحن أن يكون..

2- ارتباط الشعر الملحون بالسماع وتوظيفهما في نشر التعاليم الصوفية:

إن التصوف والطرق الصوفية التي كانت ظاهرة دينية اجتماعية حضارية عامّة في المجتمع الإسلامي، ظهرت في وقت مبكّر بالجزائر. ذلك أن أفكار محيي الدين بن عربي قد انتشرت فيها قبل العهد العثماني بزمن طويل، كما أن حسن بن باديس صاحب السينية، قد تحدّث عن الشيخ عبد القادر الجيلاني و طريقته في القرن الثامن الهجري. ومن جهة أخرى تحدّث محمّد الزواوي الفراوسني صاحب (المرائي الصوفية) عن الطريقة القادرية في القرن التاسع الهجري.
وقد شاع التصوف في الجزائر بفضل مدرسة سيدي عبد الرحمن الثعالبي ومحمّد بن يوسف السنوسي و أحمد زروق وغيرهم. ولم يكن الانتماء إلى طريقة من الطرق الصوفية يُعد نقصًا أو عيبًا، بل إن أخذ الطريقة كان شيئًا يعلن عنه ويشاع بين الناس ويمارسه العلماء والتجار والساسة والجنود فضلًا عن العامة. (3)
وقد دأب الصوفية في الجزائر وبلاد المغرب عموما على تذوق الموسيقى وممارسة السماع الذي ارتبط بالشعر الشعبي (الملحون) ارتباطا عضويا حيث كان بعض شعراء الملحون متخصصين في مدح بعض الأولياء من الأقطاب أو من مؤسسي الطرق الصوفية الكبرى. ونذكر من بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر : الشيخ عبد القادر بن طبجي دفين مستغانم ومداح سيدي عبد القادر الجيلاني، ومن بين أشهر القصائد التي كتبها في مدحه "عبد القادر يا بوعلام ضاق الحال علي" التي غناها كثيرون وحرفوا مضمونها. ومن الواضح في هذا السياق أن الشعر الملحون لا معنى لوجوده إذا لم يتحول إلى أغان ومدائح. ومن هنا كان شيوخ الصوفية يؤكدون على ضرورة صياغة تعاليمهم وتوجيهاتهم ووجدانياتهم في شكل قصائد من الشعر الملحون سواء بأنفسهم (كما هي حال الشيخ سيدي أحمد بن مصطفى العلوي المستغانمي مؤسس الطريقة العلوية والذي له ديوان شعر مطبوع أغلبه من الملحون) أو الذين كان لهم شعراء ينتسبون إلى طرقهم ويصوغون تعاليمهم شعرا ويمدحونهم كما هي حال مولاي إدريس بن دريس شاعر ومداح سيدي محمد بن عيسى الملقب بالشيخ الكامل مؤسس الطريقة العيساوية دفين مكناس، إضافة شعراء الطريقة العيساوية في الجزائر.
وقد فهم شيوخ وأقطاب الصوفية في المنطقة المغاربية منذ زمن بعيد أن الشعر الملحون هو أثقل وزنا وأكثر رسوخا في أذهان العامة الذين شكلوا وما يزالون يشكلون أغلبية أتباعهم. وفهم هؤلاء الشيوخ أيضا أن هذا الشعر لا يمكن أن يرسخ في أذهان العامة إذا لم يغن. ومن هنا جاءت العلاقة العضوية المتينة بين شيوخ وأقطاب التصوف وبين شعراء الملحون. ولا يعني ذلك أن شعراء الملحون كانوا عاجزين عن نظم الشعر الفصيح ولكنهم كانوا ينظمون الملحون أكثر من الفصيح (سيدي قدور العلمي نموذجا) لأنه أكثر وأسرع انتشارا وأكبر أثرا وبالتالي أكثر فاعلية في توصيل الرسالة الصوفية.
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار ظاهرة (المداح) اختراقًا فنيا للمجتمع من طرف الصوفية، أو بتعبير آخر توظيفا للفن كوسيلة لتحريك الخطاب الديني الصوفي على مستوى الطبقات الاجتماعية المختلفة وخاصة البسيطة منها.ولهذا نلاحظ أن العديد من شعراء الملحون من الصوفية كان باستطاعتهم نظم الشعر الفصيح على الأوزان الخليلية التقليدية، غير أن ذلك لم يكن ليحقق لهم الهدف الذي يقصدونه من النظم، لأن شعرهم في هذه الحالة لن يكون في متناول الأغلبية ولن تفهمه سوى النخبة الذي تمثل الأقلية داخل المجتمع.
ومن المعروف أن ثنائية (الطالب) و (المدّاح) هي التي تقف في النهاية من وراء ظهور ما يعرف اليوم بالفن الشعبي أو الغناء الشعبي الجزائري، حيث أن مدرسة الشعبي ما هي إلا امتداد لظاهرة المدّاح المنطلقة أساسا من الفضاءات الصوفية المتمثلة في الزوايا.فالمدّاح من جانب المضمون كان يمدح عن الله تعالى، وعلاقة الانسان به من حيث الطاعة و المعصية والاستغفار بما يشمل جميع الانشغالات السلوكية الصوفية، ويمدح أيضا عن الرسول علية الصلاة والسلام، والصحابة رضي الله عنهم، والأولياء والصالحين، إضافة إلى أيام وغزوات العرب.
وإذا كان بعض شعراء الملحون لم يشتهروا بانتسابهم لطريقة صوفية معينة (ومن بينهم محمد بن مسايب) فإن ذلك لم يمنعهم من كتابة عشرات القصائد الصوفية بل إن العديد من قصائدهم التي يصنفها بعض الدارسين في خانة "الغراميات" أو "الهزليات" هي في الواقع قصائد "جدية" وصوفية أيضا. وسنتعرض فيما يلي من هذه الدراسة للعديد من النماذج في هذا الإطار.
وإذا كان الشعر الملحون قد ارتبط عند الصوفية بمسألة السماع أو الغناء والموسيقى ارتباطا عضويا، فإن ذلك نابع أصلا من كون الصوفية منذ القديم يستشعرون الحرية في التعامل مع المسألة الفقهية بحيث لم تكن لديهم أية مشكلة في هذا المجال بل إنهم كانوا دوما يحبّذون السماع ـ الموسيقى والغناء ـ حيث اعتبروه من العلوم التي تجمع بين المعاملة والمكاشفة ونقلوا جوازه عن بعض العلماء والعارفين امثال أبي مدين شعيب بن الحسن الأندلسي، دفين تلمسان، و أبي القاسم الجموعي و أب الحسن الشاذلي والشطيبي وغيرهم، فقد أخبر محمّد بن سليمان عن جواز سماع الموسيقى للصوفي الحقيقي، و أخبر أن شيخه موسى بن علي اللّالتي كان حسن الإنشاد و أنّه إذا أسمع و أنشد يكاد قلب السامع من تأثيره ينفطر وينهدّ، و أن شيخه كان يقول " ورثنا هذا المقام عن داود عليه السلام" (4).
و بعد حوالي قرن، فصل الورتلاني في هذه القضية ، فهو كرجل من اهل التصوف أباح استعمال الموسيقى والإنشاد لأهل التصوف، ومنعه عن غيرهم لأنه يؤدّي في نظره إلى الاختلاط والفساد..فالغناء في نظره دواء لأهل العشق الصوفي، ولكنه وسيلة من وسائل الشيطان لغيرهم..وهو يعني بأهل العشق الصوفي أصحاب الحضرة الصوفية" (5).
و هناك من الفقهاء غير الصوفية من كان يتذوّق الموسيقى في ذاتها ويحلو له الإنشاد وسماع آلات الطرب..فقد روي عن عبد الواحد الونشرسي (وهو لسخرية القدر ابن أحمد الونشريسي الفقيه المتشدّد في موضوع الغناء والموسيقى) أنّه كانت له أزجال و موشّحات و كان رقيق الطبع يهتز عند سماع الألحان وآلات الطرب، لاعتدال مزاجه وقوام طبعه...( 6)
و اخبر ابن حمادوش في رحلته أنه يعلم علوما شتّى من بينها علم الموسيقى الذي قال إنه تعلّمه بطريق الإجازة.وفي (الرحلة القمرية) لابن زرفة أنّه قد ورد على الباي محمّد الكبير عالمان حنفيان من مليانة، أحدهما مفتي البلدة والثاني فقيه، و أن كليهما كانا من الموسيقيّين المهرة.و قد عرفنا من حياة المفتي أحمد بن عمّار أن بعض علماء مدينة الجزائر، وهو منهم، كانوا يصوغون الموشّحات المولدية ونحوها وينشدونها في المولد النبوي بالألحان المطربة.وتذكر المصادر ان الفقيه محمّد القوجيلي قد استأذنه أحد علماء تونس في سماع الموسيقى فأجابه بقوله : كلّ ذي كرم من شأنه الطرب. (7) ويذكر الورتلاني أن الشيخ علي المهاجري كان عازفا مشهورا على المزمار بلغ الغاية في صنعته حتى أصبح الناس يشترطونه في الأعراس (8).

3 ـ الشعر الشعبي (أوالملحون) وعلاقته بالتصوف

وأشار العلّامة ابن خلدون في مقدّمته إلى الشعر الملحون او الشعبي فذكر أن واضعه هو رجل من أهل الاندلس كان يعرف بابن عُمَيِّر (بضم العين وفتح الميم وتشديد الياء المكسورة) الذي نزل مدينة فاس وعنه نقل الناس هذا الأسلوب في نظم الشعر بدون تكلّف.وهناك شخصية عظيمة أخرى ظهرت أيضًا في طليعة هذا الميدان، وهو محمّد بن عيسى الشهير بابن قزمان الأندلسي الزجّال (555 هـ ـ 1160م)الذي غمر الأدب الأندلسي بأزجاله وشعره الملحون، ويسّر بإبداعه هذا ما كان متعسّرًا على العامة، فأخذ كلّ واحد منهم ينظم كلماته شعرًا على النمط الجديد بلهجته الخاصة دون كلفة ولا تعاطٍ للأوزان الشعرية الخليلية التقليدية، وهذا ما سمي بعد ذلك في ارض الأندلس بالزجل، الذي نظموه على أوزان جديدة انتشرت بعد ذلك في المشرق أيضًا وجعلوا لها أسماء مثل (كان وكان) و (الموّالية) و (السلسلة)و (الدوبيت) و (المستطيل)و (المنسرد) و (المطرب)، ممّا عرف عند الأدباء بفنون الشعر السبعة، وقالوا "هذه لا تسمّى شعرًا لأن أوزانها مخالفة لأوزان العرب" وجعلوها من الأبحر المهملة (9) .
إن الشاعر الشعبي (أو شاعر الملحون) يمتص جانبا من التصوف ثم يعيد نسجه وتنظيمه وفق ما تزود به من علوم ومعارف دينية. وهنا نلاحظ أن الشاعر الشعبي لا يجهل الأبعاد الحضارية لخطابه، فهو يستفيد مما تعطيه الجماعة الشعبية كما يستفيد من مؤهلاته الاجتماعية و الثقافية.
ويلاحظ المتتبع لقصائد الشعر الشعبي (الملحون) أن الحكاية التي يرويها الأدب الشعبي هي سبيل واضح لاستكشاف الوعي الصوفي في مستوى من مستوياته، والتعرف و لو بشكل أولي على ما يعتمل داخل المجتمع من نشاط ديني وثقافي. وغني عن القول أن الشاعر الشعبي الصوفي متأثر بالثقافة الدينية والشعبية التي أخذها من محيطه والوسط الذي عاش فيه، هذه الثقافة التي تعتبر زادًا معرفيًا متنوعًا تقدمه (الجامعة الشعبية) المتمثلة في المساجد والزوايا.
وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على أن معظم شعراء الملحون الجزائريّين والمغاربيّين إن لم نقل جميعهم هم من الصوفية .و نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر :
سيدي لخضر بن خلوف، عبد العزيز المغرواي، الحاج محمّد النجّار، الحاج عيسى لغواطي، الشيخ عبد الرحمن المجدوب، الحاج مبارك بو لطباق، سيدي أحمد لغارابلي، عبد القادر بلوهراني، سيدي أمحمّد بن عودة، سيدي بلحسن وغيرهم.
ومن الممكن أن نضيف إلى هؤلاء أسماء أخرى من الشعراء الذين كتبوا في المديح النبوي والوعظ ومدح الأولياء والصالحين، حتّى و إن لم يشتهروا كصوفية ولكن نصوصهم مشرّبة بالروح الصوفية والمصطلحات الصوفية.ومن بين هؤلاء الشاعر التلمساني أبو عبد الله الحاج محمّد بن أحمد بن مسايب الذي عاش في القرن 12 الهجري و أصله من الأندلس، كان يكتب في العديد من الأغراض غير أنّه عندما يكتب في المديح النبوي أو الوعظ أو مدح الأولياء، لا يستطيع القارئ أن يميّز بين شعره وشعر غيره من الشعراء المتصوّفين وذلك لشدّة غوصه في الأحوال و التعابير الصوفية.

4- اللغة الصوفية في أشعار محمد بن مسايب :

إن القليل الذي نعرفه عن حياة الشاعر الشيخ محمد بن مسايب حصلنا عليه عن طريق التقاليد الشفاهية. ويمكننا أيضا أن تستشف حياة الشاعر من خلال إنتاجه الذي يختزن عاطفة صادقة ويحمل وقعا مؤثرا. ولقد أمضى بن مسايب شبابه في ممارسة مهنة النسيج التي ساهمت على ما يبدو بطريقة أو بأخرى في تنمية ذوقه الفني. ويبدو أيضا أنه منذ شبابه المبكر أصيب بغرام أرقه وعذبه. غرام فتاة اسمها "عيشة". ويظهر أن بن مسايب أصيب بخيبات عاطفية عديدة دفعته إلى قطع علاقاته مع الحب الدنيوي حيث لم يكن أيضا بعيدا عن معاناة البسطاء من الناس. وهو لا يخفي غضبه ومخاوفه إزاء محيط فاسد في أعماقه جراء ظلم الولاة الأتراك من جهة ولامبالاة الأغنياء الأنانيين والمتكبرين من جهة أخرى. هذه العوامل مجتمعة هي التي حولت بن مسايب على ما يبدو من شاعر للحب الدنيوي إلى شاعر للحب الإلهي بامتياز.(10)
ومن القصائد التي توحي بتبحّر محمّد بن مسايب في المجال الصوفي ومعرفته العميقة بالطريق
وأهلها على الأقل في الجانب النظري، يمكن ذكر ما يلي:
( الوفاة) وهي قصيدة في وفاة الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ( يا الوحداني) وهي في موضوع التوبة والاستغفار ، (ماوفاشي طلبي) وهي قصيدة يوحي ظاهرها عند القراءة السطحية بأنها غرامية، غير أنه يقول في آخرها :
" نمدح جدّ الشرفا صاحب الحوض أحمد سلطاني
غفرانك يـا ربي حرمة النبي الماحي الطاهر
فيه غاية رغبي بيه راني متولّع يـــاسر " (11).
والواقع أن المتمعّن في نص هذه القصيدة يجد فعلًا تعابير غرامية كثيرة شائعة في أجوائها، وعندما نقول تعابير "غرامية" فنحن لا نقصد العاطفية منها فحسب بل نقصد أيضًا التعابير الحسّية الجسدية مثل قوله :
" محبوبي كحل العين والشفر والحاجب والسالف
حسنه مكمول الزين يسحر العاشق بسر مخالف
ديما فوق الخدين الورد فاتح لونه متخالف" (12)
إلى غير ذلك من التعابير التي توحي للقارئ أن الشاعر يصف امرأة لا رجلًا، ما يجعله يتوهّم ان القصيدة غزلية وهي غير ذلك. وهذه عادة الشعراء الصوفية في تعابيرهم العشقية الجيّاشة التي تفيض بمعاني الحب تجاه الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام و الأولياء الصالحين. ومن المعروف أن الصوفية كانوا على طول تاريخهم (وعلى خلاف العديد من الفقهاء وعلى الخصوص الحنابلة منهم ) يستشعرون الحرية كلها في التعبير عما يجيش بداخل أنفسهم من المشاعر والعواطف والأحاسيس والمواجيد (من الوجد) الناتجة عن طبيعة العلاقة التي تربطهم بالله تعالى من خلال ما يمارسونه من عبادة وتقرب إلى حضرته القدسية. فاللغة الصوفية تنطلق عندما تعجز اللغة العادية. وهذا أمر هو في الواقع فوق طاقة الصوفية، لأنهم لا يملكون القدرة حتى على اختيار ألفاظهم أو التحري في نحتها وتدقيقها، في الوقت الذي يكونون مأسورين داخل حالة الشهود الإلهي. ومن هنا فإن التعابير التي نجدها عند بن مسايب وغيره من شعراء الملحون في مجال (المدح) أو (الجد) والتي يوحي ظاهرها أنها تتعلق بغرام جسدي، هي في الواقع لغة ومفردات صوفية باطنية. فإذا كان بن مسايب يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام بألفاظ الحب الجسدي، فذلك لأنه في الواقع وتحت تأثير حالة الوجد التي تحدث خلال "الاجتماع" أو "الاتصال" الروحي بالنبي عليه الصلاة والسلام سواء في اليقظة أو في المنام، لا يجد الشاعر قاموسا آخر ينطق به سوى القاموس الذي يتحرك في حالات (العشق) لأن ما يجيش داخل نفسه وروحه حيال شخص النبي عليه الصلاة والسلام هو فعلا (عشق) على اعتبار أن حالة (العشق) تمثل في القاموس العربي درجة عالية من الحب، وعلى اعتبار أن حب النبي عليه الصلاة والسلام إلى أقصى درجة ممكنة، هو أمر مفروض بنص القرآن الكريم في قوله تعالى (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله ) الآية. ومفروض أيضا بنص السنة في الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه أهله وماله والناس أجمعين) أو كما قال. من هنا تنطلق مسألة الحرية اللغوية بالنسبة لصوفية في التعبير، سواء عن الحب الإلهي أو حب الرسول عليه الصلاة والسلام. فأن تحب إنسانا أكثر من نفسك وأهلك ومالك والناس أجمعين، لا يجد الصوفية له مصطلحا يعبر عنه سوى مصطلح (العشق).
ودائما في قصيدة (ما وفاشي طلبي) نجد بن مسايب يصرح منذ البيت الثاني أنه لم يكن في يوم من الأيام يخفي ولعه بالنبي (ص) حيث يقول :
"بيه مولع قلبي/ كنت من بكري ظاهر شاهر"
ويتحدث عنه لا على أساس أنه نبيه فحسب بل على أساس أنه "محبوبه" بل ويصف الكثير من جماله الجسدي (وغالبا لا يصف الشاعر سوى ما يرى) فيقول :
"ديما فوق الخدين/ الورد فاتح لونه متخالف
واين كان مربي/ غرس بستانه فيه نواور"
وكذلك نجد بن مسايب في قصيدته أو بالأحرى (زجله) المسمّى (بدر الدجى عسّاس) ، الذي يغنّى في الطابع الأندلسي او النوبة (رهاوي) على إيقاع (الانصراف)، فإن المستمع يتصوّر أن هذا (الزجل) هو في الخمرة والغرام، فهو يقول :
" بدر الدجى عسّاس والليل راح
يحلى الطرب والكاس بين الملاح
قم يا نديم قم دير الكيوس
فايق من النوم تجلس جليس"
وهذا النص هو في الواقع في مدح الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ويعرف القارئ والمستمع ذلك عند قول الشاعر:
حبي من نهواه بدر البدور
سبحان من علاه فاق كل نور
عزو الكريم وعطاه زهو الصدور
منو زهات الناس قطب الفلاح
يحلى العود والكاس بين الملاح
زهوي وعشقي فيه سيد البشر
قلبي مولّع بيه ما لي صبر
في محبته خلّيه تفنى العمر
من كل وسواس قلبي ارتاح
يحلى العود والكاس بين الملاح
نهوى ظريف القد ظبي الفلا
بالغرة والخد بدر انجلا
والحاجبين سود دفعوا البلا "(13)
ويدخل بن مسايب من خلال هذا الزجل في تقاطعات كثيرة مع الزجل الأندلسي الذي يحمل الطابع الجسدي الدنيوي، غير يزرع فيه مفردات تنبه القارئ والمستمع إلى أنه لا يحيد عن الرؤية الصوفية، يقول :
"أبو عيون شهال غنج الشفر
زاد بهاء وجمال ذاك القمر
من نوره طلال بان الفجر
أبيض من قرطاس بضياه لاح
يحلى العود والكاس بين الملاح
سيد الورى المليح ما له مثيل
حسن بديع سميح باهي جميل
منه ضاء التصبيح يخجل خجيل
والقد غصن الياس إذا انفتح" إلى أن يقول :
يا كاسب المال ربحو قليل
من تبعو ينال منو الدليل
قال مسايب قال خلي الجميل
من يفدي ذا الناس يوم الفضاح" (14)
قد يظهر للقارئ أن بعض ألفاظ ومفردات بن مسايب رحمه الله مبالغ فيه. لكن هذه "المبالغات" قد تكون عبارة عن رد فعل طبيعي لما كان سائدا على مر العصور من المبالغة الأدبية من طرف الكتاب والشعراء منهم على وجه الخصوص، في الحديث عن الحب الدنيوي. في حين قد يرى الصوفية، وهم مصيبون في ذلك، أن تلك المفردات ما ينبغي أن تقال إلا في حق الله تعالى. ومن هنا نقل الصوفية الكثير من الشعر الفصيح في مجال المدح من الساحة البشرية إلى مدح الذات الإلهية مثلما فعلوا مع قول أبي فراس الحمداني في مدح سيف الدولة :
"فليت الذي بيني وبينك عامر/ وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود يا غاية المنى/ فكل الذي فوق التراب تراب".
إن المبالغة في توظيف المفردات العشقية فيما يتعلق بالحب الدنيوي جعلت شعراء الصوفية أو شعراء الملحون عموما ينقلون تلك المبالغات في قصائدهم إلى ساحة الحب الإلهي.
ويلاحظ في هذا الصدد أن محمّد بن مسايب يقتدي بالشعراء الصوفية الذين ليست لديهم مشكلة او عقدة من التحدّث عن ( العشق) وهو درجة عالية من المحبّة لله تعالى، أو الرسول (ص) أو الأولياء والصّالحين. ونلاحظ الأمر نفسه في قصيدة (هاض الوحش عليّ) التي يتحدث فيها عن الكعبة المشرفة ويقول فيها :
طال الضر ولا لي طبيب نتوحش خيال الحبيب
أنا نهوى غصن الرطيب نيرانو مقديا
باقي هايم وحدي غريب ما ولاشي ليا
نارو في القلب راها قدات من تفكار إمام البنات
من نهواها راها مشات لكن بلا سية
صبر القلب علي جفات يا عالم الخفيا
نطلبك يا ربي الحنين راني من ذا العدرا مكين
حبها في حشايا سكين مكوي كم من كي" (15)
وفي القصيدة المعنونة في ديوانه "ليك نشكي" والمشهورة أكثر باسم "الوحداني" يمارس بن مسايب (التوسل) بالنبي وآله والأولياء، ويستعمل العديد من المصطلحات الصوفية مثل (الذكر) (أهل الله) (باب الله) (السر) (البكاء على الذنب)..كما هي حال جميع الصوفية.
ويعبر بن مسايب أيضا عن مدى (عشقه) للرسول (ص) في قصيدته "هاض عني وحش المحبوب" حيث يقول إن (حبه) و(عشقه) للنبي (ص) و (غرامه) به، وصل به إلى درجة (الجنون ) وهي كلها مصطلحات شائعة الاستعمال عند الصوفية ويضيف إليها مصطلح (الاخوان) أي (المريدون). ويقول بن مسايب إن من (عرف) و(ذاق) و(جرب) حقا حب الرسول (ص)، يكثر (همه) و(تشتعل نيران قلبه) في حبه و (يذوب عقله) فيه بل (تذوب فيه كل جوارحه). فمن كانت (حاله) هكذا سرعان ما يصل به (حبه) إلى درجة (الجنون) حيث يصير (أسير) ذلك (الحب) كما هي (حال) من يقع أسيرا داخل قلعة تحيط بها أسوار عالية وعليها حراس أشداء بحيث لا يستطيع منها فرارا. ثم يتساءل بن مسايب عن المحبين
(من هم ؟) و(أين هم ؟) لشدة خفائهم. يقول (إنهم يعبدون الله باليقين) وهو (يودهم بأسراره) لكنهم (لا يبالون بأحد في علاقتهم به وعبادتهم له).
يقول بن مسايب رحمه الله :
"هاض عني وحش الهادي/ يالله بلغ مرادي
تنطفا نيران كبادي/ محايني جارو
هاض عني يالخوان/ سيد الكون بن عدنان
يالله كمل يا رحمان/ قودني لكوثارو
القلب فر ليه بلا جنحان/ والجوارح طارو
العقل فر ليه بلا جنحان/ والعيون نهطلو وديان
الغرام يهدف بالغيوان/ بالعساكر غارو".... إلى أن يقول :
يالي جربتو لمحان/ جوارحي طارو
باش تطفا نار الممحون/ دبرو على هذا المغبون
واين حالو كيفاش يكون/ من عرف مقدارو
ينقبض كيف اللي مجنون/ في حصن بسوارو
فاينهم المحبين/ ما يارهم واحد أواثنين
ما يراهم طرف العينين/ ليلهم ونهارو
يعبدو ربي باليقين/ يودهم بسرارو
يعبدو ربي باليقين/ ما يشوفو للي حيين
منزلهم أعلى عليين/ روضهم باشجارو (16)
وله أيضا قصيدة أخرى في مدح الرسول (ص) مطلعها "هاجت بالفكر شواقي" وردت في الصفحة 79 من الديوان يستعمل فيها حشدا من المفردات الصوفية :
(الشوق) (العشق) (الساقي) (الكاس) (الذوق) (الحب) (المحبوب) (اللقاء) (الوجد) (التيه) (السياحة) (العهد) (الميثاق) (القلب) (النفس) (الحضرة) (أصحاب الحضرة) (الرحيق) (الخمر) (السكر) (الهوى) (الطريق) (الحلة) (التحقق) (الوفق) (الحق) (الاحتقاق) .
الملاحظة نفسها يمكن أن نسوقها حول قصيدة "نار الهوى" الواردة في الصفحة 86 من الديوان والتي نظمها في مدح الرسول (ص) أيضا حيث نجد المفردات التالية :
(الهوى) (الوصول) (الفراق) (السر) (البوح) (الفيض) (الوجد) (الخمر) (الشراب) (الحجاب) (الوصال).
وفي هذه القصيدة (نار الهوى) يستشعر بن مسايب حرية كبيرة في إرادته تقبيل الرسول (ص) (مرة أخرى) من خده وكأنه فعل ذلك من قبل، بل ويقول (إنه اشتهى ذلك) :
"نار الهوى لهبت لهيب/ في قلبي ودموعي سياح
لله يا شمس المغيب/ سلم على سيد الملاح....
بعد المغيب يا هل ترى/ ياتي زاير من هويت
تقبيله مرة أخرى/ من هذاك الخد اشتهيت"
ويصفه بقوله :
"شهل العيون غنج الشفر/ حمر المراشف والخدود
من حسنه غار القمر/ والشمس في سعد السعود"
بل إن بن مسايب لا يجد حرجا في أن يجمع في هذا السياق بين مدح الرسول (ص) والتعبير عن شوقه إليه وبين التعبير الصوفي الرمزي من خلال الحديث عن (الخمور) و (الشراب) حيث يقول :
" نتناولو كاس الخمور/ من صفوا (كذا ولعلها : من صفوها) طيب الشراب
بين المنارات والقصور/ عود يصيح مع الرباب
والفجر راخ الستور/ والفجر بان تحت الحجاب
من فارقني بُعدو صعيب/ بعد وصالي لا سماح
لله يا شمس المغيب/ سلم على سيد الملاح".
وبينما يرفض بعض فقهاء "المدرسة السلفية" والوهابيون عبارات مثل (سيدنا محمد) أو (محمد عين الوجود) وهي كثيرة الاستعمال عند الصوفية، نجد بن مسايب في قصيدة "الحرم يا رسول الله" الواردة في الصفحة 91 من الديوان يقول :
"الصلاة على الرسول الهادي/ عين الوجود محمدي
تاج الرسل سيد سيادي/ سيدي وسيد خلق الله
مداح نمدحك بنشادي/ حتى نصير نلقى الله".
وتشيع المفردات الصوفية أيضا في قصيدة "يا الورشان" الواردة ص 97 من الديوان :
(الوالي) ( القطب) (أهل الله) (الصلاح) أي الصالحون (أهل التصريف) (القبة) (الوعدة) (البركة) أي بركة الأولياء (كيسان الراح) (الخمور) (باب الله) (المخمر) (الزيارة) أي زيارة الأولياء (الباطن) (الفراق) (الشوق) (الهوى) (الذوق) (الشاوش) (الكسوة) (الفقرا) (الحجاب) (الدليل) بمعنى الهادي أو القائد (المسعود) من السعد (الأسرار) (الكتمان).
الأمر نفسه نجده في قصيدة "هاج غرامك" و "أبوعلام" الواردتان على التوالي ص 104 و 106 من الديوان واللتان خصصهما بن مسايب لمدح سيدي عبد القادر الجيلاني. ففي القصيدة الأولى نجد المفردات التالية :
(الغوث) (العارف بالله) (سلطان الاولياء) (الحال) (الصلاح).
وفي القصيدة الثانية نجد المفردات التالية :
(الفناء) (البحر) (الزيارة) (الخمر) (الكاس) (سقاني) (الشرب) (الحال) (المقام) (العلام) أي السنجاق.
في هذه القصيدة يوظف بن مسايب الأسلوب نفسه الذي وظفه في مدح الرسول (ص) من حيث الجرأة في الطرح وتحريك الأسلوب الغرامي في التعبير حيث يقول :
"نبات أنا فوق مطارح/ مبسوط حالي ديما فارح
واربايبها تتصايح/ شبابات والاغاني
حتى خمرنا بحرو سابح/ بيده الكاس سقاني
الخمر من الشفة حبيته/ وفي الخاطر تمنيته
ممن بعيني ريته/ ما ملكت صبر راني
كاس مدامي مليته/ وشربت ما رواني"
ويطلب بن مسايب من سيدي عبد القادر (أن يساعده حتى يراه) ومعروف أن مسألة اللقاء والاجتماع بالأولياء والصالحين والأخذ عنهم بعد موتهم، لا توجد إلا عند الصوفية، حيث يقول الشاعر مخاطبا سيدي عبد القادر:
"ساعدني حتى نراك/ نضحى فرحان وزاهر
قادر رافع الافلاك/ يغفر حتى للكافر
يا سلطان الاوليا/ يا جبار المكسور
يا دمار الخزيا/ خبرك شايع مذكور".
وفي قصيدة "يا اهل الله" ص 109 من الديوان، وهي قصيدة مطولة تضم 113 بيتا نظمها في مدح الأولياء والصالحين، يوظف بن مسايب المفردات والعبارات الصوفية التالية :
(الغوث) (أهل الله) (البركة) (أهل الله) (بركة أهل الله) (التصريف) (أهل التصريف) (القطب) (الأغيار) (الحضور) أي حضور الولي (البحر) أي بحر الولي (العهد) (الكمال) (السر) (صاحب السر) (الخمار) (التصوف) (أهل التصوف) (أولياء الله) (الأسياد) (أولياء الله الأسياد) (الزيارة) (الزيار) أي الزوار (القطب) (المغيث) أي الولي (الحكمة) (البرهان) (صاحب البرهان) (الشريف) (صاحب الحكمة والبرهان) (صاحب الحكمة والبركة) (السر) (الكتمان) (الكاتم سره) (المقام) (الكاس) (الشرب) (الذوق) (أهل الذوق) (الحال) (أهل الحال) (أهل الحال والاحوال) (التوسل) (الوصال) (العارف).
و في هذه القصيدة المطولة، يظهر تبحّر محمّد بن مسايب في معرفة الاولياء والصالحين من الصوفية حيث يذكرهم بأسمائهم وصفاتهم وهذه قائمة أسمائهم على الترتيب الذي جاء في القصيدة:
سيدي عبد الله، سيدي التهامي الحسني (سبطه)، سيدي عبد القادر الجيلاني، القطب أبو عزة، سيدي أبو العباس، سبعة رجال، سيدي محمد بن عيسى، سيدي المحجوب، سيدي أحمد السوسي، سيدي المجدوب، سيدي بوجيدة، سيدي الشاوي، سيدي بالحرازم، سيدي البرناوي، سيدي عبد الحق (وأخوه الذي لم يذكر اسمه)، سيدي بلقاضي، سيدي الخمار، سيدي بو شتا، سيدي معزوز، سيدي أحمد الخرشوش، سيدي عزوز، سيدي بن بوزيان، سيدي الفضيل، سيدي عبد الرحمان، سيدي الجيدار، سيدي وهاب، سيدي يعقوب، سيدي أحمد بن ناصر، سيدي بن يحيى، سيدي الرصاع، سيدي يوسف، سيدي الحسن بن مخلوف، سيدي موسى، سيدي بن زينة، سيدي الحباك، سيدي أحمد بن بنة، سيدي الحلوي، سيدي سعيد البوزيدي، سيدي همان بن مرزوق (يقول : الحفيد وجده)، سيدي حدوش، سيدي بن دريس، سيدي المريني، سيدي بوجمعة، سيدي الحاج العشري، سيدي السنوسي، سيدي ابن المقري، سيدي أحمد بن زكري، سيدي المغيلي، سيدي الشيبلي (أو الشبيلي)، سيدي بومدين، سيدي أو العلا، سيدي عياد، الإمام علي (ويذكر معه ابن أخيه الذي لا يسميه)، سيدي ابراهيم النعار، سيدي التميمي، سيدي بن العطار، سيدي أبو إسحاق الطيار، سيدي الحوثي بن منصور، سيدي محمد بن علي، سيدي الهواري، سيدي عثمان، سيدي بلقاسم (الوالي مولى مزغران)، سيدي حمودة (خويا حمو)، سيدي عابد، سيدي عيسى بن داود، سيدي امحمد بن عودة، سيدي معروف أويس، سيدي أحمد بن ناصر، سيدي أحمد بن يوسف، سيدي أحمد (مولى صاكة)، سيدي علي مبارك (دفين القليعة)، سيدي عبد الرحمن الثعالبي، سيدي منصور الشريف، المغراوي، سيدي بن سليمان، سيدي بدر الدين، سيدي العروسي، سيدي علي الفاضل، سيدي بن يونس، أبو يزيد البسطامي (القطب أبا يزيد)، سيدي الباجي، سيدي الزروق، سيدي أحمد البدراوي، ابن عرفة (الفقيه المالكي)، التتائي (الفقيه المالكي)، سيدي خليل (بن إسحاق بن موسى الفقيه المالكي صاحب المختصر الشهير)، مسلم (صاحب الصحيح)، البخاري (صاحب الصحيح)، أبو أيوب الأنصاري (الصحابي)، الأنصار، المهاجرون، أبو بكر رضي الله عنه، عمر رضي الله عنه، عثمان رضي الله عنه، أهل بدر رضي الله عنهم، أصحاب البيعات (من الصحابة رضي الله عنهم)، حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، ويختم بعلي بن أبي طالب كرم الله وجه ورضي الله عنه وبأولاده وأهله.
وفي هذه القصيدة أيضا يتحدث بن مسايب عن (الشرفة) وهم المنتسبون لآل البيت رضي الله عنهم وهم عترة النبي عليه الصلاة والسلام، مذكرا بخصوصيتهم من جهة قرابتهم من النبي (ص) وما خصهم الله تعالى به من الآيات الكريمة حيث قال عز من قائل في سورة الأحزاب : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وكذلك مئات وربما آلاف النصوص الواردة بحقهم في السنة النبوية الشريفة. وفي هذا السياق يذكر بن مسايب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، بهذه الخصوصية التي للأشراف المنتسبين لآل البيت الذين يسميهم (أهل الفرع الأصلي من اولاد محمد وعلي) ويقول :
"واين أهل الفرع الأصلي/ من اولاد محمد وعلي...
واين سعيد البوزيدي/ الشريف الخاذي بيدي
نمدحه سيدي بن سيدي/ ونزيد جميع ألي مدحوه...
أهل جندل وابن علال/ الشريف الوافي عهده...
واين هو سيدي منصور/ الشريف التاقي المشهور
من عظم في أهل الجمهور/ وعظم في مزغنة حرمه...
واين البطل شديد الباس/ حيدرة واولاده واهله
بهم سألت رسول الله/ يوصل لي اليوم نراه."
وفي هذه القصيدة أيضا يتحدث بن مسايب عن كرامات الأولياء بأسلوب يوحي لقارئ أن الشاعر يؤمن بها إيمانا عميقا حيث يقول :
واين الحوثي بن منصور/ صاحب البرهان المذكور
المسلك من هو ميصور/ في يد الاعدا بعد ان قبضوه
قل ذا الساعة من يقصد/ بن علي سيدي محمد
من دخل حماه وسند/ يتحرر الله ضمنه
شاهدت له الناس البرهان/ وانشهر خبره واضح بان
شاعت اخبارو في البلدان/ قال (ولعلها : قالو) لو صبنا نزوروه
كل من زارو ياسادات/ ما يروح بلاشي هيهات...
واين سيدي احمد بن ناصر/ صاحب البرهان الظاهر
من قطع الواد ثم جر/ والحجار والدفلى تبعوه
واين سيدي احمد بن يوسف/ أهل زكار وبنو يخلف
واين من بيده غلب وعف/ وعتق جميع ألي ظلموه...
واين أحمد مولى صاكة/ صاحب الحكمة والبراكة
من دخل مقامه وشكى/ يرغب الله يرفع ضره...
واين همان أهل الخطوات/ من مشى فوق الما بثبات".
وفي مقام التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين يقول بن مسايب في القصيدة نفسها :
وايت أهل التقى والدين/ كلهم الموتى والحيين
من توسل بهم في الحين/ ينجى وينجبر كسره...
واين أهل وطن متيجي/ فيهم انا راني نرجى
علي المبارك يقضي الحاجة/ لكل من مشاو وقصدوه...
من يتوسل بالأنبياء/ والرسل مع الأوليا
حاجته يبشر مقضية/ إذا عملها حقه يرضوه
من يتوسل بهم ينال/ فرح وهنا حتى الوصال
ينتقل من حال إلى حال/ لله الحمد على وفقه
من يتوسل بهم تحقيق/ يطلب من الله التوفيق
يسلكه من الشدة والضيق/ يسبل عليه الله ستره".
ويتضح من قوله "من يتوسل بهم تحقيق/ يطلب من الله التوفيق" أن بن مسايب يفهم جيدا الإطار الذي ترد فيه مسألة التوسل، وأن التوسل ليس واردا في باب الاعتقاد بانفراد الأنبياء أوالأولياء بالقدرة أو القوة من دون الله تعالى، بل هو وارد من باب أن الله تعالى يكرم أنبياءه وأولياءه وخاصته باستجابة دعاء من يتوسل بجاههم. وذلك مشروع ووارد في حديث عثمان بن حنيف في صحيح مسلم. وفي هذا السياق يشير بن مسايب إلى أن التوسل ليس أن تقول (يا رسول الله أعطني كذا) بل أن تقول (اللهم إني أسألك كذا بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أو بجاه وليك الصالح فلان) وهذا أمر مشروع لا غبار عليه. بل إن التوسل جائز أيضا عند جماهير الفقهاء والمحدثين بأسماء الله الحسنى وبصالح الأعمال كما هو وارد في الحديث الصحيح الذي يروي قصة الثلاثة الذين دخلوا كهفا فانغلق عليهم بابه فلم ينجهم من ذلك الموقف سوى الدعاء والتوسل إلى الله بصالح أعمالهم. وقد حقق الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي هذه المسألة في كتابه "فقه السيرة" فليراجع.


ـ الخلاصة

من خلال ما سبق، يتبين مدى تأثير التصوف عموما والطرق الصوفية خصوصا، على الشعر الشعبي (أو الملحون) وعلى الخصوص على الشاعر الشيخ محمد بن مسايب.
وبعد، فإن البحث في هذا الجانب في الجانب الصوفي من إنتاج الشاعر محمد بن مسايب يبقى في بداياته الأولى بسبب قلة المصادر والمراجع، وقبل ذلك بسبب عدم تدوين كل المادة الشعرية الخام المتعلقة بهذا الموضوع.


الهوامش

1ـ الكلّاباذي (أبو بكر محمد بن إسحاق): التعرف لمذهب أهل التصوف، (بيروت : دار الكتب العلمية، 2001)، ص 09-10.
2 ـ السابق، ص20.
3 - سعد الله (أبو القاسم ) : تاريخ الجزائر الثقافي، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط1، 1998)، 1 / 187
4 ـ السابق، 2/438.
5 ـ السابق، 2/439.
6 ـ السابق.
7ـ السابق، 2/440
8ـ السابق، 2 /442
9 ـ حشلاف (الحاج محمد الحبيب): الجفر في الشعر الشعبي الملحون المغاربي، (الجزائر، الديوان الوطني لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة، 2004)، ص 09.
10- بخوشة (محمد) : كتاب الحب والمحبوب، تلمسان، دار ابن خلدون، 2004 )، ص ص 20 - 21 .
هـ)، ص 70. بجمع وتحقيق
12ـ السابق، ص69.
13ـ السابق، ص 70-71.
14 - السابق، ص 72 .
15 - السابق، ص 73 - 74 .
16 - السابق، ص 75 - 76 .

مراجع البحث :

1ـ الكلّاباذي (أبو بكر محمد بن إسحاق): التعرف لمذهب أهل التصوف، (بيروت : دار الكتب العلمية، 2001).
2 ـ القشيري (أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن): الرسالة في علم التصوف، (بيروت: دار الكتاب العربي، بدون تاريخ).
3 ـ الحفني (عبد المنعم ) : معجم مصطلحات الصوفية(بيروت : دار المسيرة، 1980).
4 ـ سعد الله (أبو القاسم ) : تاريخ الجزائر الثقافي، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط1، 1998).
5 ـ حشلاف (الحاج محمد الحبيب): الجفر في الشعر الشعبي الملحون المغاربي، (الجزائر، الديوان الوطني لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة، 2004 ).
6 ـ ابن مسايب، (أبو عبد الله محمّد بن أحمد): الديوان، (تلمسان: مطبعة بن خلدون، 1370 هـ).
07- بخوشة (محمد) : كتاب الحب والمحبوب، ( تلمسان : دار ابن خلدون، 2004 ).

كاتب البحث صحفي وباحث جزائري في مجال التصوف والطرق الصوفية.
saidaho@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف