فتنة اسم على مسمى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أميرة القحطاني قلم نسائي جديد
في عمل روائي يفصّل فتاة أسمها على مسمى: فتنة
"كثيرون هم الذين ذهبوا إلى الحج ولم يعودوا. ماذا لو لم تعُد أمي معنا؟
يجب أ لا يذهب تفكيري إلى هذا، فالذين يعودون أكثر.. ولكن ماذا لو لم تعٌد أمي معنا فعلاً؟
لقد قالت لي ذات يوم أنها رأت نفسها في المنام وهي تتحدث إلى جارتنا أم عبيد وتقول لها: " أنا قادمة من الحج ". يخيفني هذا الحلم، فهي تتحدث إلى امرأةً ماتت منذ زمن وتقول لها: "أنا قادمة"!!
قادمة إلى أين؟ إلى أم عبيد في العالم الآخر؟ أم قادمة إلينا في هذا العالم؟
يالله.. لِمَ عل.. "
لاأعرف كيف سيتصرف أحدٌ غيري، فيما لو لم تسعفه إحدى إشارات محافظة الخبر الطويلة، في إحدى ليالي نهاية الأسبوع المزدحمة من إكمال رواية "فتنة"! خصوصا، إذا ماكان هنالك فضولٌ ملحٌ لمعرفة مصيرالأم بعد موسم الحج، قد زرعته الكاتبة في رأسي قسراً، وإشارتان ضوئيتان طويلتي الطوابيروالمدة تفصلانني عن المنزل، ولكنني أعلمُ
فتنة، هي الرواية التي لن يُصدق قارئُها أنها الأولى لكاتبتها، الكاتبة والصحافية "أميرة القحطاني"، روايةٌ خفيفة، مشجعة، قد تغريك صفحاتها الأربعة والثلاثون بعد المائة في إنهائها خلف إشارةٍ ضوئيةٍ حمراء، أو على طاولةِ بإنتظار وجبة طعام، أو حتى واقفا بإنتظار جهوزية المحرك للإنطلاق للعمل! أول ماسيشدك فيها كلمات الراوية، التي مَلئت بها مساحةً أُعتيدت أن تُملأ بكلمات المسؤولين الكبار، والأدباء المعروفين،الذين تسهم كلماتهم في التسويق للعمل، ثم شخصية الأمير الشاعر "خالد الفيصل" الذي تعلنه الكاتبة كبطل من أبطال الرواية، وربما كان هذا هوالسبب الحقيقي في استغناء الكاتبة عن كلمات الأدباء والمسؤولين في التسويق لعملها، فمجرد حضور اسم الأمير الشاعر في رواية، كفيل بالتسويق لها فمابالك وان حضر كبطل من أبطالها! وأخيراً خفة الظل اللتي تعلن بها تحفظها على وسامة الأديب "عبده خال"! ثم تجنيها على باقي الأدباء، باتهامها لهم كلهم بالأفتقاد للوسامة، وكأنها ندمت على اتهامها لعبده خال هذا الإتهام وأحبت أن تعتذر له، "فأعمتها بدل أن تكحلها"!
أحداث الرواية تدور حول فتاة اسمها "فتنة"، عانت في طفولتها وحتى صباها من انفصال والديها، السبب الذي شطرها إلى شطرين منفصلين، أحدهما يأوي على أمها الشابة، القطرية، الحضرية، ذات الجمال، وبنت الحسب والنسب، ويستقر معها ويحبها - وكل الفتيات متحيزات لأمهاتهن، ويحببنهن، وينصرنهن، ظالمات كن او مظلومات - والأخر يحقد على أبيها، السعودي، القبيلي، البدوي،، بن الجنبوب، كبير السن، ويكرهه - وكل الفتيات يكرهن آبائهن بعد الإنفصال، ويُحملونهم المسؤولية، حتى لو كان هؤلاء الآباء المساكين، هم الضحايا وليسوا الجناة، كما سنفهم من كلمة هجر، في جملتها: "عندما هَجَرت والدي فطلقها"، أي أن بذرة الإنفصال رُميت بيد أمها، لما هجرت أبيها وليس العكس، وأن تطليق أبوها لأمها، ماهو الا رد فعل طبيعي على هجران الأم له - رغم كل اللطف والإحترام الذي كان يسبغه عليها، تقول في صفحة 11:
""صلافته" وقوّته وبُعدُه الدائم عنا، لم يثنوه من أن يعاملنا كنساء معاملة خاصة. فقد كان لطيفاً معنا ومتواضعاً إلى حد الخضوع. وكان يحترم إخوتي ويتعامل معهم بشكل رسمي. لم نشعر في يوم بأن هذا الرجل كان والدنا من شدة احترامه لنا."
هذان الشطران المنفصمان من شخصية فتنة سيتحولان في الرواية إلى لسانين، يكيل أحدهما الشتائم واللعنات على أبيها، وعلى كل الرجال، بسببه - باستثناء طبعا، الأمير الشاعر "خالد الفيصل" الذي تحوّل إعجابها بقصائده إلى حب يائس من طرف واحد لشخصه - كما سنلاحظ في بعض جملها هنا:
" هكذا هو الرجل يقف دائماً خلف كل مصيبة تقع على المرأة " صفحة 8
"أسوأ عمل يمتهنه الإنسان هو خدمة الناس وتلبية طلباتهم التي لاتنتهي.. أفضل أن أعمل في مقلب قمامة على أن أعمل مضيفة طيران أو جرسونة في مطعم أو خادمة في منزل أو زوجة لرجل! " صفحة 9
وهنا في تساؤلاتها عن الأسباب التي دفعت أحد الأطفال الى الشحاذة " أين أبوه؟ لو كان له أب لما تحولت عيناه الى يد قاحلة. ولو كان لي أب لما تحولت الى علبة معدنية فارغة تلعب بها الرياح في كل..." - ص 13 ثم وهي تكمل: " لابد أن أمه تتمزق ألما وهي ترى هذه القطعة الصغيرة من كبدها تتسول من أجل لقمة العيش " - لاحظوا القاء تهمها على الأب وتبريراتها للأم وكأن الحجاب قد كشف عنها لتعرف أن الأب هو المتسبب في بؤس هذا الصبي وأن الأم هي التابع لمعاناته صفحة 14
ثم في كلامها عن أخوتها في صفحة 15: " لم أر من أخوتي شيئا حسنا منذ أن ولدنا معا "...الخ
، وآخر يردد سؤالاً خائفاً على مدار رحلة حج كاملة، هي قوام الرواية: "ماذا لو لم تعد أمي؟ "
القارئ للرواية سيلاحظ تحجيم الشخصيات وحبسها في إطارات ضيقة جدا، لاتكاد تخرج منها ولا تستطيع التحرك والنمو في داخلها، الشخصيتان الوحيدتان اللتان نميتا في الرواية ان صحت كلمة النمو على تلك القفزات الغير مبررة بأحداث وسطية، هما شخصية بطلة الرواية "فتنة" عندما تحولت في نهاية الرواية من الفتاة اللتي تتسائل بغضب في صفحة73 -72:
" كيف تستطيع المرأة أن تعيش مع رجل ذهب ليأتي بواحدة أخرى لتشاركه الحياة لو فرضنا بأنه تكرّم عليها وأبقاها معه؟ ألا توجد لديها كرامة أو عزة نفس تمنعها من اإنحدار بنفسها إلى هذا المستوى؟
كيف تقبل المراة أن تكون كالبهيمة التي تعيش في "زريبة" مع "فحل"؟!!!"
ثم وهي تستنكر بشدة قبول الزوجة الثانية من الأرتباط برجل متزوج وعنده أولاده:" طيب ياأختي، زوجته هذي اللي تزوج كانت تدري انه متزوجك وعنده عيال؟ "، الى الفتاة التي تتوسل الزواج من رجل قد رأته مع زوجته بام عينيها:
"ماعليه الإسلام حلّل أربع، تزوّجني ماراح تخسر، أنا ماأبي شيء، لامهر، ولا حفل، ولا عزايم، أنا بس أبيك، أبي أعيش معك، صدقني انا محتاجة لك.. حياتي كلها راحت عالفاضي، مافيها شيء يُذكر، مافيها شيء مهم، حياة مافيها حياة، أرجوك عبدالعزيز ساعدني على شان أعيش باقي حياتي وأنا مرتاحة..."، أما باقي الشخصيات فقد بقيت على مدار الرواية مجهولة، غامضة، مظلمة الا من بصيص من النور ساكن، لايشع ولا يخفت، فالأم ظلت على مدار الرواية تمارس دور الكومبارس، ببضعة جمل تلقيها بين حدث وآخر، تدعو لأبنائها بالصلاح حينا، وتحاول فض نزاعاتهم حينا آخر، والأخ سلطان كومبارس ثانِ، اقتصر دوره على مناكفة الأخت ومشاغبتها، والأخ متعب كومبارس ثالث اقتصر دوره على تدليل أخته الصغيرة وتلبية طلباتها، فيما لعبت باقي الشخصيات أدوارا أقل حجما وأصغر تأثيرا من دور الكومبارس ذاته فهم ليسوا الا خلفيات تجمل بها الراوية روايتها استخدمت الراوية لغة واقعية، فصحى، سهلة، سلسة وجميلة في السرد، وعامية مقاربة للهجات الواقعية ان لم تكن مطابقة لها في الحوار..
الشيء الأخير الصادم للقارئ - ولا اعرف أي نوع من الصدمتين سيعاني منها بعد تلقيه للخبر التالي، ان كانت صدمة الدهشة والإعجاب لإقتدار الكاتبة على إظهارعملها الأول في هذا المستوى من الإتقان والنضج والجودة، رغم التسرع في إنجازه، أم صدمة الحنق والغضب من عدم التروي في انجازه فترة أطول، تليق بهذا العمل، وتليق بموهبة كاتبته، لكي يظهر في صورة أجمل، وهو جميل، ويتسنم مرتبة أكمل، وهو كامل - هو مدة الكتابة التي لم تتعدى شهرين اثنين! نعم شهرين اثنين فقط هما الفترة التي احتاجتها الكاتبة لأنجاز منجزها الروائي الأول، تقول في أول مقالاتها التي أعقبت روايتها: "حقيقة لم أجد صعوبة في كتابة (فتنة) في بادئ الأمر وقد انتهيت من كتابتها في أقل من شهرين"
هل الشهرين فعلا كافيين، لأتمام عمل ابداعي، خصوصا اذا ماكان هذا العمل هو بطاقة التعريف الأولى للمبدع؟
هنا تستدرك الكاتبة قائلة:" وهذا الأمر أثار استغرابي وكنت أتذكر أحاديث بعض الكتاب الذين كتبوا رواياتهم أو قصصهم في سنين.
ظننت بأنني كاتبة استثنائية وأن قدرتني على إنجاز عمل أدبي في شهرين عمل بطولي لم يسبقني إليه أحد إلى أن بدأ مشوار (فتنة) الحقيقي والذي أخذ مني أكثر من سنة + الشهرين!.
لقد أعدت كتابتها عشرات المرات، وحذفت ما حذفت عشرات المرات، وأعدت كتابة وصياغة مواقف كثيرة، وحذفت أكثر منها، وكنت إلى آخر لحظة قبل الطبع بأيام أحذف وأضيف لأن العمل في الأصل لم يكن مكتملاً، وقد اكتشفت ذلك بعد أن تركته لمدة شهر ثم عدت لقراءته لاكتشف سذاجته.. كانت أخطاؤه كثيرة، وكان به من التحفظ ما يثير الحنق. كنت اختصر المواقف والحوارات لدرجة أن الأستاذ عبده خال عندما قرأ المسودة قال لي (لماذا تضيّقين على شخوص القصة، أعط المواقف حقها، اتركي الأبطال يتحدثون، لا تكوني وصية عليهم، اتركيهم دون رقابة). أخذت بوصية الأستاذ خال وأعدت كتابة القصة مرة أخرى وكنت مرنة نوعاً ما هذه المرة، وأخذت أسير على مهل أدقق أكثر، أحاول في كل قراءة تخليصها من الشوائب، وفي كل مرة أخرج منها بحزمة لا بأس بها من الأخطاء، ولا أذكر بأنني دخلت إلى (فتنة) وخرجت منها دون إجراء تعديل مما سبب إرباكاً في بعض الصفحات وخصوصاً الصفحة 122 التي جاء فيها الحوار بين (فتنة) وعبد العزيز مبتوراً بسبب سقوط جملة حوارية مهمة أفقدت الحوار تسلسله، وهذا كله بسبب هذه التغييرات المتتالية. وحتى بعد طباعتها كنت أقول: لو كتبت هذا، لو حذفت ذاك، وألوم نفسي على تسرعي في طباعتها لأنها كانت ستولد بشكل أفضل لو كتبت في عدة سنوات.
هنا أدركت بأن كتابة الرواية أو القصة ليست بالأمر الهيّن أو البسيط، بل هي أشبة بالسباحة في محيط عميق مترامي الأطراف أو بالسير على الأقدام في صحراء الربع الخالي."