كلمة العرب لم يكن لها وجود إلا مع ظهور الإسلام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمامصي من الأسكندرية: دعما للدور التنويري المتميز لمكتبة الإسكندرية تأتي ندوات مركز الخطوط التابع للمكتبة لتحقق التواصل في الرؤى عربيا وعالميا عبر تناولها لقضايا حساسة ومهمة تكشف عن عمق التواصل الحضاري والثقافي والإنساني ليس علي مستوى المنطقة العربية بل علي مستوى العالم ، في هذا الإطار جاءت هذه الندوة التي كشفت أسرار علاقة اللغة العربية باللغة المصرية القديمة ومن ثم لغات كالأرامية واللوبية القديمة السبئية " لغة اليمن القديمة "، من خلال كتاب" البرهان على
في بداية الندوة أشار د.علي فهمي خشيم إلي الروابط التاريخية التي تربط مدينة الإسكندرية بليبيا، موضحا أن المنهج الذي ينطلق منه هو أن هناك تراث واحد لأمتنا منذ قديم الأزل يجمعها لسان واحد أسماه "العروبية" في بلاد الرافدين وشبه الجزيرة والشام ووادي النيل والشمال الأفريقي، اذ لم تكن هناك اختلافات في اللغة وإنما في اللهجات والتي تقسمت إلي البابلية أو الكنعانية أو المصرية أو اللوبية أو العربية بفروعها.
وقال: نحن الآن نشترك في لغة واحدة هي العربية ، والتي جاءت نسبة إلى جزيرة العرب، ذات لهجات عراقية، خليجية، سودانية، تونسية، موريتانية، ولا عاقل يقول إن هذه اللهجة أو تلك تكون كيانا خاصا أو قومية خاصة أو ما شئت من المزاعم.
وأكد د.خشيم أن كلمة "العرب" لم يكن لها وجود إلا مع ظهور الإسلام، والدليل على ذلك أنها لم ترد في الشعر الجاهلي كلمة بهذه الدلالة. فهي مصطلح يعني البداوة ليس في شبه الجزيرة وحدها بل في بلاد الشام وصحراء ما شرق وادي النيل وغربه. كما أنها لم ترد في القرآن الكريم ، وإنما جاءت "أعراب" بمعنى بدو.
ثم تطرق د. خشيم إلي كتابه الجديد الذي حاول من خلاله إزالة الغبار عن الصلة الوثيقة بين لسان أهل وادي النيل الأقدمين وبين اللسان العربي المبين، فتثبت عروبة مصر التي أراد لها البعض أن تحسب منعزلة عن محيطها منفصلة عن جيرانها ، وتوهموا أن الحضارة الفرعونية ازدهرت بمعزل عما حولها وتميزت عن غيرها .. هكذا دون تأثير أو تأثر أو حتي رد فعل وتفاعل . هذه الصلة الوثقي بين حضارة وادي النيل العتيقة وما جاورها من شعوب وأقوام تثبت وتتأكد عن أهم وسيلة للتأكيد .. أعني اللغة؛ إذ يمكن القول بنقل ، أو استعارة ، مظاهر الحضارة كلها ، أو جلها ، من قوم عن قوم، والزعم بأن شعباً أخذ أشياء من الظواهر الثقافية المعنوية في مختلف صورها وأشكالها، إلا اللغة؛ فإنها تمثل كينونة الأقوام وذاتية الشعوب، وبها تعرف صلات الأمم بعضها بعض - خاصة في الأزمنة العتيقة الممعنة في القدم، حيث تكون هذه الصلات طبيعية دون عامل خارجي يفرضها فرضاً أو عامل من العوامل السياسية أو الاقتصادية يدعو إلي أن تتخذ جماعة ما لسان جماعة أخري بدلا من لسانها أو تستعير جملة، تكبر أو تصغر، من المفردات والمصطلحات والتعابير العلمية أو الدينية أو الفكرية ، إما لنقص لديها في القدرة علي التعبير أو تأثراً من المغلوب بالغالب يقلده ويحتذيه.
وقال د.خشيم إذا نظرنا في ألفاظ الحياة البشرية الأولي سنجد أن هناك ظاهرة تدعو للتأمل وهي أنها في عدد كبير منها أحادية المقطع فيما سجل من الآثار المصرية، وهي كذلك في المعاجم العربية ، أو حتى العروبية القديمة . فضلا عن أن هناك توافق تاما بين المصرية والعربية في قضايا مثل الاسم والعدد وعلامة الجمع والعطف والتثنية ، الإضافة ، المنادي، الضمائر، أسماء الإشارة ، أداة التعريف، الأسماء الموصولة، الصفة، الأفعال حروف الجر، أدوات الاستفهام.. وقد فصلت كل ذلك في كتاب آخر بعنوان " آلهة مصر العربية، الجزء الثالث، المجلد الثاني". ويؤكد خشيم أن المصرية شاركت العربية في عدد كبير من التصريفات ، إلا أن العربية تطورت بصورة فاقت غيرها، فإن بالمقارنة ببعض العروبيات الأخرى تكشف عن التماثل فيما بينها. فقد شاركت المصرية القديمة العربية في اتخاذ التاء للتأنيث ، واستعمال الواو للجمع. وقد اتفقت المصرية السبئية "لغة اليمن القديمة" في اتخاذ الياء للمثني ( المصرية : تا ( ارض) تاوي ( أرضان) وفي السبئية : ثنتي صفحتي: صفحتان. ثني محفدي: محفدان)، وتميزت المصرية بالنسبة للمؤنث بالياء (ضحوت: القمر (ضحوة)بالعربية = ضحوتي: قمري) .
وأضاف د.خشيم: هناك بعض الظواهر البارزة المشتركة بين المصرية والعربية ، وأهمها القلب: وهي أن يقدم حرفا في الجذر الثلاثي ليحل محل آخر في نفس الجذر الثلاثي ليحل محل آخر في نفس الجذر، يؤخر ويظل المعني واحداً، من مثل: (جذب/ جبذ، عطس/ سعط، لوع، ولع/ فرغ/ فغر). وهو ما يزال في اللهجة مثل المصرية الدارجة (أرانب / أنارب) . أما الإبدال : فهو من أكثر الظواهر شيوعا في العربية، وبعض اللغات الأخرى ، ومعناه أن يبدل صوت بآخر يكون في الغالب الأعم قريبا من الصوت المبدل، ولا يمتنع أن يكون بعيداً عنه . وهذا ما يسمي التعاقب كذلك ؛ إذ لا ندري في كثير من الأحيان أي الصوتين أصلي وأيهما مبدل . فنقول أنهما تعاقبا، أي حل أحدهما محل الآخر .
مثل : جمل/ كمل، صقر / زقر / سقر ، الهودج / الفودج ( مركب النساء ).
وقد يحدث في الكلمة المصرية القلب والإبدال معاً، وهذا ما يجعلها تبدو غريبة عند الوهلة الأولي، بيد أنها لا تلبث أن تظهر عروبيتها عند التحليل. مثلا الكلمة الشهيرة "س د م" المستخدمة في كتب قواعد اللغة المصرية للوزن ففي التصريف والنحو، كما تستعمل في العربية ( فعل ) والعبرية ( قتل) . وتعني " س د م " هذه تعني "سمع"، وقد أبدلت العين بالصوت د فهي "س ع م" وهذه مقلوب "س م ع"، ولكي نؤكد أنها مقلوبة ومبدلة نشير إلي أنها قلبت في لهجة عرب الشمال الإفريقي "الجبايلية" وأبدلت عينها غيناً فكانت "م ز غ".
ومن الظواهر الأخرى التضاد ، حيث تدل الكلمة علي المعني وضده في نفس الوقت مثل " ش ب ت " شئ لامع ولكن في نفس الوقت نقرأ المادة نفسها بمعني عمي ، وغشاوة البصر.
هناك أيضا ظاهرة القطع والإسقاط، فقد لوحظ أن تاء التأنيث في العربية تكتب ولا تنطق. بينما تبرز تاء التأنيث بشكل لا يمكن معه إلا أن تنطق عند بعض قبائل الجزيرة . أما في العربية الفصحى فقد أهمل نطق هذه التاء إلا في حالتي التنوين والإضافة ، أو إذا اتبعت الكلمة المفردة المؤنثة بصفة.
ويقول د. خشيم أنه أثناء قراءاتي أن عدداً من الكلمات المصرية بعضها أسماء وبعضها أفعال يزاد حرف " إ " في أولها مع وجود نفس الدلالة بدونها أحياناً تتضح عند مقابلتها بالعربية . وقد تكون هذه الزيادة لم يلتفت إليها واضعو معاجم اللغة المصرية. من ذلك مثلا: " إههي" ( فرح ، سرور) = هأ هأ ( ضحك ، قهقه = هاها )، " أوتن " = وطن ( ت = ط ).
وقد حلل الدكتور داود سلوم مسألة ( إبدال الهمزة في الفصحى واللهجات) ورأي" أن الهمزة كانت حرفا من حروف الهجاء ؛ لأنها تقع في كل اللغات السامية التي توصل إلي معرفتها علماء اللغات اليوم. فهي في الأكدية والأوغارتية ، والعبرية ، والسريانية والعربية ولغة شرق وجنوب الجزيرة العربية وفي الأثيوبية أيضا. لكنه للأسف نسي اللغة " السامية " الأخرى .. المصرية!
الهمزة إذن هي الأصل ثم جري عليها الإبدال أو الحذف للتسهيل.. وهذا ما يبين كثرة ورودها في ألفاظ اللغة المصرية القديمة التي وقفت في تطورها عند حد معين كانت تناظر فيه العربية وقتها، وقد تطورت الأخيرة ذاك التطور الذي نعرف.
وتشاطر المصرية العربية في خاصية هي خلوها من علامات الحركة، لذا لجأ علماء المصريات لتحريك الكلمة إلي رمز صوت يشبه الإمالة في العربية هو ( E ) يقحم فيها إقحاما ًوليس من بنيتها ولا وجود لرمز له في الرموز الهيروغليفية ولم يثبت أن المصريين القدماء كانوا ينطقونه. وهذا ما نجده في معجم " بدج " الذي نقلنا عنه ما يراه القارئ في هذا المعجم المقارن الذي بين يديه. بينما حافظ آخرون علي بنية المفردة الأصيلة دون أن يضيفوا إليها رموز حركات يفترضونها عند نقلهم الرموز الهيروغليفية إلي الحرف اللاتيني وتركوا للقارئ تخمين النطق أو الاكتفاء بقراءة تلك الحروف ومعرفة ترجمة المفردة المعنية ، دون معرفة نطقها الصحيح.فقد كانت الرموز الهيروغليفية تسجل عادة من اليمين إلي اليسار، كالعربية ، وفي بعض الأحيان من اعلي إلي أسفل خاصة في بعض المعابد أو أضرحة الفراعين ، ربما من باب الزخرفة والتزيين اللذين أغرم بهما المصريون القدماء .