رحيل المترجم الألماني وولشليجر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في عمر يناهز 72 عاما مات يوم السبت الماضي الكاتب والمترجم الألماني المعروف هانس وولشليجر دون أن يحقق هدفه الأخير في ترجمة رواية جيمس جويس "فينيغان ويكس". وكان قد سبق له ان قدم ترجمة جديدة لرواية "يوليسيس" بعد أن ساهم مع الكاتب التجريبي المعروف آرنو شميدت( 1914 - 1979) في ترجمة أعمال أدجار الان بو، كما قام بترجمة روايات بوليسية لداشييل هامت ورايموند شاندلر وبعض أعمال ويليام فولكنر.
ويمكن إعتباره مثقفا موسوعيا بمعنى الكلمة، أذ انه أضافة الى عمله كمترجم كان مختصا بعلم النفس وفق منهج سيغموند فرويد ومولعا بأعمال ولهلم رايش(1897-1957) الذي كان مرفوضا من قبل فرويد في سنوات عمره الأخيرة. وقد تركز أعجابه بفرويد في السنوات الأخيرة بشكل كثيف على نقد الفكر الديني لدى فرويد، إذ كان هذا يعتبر التطرف الديني شكلا من أشكال الهيستيريا الجمعية. ولم تقتصر نشاطات الكاتب على مجال الأدب وعلم النفس بل قام كذلك بإصدار الطبعة النقدية لأعمال كارل ماي (1842-1912)، الكاتب الشعبي الألماني الذي كتب روايات مغامرة تدور أحداثها في أمريكا والشرق الأوسط دون أن يغادر بيته الواقع في مدينة درسدن. كما قام بإصدار الأعمال الكاملة للمستشرق الألماني فريدرش رويكرت(1788-1866). و تتلمذ على نهج أدورنو في نظرية الموسيقى ناشرا العديد من البحوث في هذا المجال، وبعد أن درس التأليف والتوزيع الموسيقي حاول أن يكمل السنفونية العاشرة لغوستاف مالر، غير أنه لم ينجح في ذلك، فقام بتأليف ثلاث سنفونيات ربما ستجد طريقها للنشر لاحقا.
وليس من المستغرب أن ينذر الكاتب نفسه لترجمة "يوليسيس"، إذ أكتشف في هذا العمل، مثله في ذلك مثل أستاذه آرنو شميدت، تحديا لغويا وأدبيا وثقافيا كبيرا، فجاءت ترجمته له كما يقر أغلبية النقاد أقرب الى روح الرواية من الترجمة السابقة التي قدمها جورج غويرت في سنة 1956 ، وذلك رغم إبتعاده عن الترجمة الحرفية للنص وإعتماده على إيجاد حلول لغوية مبتكرة من خلال توظيف اللغة الألمانية بكل أبعادها التاريخية (اللغة الألمانية القديمة والمتوسطة والحديثة) لإشكاليات النص، ذلك مع التأكيد المعرفي على أستيعاب اللغة المترجم منها واللغة المترجم اليها، ولم يخطئ النقاد الذين أعتبروا هذه الترجمة بحد ذاتها عملا إبداعيا لغويا لا مثيل له في الأدب الألماني المعاصر، يكشف عن معرفة موسوعية دقيقة لدى المترجم. وقد نشرت هذه الترجمة في العام 1975 وسلطت الأضواء على هذا الكاتب الذي لم يجد عمله الروائي الأول "دملات القلب أو سقوط آدم" الصدى الذي يستحقه، ربما بسبب عدم نشر الجزء الثاني منه، أو بسبب نزعته التجريبية التي لم يجد النقاد مدخلا لها، رغم ما أبداه آرنو شميدت من أعجاب شديد به. ولم يقتصر عمل وولشليجر على البحث في مجالات اللغة والنفس الإنسانية، بل كتب إضافة لذلك جملة من المقالات المتعلقة بالحيوان، تم جمعها في "الحيوان ينظر أليك أو سلطة مينغيله"، حيث يحاول إيجاد صلة بين العنف الذي يمارسه البشر تجاه الحيوانات وما كان يمارسه الطبيب النازي مينغيله من تجارب على المعتقلين في معسكرات الإعتقال النازية.
كتب هانس وولشليجر قبل سنوات في مقال له عن الموت: "مجرد وجوده يقطع أنفاسنا، حتى تصبح السنتنا عاجزة عن الكلام."