ثقافات

توقيع دولوز لمفهوم الفلسفة كإبداع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"الفلسفة لن تكون أي شيء إن كانت لا تحمل توقيع مبدعيها"[1]

استهلال:
طرح الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز(1925-1995) سؤال ماهي الفلسفة؟ متأخرا نسبيا أي عندما انقضى العمر وحلت مرحلة الشيخوخة وأسدل الليل ستاره على نهار العمر ولكن هل يعني هذا أن ما كان يقوم به من مجهود فكري طيلة حياته لا ينتمي للفلسفة وأنه لا نجد له في كتاباته السابقة تصورات للفلسفة وأن العمل النقدي للميتافيزيقا الذي انخرط فيه منذ شبابه لا قيمة له من الناحية الفلسفية؟ تكمن أهمية مرحلة الشيخوخة أنها تؤمن لنا التفكير والكلام بطريقة رصينة وموضوعية نسبيا وتوفر لنا لحظات شباب روحي أبدي ووعي صافية نؤسس فيها بحنكة بالغة وتجربة ذهنية ثاقبة ما لم نتمكن من خلقه واكتشافه طوال المراحل الماضية من حياتنا. علاوة على أن في مرحلة الشيخوخة يكون المرء قد أرضى نسبيا حاجياته المادية ورغباته البيولوجية وأجاب على كل مواضيع الحياة ومشاغلها فلم يعد له من موضوع يستدعي السؤال سوى الفلسفة ولم تعد له رغبة تتطلب الإشباع غير الرغبة في المعرفة، ألم يعرف هيجل "الفلسفة بأنها إشباع الحاجة المشبعة" وأكد أن الفيلسوف لا يطل برأسه إلا عند الغروب كبومة المينيرفا التي لا تنشط وتدب فيها الحياة إلا عند قدوم الليل وانسحاب النهار. ولذلك قسم مؤرخو الفلسفة عمر الفلاسفة إلى مرحلة الشباب التي تتميز بالتعثر والبحث عن الذات والمحاولة ومرحلة الكهولة والشيخوخة التي تتميز بالنضج والاستقرار والإبداع الخالص، فديكارت في "قواعد من أجل حسن قيادة العقل" ليس هو ديكارت في "مبادئ الفلسفة" و"الرسائل" وكتاب "أهواء النفس" وكانط في "نقد العقل الخالص" ليس هو كانط في "نقد ملكة الحكم" و"ميتافيزيقا الأخلاق" وهيجل في "فينومنولوجيا الروح" ليس هيجل في "مبادئ فلسفة الحق" و"موسوعة العلوم الفلسفية" وماركس في "مخطوطات 1844" ليس ماركس في كتاب "رأس المال" وفوكو في "الكلمات والأشياء" و"تاريخ الجنون" ليس فوكو في دروس "يجب الدفاع عن المجتمع" و"مولد السياسة الحيوية"،إذ نجد لدى كل فيلسوف ماهو ثابت وماهو متغير، فهو يحافظ على نفس أسلوب التفكير ومنطق المعنى ولكنه يغير من محاور اهتمامه وينوع من المواقف والآراء التي يتخذها إزاء أمهات المسائل،فهل كان دولوز واحد من هؤلاء الفلاسفة العظام الذين تنسخ شيخوختهم الفلسفية آراء سنوات الشباب؟ ماهي علاقته بتاريخ الفلسفة؟ كيف وفق بين اشتغاله بتاريخ أهم الفلسفات والفلاسفة من اسبينوزا ولايبنتز وهيوم وكانط إلى برجسن ونيتشه وفوكو وإضافاته في مجال الفلسفة العامة في كتبه "المعاودة والاختلاف" و"منطق المعنى" و"ألف سطح" وكتابه العمدة"ماهي الفلسفة"؟ ثم ماهو التعريف الجديد للفلسفة الذي أبدعه في لحظات العمر الأخيرة صحبة رفيق دربه السياسي والمحلل النفساني فليكس غتاري؟ وهل هو جديدا فعلا أم قديم جديد؟ ما علاقة الفلسفة عنده بالعلم والفن؟ ولماذا أصر على التمييز بين الفلسفة والتفلسف والفيلسوف؟ هل أوجد دولوز نسقا فلسفيا بديلا على غرار هيجل أم أن تفكيره ظل يندرج ضمن فلسفة الهوامش والشذرات التي تحبذ التنوع والاختلاف وتنفتح على الحياة واللغة والاقتصاد والمجتمع والتاريخ والجسد؟ ماذا نستفيد نحن العرب المسلمون من فكر دولوز؟ هل نكتفي بتقليده وتكرار ما قاله أم نفعل إزاء مواضيع اهتمامنا ما فعله هو إزاء مواضيع اهتمامه؟ كيف يمكن أن نستفيد من فكر دولوز من أجل تعزيز ثقافة الاستثبات والممانعة؟
إن الجدوى من التطرق إلى فلسفة دولوز هو نقد نزعة التمركز الحضاري والتخلي عن العقل الهووي ومرض الوله الذاتي والشروع في خلق تجربة تفلسف مختلفة تنطلق من الثقافة الفلسفية العربية وتطمح إلى مشاركة الجهود الفلسفية الأخرى في بناء الفكر الكسموبوليتي الذي يطمح إلى العيش مع الآخرين ومن أجلهم وفق قيم العدالة بالنسبة للآخر القريب والصداقة بالنسبة للآخر البعيد.

1- الفلسفة إبداع المفاهيم:
"إن الفلسفة بتدقيق كبير هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم"[2]
يرفض دولوز أن تكون الفلسفة في تميزها واختلافها عن العلوم والمعارف الأخرى مجرد تأمل contemplation لأن التأمل ليس خاصية تميز الفيلسوف بل يشاركه فيها العامي ورجل العلم والسياسي والفنان بالإضافة إلى أن تجربة التأمل هي تجربة ميتافيزيقية تبعدنا عن الواقع وتجعلنا نهتم بالعموميات ولا تمكننا من إنتاج أشياء جديدة وإنما تسقطنا في وهم الانتصارات اللازمانية على الفلاسفة والحكم على جهودهم بطريقة اختزالية متسرعة وباطلة تأثرا بإرادة الهيمنة وتضليلات المخيلة بينما في الواقع "التأملات هي الأشياء نفسها إذا نظرنا إليها في عملية إبداعها لمفاهيمها الخاصة"[3]. كما يرفض دولوز أن تكون الفلسفة مجرد تفكير أو انعكاس الفكر على ذاته أو مجرد تفكر reflexion لأن بهذه الطريقة سنثير الغبار ونشكو من عدم الرؤية وتضيع أقوالنا ولا تصل إلى مسامع مخاطبينا وراء الجلبة التي نحدثها بأنفسنا ولأن الانسان ليس دائما وأبدا محتاج إلى الرجوع إلى الفلسفة من أجل القيام بعدة أشياء تخص علم الحياة الذي يعيشه، فالموسيقي مثلا أو الرياضي لا ينتظر ظهور الفيلسوف حتى يفكر في صناعته ويجددها بل إن تفكيره يظهر في عملية إبداعه لمجال اختصاصه وفي إنتاجه لأثره الفني ذاته ولكن هو أن تفكيرهما من درجة أولى بينما تفكير الفيلسوف من درجة ثانية ألم يقل هيجل:"إن التفلسف هو تفكير ثان مضاد للتفكير الأول أي تفكير في التفكير".
يرفض دولوز أن تكون الفلسفة تواصل communicationونتيجة مشاركة بين الذوات في الفضاء العمومي من أجل صياغة الحقيقة التي تحظى بالإجماع ويبرر ذلك بأن الذي يحرك الجمهور ويؤثر في الحشود ويصنع الرأي العام ليس العقل والمفهوم بل الأهواء والعواطف والمصلحة ولذلك ينفي أن تكون الفلسفة وليدة النقاش بين الناس عبر الموائد المستديرة في الساحات العامة لأن الفلسفة لها مائدتها المستديرة التي تخصها وقد كانت عند الإغريق الأغورا Agora أين نحت مفهوم النوس Nous والصوفيا Sophia واللوغوس Logos والصداقة Philia،زد على ذلك أن النقاش العام هو معركة بين الآراء والظنون كثيرا ما ينتهي إلى التنازع والصراع يحركه مبدأ إرادة القوة وهو نقاش عقيم لا يبدع سوى آراء وليس أفكارا أما الحوار العقلاني على المائدة الفلسفية فهو حوار جاد ميدانه اللغة العقلانية ومقصده هو المفاهيم والمعاني والمفهوم هو هذا الطائر الساخر "الذي كان يحلق فوق حقل معركة الآراء التي يمحو بعضها بعضا(كحال الضيوف السكارى في المأدبة)"[4]. أي أن "الفلسفة لا تتأمل ولا تتفكر ولا تواصل،حتى وان كان عليها إبداع المفاهيم لهذا الأفعال والانفعالات"[5].
كما يرفض دولوز تحديدات الفلسفة على أنها وليدة الدهشة وتعلم التفكير وممارسة الشك ويقظة داخلية بمعرفة الذات بواسطة الذات ويتخلى عن التصور الذي يرى أنها أم العلوم أو معرفة بواسطة المفاهيم الخالصة تبعها العلوم في مختلف اختصاصاتها ويرى أن هذه التحديدات ليست مفيدة سوى من وجهة النظر التربوية ولكنها مع مرور الوقت تتحول إلى عائق يمنع الفلسفة من التطور والنمو وتحول دون الانخراط في تجربة التفلسف النقدي الحر ولذلك يتجنب دولوز النظر إلى الفلسفة من زاوية الربح والخسارة والأذية والمنفعة ويتفادى الرد على حفاري قبورها ويتفادى التصريح بموقف بخصوص موت الفلسفة ونهاية الميتافيزيقا ويتبنى على خلاف خيار الفلسفة للفلسفة أي كمعرفة من أجل المعرفة وليس من أجل المصلحة وميدان إلى جانب الميادين الأخرى وليس كمرجع لها وكملكة على بقية الأنماط والمعارف. يصرح دولوز في هذا الصدد "أليس عظمة الفلسفة قد تكون بالضبط في عدم صلاحيتها لأي شيء"[6]؟
ننتهي إذن أن الفلسفة "ليست تأملا ولا تفكيرا ولا تواصلا حتى وان كان لها أن تعتقد تارة أنها هذا وتارة أنها ذاك نظرا لما لكل ميدان من القدرة على توليد أوهامه الذاتية والتستر وراء ضباب يرسله خصيصا لذلك"[7]. هذا ما لا يمكن أن تكونه الفلسفة، فماذا يمكن تكون إذن بطريقة ايجابية مفيدة؟
"الفلسفة هي فن تشكيل وإبداع وصنع المفاهيم"[8] هذا هو جواب دولوز وهو جواب ليس جديدا بل موجودا في تاريخ الفلسفة وما انفك كل الفلاسفة يقومون به منذ ما قبل السقراطيين والحكماء السبعة وهو لم يقم سوى بنفض الغبار عنه وتسليط الضوء عليه لأن الفلسفة كانت ولا تزال إبداع المفاهيم وكل الفلاسفة اشتغلوا في حقل إبداع المفاهيم ومقدار الجدة والريادة في الفلسفة تقاس بالتغيير الذي يطرأ على المفاهيم، فكل الأنساق الفلسفية تميزت واختلفت باختلاف المعاني المعطاة للمفاهيم الجديدة التي أبدعها أصحابها، فسقراط هذا الذي لم يكتب كما قال دريدا هو الذي أبدع مفهوم المفهوم Concept عندما تساءل عن مفهوم الفضيلة ماهو؟ أفلاطون أبدع مفهوم المثال أو الفكرة في توهجها ووضوحها Ideacute;e أما أرسطو فقد أبدع مفهوم الجوهر وكانت ميتافيزيقاه برمتها هي أنطولوجيا الجوهر، ديكارت أبدع مفهوم الكوجيتو، اسبينوزا أبدع التعبير والمحايثة ولايبنتز الموناد وكانط النقد وبرجسن الدافع الحيوي ونيتشه القيمة والمعنى وعوض سؤال ماهو وبسؤال من هو وفوكو أبدع السلطة ودولوز نفسه أبدع مفهوم الاختلاف ومسطح المحايثة. في هذا السياق يعترف فيلسوف السينما أنه استقى هذا التعريف من قول نيتشه:"الفلاسفة لا ينبغي أن يرضوا بقبول المفاهيم التي نعطيها لهم وذلك بتنظيفها وتلميعها بل عليهم أن يبدؤوا بصناعتها وخلقها ووضعها وإقناع الناس بها بضرورة العودة إليها"[9].
ما يجدر ملاحظته أن الفلسفة حسب دولوز ليست تأملا أو تفكيرا أو تواصلا وإنما هي إبداع للمفاهيم في أفعالها وانفعالاتها،في حركتها وسكونها،وفي انبساطها وانقباضها بينما أفعال التفكير والتأمل والتواصل هي وسائل وآلات لصنع كليات Universaux،هذه الكليات هي في الحقيقة مجرد أوهام تتعالى عليها الفلسفة في صيرورتها من أجل ضم مختلف العلوم والمعارف الأخرى وتمكينها من فهم ذاتها وهي كذلك مجرد عموميات جوفاء تروجها الدعاية والإعلام من أجل نشر قيم السوق في الفضاء العمومي باسم التواصل والمشاركة ويتحكم فيها المتصرف الاقتصادي والخبير المالي أكثر من المثقف والفنان والفيلسوف إذ يقول دولوز حول هذا الأمر:"المبدأ الأول للفلسفة هو كون الكليات لا تفسر أي شيء بل ينبغي أن تكون هي موضع تفسير"[10]،فما المقصود بالفيلسوف؟ وبماذا يتميز عن بقية الناس؟

2- الفيلسوف صديق المفهوم:
"ما قيمة الفيلسوف الذي نقول عنه لم يبدع مفهوما،لم يبدع مفهومه؟"[11]
الفيلسوف عند دولوز هو جوهر الفلسفة وعماده ودون وجود الفيلسوف في أي عصر يكاد يخلو هذا العصر من الروح الفلسفية اللازمة لفهم اشكالياته وتصحيح أوضاعه وحلحلة مصاعبه ولكل فيلسوف معاند ومزاحم ومنافس وصديق واذا كان أعداء الفيلسوف كثر في أي عصر ومنهم العامة من محبي الظن والميزيولوجيين كارهين العلم ومن الفقهاء والمتكلمين حراس العقيدة والسياسيين حراس المؤسسة فإن مزاحمي الفيلسوف من طينة جديدة لأنهم ليسوا السفسطائيين بل تكنوقراطيين تخرجوا من شركات المناولة والخدمات المعلوماتية وتتمثل مهمتهم في التسويق للمنتوجات وللأفكار باعتبارها بضائع قابلة للتصدير والتوريد طالما أن منطق النقد الاجتماعي يخضع للتطوير التجاري ويسيره كهنة السوق.
يقول دولوز ساخرا مستهزئا من الاغتصاب الوقح الذي تعرضت له الفلسفة في عصر العولمة المتوحشة التي جعلت التسويق يستحوذ على المفهوم:"أصبحت الصورة الوهمية أو إبهام علبة الماكارونا المفهوم الحقيقي وأصبح المقدم،العارض المنتوج سلعة كان أو لوحة فنية،هو الفيلسوف أو الشخص المفهومي أو الفنان"[12] فكيف يكون منشط برنامج تلفزي فيلسوفا وهو مجرد عارض لبضاعة صحفية وقع قولبتها وإعدادها من طرف لجنة تحرير تخدم أهداف القناة الفضائية؟
على هذا النحو يحدد دولوز الفيلسوف على أنه "صديق المفهوم،انه المفهوم بالقوة"[13] ويقصد أن الصداقة التي تجمع الفيلسوف بالمفهوم هي كتلك اللحمة التي تجمع النجار بالخشب فمثلما لا يستغني النجار عن الخشب فان الفيلسوف لا يستطيع أن يستغني في تجربته عن المفهوم،أي أنه الموقع الأول والأخير للمفاهيم التي أبدعها بنفسه فإذا كان المتصرف المالي أو الوكيل التجاري يروج بضاعة عليها علامة لم يوقعها بنفسه بل وقعتها الشركة وفق مواصفات أعدها صاحب رأس المال لتحقيق المزيد من الربح والتوسع فان الفيلسوف هو المقبل المدبر صديق الحكمة وعاشق الفكر لا يتعامل مع أفكار ومفاهيم موقعة سلفا بل يحاول في إطار منافسته مع أنداد مزاحمين أن يطرح مشاكل عصره بشكل دقيق على مسطح المحايثة التي أنتجها وأن يبدع من أجل حلحلتها المفاهيم الملائمة لذلك بنفسه،فهو لا يتوقف عن ترميم مفاهيمه بنفسه بل ويغيرها أحيانا فيتخلى عن مفاهيم ويستبدلها بمفاهيم جديدة من أجل أن يصحح أفكاره.
كل فيلسوف له شخصيته المفهومية التي يجعلها الوسيط التي يعبر من خلالها عن أفكاره وتوجهاته وأطروحاته ومفاهيمه التي يوقعها بنفسه، فأفلاطون له سقراط ونيتشه له زارادشت وابن باجة النابت المتوحد وديكارت الأنا المتكلم والأبله وماركس البروليتاريا أو الثوري وهيجل الروح المطلق المتجلية في نابليون بونابرت،يقول دولوز بخصوص هذا الأمر:" ليست الشخصية المفهومية ممثلة للفيلسوف بل على العكس تماما:فالفيلسوف هو مجرد غلاف يضم شخصيته المفهومية الرئيسية وكل الآخرين الذين هم بمثابة الوسطاء والموضوعات الحقيقية لفلسفته"[14].
من هنا ينتهي دولوز إلى القول بأن اسم الفيلسوف هو مجرد اسم مستعار لهذه الشخصيات المفهومية وأن الشخصيات المفهومية هي نوع من المعارضات الاسمية للفيلسوف ويقصد أن ذات الفيلسوف في حاجة إلى شخصية مفهومية باعتبارها آخر تعي من خلاله ذاتها. فإذا كان نيتشه ومن بعده هيدجر وهيجل يؤكدون على الأصل الإغريقي للفلسفة وينصصون على العلاقة الجوهرية بين الفلسفة والإغريق باعتبار أن قدر الفلسفة أن تكون معجزة إغريقية لأن هؤلاء السطحيون من شدة عمقهم المتوحدون في بساطتهم يتعذر علينا ملامسة عمق حكمتهم وثراء معرفتهم فان دولوز يحطم هذه الضرورة ويرفض وجود قدر ربط نشأة الفلسفة بالإغريق وأرجع ذلك الانبثاق إلى عوامل جغرافية واقتصادية وتاريخية ورأى أنها هذه العوامل عندما تتوفر في أي زمن وأي شعب فإنها تفضي إلى ولادة ضرب جديد من التفلسف مغاير تماما لسلفه وبعيدا عنه وبالتالي هناك فلسفة للهنود والصينيين والعرب والفرس واليونان وأوربا والآن في الدول الأنجلوساسونية مختلفة ومتباينة وهذه العوامل هي:المحايثة والصداقة والرأي، إذ يقول عن هذه الشروط ما يلي:"انه لكي تولد الفلسفة كان لابد من التقاء بين الوسط الإغريقي ومسطح من محايثة الفكر...كما كان على الانتشال الإقليمي المطلق لمسطح الفكر أن يطابق أو يقترن مباشرة بالاستقرار الإقليمي النسبي للمجتمع الإغريقي.كان لابد من الالتقاء بالصديق ومن الالتقاء بالفكر.هناك باختصار سبب لنشأة الفلسفة لكنه سبب تركيبي واحتمالي-التقاء،ربط."[15]
غاية المراد من هذا التحديد لخاصية الفيلسوف أنه ليس الشيخ الحكيم القادم من الشرق الذي يعبر عن أفكاره بالرموز والصور الشعرية والأشكال الخيالية والذي يزعم الاتحاد مع المطلق وامتلاك الحقيقة بل هو مجرد صديق للحكمة راغبا في المعرفة مؤثرا للصدق يبحث باستمرار عما لا يجده في نفسه وما يفتقد إليه،كما يشعر بضرورة وجود آخر يكون بمثابة مزاحم له ومتحد يتنافس معه ويناطحه طالما أن التفلسف يولد وسط الصداقة والمحايثة والرأي،زيادة على ذلك يربط دولوز بين الفكر والأرض والفيلسوف وأرض المولد ويرى أنه مقترن بوطن الكينونة التي تخصه اقترانا لا فكاك عنه وبالتالي لا ينبغي أن ينفصل الفيلسوف عن نقطة انبجاسه للوجود أو أن يجعل من فكره نفيا لهذا الوطن بل فكرا لحسابه الخاص.
خاصية أخرى يشدد عليها دولوز بالنسبة للفيلسوف وهي الصيرورة والسخرية والتهكم والاستهزاء بحيث يجعله باستمرار باحثا عن الثورة حتى وان كانت مجرد حلم لا يتحقق إلا بخيانة ذاته باحثا باستمرار عن طرق تحييث المتعالي عبر اقتطاع مسطح محايثة من السديم وانتاج مادة جديدة للكينونة وصورة مختلفة للفكر،يقوم الفيلسوف بكل ذلك تحت عنوان واحد وهو إبداع المفاهيم.
لا يحتكر دولوز صفة الفيلسوف على العنصر الذكوري بل يرى امكانية أن تصير المرأة فيلسوفا ولا يحظر على الفيلسوف أن يتحول إلى امرأة ولنا في روزا لكسمبورغ أو حنا أرندت أو جوليا كريستيفا خير مثال ولكنه يشترط صفة أساسية لا يمكن بأي حال إسقاطها وهي المقاومة،فالفيلسوف المعاصر إذا ما أراد أن يكون فيلسوفا حقيقيا لابد أن يقاوم الحاضر وما فيه من انحطاط وعار ويفضح كل التواطئات المخزية التي يتورط فيها رواد حقوق الانسان لاعتدائهم على حقوق الشعوب وتفويتهم في سيادة الدول.
الفيلسوف الحقيقي سواء كان امرأة أو رجل،أجنبيا غريبا أو مواطن من نفس ملتنا لابد يشترك في مقاومة الموت والعبودية وكل ماهو مرفوض كليا ويعمل على تحرير قيمة الحياة حيثما كانت أسيرة "أليس من صميم الفيلسوف والفلسفة أن يصير الفيلسوف أجنبيا عن نفسه وعن لغته الخاصة وأمته؟"[16]
إذا كنا في عصر العولمة في مهب الريح وتحت شمس حارقة فلأننا افتقرنا في الماضي إلى الخلق والإبداع وتأبد عندنا التقليد والإتباع واذا أردنا تغيير حالنا فليس لنا من سبيل سوى الإبداع والمناداة للشعب بالقدوم وما المقاومة سون طريقة من طرق الإبداع ألم يقل دولوز:"نحن لا نفتقر إلى التواصل بل على العكس نتوفر على الكثير منه بل نفتقر إلى الإبداع.نفتقر إلى مقاومة الحاضر"[17]. أليس هو القائل أيضا:"هكذا تكون إذا مسألة الفلسفة هي النقطة الفريدة التي يلجأ فيها كل من المفهوم والإبداع إلى بعضهما"[18] ؟ لكن ماذا يعني دولوز بإبداع المفهوم وبمفهوم الإبداع؟

3- في العلاقة بين الفلسفة والعلم والفن:
"ليس من الخطأ اعتبار الفلسفة هي في حال من الاستطراد الدائم أو الاستطرادية"[19]
الفلسفة والعلم والفن هي المحددات الكبرى للفكر ولذلك تستعمل الفلسفة المفهوم Conceptويلجئ العلم إلى القضايا والمعادلات والفن إلى المؤثر الإدراكي Percept والمؤثر الانفعالي Affect،فالفلسفة تقتطع مسطح محايثة وتكثف اللامتناهي من خلال الربط بين الأحداث والمفاهيم في حين يرسم العلم مجموعة من الإحداثيات ويلوذ بالمرجع وفق مجموعة من الوظائف والقضايا ويتخلى عن اللامتناهي أما الفن فهو يحاول أن يجعل اللامتناهي مرئيا من خلال المتناهي عبر آثار جمالية وإحساسات مركبة، وهؤلاء الثلاثة هي طرق وأساليب تتميز عن بعضها البعض ولكنها تتقاطع وتتشابك وتحتاج بعضها لبعض وهناك محاولات للتقريب بينها عبر عدة جسور ومن خلال عدة مفترقات طرق ونقاط عبور وتواصل،فالفن التجريدي والمفهومي هو محاولة للتقريب بين الفن والفلسفة والمنطق والابستيمولوجيا هي محاولة لإقامة فلسفة خاصة بالعلوم والصناعة الفنية هي نوع من تطبيق التقنية على المجال الجمالي وتعويض الموهبة الفنية بالذكاء الاصطناعي. لكن ثمة اختلاف في التعريف والوظيفة،فالفن هو انفتاح واختراق وتحرير للحياة وتركيب إحساسات لا يحتل مكان بل يبسط سلطانه على الأرض كلها ووظيفته هي مصارعة السديم حتى وان كانت النتيجة هي جعله محسوسا أي"المرور عبر اللامتناهي لاستعادة اللامتناهي وإعطائه ثانية"[20]،أما العلم فإنه يتحدد بالوظائف والقضايا وهي تتمثل هنا في أنظمة خطابية معينة لتفسر لنا كل بطريقته ظواهر الطبيعة ووظيفته هي أيضا الصراع ضد السديم عبر إعطاء الوحدة العقلانية لما يتم اكتشافه تحت مجموعة من الثوابت والحدود اسم نظريات وقوانين،في حين أن الفلسفة هي اشتغال على المفاهيم من أجل مصارعة الرأي الذي كان يدعي أنه جعل ليحمى الفكر منه حتى يستطيع الانسان الاستعداد لمعانقة العالم في خصوبته وثرائه وتنوعه.
انه توجد عدة فروق كبيرة بين الفلسفة والعلم،فالفلسفة تعمل بواسطة مسطح محايثة ومجموعة من المفاهيم أما العلم فيعمل بواسطة مسطح مرجعي ومجموعة من القضايا والحدود ألم يقل توماس كوهن في كتابه بنية الثورات العلمية:"إن العلم نمذجي تفاضلي paragmatique بينما كانت الفلسفة تركيبية تعبيريةsyntagmatique "[21]؟
الفرق الثاني يتعلق بالموقف من السديم وهو أن الفلسفة تكتفي بتتابع زمني طولي وتجعل تكثف المفاهيم يقوم على توالي الأحداث وتراكمها وتنحصر مهمتها على استخراج حدث مكثف من حالة الأشياء بواسطة المفاهيم أما العلم فهو يبسط الزمن بطريقة فيها الكثير من الانقطاعات والتردد والتفرع ويفهم التقدم على نحو متشعب وما انفك يفعل الحدث في حالة الأشياء بواسطة الوظائف.
الفرق الثالث هو في نمط اللغة المستعملة للتوضيح والتفسير والتعبير،فاللغة الفلسفية هي لغة حجاجية طبيعية تقوم على التجربة النظرية من التمثيل والتخييل أما اللغة العلمية فهي لغة رياضية تقوم على البراهين والأعداد والحسابات والأشكال الهندسية والصور المرئية والتجربة الموضوعية.
يلخص دولوز المواجهة المفتعلة بين الفلسفة والعلم في ثلاث تناقضات رئيسية:
- التناقض الأول هو بين انتماءات المفاهيم لمسطح محايثة وتجمع سلاسل العناصر الوظيفية داخل نظام المرجع.
- التناقض الثاني هو بين التغيرات غير المنفصلة والكثرة داخل الوحدة والاختلاف المؤدي إلى التطابق في الزمن الفلسفي والمتغيرات المستقلة والمنقطعة والفريدة والمباغتة في الزمن العلمي.
- التناقض الثالث هو بين الشخصيات المفهومية التي تحسسات ذاتية والمراقبين الانفراديين الذين يتميزون بالحياد واللاذاتية والذين لهم دور موضوعي في نقل المعلومة وتراكم المعرفة.
ويترتب عن ذلك ما يلي:"أن الفلسفة لا تستطيع أن تتحدث عن العلم إلا إلماحا والعلم لا يستطيع الكلام عن الفلسفة إلا كما لو كانت نوعا من الغمام"[22] ويبرهن على حالة الانفصال بتأكيده أن كل واحد مكتفي بذاته لأن المفاهيم الفلسفية والوظائف العلمية لا تتقاطع إلا إذا كانت في مرحلة استقرار ووصلت إلى مرحلة النضج بينما إذا كانت في مرحلة تشكل وتكون لا ينبغي أن يتدخل طرف في طرف،ويصرح حول هذه النقطة ما يلي:"من المؤسف أن يتعاطى العلماء بالفلسفة دون وسيلة فلسفية حقا أو أن يتعاطى الفلاسفة بالعلم دون وسيلة علمية فعلا"[23].
بيد أن هذه التناقضات مصطنعة ويمكن تجاوزها لأن ما يشكل مشكلة حسب دولوز ليس العلاقة بين الفلسفة والعلم بل بين الفلسفة والدين والذي يجعل البعض من الفقهاء العجزة يتوهمون أن النص الديني إما له سلطة على النشاط العلمي أو يحتوي سلفا على كل الاكتشافات التي يشقى العلماء من أجل تحقيقها.
ويفسر دولوز سبب التناقض بأنه احتكام كل من العلماء والفلاسفة إلى فهم مسبق بخصوص معنى المفهوم والقضية وأنه لو تجاوزوا هذا الفهم المسبق لتوصلوا إلى حكم منصف حول العلاقة ولأباحوا امكانية تعاونهما،يقول دولوز في هذا السياق:"إذا كانت الفلسفة تحتاج بشكل أساسي إلى العلم المعاصر لها فلأن العلم يتقاطع على الدوام مع امكانية المفاهيم ولأن المفاهيم تحتوي بالضرورة الماحات عن العلم لكنها ليست نماذج ولا تطبيقات ولا حتى آراء"[24]
ويقدم دولوز حجة ثالثة مفادها أن كل من الفلسفة والعلم يحتويان في مفاهيمهم ونظرياتهم طرفا ثالثا مهملا وهو الفن فنحن نعثر على الرؤية الفنية للعالم في نصوص الفلاسفة والعلماء على السواء بحيث نستطيع أن نقول عن"مفهوم معين أنه جميل" وعن"وظيفة معينة أنها جميلة" وهكذا فإن المؤثرات الإدراكية أو الانفعالية الخاصة بالفن موجودة عند العلماء والفلاسفة،زيادة على خاصية الإبداع التي يشترك فيها الطرفين أي إبداع النظريات في العلم وإبداع المفاهيم في الفلسفة والتي نجدها أيضا في الفن عندما يبدع الفنان آثارا جمالية خلابة. على هذا النحو يعترف دولوز بقيمة أنواع التفكير الثلاثة الفن والعلم والفلسفة ويساوى بينهم ويرى امكانية التلاقي والتصالب بينهم لأن ذلك ليس انتقاصا من قيمة أحدهم بل هو عامل خصوبة ومجال للتلاقح والإزهار. إذ يقول دولوز:"إن أنواع التفكير الثلاثة(الفن والعم والفلسفة)تتقاطع وتتشابك ولكن بدون تركيب ولا تماثل متماه فيما بينها.فالفلسفة تحقق انبثاق أحداث مرفقة بمفاهيمها والفن يقيم نصبا مرفقة بإحساساتها والعلم يبني حالات للأشياء مرفقة بوظائفها،فيمكن إنشاء نسيج غني من الترابطات بين المسطحات"[25].
هذه المسطحات هي مسطح المحايثة الذي يقتطعه الفيلسوف عن طريق شكل المفهوم والشخصية المفهومية ومسطح التركيب الذي يقتطعه الفنان عن طريق قوة الإحساس والأشكال الجمالية ومسطح المرجع الذي يقتطعه رجل العلم عبر وظيفة المعرفة والمراقبين المحايدين وبالتالي ينبغي أن نتعلم شيئا من الفلسفة والعلم إذا كنا نمارس الفن وشيئا من الفن والفلسفة إذا كنا نمارس العلم وشيئا من الفن والعلم إذا كنا نمارس الفلسفة وكما يقول دولوز"فالفلسفة تحتاج إلى لافلسفة تفهمها تحتاج إلى فهم لا فلسفي كما يحتاج الفن إلى لافن والعلم يحتاج إلى لاعلم"[26] ويقصد أن الثلاثة أنماط من التفكير تحتاج بعضها إلى بعض من أجل أن يفهم كل واحد ذاته وتفهم الأنماط بعضها البعض وتمكن الانسان من الانتصار في معركته ضد السديم.لكن من أين لنا أن نجعل الفن يعلمنا الإحساس المرهف والشعور الصادق نحن الذين لسنا فنانين؟ ومن أين لنا أن نجعل الفلسفة تعلمنا كيف نفهم ونتصور نحن الذين لسنا فلاسفة؟ ومن أين لنا أن نجعل العلم يعلمنا كيف نعرف ونكتشف ونختبر نحن الذين لسنا علماء؟ هل يحصل ذلك بمجرد أن تكون الوظائف متصورة ومحسوسة والإحساسات متصورة وموظفة والمفاهيم محسوسة وموظفة؟ لكن ماذا يبقى من الجمال إذا كان متصورا ووظيفيا ومن الحقيقة إن كانت متصورة ومحسوسة ومن المعنى إن كان موظفا ومحسوسا؟

خاتمة:
"هل يغدو كل شيء عبثيا لأن الألم أبدي ولأن الثورات تستمر بعد انتصارها؟ ولكن نجاح الثورة لا يكمن إلا في ذاته عندما كانت في طور التحقق وبالتحديد في الاهتزازات والطيات والانفتاحيات التي أعطتها للناس والتي تشكل بذاتها نصبا في حالة من الصيرورة مثل كومة الحجارة هذه التي يضيف إليها كل مسافر جديد حجرا"[27]
الدرس الذي نستخلصه من تعريف دولوز للفلسفة كإبداع للمفاهيم أن الإبداع ليس بدعة وجنونا واختلاقا ولا يكون من لاشيء وعن طريق الثورة على كل شيء بل هو عملية صيرورة تتضافر فيها العديد من العوامل وتتشابك وتتوفر من أجلها مجموعة من الشروط وهو بالتالي لا يحصل بصورة الفكر التقليدية وبأسلوب القدامى في معالجة اشكالياتهم بل بتحريك جديد لمسطح المحايثة وبإبداع مفاهيم جديدة تلتقي مع الإحساسات المركبة عن طريق الفن والنظريات والقضايا المنظمة ضمن المرجع العلمي،كما أن المفاهيم ليست مجرد عموميات مجردة أو تصورات فارغة بل هي كليات متشذرة تتميز بالانفتاح والتعدد وتطل على التاريخ وعلى الأحداث وتتمتع بتغير داخلي ديناميكي وبتكثيف كبير للأفكار والمعاني يجعلها تتراوح بين المطلق والنسبي وبين الزمني والأبدي وبين المتناهي اللامتناهي وهي غير متجسدة ولكنها تتقمص بعض الأدوار وتعطي لخامية المادة منزلة كبيرة.
من هذا المنطلق نتفق مع دولوز أنه لا يوجد في الفلسفة مفهوما أهم من آخر ويتمتع بموقع السيادة الأبدية مثل الجوهر أو الذات أو الوجود بل كل المفاهيم صائرة ومتحولة وداثرة ومعرضة للتشويه والإدغام والتلاشي وعلى خلاف ذلك يمكن تلميع صورتها وتنظيفها من محمولاتها السيئة وتجديدها وتطويرها بإعطائها حمولة ثورية جديدة،فتاريخ الفكر هو تاريخ إنتاج متواصل للمفاهيم وهناك مفاهيم تسقط من الحساب ومفاهيم تصعد طبقا لحاجيات العصر وتماشيا مع المنعطفات الكبرى التي تمر بها الأمم.
الدرس الثاني الذي نفرزه من ركام النصوص هو أن نشر فكر المقاومة والإبداع وترجمته من لغته الأصلية إلى لغة الضاد لا يعني أن حضارة اقرأ قد تجهزت بما فيه الكفاية لانجاز مشروع المقاومة والصمود ولتحقيق الخلق والإبداع المنشود، فأحداث التاريخ تفند مثل هذا الزعم،لكن يجوز القول دون تحفظ بأن ولادة الفيلسوف بين ظهرانينا بدأت علاماتها تظهر وتطفو على السطح ولعمري إنها ولادة عسيرة بقدر الزوابع والتوابع التي تعصف بالديار هذه الأيام من حروب من الخارج إلى فتن من الداخل والفيلسوف الحقيقي هو وحده القادر على أن ينادي على الشعب بالمجيء نحو المدنية من أجل تحقيق التحرير والتوحد وهو وحده "الذي يستطيع أن يكون سياسيا يجمع بين طوباوية المفهوم وراهنيته وبين ثورة المفهوم ومفهوم الثورة وبين الثبات في اللاتناهي والتناهي في اللحظة هنا"[28].
من هذا المنطلق فان الطريقة الممكنة للإجابة على تحديات المرحلة ليس أن نختار بين مفاهيم هذا الفيلسوف أو ذاك ونكون كالببغاء المقلد والوكيل التجاري العارض لسلع أكبر الشركات العابرة للقارات وليس المهم أن نكون أفلاطونيين أو أرسطيين أو رشديين أو خلدونيين أو ديكارتيين أو نيتشويين أو ماركسيين أو حتى هيدجريين ودولوزيين بل الأهم والأجدى هو أن نبدأ بالتساؤل والنقد والتحطيم والتفكيك عندما نحس أن المفاهيم التي نستعملها للفهم والتفسير والتصور والإحساس هي عملة قديمة وكلمات قلم الزمن أظافرها من فرط الاستعمال ونتفطن أن الوقت قد حان لتدمير صورة الفكر التقليدية الدغمائية والشروع الجدي في إبداع مفاهيم جديدة تنحت الصورة الفلسفية لمشاكل عصرنا وتقتطع مسطح محايثة يخلصنا من هذا السديم الذي يجعلنا نلف حول أنفسنا و نصاب بالدوار؟
انه توجد جغرافيا كاملة مجهولة على الفلسفة أن تعيد انتشارها عليها وتقوم بتعميرها وتوجد أغوار عميقة وكهوف ممتلئة بالكنوز على السارد الأكبر أن يسبرها ويحدثنا عنها و توجد مواضيع أخرى للحياة رحبة وصور أخرى للفكر غير دغمائية ومواد أخرى للكينونة لم يبدعها أحد فهلموا جميعا إلى إبداعها معا.

المراجع:
جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مطاع صفدي مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997
إيريك ألياز - توقيع العالم- طبعة سارف مكتوب بالفرنسية باريس 1993

[1] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص30
[2] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص30
[3] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص31
[4] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص31
[5] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص 31
[6] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص 33
[7] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص31
[8] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص28
[9] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص31
[10] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص32
[11] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص31
[12] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص35
[13] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص30
[14] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص79
[15] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص106
[16] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص122
[17] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص120
[18] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص35
[19] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص46
[20] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص204
[21] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص135
[22] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص169
[23] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص169
[24] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص170
[25] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص205/206
[26] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص223
[27] جيل دولوز/ فليكس غتاري ماهي الفلسفة ترجمة مركز الإنماء القومي بيروت طبعة 1997 ص185
[28] إيريك ألياز - توقيع العالم- طبعة سارف باريس 1993ص 41

* كاتب فلسفي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف