ثقافات

إفتتاح معرض أنغام وآيات .. روائع الفن الفارسي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


محمد الحمامصي من القاهرة: افتتح وزير الفنون والثقافة والتراث في ماليزيا داتوك سري أوتاما الدكتور رايس ياتم، والدكتور يحيي حليم، مدير القطاع الأكاديمي والثقافي في مكتبة الإسكندرية، والدكتور خالد عزب القائم بأعمال مدير مركز الخطوط، معرض (أنغام وآيات.. روائع الفن الفارسي)، والذي ينظمه مركز الخطوط بالتعاون مع متحف الفنون الإسلامية في ماليزيا. وقد أقامت مكتبة الإسكندرية حفل استقبال للوزير وحرمه تبعه حفل إطلاق كتالوج المعرض، وهو أول كتيب ينشره المتحف الماليزي للفن الإسلامي حول أحد معارضه باللغة العربية. وبدأ الاحتفال بكلمة ألقاها الدكتور يحيي ذكي نيابة عن الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، والتي أشاد فيها بروح التعاون البناء التي تطغى على هذا الحدث الثقافي المميز والذي يضم مجموعة من أبدع اللوحات ذات المعاني العميقة والحركات اللحنية التي تصورها التكوينات الفنية. وأشار إلى ما يحتويه الكتالوج على باقة من اللوحات الفنية الرائعة والتي يتجلى فيها أبدع أنواع الخطوط التي جاء على رأسها خط النستعليق أو الخط الفارسي، وخط الشكسته الذي وجد رواجا واسعا في إيران وخطا النسخ والرقعة اللذان كانا من أوائل الخطوط التي استخدمت في إيران لتدوين النصوص الدينية والوثائق الرسمية والملاحم الشعرية، كذلك يتضمن الكتالوج بين طياته كوكبة من أشهر الخطاطين أمثال عبد الراشد الديلمي، ومير عماد الحسيني الذي برع في خط النستعليق خلال القرن السابع عشر الميلادي، وقد أفادتنا دراسة تلك المخطوطات في دراسة مراحل تطور أسلوب الخط لكل خطاط حيث تحتوي مجموعة متحف الفنون الإسلامية في ماليزيا على أكثر من عمل لكل خطاط.

وقال " إن الكتالوج يعد بمثابة ذاكرة تاريخية فنية شاملة تحتفظ بكم رائع من المخطوطات التي تعود إلى إيران وترجع إلى القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي. فهذا العمل يدمج بين طياته الفائدة العلمية والقيمة الجمالية، ليصبح في النهاية نافذة للإطلال على الحضارة الإسلامية، من خلال مكتبة الإسكندرية التي تعد مركز إشعاع ومنتدى للنقاش والحوار في كل ما يتعلق بالفكر والعلوم والفنون والثقافة، وذلك من خلال التعاون المشترك بين مركز الخطوط في مكتبة الإسكندرية وبين متحف الفنون الإسلامية في ماليزيا في سبيل نشر هذا المضمون الرائع الذي يحتويه الكتالوج من أجل تشجيع الحوار بين الحضارات والتبادل بين الثقافات".

عقبها ألقت الدكتورة هبه نايل بركات، والتي قامت بإعداد كتالوج المعرض، كلمة محمد البخاري مدير متحف الفنون الإسلامية الماليزي، والتي أشاد فيها بمجهودات مركز الخطوط والدكتور خالد عزب، ووجه الدعوة للمركز بزيارة المتحف وتوطيد أواصر التعاون المثمر .

ثم ألقت كلمة حول التراث المادي والتراث غير الملموس للشعوب، طالبت فيها بإعادة تعريف التراث وأهميته . وتحدثت عن كيفية الفصل بين أنواع التراث . وشددت على أهمية الثقافة السمعية التي تعد جزءا من التراث الروحي والاجتماعي الذي ضاع معظمه نتيجة الإهمال. وأشارت إلى دور التكنولوجيا الحديثة في حراسة هذا التراث الإنساني من الضياع .

ثم قدمت الدكتورة هبه بركات، عرضاً تقديمياً حول الفن الفارسي ، وقد أخذت الحاضرين في رحلة إلى بلاد الفرس خلال القرن السادس عشر، بعد أن اهتدى الإيرانيون إلى نور الإسلام، أخذ الخطاطون في استخدام الخطين الكوفي والمائل (متصل الحروف) مثل خط النسخ، حيث استخدم كل منهما لكتابة آيات القرآن الكريم. ويرجع أقدم نص قرآني مخطوط في إيران إلى سنة 198 هـ / 813 م. وهذا التاريخ يتوافق مع حكم الخليفة العباسي المأمون. وكانت آيات القرآن الكريم تكتب بالخط الكوفي، والخط الكوفي الشرقي يتميز بحروفه المائلة الطويلة. ولقد انتعشت أساليب الكتابة المشرقية إبان العصرين الغزنوي والسلجوقي، غير أنه مع حلول القرن الثاني عشر الميلادي لم يعد هذا الخط يستخدم إلا في تزيين بعض التحف الفنية والمعمارية وزخرفتها.

وفي النصف الأول من القرن العاشر الميلادي، اضطلع الوزير الإيراني ابن مقلة بمهمة وضع قواعد وقياس العلاقة بين حروف خطي الجاري والنسخ المرن وضبط أحجام هذه الخطوط وكذا ارتفاعاتها وعرضها. وبهذا انتشر خط النسخ ليتجاوز دواوين الإدارة والسجلات، وصار محببًا لدى الخطاطين والفنانين والحرفيين. ثم ما لبث هذا الخط أن صار مهيمنًا في كل المجالات: التاريخية، والشعرية، والنثرية، إلى جانب المخطوطات الدينية ونصوص القرآن الكريم. وقد وصل خط النسخ إلى ذروته على يد ياقوت المستعصمي (توفي 697 هـ/ 1298 م)، وعرف عندهما باسم "النسخ الأيوبي".

وأوضحت أن الفنان الإيراني قد غامر داخل عالم الخط بإضفاء روح من الانسجام والجمال والصوفية بمنح درجة عالية من الإنجاز لهذا الفن. ومع انتشار الإسلام في إيران، ووسط آسيا، وشبه القارة الهندية، حلت اللغة العربية محل اللغات الأصلية لتلك البلدان. وسرعان ما أنتج خطاطو تلك البلدان كتابات تحمل بين جنباتها الذوق والقيم الجمالية المتوارثة في تاريخ تلك الشعوب. غير أن مرونة الكتابة العربية قد أظهرت نفسها في تطور الخط الكوفي المزوي، وفي الحنيات المموجة لخط النسخ، ما مهد الطريق لانتعاش خطوط جديدة ذات طابع محلي خلاب.

وقد حددت د. هالة بركات العناصر الجمالية في المخطوطات المنفردة، بأنها لا تقتصر على الجدية المتضمنة في معانيها، وإنما أيضًا على التكامل المنسجم بين الخطوط وزخارفها. فلقد راعى الخطاطون التناسب السليم بين الخط والزخرفة لتؤدي الدور المساند للخطوط بالشكل الراقي الذي تستحقه. وترجع فكرة زخرفة الخطوط في المخطوطات المنفردة إلى عهد الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب . ولقد أضفت الزخرفة بعدًا من الجلال للنصوص. ومع مرور الوقت صارت تخدم الوقفات، والأجزاء، والآيات في مخطوطات القرآن الكريم. وتزخر المخطوطات الكلاسيكية للقرآن الكريم بزخرفة متألقة للعناوين، يتبعها النص مخطوطًا في صفوف أفقية على مسطح أبيض أو مذهب، مع هوامش مزدانة بورود زخرفية. وفي هذه الحالة يقع توقيع الخطاط في السطر الأخير من الصفحة بخط مخالف عن خط النص.

واستطردت قائلة " لقد أتقن خطاطو فارس فن الكتابة الشعرية، وتنغيم الكلمات، وتجويد وقع الآيات الكريمة التي تسلب العقول. ولقد تمرس الخطاطون على طريقة تكريم الآيات البينات بعد دراسة طويلة. فمن المراحل المبكرة من أعمارهم، كان هؤلاء الخطاطون يحفظون آيات القرآن الكريم، ويجودون نغماته الموزونة. ومن خلال تدريباتهم الدؤوبة في نسخ الآيات القرآنية في أوراق التمرين (سياة مشق)، ومن واقع رنين الكلمات، كانت أرواح هؤلاء الخطاطين وعقولهم تتشبع بهذا الزاد الرباني. ومن ثم، نجحت كوكبات من المثقفين والشعراء والخطاطين في البلاط الملكي في إنتاج تحف رائعة من الأدب الفارسي، ودواوين الشعر والنثر. وفي هذه المنتديات تم إخراج ألبومات "المرقعات"، وقام الخطاطون بإعداد مقدماتهم، في حين أن المثقفين من الحضور كانوا يتهللون فرحًا بهذا النتاج. وكان متوقعًا من الخطاط ألا يكون مجرد كاتب ينسخ، وإنما كان ينظر إليه كمبدع، ومخطط، وشاعر، ومحب للأدب. وبذلك نجح الخطاطون بمرانهم وحماسهم، وبإخلاصهم وحكمتهم، في خلق فن مجيد، اعتبر فرعًا من فروع المعرفة.

وقد توج حفل الافتتاح بكلمة لوزير داتوك سري أوتاما الدكتور رايس ياتم، وزير الفنون والثقافة والتراث في ماليزيا، وجه عبرها الشكر لمتحف الفن الإسلامي في كوالالمبور وكذلك مكتبة الإسكندرية التي وصفها بالمؤسسة العظيمة الواقعة في مدينة تمثل مركزا ثقافيا وحضاريا وتاريخيا مهما.

وقال" إن الفنون بأشكالها المتعددة تعزز الحضارات على المدى الطويل وتثري التجربة الإنسانية. بينما ينتمي الفن الحديث إلى عالم النخبة، ويبقى الفن الإسلامي في إطار محدود حيث لا يعد موضوعا للدراسة الدولية. وقد يعود هذا إلى المحاذير الدينية حول تصوير الهيئة البشرية. على الرغم من رفضنا للجدال حول تلك القواعد الدينية الواضحة، لابد من العمل على وضع الفن الإسلامي على مستوى أعلى بين الفنون من حيث الاهتمام والدراسة الدوليين" .

كما أبدى رفضه لوضع الفن في إطار سياسي، بل على الأعمال الفنية أن تتعدى مفاهيم الجهل والتعصب. ومن الممكن تحقيق هذا الهدف من خلال برامج التبادل الفني على المستوى الدولي، وتابع قائلا " يعد معرض " أنغام وآيات- روائع الفن الفارسي" نموذجا لمثل هذا التعاون الفني البناء، حيث سيعمل على زيادة الوعي لدى المئات من زائري المكتبة حول ضرورة العمل على نشر الفن الإسلامي ورفعه إلى مصاف الفنون الأخرى التي يحتفي بها العالم. وكما كانت الإسكندرية موطنا للتاريخ، فهي أيضا موطن لمستقبل الفن الإسلامي".

أما عن فن الخط العربي، فألمح إلى خصوصية تذوق هذا النوع من الفنون، حيث يعتمد على الحس التكويني والحركي لدى الجمهور، وبالتالي تختلف الرؤية من شخص إلى آخر.

ثم انتقل الوزير في نهاية كلمته إلى الحديث حول الآثار المدمرة للحروب والنزاعات بالنسبة إلى التراث الفني للدول. إذ إن بلدانا مثل أفغانستان والعراق التي تتعرض إلى العنف بصورة يومية، تفقد القدرة على الحفاظ على أعمالها الفنية الثمينة. حيث تدل الإحصائيات على تدمير واختفاء وتهريب أعداد هائلة من القطع الفنية الإسلامية وما قبل الإسلامية في هاتين الدولتين وغيرهما من أماكن التنازع التي تدهورت فيها الحالة الأمنية.

وقد انهى الوزير كلمته بالدعوة إلى تجميع وتسجيل وفهرسة الأعمال الفنية الإسلامية على مستوى العالم من خلال برنامج دولي برعاية اليونسكو أو غيرها من المنظمات المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي. وأعرب عن أمله في أن يمثل معرض " أنغام وآيات- روائع الفن الفارسي" سبيلا للوحدة بهدف الحفاظ على التراث.

تجدر الإشارة إلى أن المعرض سيستمر لمدة ثلاثة أسابيع ، وتعتبر مكتبة الإسكندرية هي المحطة الثالثة التي تحتضن معرض "أنغام وآيات"، بعد رحلة بدأت من سنغافورة في عام 2004، ثم ماليزيا في عام 2005. وقد لاقى المعرض ترحيبا وإعجابا في المحطتين السابقتين، ذلك بفضل لوحات بديعة الخطوط ذات المعاني العميقة وحركات الأنغام اللحنية التي تصورها التكوينات الفنية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف