ثقافات

بيکه‌س: أهم عيوب الحداثة الشعرية تطرفها الايمائي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حوار مع الشاعر الكردي شيرکو بيکهzwnj;س:

أهم عيوب الحداثة الشعرية "تطرفها الايمائي" و"انغلاقها الحديدي"أمام المتلقي

حاوره نزار جاف: هادئ ووديع وبعيد عن التزمت والتصنع والتکلف، يستمع إليك وفي ذاکرته متاع سنين حافلة بالکثير من المشاهد التراجيدية والمتناقضة والغريبة تطفو الى السطح بين الفينة والاخرى على صورة قصيدة لا تستکين إلا بعد أن تستقر في أذهان الناس. شيرکو بيکهzwnj;س، الشاعر الکردي الاکثر شهرة عربيا وحتى عالميا، يسعى من خلال لغة الشعر أن يبني جسرا للتواصل مع العالم، يرنو الى تجسيد إنتمائه إلى الأرض والانسان من خلال رسائله الشعرية التي تتباين أشکالها ومضامينها لکنها تنبع جميعها من سفوح جبال لايزال شعبه يرونها الصديق الوحيد لهم. بيکهzwnj;س، الذي هو ابن شاعر کردي مشهور بحسه وإنتمائه الوطني وبمواقفه العنيدة بوجه الاستعمار البريطاني، لم يکن صورة مکررة ومعادة لأبيه"فائق بيکهzwnj;س" وإنما صورة جديدة أخرى تضيف تألقا و رونقا على دنيا الشعر الکردي. ولکي تکون الصورة أوضح وأقرب، دخلنا معه في حوار عبر مجموعة أسئلة، فکان هذا اللقاء.

* الاصوات باتت تتوالى بخصوص أن وظيفة الشعر قد إنتهت و إنه لم يعد هنالك من رسالة أو أسرار جديدة يقدمها للعالم، وفي مقابل ذلك يصر العديد من النقاد العالميين أن المستقبل الزاهر للرواية دون الشعر. شيرکو بيکهzwnj;س ماذا يقول بهذا الصدد؟
شيرکو بيکهzwnj;س: انها ليست المرة الاولى التي نسمع فيها بان وظيفة الشعر قد انتهت! فمنذ بداية الثورة الصناعية وكذلك بعد كل اكتشاف علمي او تكنولوجي تتوالى تلك الاصوات من جديد. ولكن هل انتهى الشعر فعلا؟! الجواب: كلا. لماذا؟! لان احاسيس الانسان وهواجسه وعواطفه تلك الصيرورة الابدية لن تنتهي، الرؤيا لن تنتهي. الاحلام والاسئلة لن تنتهي. ان كلمتي "الوظيفة" و "الرسالة" هنا، نوعا ما، بعيدتان عن "الشعرية" التي لا إطار محدد لها. اللغة الشعرية مطلقة وغير ملتزمة بالطريق المرسوم لها سلفا. الشعر كالماء يقدم دائما الحياة في سيرورتها. وهذه الاستمرارية تحمل في تغيرها "الجديد ايضا".
الاسرار لن تكتشف كلها مهما حاولنا الحفر في النفوس البشرية، فوراء كل حفر جديد سر اخر غير الذي رأيناه في الحفريات السابقة، فمادام هنالك مستقبل ات يعني هنالك اسرار غير معلنة وغير مكتشفة، واللغة الشعرية تتوالد فيها على الدوام اسرار جديدة والشاعر المبدع هو الذي يقدم تلك الاسرار الشعرية. ان المخزون التخيلي والصوري كالكون تماما لانهاية له. اذا لم يعد هنالك مثلا "للحب" من رسالة او اسرار جديدة حينها اقول لم يعد للشعر اسراره الجديدة ايضا! ولكن هذا لن يحدث مادام الانسان باقيا والحياة باقية. ربما هنالك اشكالات اخرى تتعلق باللغة الشعرية التي يكتب بها الشاعر وليس بالشعر نفسه. حيث للحداثة الشعرية عيوبها ايضا واهمها باعتقادي هي "تطرفها الايمائي" و "انغلاقها الحديدي" امام المتلقي وبعدها عن القراء وابتعادها عن الوصول اليهم. ومن هنا صارت المسافة مابين الشعر والمتلقي، في هذه الايام اكثر بعدا مقارنة بالمراحل الشعرية قبل خمسين عاما، اي لم يعد الشعر ديوانا للعرب او للكرد كما كان. لم يعد الشعر يدخل بدون اي وساطة نقدية الى قلوب الاخرين، فاصبح كثير من تلك القصائد "طلاسم" لغوية، مبهمة، مقفلة، والمتلقي ليس لديه الوقت الزائد حتى يفك اسرار تلك الطلاسم لكي ينهم او يهضم او يستأثر بما طرق الشاعر عبر لغته الجافة والمستعصية عن الفهم. وهذا باعتقادي سبب مهم في "انحسار المتلقي" وعدم رغبته في قراءة الشعر مقارنة بالرواية. اذ اننا قليلا مانرى القراء في جميع انحاء العالم مثلا في القطارات والطيارات والاتوبيسات يتصفحون ديوان شعر ولكنهم يقرأون الروايات. لماذا؟! السبب ليس في انه كتاب شعر، كلا، وانما المسألة تكمن في اللغة المقفلة وفي "التطرف المجازي".
ان لغة الرواية لغة قريبة جدا من الحياة اليومية للانسان، قريبة جدا من العلاقات الاجتماعية والحياتية بصورة عامة. اللغة الشعرية بحاجة الى نوع من الانفتاح على الحياة، بحاجة الى بساطتها المذهلة، بحاجة الى صور محسوسة واقعية وليس الذهنيات التي ليست فيها روح اللغة ونضارتها. ان اكثر النتاجات الشعرية في الوقت الحاضر تشبه غابات احرقها الجفاف، فلم يعد للشجرة الشعرية اخضرارها وفروعها الحية، وبالتالي القراء لن يحتضنوها. وهذا ما جعل النقاد يعتقدون انه ليس للشعر مستقبل!

*الشاعر أدونيس قال بموت اللغة العربية وهو بذلك رسم مستقبلا حالکا للشعر العربي، واللغة العربية کما تعلمون من اللغات المشهورة بغناها و سعة آفاقها، اللغة الکردية مازالت تعاني من مسألة عدم وجود اللغة الموحدة لأسباب عديدة لسنا بصددها، والسؤال هو، کيف هو حال الشعر الکردي في ضوء ذلك و ماهي وظيفة و مهمة الشاعر الکردي؟
شيرکو بيکهzwnj;س: انا لا اعرف الاسباب الكامنة من وراء ماقاله الشاعر ادونيس بأن اللغة العربية قد ماتت! ربما قاصدا بذلك موت الابداع او موت الفكر السباق والانساني عموما او عدم تجدد اللغة العربية بما تتماشى مع ابداعات في العالم. لا اعرف. ولكن مع كل ذلك. اللغة العربية لم تمت بدليل ان الشاعر ادونيس نفسه يكتب بهذه اللغة. والسؤال هنا هل يكتب ادونيس بلغة ميتة؟ ان الكتابة "بلغة ميتة" اذا جاز التعبير فلن ينتج غير ادب ميت ايضا! ومرة اخرى اعود واقول ان ما كان يقصده الشاعر ربما هو موت الفكر الخلاق ليس الا. حينما تموت اللغة تموت معها الحياة ايضا. نعم اللغة العربية لغة قوية وغنية ومتدفقة والا لما انتجت كل هذه الابداعات عبر مسيرتها. فلغة المتنبي او ابي تمام او ابي نواس او الجواهري او بدر شاكر السياب او ادونيس او محمود درويش وغيرهم تثبت حيويتها وسعة افاقها وتواصلها الدائم. في اي لغة لايكمن القصور فيها مهما كانت بدائية وانما القصور او الخلل يوجد في الشاعر او الكاتب الذي يكتب بها. اللغة هي بمثابة الارض، والسؤال الجوهري هنا كيف نهيئ هذه الارض وكيف نستعملها او نحرثها كي تعطينا العطاء الاغنى. فحال اللغة الكردية تختلف عن اللغة العربية. فمسألة اللغة الموحدة هي الهاجس الرئيس لنا. وكما تقول مسألة عدم وجودها تعود لاسباب عديدة لسنا بصددها الان.
ان خارطة الشعر الكردي في الوقت الحاضر تلونها لهجات متعددة ولكن اللهجتين الرئيستين هما اللهجة الكردية الشمالية والتي تكتب بالحروف اللاتينية وتشمل كل مناطق كردستان- تركيا. واللهجة نفسها تستخدم في قسم من كردستان- العراق وكردستان سوريا وهي تكتب بالحروف العربية، اما اللهجة الرئيسة الاخرى والتي تكتب بالحروف العربية تشمل المناطق الوسطى في العراق والشرقية في كردستان ايران. في الوقت الحاضر القسم الاكثر اشراقا في هذه الخريطة الادبية والفنية شعرا وقصة وفنا هي في كردستان- العراق وهذه تعود لاسباب سياسية وتأريخية واجتماعية.
لاشك ان الشعر الكردي ولحد اليوم هو الابرز والاغنى مقارنة بالعناصر الادبية الاخرى. ان حال الشعر الكردي في نماذجه الرائعة لايقل شأنا عن اي شعر جميل في العالم. اما وظيفة ومهمة الشاعر الكردي فليست هناك خريطة ثابتة او موحدة اذ تعود هذه المهمة الى كل شاعر حسب رؤياه الخاصة. نرى هنالك شاعرا لايرى في الشعر اي رسالة سياسية او اجتماعية وانما يراه كفن لغوي فقط دون الالتزام بأي معيار خارج الشعر. وربما هناك شاعر اخر يرى في الشعر رسالة وفنا في وقت واحد. على اي حال ارى ان الشعر كالحياة فيه كل شيء دون الارتباط بأي ممنوع ولكن المهم والجوهري هو كيف يصبح ذلك الشيء شعرا؟!

* القارئ العربي يکاد يمتلك معلومات محددة عن الشعراء الکرد البارزين من جيلکم، لو سألناکم عن أفضل أربعـة شعراء کرد عاصروك لتقدمهم للقارئ العربي، من ستختارون و لماذا؟
شيرکو بيکهzwnj;س: نعم القارئ العربي حتى في العراق في بغداد والبصرة لديه معلومات قليلة جدا عن الشعراء والفنانين الكرد ربما معلوماتهم عن شعراء الاسبان او الالمان اكثر، انها قطيعة ثقافية. وسببها الرئيس يكمن في السياسات الشوفينية والعنصرية التي اتبعتها الانظمة السابقة وخاصة نظام البعث المتمثل في حكم صدام حسين الدكتاتوري. جيلنا هو جيل السبعينيات من القرن الماضي وقد ظهر في هذا الجيل شعراء مبدعون الذين اسسوا للحداثة الثانية مابعد كوران منهم عبدالله بشيو ولطيف هلمت ورفيق صابر وانور قادر محمد وفرهاد شاكلي وغيرهم، كما وظهر في الثمانينات والتسعينات ومابعدها كوكبة اخرى من الشعراء الذين يختلف اسلوبهم وعالمهم الشعري عنا امثال قوباد جلي زاده وكريم دشتي وجمال غمبار وجلال برزنجي ومحمد عمر عثمان ودلاور قرداخي وهيوا قادر ودلشاد عبدالله ولابد ان اشير هنا الى اسم مهم آخر من هذا الجيل والذي له ابداعاته ولازال في الشعر والرواية وكتابة المقالات والدراسات النقدية وهو "بختيار علي". لقد اسهم هؤلاء كل على طريقته الشعرية باغناء الشعر الكردي وفتح افاق اوسع في اللغة الكردية ولهم اضافاتهم المهمة في الابداع الشعري. ان الاختلاف مثلا مابين جيلنا والاجيال الشعرية الاخرى يكمن في اختلاف المراحل التأريخية والسياسية والاجتماعية، وفي اختلاف الهواجس والمعاناة الفردية، في اختلاف الاساليب الشعرية والخلفية الثقافية.

* کيف هو واقع الشعر الکردي حاليا، وکيف ترى مستقبله؟
شيرکو بيکهzwnj;س: كما اشرت من قبل إلى ان واقع الشعر والادب بصورة عامة وفي اي بلد يتعلق مباشرة بمسألة الحرية والفرص الممكنة للتعبير بعيدا عن اي رقابة. فمثلا ان الوضع السياسي في شرق كردستان واقصد ("كردستان- ايران" او "كردستان- تركيا)، الحرية فيهما مقيدة. واللغة الكردية مقصوصة الجناح، حيث ان ملايين الكرد محرومون من الدراسة باللغة الكردية وهذا يختلف عن الوضع السياسي والثقافي في كردستان- العراق حيث ان الحرية لها فضاؤها الاوسع، لذا فان تطور الثقافة والادب فيها اسرع واغنى وهكذا فان الابداع الشعري متنوع وسيكون مستقبله اكثر اشراقا. طبعا الوضع في كردستان- سوريا كمثيلاتها في الشمال والشرق لا حرية للغة الكردية فيها والشعب الكردي محروم من ابسط حقوق الانسان.
الان وفي هذا الجزء من كردستان الحركة الشعرية والادبية والفنية، حركة متواصلة ومعطاة. لارقابة على الشعر لذا فان مستقبله اذا سار الوضع بهذا المنوال سيكون مستقبلا وضاء حيث نجد الان وعبر المطبوعات الادبية والشعرية جيلا من الموهبة في طريقها الى النضوج حيث ان اعمارهم لاتتجاوز 20-25 سنة وهذا مؤشر مهم لذلك المستقبل الشعري الذي تسألون عنه!

مارأيکم بحالة التمرد في المضمون الشعري الذي يمثله الشاعر"قباد جلي زادهzwnj;"، هل هو ظاهرة أم مجرد حالة طارئة؟
شيرکو بيکهzwnj;س: الشاعر قوبادي جلي زاده. شاعر جميل وصوته صوت متفرد وله اسلوبه المتميز ايضا ومنذ بواكير اعماله يهتم بعالم المرأة وجمالها واسرار جسدها وهو الشاعر الذي يحترق في هذا النار ويكتب بلهيب. في ما يتعلق بتجربته لقد اضاف عليها من خلال صعوده الشعري لغة جديدة على الدوام. ان "غزليات" قوبادي جلي زاده تختلف عن غزليات الشعر الكلاسيكي حيث له رومانسيته الخاصة فغنائية قصائده لها طعم متميز وفيها الحرارة التي تحتاج اليها كل قصيدة جميلة.

* قصيدة"مشخلان"(المشاعل)، التي صارت نشيدا للاتحاد الوطني الکردستاني و قادت کما تعلمون الى أن يضع الحزب الديمقراطي الکردستاني نشيدا مضادا لها، وهما"أي هذان النشيدان"قد غيبا النشيد القومي الکردي المشهور"أيها الرقيب"، يقال إنکم دعوتم لإلغائه أساسا، هل لکم أن تحدثوننا عن ذلك؟
شيرکو بيکهzwnj;س: هناك التباس في سؤالكم دعني اوضح لكم المسألة كالآتي: نعم نشيد مشخلان "المشاعل" هو نشيد الاتحاد الوطني الكردستاني منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي ولحد اليوم. ليس هنالك نشيد مضاد وضعه الحزب الديمقراطي الكردستاني آزاء ذلك النشيد ابدا وليس له نشيد خاص. لقد اختلط الامر عليكم، هناك نشيد قومي منذ الاربعينات من القرن الماضي وهو نشيد "اي رقيب" وهو نشيد رددناه كلنا وفي جميع اجزاء كردستان ومن قبل جميع الفصائل والاحزاب السياسة وكذلك من قبل عامة الشعب. لقد وضع كلمات هذا النشيد الشاعر المعروف (دلدار) ولحنه الشهيد حسين البرزنجي، وقبل عدة اشهر وضعت انا كلمات لنشيد جديد ولحنه الفنان هلَكوت زاهير وفسر البعض على ان هذا النشيد هو بديل لنشيد "اي رقيب" ولكن في الحقيقة لا انا ولا الفنان هلَكوت قد فكرنا بهذا، وانما كانت محاولة لوضع اناشيد اخرى عصرية تنسجم مع تأريخنا في الوقت الحاضر، وهذا لايضر لا بأي رقيب ولا بأي نشيد اخر.
ولكن بعض الصحف استغل هذا الخبر وروج له على انه بديل وهو ليس كذلك كما قلت. ولكن اذا رجعنا الى نص هذا النشيد ودققنا فيه نجد بان بعض الابيات منها لاتنسجم مع تطلعات المرحلة التاريخية الحالية ولا مع المستقبل. حيث ان المعاني محصورة في الماضي ومغلق على المستقبل "سنلون تاج الحياة بالدم" "ونحن احفاد ميديا وكيخسرو" من هو كيخسرو؟! لا علاقة له بالكرد اساسا وهو من الملوك البارسيي القدامى، كذلك ان النشيد "نشيد ذكوري" لا يؤشر من قريب او بعيد الى الجنس الاخر اي المرأة ودورها في الحياة والتغيير.

* الانثى إحتلت و تحتل مساحة کبيرة من الخارطة الشعرية لکم، وهي مضافة بکل رکن و زاوية من قصائدکم الشعرية حتى تکاد أن تصبح إحدى الرکائز الاساسية في تجربتکم الشعرية بصورة عامة، في ضوء ماتقدم، ماذا تمثل الانثى لديکم؟
شيرکو بيکهzwnj;س: الانثى هي الحياة. وهي اللغة التي تناسلت منها قصائدي، وهي احد جناحي التي لا تحليق بدونها. وهي التي تكملني لكي اكون انسانا بمعنى الكلمة. اذا كان شعري سهلا فهي ينبوعه لا صيرورة ولا ديمومة بدونها. ان هذا التأثير "الانثوي" اذا جاز التعبير يرجع الى طفولتي. الى امي بالذات. اذ کنت في السابعة من عمري حين توفى والدي. وبقيت هي لوحدها مع حزنها وفستانها الاسود وهي التي كان تغني وتقص لنا الحكايات الكردية ومن خلال صوتها احببت اللغة الكردية، اذن لقد كانت المرأة - امي هي التي وضعتني ولأول مرة في مهد الشعر وسكبت هي في آذاني الايقاع الشعري والاغنية الفلكلورية الكردية وحب كردستان، فكيف لاتحتل تلك المساحة من قصائدي. وهنالك اسباب اخرى مهمة، ذاتية وموضوعية ايضا، فالانثى في هذه المجتمعات الشرقية والاسلامية هي الضحية على الدوام. هي المحرومة على الدوام، هي السجينة على الدوام. ففي كل يوم تقتل غزالة. وفي كل يوم تغتال سحابة انثى. وهي التأريخ المذبوح على الدوام. كما وان نصف الشعر هي المرأة وهي النصف الاجمل منه! المرأة هي السلام والمحبة وهل يعيش شيء بدون السلام والمحبة؟!

* هل هناك شعر نسوي کردي؟ وهل تمکنت الشاعرة الکردية أن تفرض نفسها؟
شيرکو بيکهzwnj;س: ان الظاهرة المهمة واللافتة للنظر في الشعر الكردي وخلال عشرين سنة الاخيرة هي بروز الصوت النسوي فيه بقوة. طبعا انا اتحدث عن شاعرات كردستان- العراق والمبدعات منهن اللواتي فرضن انفسهن على الساحة الشعرية الكردية، على النقد الكردي، على المنتديات والمهرجانات الادبية. ان بعضا منهن يعيش خارج العراق وهن متواصلات من خلال نشرهن لقصائدهن وانا شخصيا اتابع نتاجاتهن. والاهم من كل ذلك ان بعضهن جريئات في طرحهن للمسائل الاجتماعية دون اي تقيد بالاسلاك الشائكة للتقاليد. لغة صبورة وغير خائفة اطلاقا. ان الشاعرات امثال: كزالَ احمد وكزالَ خدر ابراهم ومهاباد قرداغي وفينوس فائق ودلسوز حمه وجومان هردي ونزند بكيخاني و كوسار كمال وروز هلَبجيي وزوان ئاواره وسارا فقي رسول وجنور نامق وشيرين كمال والشاعرة الشابة الصاعدة لازو علامات مضيئة في خارطة الشعر النسوي في كردستان.

* شاعران کرديان فقط نالا الشهرة على الصعيد العربي، وهما عبدالله کوران و شيرکو بيکهzwnj;س، هل لکم أن تعللوا ذلك؟
شيرکو بيکهzwnj;س: لقد كنت اكثر حظا من بعض الشعراء الاخرين من جيلي، فمنذ اواخر الستينات من القرن الماضي بدأ بعض من اساتذتي من ادباء الكرد وكذلك اصدقائي بترجمة قصائدي الى اللغة العربية وفي اواسط السبعينات وعن طريق اتحاد الادباء العراقيين تعرفت إلى كثير من الشعراء والادباء المعروفين في بغداد، ونشرت بعضا من نتاجاتي في المجلات الادبية المعروفة امثال "الاقلام" و "الكلمة" و "آفاق جديدة"، وفي الجرائد العراقية "التآخي" و "طريق الشعب" وغيرها، ربما هذه فتحت لي الطريق لكي اعبر الى الجهة الاخرى. وفي الثمانينات حينما كنت في المنفى زادت هذه العلاقات وذلك عن طريق مشاركتي في الامسيات والندوات الشعرية في كل من باريس ولندن وبرلين وستوكهولم وكوبنهاكن والولايات المتحدة الاميركية وقبلها كنت في دمشق وتعرفت هناك إلى الكثير من الادباء والشعراء السوريين والفلسطينيين وغيرهم. ولاول مرة وبعد خروجي من كردستان سنة 1986-1987 نظمت لي اول امسية شعرية في دمشق وفي مخيم اليرموك. كما ان ترجمة مختارات من قصائدي الى اللغة العربية عدة مرات وسعت من هذه العلاقة. كما واني تعرفت في سنة 1988-1989 إلى الشاعر المشهور ادونيس في ستوكهولم وبعدها نشر لي في مجلته"مواقف" مجموعة من قصائدي القصيرة كما وقدمني في الامسيات الشعرية في لندن كل من الشعراء سعدي يوسف وفوزي كريم كما وقرأت لي بصوتها الدافئ في برلين الراحلة المرحومة الممثلة زينب، باختصار ان هذه المسألة لها علاقة مباشرة بالنشر ومن ثم ربط جسر التواصل مع الآخرين.

* کنتم أول وزير للثقافة في أول حکومة تشکلت في إقليم کردستان في بداية التسعينات من القرن الماضي، وقد نقل عنکم تململکم و ضيقکم بالوزارة و سعيکم للخلاص منها، هل لأن ثقل السلطة تقلل من وزن و قيمة الشاعر، أم لأنکم شعرتم بأن جلوسکم على کرسي الوزارة تعني حالة تنافر بين وظيفتکم کشاعر و بين منصبکم کوزير؟ إنه سؤال مازال دون جواب شاف، لماذا تخليتم عن الوزارة؟
شيرکو بيکهzwnj;س: لكي يكون جوابي شافيا يجب ان ارجع الى الثمانينات من القرن الماضي. في سنة 1984 وبعد فشل المفاوضات مابين الاتحاد الوطني الكردستاني والحكومة العراقية. مع تلبد الجو بالغيوم، قررت ان اترك مدينة السليمانية باختياري والتحق بالجبل. لانني كنت غير مطمئن من بقائي في السليمانية ولاسيما انني قد نشرت قصائد سياسية ضد النظام ولو باسم مستعار ولكن الناس كلهم يعرفون اسلوبي. بعد تجدد القتال. كنت في الجبل واعمل في اتحاد ادباء كردستان وكذلك في الاعلام. وبقيت سنتين هناك ومن ثم غادرت كردستان وتوجهت الى اوروبا وطلبت اللجوء السياسي في السويد وبقيت الى ان انتفض الشعب في كردستان في الشهر الثالث من عام 1991. وفي الشهر العاشر رجعت عن طريق ايران الى مدينتي السليمانية. وبعد ان سحبت الحكومة العراقية ادارتها في كوردستان، وحددت الجبهة الكردستانية موعدا للانتخابات البرلمانية رشحت نفسي على قائمة الخضر كشاعر مستقل ودخلت الى المجلس الوطني كعضو فيه. وعن طريق المجلس وباجماع جميع الاطراف رشحت لأول وزير للثقافة في حكومة اقليم كردستان، كان الوضع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في تلك الفترة بائسا ورديئا جدا. ولم تمض شهور حتى بدأت اشعر بنوع من السأم في منصبي ولم اكن سعيدا في داخلي على الاطلاق. ولو اني حتى في هذه الفترة لم انقطع عن كتابة الشعر، كان كرسي الشعر عندي اكبر من كرسي الوزارة، هكذا كانت وجهة نظري، ولكن في الوقت نفسه هناك التزام اخلاقي تجاه البرلمان الذي رشحني لهذا المنصب. كنت بين نارين كما يقولون ولا اعرف ماذا افعل.. وبعد مضي سنة وثلاثة اشهر وعندما اغلقوا عنوة احدى الجرائد ودون الرجوع الى القانون، قررت ان لا ابقى في هذا المنصب بعد، رغم معارضة اصدقائي والحاحهم بان ابقى ولكنني لم اتراجع وهكذا تخلصت من هذا المنصب، بعد فترة وجيزة صار الوضع اسوأ وبدأ الاقتتال الداخلي بين "الاخوة الاعداء" واخيرا قررت ان استقيل من عضوية البرلمان ايضا ورجعت الى السويد. ان اي منصب وزاري هو منصب سياسي وانا لا استطيع ان اتلاءم مع السياسة التي تنظر الى الحياة من زاوية المصلحة فقط. وانا لم اخلق للسياسة ولا اعرف الا عيبها واكاذيبها وغير ماهر في قيادة ذمتها على الاطلاق. وكنت اقلهم كلاما حين كنت وزيرا واتذكر في مرات كثيرة كانوا يناقشون في ما بينهم حول مسألة سياسية ولكن كان خيالي في مكان آخر، في الفضاء الشعري او عند عتبة جملة شعرية او عند كيفية اختيار عنوان لقصيدة جديدة.

ملاحظة: الصور بعدسة"جمال بنجويني".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف