الإسلام الحضاري ليس دولة دينية
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تهاني الجبالي أول قاضية مصرية تفند نص المادة الثانية من الدستور وتوجه ضربة للسجالات حوله وتقول:
"الإسلام الحضاري" ليس دولة دينية محمد الحمامصي: استضاف منتدى الحوار التابع لمكتبة الإسكندرية أمس المستشارة تهاني الجبالي، نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا وأول قاضية في تاريخ مصر. وكان موضوع الندوة عن الإطار الدستوري لتطبيق المادة الثانية من الدستور.أدار الندوة الدكتور محمد رفعت أستاذ القانون الدستوري، أحد رموز الفكر القانوني والدستوري في مصر.
ناقشت المستشارة هذه المادة المثيرة للجدل، مقدمة تحليلاً دقيقًا ومستفيضًا لفقرات النص القانوني لها. وقد بدأت بمقدمة عامة حول تاريخ هذا النص في الدستور المصري، وقالت" إن هذا النص الذي أتى في مقدمة ما يسمى بمقومات الدولة هو نص حاكم. فما من نص في الدستور المصري، يحظى بإهتمام المواطنين في مجال الاطار العملي لتطبيق مثل هذا النص. وقد ساعد في اتساع دائرة الحوار الوطني حوله، وعشنا مرحلة نسمع ونقرأ عن آراء متباينة عنه . وما يدفعني للحديث عنه هو أن الدستور المصري قد مضى عليه 30 عامًا، ومر على تعديله 26عامًا، وكان محل تطبيق في المرحلة السابقة وعلى امتداد فترة طويلة من الزمن" .
ثم قامت بتفنيد فقرات هذا النص، إلى ثلاث فقرات؛ وهي " الإسلام دين الدولة"، " اللغة العربية اللغة الرسمية "، "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". أشارت الى أنه دائمًا ما يقفز الحوار الى الفقرة الثالثة مباشرة.
وأكدت أن المحكمة الدستورية العليا طوال تاريخيها الممتد عبر 30 عامًا، لم تكتفِ فقط بنص القانون وانما وضعت ما يسمى بتخوم النصوص . وهي في هذا تستند إلى حقائق عملية وعلمية تجعل من نصوص الدستور أحد روافد الطمأنينة لإمكانية أن تستقر في التطبيق .
ولفتت الى أن الشعب المصري لم يجد من يمنحه المعرفة القانونية، وبالتالي فأي تطبيق هو المصداقية الوحيدة للنص. والى أن المحكمة الدستورية العليا تمارس الرقابة على التطبيق، وهو ما يجب أن يطبق في جميع المجالات في الحياة العملية بصفة عامة. وقد سردت الجبالي عدة ملاحظات مهمة، كان أولها: المناقشات التي جرت حول هذه المادة، عكست ما أصاب ثقافتنا السائدة من فوضى الدلالات المغلوطة، فقد كانت المناقشات تفيض باختلافات دلالية تسبب إلتباس في المصلحات القانونية. فهناك فوارق كبيرة بين الشريعة والقانون، والمبادئ والأحكام ، مصدر القانون والقانون .
وثانيًا: إن ما يحاصرنا من أزمات سياسية واقتصادية وثقافية ، انعكست على حجم التشدد والتشنج مما أثر على هدوء الحوار والمناقشات ، وأنتج العديد من الأفكار التي عكست صخب مناخ الحوار، وبالتالي لم تسمح بالوصول الى نقاط محددة .
وثالثًا: نحن نبدو كأمة بلا ذاكرة، وأجد أننا نعود إلى قضايا قتلت بحثًا وجدلاً وتوصل المجتمع فيها إلى بعض المفاهيم، ثم واذا بنا نعود مرة أخري وكأن شيئا لم يكن، وهو أمر يهدر مراحل النضال الوطني، وسنوات من الاجتهاد والمناقشات، وفي تقديري هو استعادة لمراحل الانكسار والتراجع. وربما نحن في هذه الفترة نجد حواراتنا تقترب من البيزنطية .
وإستطردت قائلة: "فلا دور مصر ، ولا قدرها وتاريخها يسمح بهذا الخراب الفكري ولا يمكن أن تكون مقدرات وطننا أسيرة لمثل هذا التخبط. واستعرضت المستشارة تهاني الجبالي فقرات النص الثلاثة بهوادة، وأوضحت ان قطبي الشعب المصري ليسا من سيضعان الإطار الضابط لهذا النص، ومن المعروف أن الدولة ككيان سياسي معنوي لا يمكن أن يدين بدين ما، إلا أن الواقع هو أن الدولة تتخذ من دين الأغلبية دينًا لها. وبلا شك فالغالبية تصبغ الدولة بهذا الطابع الديني .
وقالت: "نحن نحتاج إلى أن ننظر الى الاسلام من منظور آخر، لأن تأثير الاسلام على نظم الحكم قديمًا وحديثًا لم يكن تأثيرًا يتعلق بالسلطة الدينية، فهي غير موجودة على الاطلاق في مفاهيم الدين الاسلامي الحنيف، ولا يمكن أن تكون هناك سلطة دينية لفرد أو مجموعة أو حاكم وكل من تدثر بعباءة الإسلام لتبرير مرحلة من التاريخ لم يكن ليستمر ويدوم ، ويبقي الإسلام حجة عليه وليس هو حجة علي الإسلام. وأكدت أن الاسلام لا يجيز المساس بالحرية الدينية في المجتمع، وهذا يوجب على سلطات الدولة أن تتيح للمواطنين التمتع بحريتهم الدينية. فالإسلام الحضاري .. الذي يتجاوز الطقوس هو ضابط دستوري يقدم مفاتيح إدارة الدولة الحديثة بما يساعد على التقارب . وألمحت أن تاريخنا مليء بالومضات الجليلة ، التي تسمح بالانفتاح على تجارب الآخرين ، بما لا ينتهك حرمة خصوصيتنا الثقافية وهذه هي روح الاسلام الحضاري - بحسب الجبالي- التي تحترم الاختلاف والتي خلقت جوًا من الثراء الفكري . ثم أوضحت المستشارة أن "الاسلام الحضاري" ليس دولة دينية ، وهو في منهجه الصحيح لا يسمح باحتكار فرد أو فئة أو مؤسسة للسلطة ، وما هو غير ذلك فهو مخالف. وعللت ذلك بأن التاريخ قد رد على محاولات التدثر بعباءة الاسلام ، فلم يستمر التوظيف السياسي للدين ولم يحمِ ذلك الخلافة أو الولاية.
واستكملت حديثها المستنير مشيرة الى أن " الاسلام دين الدولة" تعني أننا قادرين على ادارة دولة حديثة، وهو يرتبط بقضية في غاية الخطورة وهي قضية فكر الولاية، فالولاية العامة للسطلة التنفيذية والتشريعية وغيرها من سلطات الدولة، ولا معصومية لأحد. فالدولة هنا تدار وفقًا لمفاهيم الإسلام الحضاري، فلا ضرورة لأن نسأل علماء الأزهر والمجمع الاسلامي وغيرها من المؤسسات والهيئات الدينية، فالدولة بالكامل هي طرف شريك في ادارة شؤون المواطنين، ولا مجال لسيطرة أحد. فالولاية لسلطات وليست لأفراد.
اما بخصوص الفقرة الثانية والتي تنص على أن " اللغة العربية اللغة الرسمية "، فقالت:إأن اللغة هي وعاء الثقافة لدى كل شعب في كل وطن، ولغتنا هي التي تشكل عقلنا الجمعي والمنظومة الثقافية . أين هي الآن؟!. لا شك أن الواقع يعكس انتهاك صارخ في الحق الدستوري للغتنا العربية، وذلك لا نقصد به اهمال اللغات الأخرى والانفتاح عليها، كذلك لا يجيز انتزاع العربية وتشويهها واضاعتها كما يحدث في بعض الدوائر التعليمية في مصر. وعلينا مواجهة محاولات اختراق اللغة، فنحن بحاجة إلى رد الاعتبار.
وقد وجهت الجبالي دعوة إلى إنقاذ اللغة العربية، مفادها أن الالتزام الرسمي باللغة العربية يعني أن تكون اللغة العربية هي اللغة التي تستخدم في جميع المحافل الدولية التي نستضيفها على أرضنا ، وكذلك هي اللغة التي نتعامل بها في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية ، وهذا هو حقها الدستوري. فهي اللغة الثالثة في العالم - من حيث الاستخدام على نطاق واسع- وعلينا مواجهة تجاهلها في المحافل الدولية ، والذي نتج عن التفريط في استخدامها مما أدى الى إلغاء العربية من دوائر الترجمة في بعض الهيئات والمنظمات الدولية.
وحول الفقرة الثالثة والتي تثير السجالات والبلبلة في مصر، وهي "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، أشارت الجبالي الى أن هذه الفقرة تستدعي من الجميع نظرة تاريخية . عندها سيبدو جليًا أن الشريعة الاسلامية مصدر للتشريع، أمر غير مستحدث . فمنذ أربعينات القرن الماضي كانت هي المصدر الرئيس للتشريعإلى جانب المصادر الأخرى، وكان هناك انفتاح ايجابي على مجمل الفقه الإسلامي، فضلاً عن القوانين الوضعية الأخرى كالفرنسية وغيرها. واستدلت على ذلك بأن المشرع المصري قد أخذ من الفقة الشيعي "الوصية الواجبة"، ولم يتهمه أحد بأنه تجاوز حدود الأمة. فقد كان المشرع المصري منفتح على كل الأئمة والآراء، ولو ظل الوضع كذلك لما عانينا مما آل اليه واقعنا الثقافي .
وأوضحت ان النص القانوني تعرض للتعديل سنة 80 ، وخلال 27 سنة من التطبيق، كانت هناك محددات وأطر مهمة ، لا بد أن ننتبه إليها جيدًا ، ألا وهي قيمتها.
فالمشرع أورد تعبير مبادئ الشريعة ولم يورد أحكام الشريعة. ومعنى ذلك أن المبادئ تمثل المقاصد العليا وهنا الأحكام تخضع للإختلاف الفقهي في ارتباطها بمناهج التغيير. ولا توجد حجة مطلقة للأحكام التشريعية . فالمبادئ لا تعني الأحكام لأننا قد نختلف عليها ، وهي تتيح النقاش حولها ومتروكة للمشرع وللظروف الملازمة لها، وهي بهذا المعنى تعتبر المبادئ القانونية العامة التي تحكم النظام القانوني بصفة عامة ، ولا جزاء على عدم الأخذ بهذا الحكم أو ذاك؛ لأن تطبيق المبادئ هو جزء من تطبيق المبادئ العليا، وهي لا تصلح للتطبيق المباشر.
وأضافت أن المبادئ التشريعية فيها " جوامع الكلم"، فمثلا شكل العقد يحكم قانون حدوثه، أو ان الغش يفسد كل شيء. وهي معاني لا تطبق كقاعدة قانونية ، ولكن المشرع قد استلهمها لتبطل عقدًا ما، مستندًاإلى أنه لا ضرر ولا ضرار، وهي نظرية كاملة ، سبقها اجتهاد تشريعي واسع يستدعي المصلحة وأعمال سلطة الدولة للتطبيق المناسب، وهو يستدعي أحكام تتصل ببعض العقوبات في الإسلام والتي تخدم الصالح العام في المجتمع. وصرحت الجبالي بأن المحكمة الدستورية العليا قد أقرت مبدأ على درجة عالية من الأهمية، وهو جواز الاجتهاد في المبادئ الإختلافية، وقد أقامت حق الاجتهاد لولي الأمر، وهو الدولة. وأفادت بأنه من الواجب على المشرع أن يربط هذه الاجتهادات بمصالح الناس، فأينما وجدت المصلحة يتم شرع الله، ويصبح حق المشرع في الاختيار عند التيسير. وبرهنت على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يكن يأذن بالتعسير، ولذا علينا أن ننحي من يعسر في القضاء.
كما أشارت الى أن المحكمة الدستورية أقرت أيضًا، احترام الاحكام الخاصة بغير المسلمين ولوائحهم الخاصة واعتبرت ان امتداد المعايير واللوائح هو محاولة لتحقيق المساواة امام القانون لأبناء الوطن الواحد.
واستدلت على ذلك ، بأن الحكم في غيبة الزوج في لائحة الاقباط الأرثوذوكس ، يمتد الى 90 سنة، وقد أقر المشرع المصري للمسلمين - وفقا للظروف الحالية من التقدم التكنولوجي في وسائل الاتصالات - بأنه لا يزيد عن سنة، وقد انتهي بالمبدأ نفسهللأقباط الأرثوذوكس.
وأقرت الجبالي بان هناك مبدأ هام في الإطار الدستوري أن استنباط الأحكام من المبادئ لا تعني الأخذ وجوبًا من أحكام الشريعة الاسلامية فقط دون غيرها، ولا يمنع من ارباح الراي الراجح، ويبقى الرأي المرجوح لا يمثل خطأ شرعياً، ولكنه بما يحظى بالأغلبية في هذا الزمن.
وأشارت أيضًا الى أن هناك جانبًا مهمًا في الاطار الدستوري للتطبيق، لأن المحكمة الدستورية العليا تحاكمه في اطار ما استهدفته من مصلحة هذه الملائمة للمشرع.
وخلصت الى أن هذا النص الخاص بالمادة الثانية من الدستور المصري، في اطاره للتطبيق له اطار دستوري محدد، وليس بهذا الشكل من العبثية التي وردت في الاحاديث التي تناولته بالنقد . ولا شك بان أي اطار دستوري انما ورهن بالأوضاع التي يطبق فيها والبنيان الوطني للخاضعين له. وأكدت أننا بحاجة الي حماية هذا الاطار الدستوري وان نستقي منه ما يرد الجائر عن جوره .
وفي الختام عقب د. محمد رفعت علي تحليل المستشارة تهاني الجبالي لهذه المادة، قائلا" إن القضاء هو حامي المواطنين ، وجميع أجهزة الدولة بما فيها المحكمة الدستورية العليا ، ذات حس قضائي وطني ، والقاضي فيها يحركه الضمير الوطني فوق كلشيء. وأكد أننا ليست لدينا رجعية دينية ، ولكننا لا نختلف في مسألة العقائد الاساسية ، ونحن نتعايش مع رحابة المرجعيات الدينية التي نتميز بها دون عن غيرنا".
وقد توجت الندوة بعدد من مداخلات الحاضرين تعقيبًا على ما سردته المستشارة تهاني الجبالي أول قاضية مصرية .
وجدير بالتنوية أن المادة الثانية من الدستور المصري تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وهذه المادة تشكل نقطة ارتكاز مهمة للكثير من التحركات الإسلامية والاجتماعية، وقد استند إليها الكثيرون في الطعن بعدم دستورية عدد من القوانين على أساس مخالفتها للشريعة الإسلامية، وكذا استند إليها الدفاع في الكثير من القضايا المرتبطة بالتيار الإسلامي، على أساس أن ما يطالب به هؤلاء هو نوع من الدعوة إلى تطبيق الدستور.
وقد تجدد الحديث عن تلك المادة بمناسبة الحديث عن تعديل الدستور الذي بدء قبل انتخابات رئاسة الجمهورية عام ٢٠٠٥، ثم تصاعد الحديث عنها بعد تقديم الحكومة لعدد من مشروعات القوانين الخاصة بتبديل مواد بالدستور تتصل بالإشراف القضائي، وشروط الترشيح للرئاسة وطريقة الانتخابات وإلغاء منصب المدعي الاشتراكي وغيرها.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف