ثقافات

علّوش: أنا غير راض عن العالم..

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حوار مع الشاعر المغربي إدريس علّوش:

وقد آن الأوان لأفصح عما يخالجني من فوضى وما يعتريني من انكسارات".. وجديده "مرثية حذاء"

هيبت برادة من المدينة المنورة: اعتبر التمرد قلقا وجوديا، وراح منشغلا بالهم اليومي المعاش في زمن موحش من قيم، استشعر المعنى والمشهد فاستحالت قصائده تسلك مسلكا خاصا ليصبح نظم القصيدة عنده نثرا، وفي لحظاته الشعرية تجلت الصور من حوله إلى مقطوعات شعرية أجدى بها أن تكون لوحة رسمتها الكلمات أو مشاهد كُتبت للسينما، إلى أن وصلت به حد الرثاء. عن منشورات" أنفو برانت" بفاس صدر للشاعر المغربي إدريس علّوش ديوان شعر جديد يحمل عنوان "مرثية حذاء" وهي المجموعة الثالثة التي أصدرها الشاعر بعدما اصدر مجموعته الشعرية الأولى" الطفل البحري" سنة 1990 والثانية "دفتر الموتى " سنة 1998، وإليكم نص الحوار:

**هل نزعة التمرد داخلك هي وراء عنوان جديدك "مرثية حذاء"؟
كنت ولا أزال اعتبر التمرد قلقا وجوديا يعتري الإنسان ليفصح عن رؤيته للعالم وللتفاصيل والأشياء، وبمعنى آخر هو رؤية نقدية تنبني على فلسفة تؤسس لبناء العالم والكون برؤية مغايرة، رؤية بديلة عن السائد الذي يستكين لأوهامه ويرسخ الرتابة والروتين والتطرف. اقصد رؤية جديدة تنظر للأفق بأقصى ما يمكن من الأمل وتعمل في حدود الإمكان والممكن لتشييد هذا الصرح الهائل كل من موقعه، وما يهمني من هذا الصرح كله هو القصيدة، واعتقد أن مجموعتي الشعرية "مرثية حذاء" تندرج ضمن هذا السياق.

**يقول أحد النقاد الفرنسيين "الانزياح هو الخروج عن المألوف في التعبير"، هل تخرج عن المألوف في تعبيرك، وهل نعتبر "مرثية حذاء" مثال على ذلك؟
لا يستقيم حال الشعر إلا بالانزياح عن كل ما هو سائد ومألوف ، بل يحتاج لتفعيل المتخيل، والاستعارات، والبلاغة النادرة، وإلا أصبح الشعر تقريريا بلا طائل ولا معنى.
الشعر لم يكن يوما لغة عادية وإلا صار رتيبا ونمطيا وبدون روح إبداعية، وما يميزه عن القول العادي أنه يخترق المألوف وينزاح عنه بكل ما أوتي من قوة إبداعية متجددة، بعد هذا القول اعتقد أن مجموعتي الشعرية في "مرثية حذاء" تستجيب لهذا التصور.

**ما جديدك داخل العالم الإبداعي في هذه المرثية؟
أعتقد أن هذه المهمة موكلة للناقد لتحديد نوعية الجديد الذي تتضمنه مجموعتي الشعرية "مرثية حذاء"، وشخصيا افصل بين عملي كمبدع، وعمل الناقد الذي يسبر مغاور النص، ويتوقف بدقة عند مكامن الجدة والحداثة فيه، ولا أتطاول على صلاحيته ومهامه، لذا لن أتجاوز حدودي وأقول أن هناك جديدا ما في مجموعتي الشعرية.

**إلى أي مدى تمكنت من إدخال الاستعارات الضمنية حتى تصل مقاصدك من خلال "مرثية حذاء"؟ وما الذي دفعك لهذا الرثاء؟
إلى الحد الذي يجعل القصيدة تستقيم، لان الإفراط في الاستعارات ومن أي نوع كانت يفقد النص جماليته ويضعفه ويحوله من مجال الإبداع إلى مجال الصناعة والتكلف والتركيب الميكانيكي للنص، وهذا مالا تحتاجه قصيدة النثر وهي في غنى عنه.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، أعتقد أن الدافع كان إنسانيا في الأساس، فمرثية حذاء حالة إنسانية ووجودية في آن، فنصوص المجموعة عبرت بما استطاعت إليه سبيلا عن قضايا انشغالاتي باليومي والمعاش واستنفار حالات التربص والالتباس والغموض التي يعيشها الكائن منا في زمن لم تعد فيه للقيم من معاني أو دلالات تستحق الكثير من الانتباه، إن الزمان الذي نعيشه مختلف تماما عن أي زمن آخر، زمن متوحش، زمن واهم يرفع شعارات توهم الآخر انه إنساني بامتياز، لكن في الجوهر الهدف هو تشييئ الإنسان، وطرحه في السوق كبضاعة خاضعة للعرض والطلب، وهذه هي الخلفية الأساس للعولمة والليبرالية المتوحشة.

**"الليل مهنة الشعراء.. وكفى"، كانت إحدى قصائد ديوانك الجديد، كيف تصف حالتك الشعورية عند اختيار مفرداتك الشعرية؟ والى أي مدى تمتهن الشعر ليلا؟
لا أجد صعوبة في اختيار مفرداتي الشعرية، إذ تشكل هذه المفردات جزءا مهما في حياتي قد تصل إلى حد الاستعارات التي أعيش وأحيا بها وعبرها، ولا أعتقد أني أبالغ إذا قلت أن الشعر أصبح نفسا يوميا بالنسبة لي، ومعها أصبحت مشاهد الحياة من موقع رؤيتي للأشياء مقاطع شعرية، ولقطات مدهشة للسينما، ولوحات مفتونة بالتشكيل، ورغم كل المأساة التي نعيش حالاتها الآن لا تزال الحياة جميلة على حد قول الشاعر الاممي ناظم حكمت. وقد كانت ولا تزال لدي علاقة إبداعية بالليل - هكذا أعتقد - فقد عايشت تفاصيله واستكنت إلى هدوئه وسكونه، وهو بصراحة يعطي إمكانيات هائلة للتأمل والإصغاء وللإبداع أيضا.
والليل ليس مجالا لكتابة الشعر فحسب، بل يكون في اغلب الأحيان مجالا خصبا لاستلهام متخيل الكتابة، وانطلاقا من تجربتي الشخصية، الليل كان دوما نديمي ودليلي نحو متاهات قصائدي، وهو أيضا عالم لامتناهي، وأجمل ليل رأيته في حياتي هو ليل طنجة، وطنجة المدينة المتوسطية والأطلسية في آن هي التي قال عنها "تشرشل": "طنجة مدينة لا تنام أخشى عليها من السهر".

**هل مخاض قصائد إدريس علوش متعسرة أم طبيعية وفي أجواء اعتيادية؟
كل قصيدة تستجيب لطبيعة ولادتها، فهناك القصيدة المستعصية التي تتطلب مخاضا عسيرا علّها تجد طريقها إلى الولادة، وهناك من تبقى حبيسة هذه الشروط القيسرية، فمن نص لآخر تختلف وتتعدد وتتنوع طبيعة هذه الولادة.
والقصيدة لا تصبح طيعة إلا بعد أن تتضح معالمها، فهي رحلة نحو المجهول، نحو اللامتناهي، رحلة نحو اكتشاف مغاور الذات وتناقضاتها، تمظهراتها وتجلياتها، أيضا هي رحلة نحو فك وتفكيك حالات الالتباس والغموض الذي قد توجد عليها الذات أحيانا، في هذه الحالة أو لنقول الحالات، كيف للقصيدة أن تكون اعتيادية؟

**هل لمنحى التقليد جواز في نصوصك الشعرية؟
لا أدعي الكمال فيما يخص تجربتي الشعرية، وحتى لا أقول أنني في بداية الطريق فأنا بالتأكيد في منتصفها، هذا المنتصف يقارن بربع قرن من التجربة في الكتابة، لا أنكر أني في مراحل سابقة اقتفيت أثر الآخرين، استفدت من متخيلهم، وتقنيتهم في رص النص الشعري. أما الآن فأعتقد أن الأوان قد آن لأفصح وبعمق عما يخالجني من فوضى وما يعتريني من انكسارات تجعلني بالضرورة غير راض عن العالم، أليس الإبداع هو الرؤية النقدية والمغايرة عن العالم؟ فعبر التراكم المستمر والمتواصل ينتقل المبدع بقوة الإنتاج، إنتاج النصوص العديدة والمتعددة، والمتنوعة والمختلفة في آن، من مرحلة الكم إلى الكيف، والكيف يؤكد لدى المبدع أنه تجاوز مرحلة التقليد ومحاكاة الآخرين.

**كيف تجد سقف الحرية في الصحافة العربية؟ وما الذي دفعك نحو الآخر التحرير الصحافي أم بحور الشعر؟
الصحافي كالشاعر تماما هو الذي يخلق أفق حريته، ألم يقل محمود درويش "حريتي فوضاي"، ثم من ينتظر أن تنزل عليه الحرية من السماء فهو بالتأكيد لن يبرح مكانه، وسينتظر طويلا إلى درجة يمكن أن يقتله هذا الانتظار، وقد يصبح وضعه أفظع من وضع البطل في مسرحية "في انتظار غودو".. ودائما هناك أكثر من إمكانية لخوض روح المبادرة في الإسهام من توسيع هامش الحرية التي قد تمنحه الأنظمة والمسألة تتفاوت من نظام لآخر، والحرية هي أفق آخر للإبداع والخلق، والحرية كالحق تنتزع ولا تعطى هبة أو هدية. شخصيا خضت غمار الصحافة من موقع الأدب والإبداع، وأعتبرهما سبيلي إلى امتهان هذا النوع المستحدث من الكتابة المهنية.

**هل كان لضرورة المواربة الصحفية عندك الخوض في التكنيك الشعري صاحب المعاني النثرية المقصودة؟
الشعر والصحافة كيانان مستقلان تماما الواحد عن الآخر ولكل همومه وأسئلته وقضاياه. وليست هناك صحافة تكتب بلغة شعرية أو شاعرية اللهم الاستثناء الواحد وهو الصحافة الثقافية لكنها لا تستأنس بالشعر إلا في حالات نادرة.

**هل تبحث ككاتب على القصة داخل قصيدة النثر؟
أبحث عن الأهم وهو النص، والنص كنه وعمق وتجربة، السبيل إليه شبيه بمتاهات لا متناهية، هذا هدفي الأساسي وما تبقى هي أمور نسبية للغاية.

**برأيك، إلى أي مدى تخدم القصيدة السياسة والاقتصاد والاجتماع في البلاد العربية؟
إلى المدى الذي تنتفي فيه السياسة والاقتصاد والاجتماع، وتسطع شمس القصيدة ليس في البلاد العربية فحسب بل في كل أرجاء المعمور.

**إلى أي حد نجحت في التجديد من خلال شعارك "إنها لقصيدة حتى النثر"؟ وبرأيك لمَ تجد قصيدة النثر إشكالات واستنكار من الكثير؟
قصيدة النثر قصيدة إشكالية في الأساس ومغايرة وغير مهادنة، قصيدة مفعمة بالتناقضات في المعنى والشكل معا، قصيدة ثائرة على كل ما هو تقليدي ونمطي، من هنا تأتي قوتها في الفعل الإبداعي كامتداد للحداثة والتحديث ولما بعد الحداثة أيضا في شعاري" إنها لقصيدة حتى النثر" وهو تصور ذاتي للكتابة الشعرية أحاول بلورته من خلال انتمائي للكتابة الشعرية، وعلى المستوى الشخصي أصبح دليلي للانصهار في أفق القصيدة ولا ادعي أن أأسس عبره لمدرسة أو تيار في الكتابة، فهذا ليس من شأني ولا يهمني بتاتا، إنها مقاربة في اختيار النص الأنسب ليس إلا.

**ألا تبحث في قصائدك على الغنائية التي يسعى إليها الكثير من الشعراء؟
لا اعتقد أني أجازف إذا قلت لكِ هذا الموضوع تحديدا لا يعنيني بتاتا، بل على العكس تماما هذا ما أسعى إليه، وهو أن يكون نصي خاليا من أية غنائية، عدا الإيقاع الداخلي الذي يوفره النص ويفرضه في إطار الجدل القائم بين الشكل والمضمون، والمعنى والمبنى فأنا لا أسعى لأي نوع من الموسيقى في نصوصي الشعرية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف