شعر

النَّوَافِذْ

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

النوافذُ الهاربةُ منَ الجدرانِ
لا تهتمُّ كثيراً لانشغالنا
حينَ نُشرعُها لنطردَ الطحالبَ و العفنَ
من سُباتِ الأسرّةِ ذاتَ شخيرٍ مُتخَمٍ بالليلِ
تشدُّ خطاها إلى أقربِ حديقةٍ وارفةِ الصّباحْ
النّوافذُ ليستْ وحدَها منْ يستعجلُ الرحيلَ :
أبوابُنا معلّقةً بالداخلينَ والخارجينْ
الخزائنُ حُبلى بأوهامِ الجسدْ
الكراسي معجونةً باتكاءاتِنا
الأرائكُ مثقلاتٍ بالفواتيرْ
عقاربُ السّاعةِ محاصرةً باليقظةْ
السجادةُ نافضةً عن كاهلِها ريقَ الأحذيةْ
الكتبُ ساهيةً في فراغِ المكتبةْ
اللوحةُ منسيّةً في أديمِ الطّلاءْ
سورةُ " الفلقِ " لا تكفُّ عن مبارزةِ الحسدْ
الكلامُ، الشِّجارُ، المشاعرُ، الأفكارُ
كلُّها تُحلّقُ قابَ سقفٍ أو اختناقْ
النّوافذُ المُتصدّعةُ تُرمّمها الحمحماتُ
حيثُما اتكأنا على شتلاتٍ
زرعناها على حافةٍ مشدوهةٍ في الأثيرِ
تتالتْ مشاهدُ الزَّهْوِ :
السّماءُ مائجةً بيدِ اللهْ
الأفقُ محتدماً بالتخيُّلاتْ
الجبالُ شاهقةً بالقيدِ و العويلْ
السهولُ سائلةً من عينيَّ إلى مهدِها
الأشجارُ واقفةً في ارتقابِ حافلةٍ
تقلُها إلى حانةٍ لـ " لديسكو "
العرائشُ يفرشنَ الفتنةَ في عناقيدِ الولهْ
الأنهارُ لا تملُّ منَ الثرثرةْ
الضفافُ يلعقنَ أطرافَ الحديثْ
الشَّوارعُ مُزدانةً بالخطى و الضجيجْ
الأزقَّةُ تسترقُ الصدى و الظلالْ
المباني ترتدي أسرارَنا، وبقايانا
حينَ نخلعُها على سلالمِ الأسى،
ثمَّ نعلِّقُها في بهْوِ النميمةْ
قلتُ النّوافذُ حينَ تخلعُ نظاراتِها القُماشيّةَ
يلجُ اليمامُ وفيرَ الصّلاةْ
العصافيرُ سادنةُ الشَّدوِ بهيَّةَ الارتخاءْ
المطرُ رحيبَ السّريرِ ، رغمَ احتباسِها في الجدارْ
المآذنُ مستلقيةً لأذانٍ يُمسّجُ أعناقَها
قُبُلاتُنا حثيثةَ السَّعيِ إلى مَنْ نُحبُّ في النّافذةِ المقابلةْ
حِبالٌ معمورةً بثيابِ الفتنةِ تنحسرُ عنْ فخذيها ، و نكهةِ " البرسيلْ "
" دِشَّاتٌ " محشوّةً بالأخبارِ و المنوعاتِ
سنرتادُها ذاتَ هناءةٍ معَ " الكُشري و المكسّراتْ "
مداخنُ الحمّاماتِ و المدافئِ
زافرةً نفاياتِ أجسادِنا، و ما يُخلفُهُ الشّتاءْ
ظلالُنا راقصةً مساءَ حفلٍ تنكريّْ
مُواءٌ شريدٌ سيفترسُ جوعَهُ حالما تغفو السّكينةْ
أنوارٌ خفيتةٌ لجسدينِ ماهرينِ بالارتجافْ
أصواتُ الباعةِ مُتخمينَ بالعرباتْ
بائعُ الصحفِ ملسوعاً بالرّغيفْ
شاراتُ المرورِ واضعةً " روشَها " الأحمرَ لِتنطفئَ الستائرْ
النّوافذُ المستطيلةُ كتقاويمَ مهملةْ
المثلّثةُ كسهمٍ مهيّأ للاحتباسْ
المربّعةُ كترنُّحِ خطانا
حين ينكشفُ الطريقُ عن الأسى
المنحرفةُ كبناتِ الهوى
يحملنَ أعمدةَ الصّبابةِ للدخيلْ
المُقوّسةُ كأردافِ الغيومِ ،
و هي تخبزُ شتاءَنا المرصوفَ بالمسرَّةْ
الدائريّةُ ككرةٍ نُصوِّبُها إلى هدفٍ مؤجلٍ
الضيّقةُ، الفضفاضةُ
القصيرةُ، الطويلةُ
المشمسةُ، المقمرةُ
الشرقيّةُ، الغربيّةُ
النّوافذُ بكلِّ أسمائها الحُسنى ،و اللاحسنى
خشنةُ الانتظارْ
انتظارِ أنْ تدخلَ حجرتَها و تُغلقَ الهواءَ خلفَها
أنْ تسترخيَ على الأريكةِ
تُضمّدَ خدّيها المصفوعَينِ بالبَرَدِ
تُريحَ قامتَها من خواءِ الوقوفِ في ترقُّبِ مَنْ لا يجيءُ
أن تشطفَ وجهَها حينَ عيناها يغشاهما رمدٌ ربيعيٌّ
إنْ كانَ ثمّةَ ربيعٍ على أهدابِ مدّهما
و تُتابعَ على التلفازِ أخبارَ النّوافذِ أو مسلسلَ " النافذةُ اليتيمةُ "

النّوافذُ اليتيمة:

* السماءُ نافذةُ اللهِ ذاتَ استواءٍ على عرشِهِ الأبديّْ.
* الأبدُ نافذةٌ لبركانِ الجسدْ .
* البركانُ نافذةٌ للأرضِ كلما أُتخمتْ بالموتى تجشأتْ كي تستريحْ .
* الموتُ نافذةٌ كلما اقتربنا منها تضاءلتْ أجسادُنا بحجمِ كفنٍ و قبرْ .
* القبرُ نافذةٌ ملأى بأجسادٍ مستهلكةْ .
* الجسدُ نافذةٌ محشوّةٌ بغبارِ الأساطيرْ .
* الأسطورةُ نافذةٌ لصهيلٍ قادمٍ من هناكْ .
* الـ " هناكَ " نافذةٌ لقصيدةٍ لم تكتملْ .
* القصيدةُ نافذةٌ لجنونٍ مُمَوسقْ .
* الموسيقى نافذةٌ لأصابعَ أدمنتْ رقصَ المطرِ فأسفرتْ عن لوحةٍ مجرّدةْ.
* اللوحةُ نافذةٌ لريشةٍ خرساءَ، و يُنبوعٍ يقظْ.
* اليُنبوعُ نافذةٌ لسحابٍ برمائيّْ .
* و الفلسفةُ نافذةٌ لدينٍ معارضْ .
* الدينُ نافذةٌ لأرواحٍ ضجرةٍ بالخوفِ و السياسةْ .
* السياسةُ نافذةٌ لقتلٍ مترفٍ بجلوسٍ مُحَنَّكْ .
* و المعرفةُ نافذةٌ لأرواحٍ منهكةٍ بالعتمةْ .
* العتمةُ نافذةٌ لجسدينِ يُهرّبانِ الجوعْ.
* الزوجةُ نافذةٌ لاحتقانٍ مشتهى ،و وليدٍ يضمنُ الخلودْ .
* الوليدُ نافذةٌ لموتٍ وئيدْ .
النوافذُ .. النوافذُ :
كوىً لأرواحنا الحالمةِ بالانعتاقْ .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف