قصيدة جديدة لمؤيد الراوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تماثلُ الصورة
في غرفةٍ ما، أمامَ نافذةٍ مُسدلةِ الستائر ِ، يكمنُ قاتلٌ
يرصدُ الظلالَ المبهمة: (وجهٌ بينَ الجدرانِ يرتعدُ)
يَمتثلُ كصديق ٍ واضح الملامح ِ حينما يرادُ منهُ ـ يتشرَّبُ
بسحنةِ مَن يرصدهُ. ولكي يستكملَ المهمة َ
يحملُ وثيقتين ِ من البراءة:
حملٌ مُهَدَدٌ بسكين ٍ
وفي قفازهِ مخلبُ صقر ٍمضموم.
قاتلٌ يتخفى، ثمّ يتململُ داخلَ سياج الحديقةِ،
لا يعبأ بالوقتِ المؤجل ِ، لأنّ الوقتَ رصيدهُ.
يراقبُ الضحيَّةَ،
يداعبها بالتخفّي. يناجيها،
ويُخوِّفها
في الغسق الذي تعكرُ صفوهُ الطيور.
يجثوـ القاتلُ ـ أحياناً كضبع ٍ مجروح ٍ، وفي مراتٍ يتحفَّز.
يعرفُ مَن يراقبهُ في الغرفةِ، يُبللُ العَرَقُ خوفاً عانتهُ.
يراهُ مِن خلفِ الستارةِ طيفاً حرجاً
فيستمرئ اللعبةَ ويقلبُ الأهواءَ،
يستذكرُ التجاربَ فيها ويعرفُ خفايا التوجس.
القاتلُ اللاعبُ المُتربّصُ الصديقُ المُتحوّلُ، لا يعي الحالات.
وجههُ مشبوهٌ كحضن ِ شجرةٍ مقصوفةٍ،
يقفُ، هناكَ، في ظلِّ عمودِ الضوء ِ
باستقامةِ قامته، يخترعُ النورَ، ليكشف عن نفسِهِ.
يوهمُ بالأمان ِ
ويحملُ بيدهِ زهرةً،
يخفي في ردائهِ
نوايا الإحتراق ِ بينَ النجوم.
في مكان ٍ ما، خلفَ النافذةِ ـ هذه المرة ـ
تتكوَّنُ وتتماثلُ مع هدايا العمر ِـ
هيئة قاتل ٍ بريءٍ يترصدُ مَن يترصدُ الطريدة.
يُفعِّلهُ وينسجُ الظنونَ حولهُ ليلمحَ فيهِ العداوة.
حَذرٌ من ضربةٍ خاطئةٍ ستأتي ـ
يدٌ تخطئُ فتنزلُ من المجهول ِ فأساً أو صخرةً؛
هكذا كانَ المسارُ دوماً، وما هو مؤجلٌ ستجلبهُ العاصفة ُ،
تقتلعهُ مِنْ أسرار حقول ٍفي الرأسِ غامضة.
خلفَ النوافذِ
وأمامَ النوافذِ،
في بيوتٍ مُحتميةٍ بالابواب المرَتّجة،
أعداءٌ مُبهمونَ يجولونَ، منذ أزمان ٍـ منذ الصُدف الماضية.
يترصّدُ الأصدقاءُ الأصدقاءَ بأهواءٍ غامضة َ الإحتمالاتْ
بصدفٍ ليست صُدفاً، إنما علاقة
مصابة بالعداوةِ، في لحظةٍ منسيةٍ تحفرُ ثقوبَ دم ٍ متخثر ٍ
توشمها يدٌ ثقيلة ٌ على العنقِ والصدرِ، لا تقوى على الإختفاء،
نِيّة ٌ تتسترُ بالضوءِ
وتختزنُ غشاوة َ الرؤية.
مِضخّة ٌ مِنَ الشك، ومِن الوقتِ، ومِن مضيِّ العمر ِ
تخصّبُ الذاكرةَ:
أشباحٌ تجولُ، مرة ً أليفة، وأخرى
في هيئةِ قاتل ٍ وتوجسٍ بالـقتل المرتقبْ.
عَدوٌّ خلفَ النافذة ِ يرسلُ العلاماتَ
وقاتلٌ أمامها، يأسرهما حنينٌ موجعٌ للتماثلْ،
تمزجهما الفطرةُ الجامحة ُ لتوصلَ الموجة َ إلى الجسد.
شخصان ِ يتداخلان ِ ويتوزعان ِ مع الأهواءِ ـ مشروعٌ للتمازجِ
نجسدهُ، ثمّ نخافُ أن يكون أليفا، أو أن يناقضَ الألفةَ.
قاتلٌ أمامَ النافذةِ نتعثّرُ بهِ ـ مثلنا هوَ ـ واضح العينين ِ بغير قناع.
صدفة ً في الملاقاةِ يعتذرُ،
يغمغمُ ماداً كفهُ
ثمّ يَغتربُ متلاشياً في الفسحةِ المبهمة
فلا يعرفُ أحدنا الآخر.
كلٌ يرصدُ ظِلالهُ، في الغرف ِ،
وعلى الجدران ِ تمشي عناكب وطيور تلتصق بالسقوف.
في كلّ غرفةٍ نوافذُ تطلّ على مساحةٍ متروكةٍ من التوقع ِ
تخترعُ حدائقَ لدبيبِ حشراتٍ وثمار ٍ فاسدة في الرؤوس،
ووراءَ كلّ نافذةٍ سماءٌ تبعثُ لِمَن يرصدها موظفاً للجريمة،
يتاخمهُ
ويؤاخيهِ
ويكونهُ:
مشروعُ تَوحّدٍ ينفي الانفصالْ.
إثنان في تيهِ الليل ِ وفي ألق النهار، حَذِران ِ من المراقبة،
يُبحرانِ أبعد وأرحب من الغرفِ المتوحّدة،
يشكلان النبعَ،
هما ضفتان ِ
لنهر ٍ حَفرَ منذ المياه الأولى مجراهُ العميق،
والقتلة ُ فيهِ أصدقاءٌ مثل مويجات تنتشرُ
وتتعثرُ،
تنداحُ
وتغطسُ،
تطوف
وتنسلُّ
من تحت الجسور. لكنها تمضي.
تتمازجُ كالعناصر وتتداخلُ. تتبادلُ الأدوار.
القاتلُ عميق ُ المعرفةِ بالنوايا يَمزجُ الـصورةَ ويكاثرها،
هناك يجثو متوعداً
خارج النافذةِ
وهناكَ يرصدُ أمامها:
ثروة ُ الموتِ آتية من الماضي والموتُ لم يتعقلْ،
بيده الصورة وأصلها كزهرةٍ مزدوجة ِ الرحيق،
مسمومة،
ومثقلة
بالنوايا،
أو إن الأصلَ عاثر الحظِ
يستدعي، متوسلاً، طيفَ الجريمة.
10 كانون الأول 2005