شعر

من مدافن الورد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إلى: ما مضى ...
إلى: كاظمة، زهير، بهاء وزينب...
إلى: ما تبقى من النرجس...
إلى: صالح وأياد...


1

تذكرْ الظلّ الذي رقصَ
في عربة الشهودِ وعلى أرصفةِ الجنوب الأسمرِ
والذي تسلق شجرةَ الحيرةِ ولم نره بعدها.
تذكرْ أنّ الفاختة بلا وطنٍ، وأعشاشها كلّ أعالي المنازلِ
وأغصانِ البراري الغريبةِ و أعمدةِ ضياء الغيبِ،
تذكرْ أنّنا ولدنا، وقبلنا صوفيو الغيومِ،
وتذكرْ انّهم ضاجعوا أعلى الغيمةِ ما لا يضاجع،
تذكرْ عشاقَ رحيق الزهرِ و قامةَ الوردِ مصلوبة
أعلى سماوات النخلِ و بواباتِ المدائن،
تذكرْ، أنّنا هنا، نتذكر الأمس
كيف قادتنا امرأة للبحرِ
وأطلقتْ نوارسَ القلبِ لتعد لنا وجبة عشقٍ على شطآن لا مرئية،
تذكرْ خبر الغيمةِ عن زعل الموجةِ لانهيار منزل الرملِ،
تذكرْ بحارةَ المتون الغريبةِ والتحية
والملائكةَ الصغار الحيارى الذين مروا علينا
لنفتح لهم دروب السماء،
تذكرْ أنّنا لم نخف الخطايا، الحمراء منها والبيضاء،
تذكرْ أنّ جمرة المحارِ صهلتْ بين أيدينا،
تذكرْ أنّنا ملوك قلاع الرملِ ومازلنا
نبدأ، كلما مضتْ الممالك بمد البحرِ،
تذكرْ أنّنا عانقنا بعضنا مراتٍ
ترحل وأعودُ
تعود وأرحل
الأرض مدورة ، أليس كذلك؟
لنكررْ الأحلام إذن ـ هكذا قلتَ ـ
تذكرْ انّه في الخامسةِ والنصف من القمرِ
حدثتنا شرفةٌ عن قمرٍ بنيّ في الضلع
عن نجمةٍ سمراء أيضاً
لنصدق إذن استعارات القلبِ
وشمال وجنوب القصيدةِ
ولتكن كلّ قلاع الرملِ ممالكنا
ولنتوج بعضنا مرة أخرى
ملوكاً قبالة البحر.

2

لقد عاهدنا يوماً
أنْ نعانق في غفوةِ الطيور والوردِ مثوانا
لنقلْ إذن وداعاً للطيورِ والورد، لنقل إلى حين،
فنحن ننزل إلى الصمتِ، هكذا دوماً،
ننزل بصمتٍ صامتين في الصمتِ
ونعرف، أنّه ما من سفينةِ نوح لنقودها
وما من ناقةٍ بعد ليعقروها فيغضب الربّ
المياه قد أشتعلتْ، والمدائن غرقتْ، والأعمدة هدتْ
ومضتْ الطيور وتركتنا وحيدين
مضى الورد بلا كنيةٍ
والبقية؟ ما أدراني أيّ الأبواق نفختْ،
فلا تحزن، أيّها القمر، " لا شحوب في الكونِ
يشبه شحوب المعذبين"
فوداعاً أيّها البياض،
وكلمني من سماءكِ،
عن حزنٍ بين الغيوم
عن ربّ يغضب لموتِ العنب وحيداً
أخبريني عن لقاءٍ بين النجوم
ثم أخبرْ السماءَ،
بأني بقايا المنزلِ
أنا بقايا العبوةِ الناسفة
أنا الصور المحطمة على الجدرانِ
أنا الذي أمرّ عليّ الآن فلا أعرفني.
يا بياض البياض، هلا أخبرتني،
أغسلكَ، لما رقصتَ تحت النجوم فرحاً بعودة السفنِ،
ذات المطر، مطري؟
أيّها الراقص الأزلي على موجِ بياضنا
يا ربان ورقنا الأبيضِ
يا نخاع العظمِ
يا بياضات لن تنتهي
أهو وداع السفنِ وداعكَ؟
يا ربان البدءِ، الذي لم يبدأ أبداً.
أنودعكَ؟! نمْ إذن يا نورس، يا بهاء البحرِ وكنوزه،
و يا كاظمة، يا نجمة العشيةِ المحلاة بخبزِ الصباح،
وأنتِ يا موجة، يا كل زينبات الحزنِ ووجع الشطآن،
وأنتَ يا زهرة المدائنِ و طيورها ومآذنها،
انهضْ يا بحر، لتسجل في دفاتر الغيومِ حكاية الوردِ، حكايتنا
حكاية النوراس التي لم تنس قصائد النجمةِ
انهض ودون حكايتنا: نحن القادرون على الوردِ
نحن المقيمون في الوردِ
نحن سقاة الورد
نحن ورد الوردِ.
وسجل في دفتر الغيب:
كيف تتنفس القلوب بقلبٍ واحد لا أكثر.

3

رحلنا صوب المحيطِ،
تدلينا بعقارب ساعةِ الرملِ
وضربنا النجوم بالحصى وكشفنا كف الصحراءِ
انتظرنا خبزة الفجرِ والعشية حارة وساخنة في العطشِ
وتركنا الشرفات مشرعة لكلّ ريح
وابتسمنا، طالما ابتسمنا لحماقة الأرديةِ في الريح
وفي أعلى التل تحدثنا عن النارِ التي قربنا
والتي فينا، والتي حولنا
ولم نزعل من الشمس،
نحن أولاد الشموسِ السمراءِ وحلاوة اللهبِ،
فكيف نولي ظهرنا للصيفِ؟
رحلنا في كل ثغور النهايات
وعدنا بموت أخضر
فما باله أحمرّ وغضبّ؟
رحلنا بالأمس، فلترحلوا اليوم كذلك،
هذه الأرض خسائرها الورد،
لترحلوا، وأودعكم، وأخبر البقية:
عن منازل ورقية محناة بطعمِ الخبز قبل الحرائق،
عن دروب السحابة الضبابية،
عن حانة عاشقة لنا شمال القلب وجنوبه
عن زمن الراحلات صوب الحانات العتيقة،
عن قصيدة لم تلطخ بدماء كاظمة،
عن أولاد الشمس يركضون خلف فراشة صبح لم تُقتل بعد
عن حلم أبيض حلمه طفل لم نكنه بقمرِ المدينة
عن طوافٍ حول لوحة وطنٍ لم تلطخ بالجراحِ
عن سفائن تضيع الدرب فرحة،
لترحلوا وأودعكم وأخبر البقية:
عن الجلاد والضحية فينا
والورد بيني وبينك
وهو يقطر دماً.

4

خلفها بالضبط،
خلف عزاءات السفنِ وأفراح الموجِ
لا أحد يتكلم عما تضمر الموانئ
وماذا تعدُ
وأيّ الغرقى نحن.
هذا عالمٌ ملئٌ بأسئلةٍ لا تسأل
عن أسئلةِ خبايا البحر.
هذا عالمنا صوت...
وأنا أراقب الشمس
وأغزل خيطها الأول والأخير
و خيوط المقهى والقصيدة والتبغ والكأس والغرباء والأصدقاء
وخيط البدء؟!
كلما حاولت أن أحيكه
ينزلق المغزل من يدي.
أنه صوت قادم...
صوت وحيد يعبر حجارة المعبد غير مبال بصياح الديكة
صوت أجش مثل حشرجة طاعنة في السن
صوت مثل كل صوت
صوت في كل صوت
صوت آتٍ من الجبل
من الغابة، من المنزل، من خلفيات الغرفة،
من الجدران البعيدة، من الزاوية القريبة
صوت قادم وكأنه صوت عاشق،
ولكنه صوت عاشق يبكي.

5

إنها الليلة السابعة لانتحاراتنا الخضراء
في الألبومِ ودعنا القرنفل
حتى طير السوادِ خرج ووصل نهايةِ الموانئ الخفية
غيمة الغرفةِ مطرتْ ثم جفتْ وحدثتنا عن دخانٍ بعيد
إلا تموز، أبانا الذي تحت التراب، يعد شتلات زهرٍ وصيفات للمدافن
فما جدوى ربيعك يا أبتي؟!
لقد تأكدنا أن الشبح هارب من معطفه وظلّه،
و ذات مرة تعجبنا لشاعرٍ يخضّر ببعضه في الصحراءِ،
وفي مقهى جنوب النخلةِ أحتسينا كوب شاي معطر
بهيل امرأةٍ شقراء قبالتنا
وتحدثنا عن مساراتِ الكون
مسارات الشرقِ الضالع بعصا الساحر
مسارات الشمال تحتد كحدِ السكين عشقاً
كان النهر أبيض ويخاف زرقة وجوهنا
كانت السماء زرقاء وتخاف بياض قلوبنا
وكنا ساعة رمل تدق الرابعة والعشرين ودقيقة
وتنتظر العرافاتِ يشرقن من حصاة الحلمِ
ويأتين بترياق العودةِ ، ولكن، إلى أين؟
إنها الليلة السابعة، والسماء تمطر،
الريح بدتْ غاضبة ودقت على الشباك دقتين
فتحناه، وهبت كلّ العصافير ،
عصافير وجعنا، فرحنا، حلمنا، انكسارنا،
هذه التي تطير تحت المطر عصافيرنا، والريح غاضبة
إلم أقل لك، إنها ليلة انتحاراتنا الخضراء، يا أبتي!
الشواهد باتت قصائد تلتحف بدم المحارات
وأصبحنا أحمر شفاه الحزن وقلائده.

6

متمم، ما جدوى رثاء مالك،
ووعود الشمعةِ للفراشاتِ وعودنا،
وعود النار للحطبِ،
هذا قرارنا، قرار الفجيعةِ،
أقسم لكَ بالنجمةِ وقمرها، هذا لحدنا،
ـ فليكن، لدينا الفراشة والشمعة والليلة الحنونة.
ليكن، قبل كذا عطفة،
مرّ عاشقون يلوحون بالسعفِ
كانوا البكائين في البلادِ
ولم ندر، أيّ العاشقات بكوا!
مرّ الكثير يا متمم من بعدكَ،
جلادون كربلوا العمر كربلاءات لا تنتهي
مقامرون قطعوا القمر إرباً وعلقوا ضلعه أعلى المآذن
مخصيون زرعوا مفخخات في الأسرة و تركونا حائرين بليل نسوة خائفات
عسكريون لم يتركوا لقوس قزحٍ لوناً يتباهى به
سفاحون حفروا قبر الشاعر و وهبوا جثته لباعة الكراكيب
حاسدون خافوا جدائل زينب، فقطعوا رأسها
كثيرون مروا يا عوليس،
فما جدوى رثاء أخيل،
ووعود الشمعة للفراشات وعودنا
وعود السقوط في اللهب
وعود الرحيل
وعود إيثاكا والبكائيات الطويلة
وعود الاحتراق
ثم الانطفاء أبدا.

7

لوّخْ، ولكن لمنْ؟
المودعون، هم المودعون دوماً
والراحلون رحلوا ويرحلون
كل مرة تسرق المنارات منا سفينةً
ونبكي الربانَ ونشكو الموجة ونلعن الريح
إلا هذه، كانتْ أخرى، يا صاحبي،
نحن المودعون، والمودعون رحلوا.
لوّحْ، وتذكرْ، أننا زرعنا مرة
عبادَ شمس ونخلة وزيتونة أعلى الشرفةِ
ولم نخفْ صفارات النواطيرِ و حراب حراسِ القلاع
وانتظرنا، طالما انتظرنا، ثم مضينا،
وخلفنا كانتْ تعلو شجرة هجينة.
لوّحْ الآن للمودعين الراحلين،
إنهم يودعوننا بلا أكفٍ
ويرحلون دون صفارة قطارٍ
دون أن نلوح لهم بمناديل مبللة
إنهم يختفون فجأة، هكذا،
ويتركوننا وكأننا نتساقط على منصة المسرح
دون أن يلاحظ أحد
ودون أن تسدل الستارة
هكذا يرحلون ، فلوّحْ لنا،
لحرائقنا الوردية في خاتمة القصيدة
لحرائقنا البيضاء في أولها، لآخر احتراقات المتون الغريبة،
وقلْ للهامش، جلّ جلالك، ما أروعكَ!
ضاحكاً على كل متون واجهات المحلات الكبيرة، المضاءة بحرائقنا،
مكتفياً بغياب العظماء.
لوّحْ، ولكن لمنْ؟
ـ لنا، لهم، للمودعين والراحلين،
للمنصة والسقوط الحر على الوسادة، للهامش،
للشرفة، للبياض وللشجرة الهجينة.

شاعر من العراق مقيم في ألمانيا
www.abbaskhider.de.hm
abbaskhider@hotmail.de

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف