في تونس، السينمائيون يشنون حربا والقراصنة يهادنون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيهاب الشاوش من تونس: صب منتجون ومخرجون سينمائيون تونسيون، جام غضبهم على محلات نسخ الأفلام او "القراصنة". ومن جهتها اهتمت وسائل الإعلام التونسية، بهذا الموضوع، الذي اسال ومازال يسيل الكثير من الحبر، دون التوصل إلى نتيجة. وفي خضم هذا الصراع المعلن، بين أطراف هذه القضية، التي وصفها المنتج احمد بهاء الدين عطية، ب"المعقدة". ووسط فوضى تنظيمية لقطاع السينما في تونس، لم يعد المتبع للشأن الثقافي، يميز بين صاحب الحق و"المتعدي". المنتج يقول انه متضرر. و أصحاب قاعات السينما والموزعون، يتهمون القراصنة بأنه السبب وراء غلق صالات العرض. و أصحاب المحلات، يقولون انهم يشجعون التونسي على مشاهدة الأفلام. والمخرج يقول ان تراجع الإقبال على افلامهم ناتج عن القرصنة. لكن شقا آخر يتهم أصحاب القاعات بعدم مواكبة التطورات التكنولوجيات في ميدان العرض، و يرى ان المخرج يختلق الأعذار لتبرير فشل شريطه. وفي النهاية كل يدلو بدلوه...
منطلق الهجمة الأخيرة على محلات نسخ الأفلام، كانت قرصنة فيلم النوري بوزيد"آخر الفيلم" الحاصل على التانيت الذهبي خلال الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية. الفيلم وقعت "قرصنته" حتى قبل ان ينزل الى القاعات، مما دفع بالمخرج الى الإعلان عبر الصحف، ان النسخة التي تباع في محلات الأفلام، تختلف عن النسخة الجاهزة للعرض بالقاعات... فيلم المنصف ذويب" التلفزة جاية"، "قرصن" ايضا، و موجود في هذه المحلات بقرابة الدولار. الشريط الوثائقي الذي لقي نجاحا في تونس و خارجها" كحلوشة" لنجيب بالقاضي، موجود ايضا على دي في دي و بجودة عالية.
هكذا كان الحال، قبل ان تشن وزارة الثقافة، و تحت ضغط من أهل القطاع، حملة واسعة على هذه المحلات، وتغلق أكثر من سبعين محل. و تصدر 1300 تنبيه، حسب مصادر من الوزارة. ما حصل بعد ذلك انني قمت بجولة بين بعض محلات النسخ، في تونس العاصمة، بحثا عن احد هذه الأفلام، لكن دون جدوى. بل ان هذه المحلات، وضعت لافتات كبيرة، كتب عليها" لا نبيع المنتوج التونسي. نحن نساند الفنان التونسي"... عندما كنت اسأل عن الأفلام التونسية. كنت كأنني اشتم صاحب المحل. "التعليمات كانت صارمة" يقول احد العاملين بوزارة الثقافة. غير ان السبب لم يكن الأفلام التونسية فحسب، بل ايضا، الأفلام الإباحية، و التي تنشر للفكر الظلامي السلفي...
قطاع السينما في تونس يعيش القرون الوسطى
عقد نجيب بالقاضي، ومجوعة من المنتجين والمخرجين، مؤتمرا صحفيا، لتسليط الضوء، على هذه الظاهرة. صاحب فيلم "كحلوشة" اعترف ان الحملة الإعلانية الضخمة، التي قام بها لترويج فيلمه، لم تكن في الواقع غير حملة دعاية لأصحاب محلات النسخ. ويقول "بعد ثلاث سنوات من العمل، نكتشف الآن ان جهدنا ذهب سدى". اما احمد بهاء الدين عطية، فيرى ان قطاع السينما في تونس يعيش القرون الوسطى. و يقول في هذا السياق" لا تجد أي شخص يدافع عن المنتج او المخرج ضد القرصنة. تونس لا تدافع عن المبدع بل تحمي المستهلك..."
ويقارن المنتج التونسي بين الماضي و الحاضر، حيث كانت تونس تحوي 116 قاعة عرض، في حين لا يتجاوز عدد القاعات الآن 14 قاعة. كما يرى عطية ان "المهنة فقدت تماما". الإطار العام يجعل من عملية القرصنة، عادية و مقبولة. نجيب عياد، المنتج، رفض من جانبه الحديث عن قرصنة الإنتاج التونسي فقط. بل يؤكد ان الإشكال هو القرصنة بصفة عامة. و تحدث نجيب عياد، عن المحيط التشريعي، الذي يفتقده القطاع. و يقول " سنة 1984 قدمنا نصا حول الفيديو. صادق عليه مجلس النواب. لكنه للأسف لم يخرج من الأدراج، لأن نصوصه الترتيبية لم تر النور". و يرى نجيب عياد ان الإطار العام يجعل من عملية القرصنة، عادية و مقبولة من طرف كل هياكل الدولة. ف" محلات الفيديو في الثمانينيات، بعث في الأصل كمشاريع اجتماعية، للعائلات المعوزة". اما المحامي" رياض التواتي" يرى ان غياب الإطار القانوني هو الذي اوصل القطاع الى هذه الحالة.
و ذكر رياضي التواتي، بقانون 1994، الذي جاء بعد شكاوى عديدة. لكنه يرى انه غير كاف. و لا يواكب الواقع، حسب رأيه و يؤكد القانون التونسي المتعلق بالملكية الأدبية و الفنية المؤرخ في 24 فيفري 1994 في الباب السادس، في المصنفات السينمائية و السمعية البصرية. الفصل 42"على جميع مستغلي المصنفات السينمائية و السمعية البصرية. من وسطاء ترويج للأشرطة السينمائية و الفيديوغرام عن طريق البيع او الإعارة او التسويغ و أصحاب قاعات السينما و العروض السمعية البصرية، ان يتعاقدوا مع أصحاب الحقوق أنفسهم او من ينوبهم قصد تسديد حقوق التأليف القانونية الموظفة على الاستغلال". ويعزي رياض التواتي، انخفاض عقوبة القرصنة، الى ان المشرع التونسي يعتبرها مساس بالمصلحة الخاصة و ليس العامة. كما تحدث المحامي، رياض التواتي، عن غياب الضبط الإداري صلب وزارة الثقافة مثلما هو الشأن بالنسبلة لأعوان البلدية. و غياب ما سماه بالتدخل السابق. لغلق هذه المحلات.
اما مفاجأة المؤتمر، هي حين أعلن المنصف ذويب، ان أكثر من 70 ألف محل نسخ للأفلام و غيرها موجود بتونس، 35 الف منهم بتونس العاصمة، دون الحديث عن الذي يعملون بصفة غير قانونية، أي في "السوق السوداء". و تساءل كيف يمكن الحديث، عن منع للقرصنة، في حين يوجد 35 الف محل في تونس العاصمة؟ واقترح المخرج التونسي، اجراء اتفاق مع أصحاب المحلات، لتوزيع الانتاج السينمائي ولم لا بعث مغازات خاصة بالأعمال السينمائية مؤشر عليها بطابع جبائي وذلك للحد من ظاهرة القرصنة... ويكون ذلك تحت إشراف ومتابعة قانونية دقيقة من عديد الوزارات. و ذلك بعد لن يخرج الفيلم لقاعات السينما في حين توكل عملية النسخ، لمؤسسات اخرى، تكون مراقبة.
إتهامات متبادلة:
غير أن أطرافا، أخرى في هذه القضية، ترجع أزمة القطاع، الى الموزعين، الذين يرفضون توزيع الفيلم التونسي، رغم ان القانون يطالبهم بذلك، مثلما حدث مع فيلم "القرصان البدوي" لخالد البرصاوي. و اصحاب القاعات الذي تلقوا دعما من وزارة الثقافة، لإدخال تحسينات على قاعاتهم، لكنهم لم يفعلوا. آخرون، يرون، ان غلق هذه المحلات سوف يحرم المواطن التونسي من مشاهدة الأفلام، في ظل رداءة الأفلام المعروضة بالقاعات، و قدم التجهيزات. و قال متدخلون على امواج اذاعة موزاييك الخاصة، ان المنتج و المخرج التونسي يتلقى الدعم من وزارة الثقافة و التلفزيون، و مؤسسات أخرى، لذلك، فهم يتساءلون" عن أي خسارة يتحدث المخرج او المنتج التونسي، ومثله الموزع؟؟
و يرى، بعض المهتمين بالقطاع، ان اول ما يفكر فيه المخرج او المنتج التونسي، بعد تلقيه الدعم، و الذي يصل الى قرابة 450 الف دولار، هو تغيير السيارة. و لما لا تغيير المنزل. و ما الحديث، عن الخسارة، الا حديث عن خسارة في هامش الرباح. وبين جميع الأراء و الحجج، يبقى قطاع السينما في تونس، المتضرر الوحيد، دون الحديث عن مصير 70 الف محل، و عائلاتهم في حال اغلقوا...
iheb@elaph.com