قص

اللّعنة الجينية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

وماذا بعد؟

هاهوالندم يتمدَّدُ على حافة الوريد، يُدخن سيجارته الأولى التي لم تنته منذ سنين، يَنفث دخانَه في خلاياكِ ويَعبثُ بدمكِ، ينفض غبارَ سمومِه ويلعق أظافره التي طالت..للمرة الأولى يفعل، يدس قذاراته في روحك وتنتفخين..
وماذا بعد؟
مرة أخرى تتورطين في ذهول، ترتعبين. طبول الصمت تقرع من جديد ورأسك كبندول يهز أحزان قديمة تسربت في جيناتك ذات قدرِ وحطّت في يدك ورَست على خطوط الجبين.
يعوي العمر، يعوي..
وماذا بعد.
تتعلقين بصبرٍ ويدفعك الصبر إلى صبر، يصدّك جدار الحصون التي بَنَتها أمُّك وجداتك:
"الكاتبة على الجبين ما ينحوها اليدين"
"الصابر ينال"

يُطَوِّحك الإيمان وتجرجرك الحكايا، تعفرك المواعظ..
تتلوى الصرخات بداخلك كثعابين، وكلما غلبتك دموعك في حضرة "المؤمنين"، جحظت العيون فيك وسارعت إلى زجك في خمّك..تنقنقين.. تسمعين:
" استغفري ربك وتجلدي ".
تنهرك العيون والأنفاس والأيادي وتخرج جهنم لسانها في وجهك وتزمجر.
تمتعضين وتتمنين أن تخرجي لها لسانك أنت أيضا أو تبصقين.
تتمنين أن تطرديهن جميعا، أن تكفري قليلا، أن تلعني القدر. أن تصرخي في وجوهن:
"لماذا أنا تحديدا؟"
لكنها اليد التي تمتد إلى صدرك تخرسك وتنتشلك من سهومك.
تمسكينها، تلثمينها، يباغتك الصوت:
"لماذا تبكين؟"
اللحظة ثقيلة كميراث الدهور، تهربين، وتهربين..للمرة الواهية تفعلين:
"أبدا، لاشيء، أنا بخير،عيني تؤلمني فقط"
يُصرّ الصوت المتشبث بسعادتكِ المفقودة:
"اضحكي كما كنت تفعلين"
تجتهدين في رسم ابتسامة مبللة، تحضنين الجسد المترهّل المحاذي لوجهك، كاتمة جملة تئز بداخلك:
"لا شيء جدير بالضحك بعد الآن"
وتضحكين!
وماذا بعد؟
لم تضحكي حين زفوك إليه ذلك الذي كان قبيحا ولم تحبيه..
ذلك الذي كان يلوي لسانه بآيات يحفظها عن ظهر قلب والذي أمرك بالصلاة ليلة زفافك.
طبعا فعلت ِ..لطالما كنت جبانة، لكنك لم تضحكي يومها، تذكرين طبعا فستانك الأبيض وليلة اغتصابك.. حمراء كانت.... وسوداء كثيرا.
.لم يكن فيها شيء جدير بالضحك مع ذلك اغتُصبت بعدها كثيرا وكنت تبكين!
لكن قلن لك جميعا:
"العِشرة ستحببك فيه وسترينه الأجمل"
العاهرات..لماذا صدقتيهن؟
الندم يغرز أظافره في روحك..أوااااه
لم تضحكي أيضا حين اكتشفت تورط ملاكهم في علاقة حب مع أخرى. لم يغظك ذلك تماما ولم تكن غيرة ما اعترتك. طبعا لم يكن يهمك أساسا أن يرحل أويقعد، أن يعشق أو يتزوج غيرك.
ماكان يغيظك هو أنك اكتشفت حمقك وجبنك مرة أخرى:
" لم أنتبه أنني خنت نفسي كثيرا، فكيف لا يفعل ' الملاك' ذلك""
ولم تُصلي بعدها ولا تعلمين لماذا كنت تصرين على عدم فعل ذلك..
الندم يصوب أحجاره على كل أضواء روحك، وتغرقين في العتمة.

تتلمسين معالمك..
لاشيء فيك يشي بأنك أنت.

لم تضحكي أبدا..حين سلمك الطبيب نتائج التحاليل:
"محكوم بالموت، لا نملك له شيئا، قد يبلغ مابين العشرين إلى ثلاثين سنة،ستتعطل كل عضلات الجسم رويدا، حتى يصل المرض عضلة القلب والرئتين، عندها النهاية"
الطبيب قذر..هكذا كنت تفكرين.
لكنك تعلمين أنه لا يكذب..تعلمين أنها اللعنة الجينية التي تتشبث بدمك.
"لماذا أنا دونا عن أخواتي أورثتني أمي لعنتها"
لا تخجلك أنانيتك وفظاعتك الآن. للمرة الأولى تريدين أن تكوني أنانية وتفكري في نفسك فقط.

"هزال عضلي، نادرا جدا ما ينتقل المرض من جيل إلى جيل يليه..عادة ينام المرض لأجيال، الشيء الذي لم يحدث معك..لكنك كنت تعلمين مرض أخيك المتوفى فلماذا لم تجر فحوصا قبل الحمل أو حتى الزواج، عليك أن تجري فحوصات لابنتك قبل الزواج لأنها قد تحمل عنك المرض كما حملتِه عن أمك وستورثه أبناءها الذكور كما ورَّثتِه
ابنك"
"ماذا فعلتِ مرة أخرى أيتها الحمقاء!؟" تنهرك نفسك.
الندم يقلّم أظافره، يعضك عضا وينهش روحك، ويلقي سيجارته المولعة في دماغك..تشتعلين.

يعوي العمر يعوي..تتلوى بداخلك الثعابين وتسمعين حفيفها، تكادي تصرخين.
تمتد اليد الصغيرة بكشف نقاط إلى وجهك:
"رتبتي الأول، سأكبر وأصبح طبيبا وسأداوي عينيك حتى لا تبكي أبدا"....

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف