قصص قصيرة جدا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المعــزة
إن أجمل الذكريات هي أحلام البدايات الأولى ولعلي أتذكر بصعوبة بعض التفاصيل التي عشتها في سنين طفولتي فينتابني شعور غامض ممزوج بالرهبة والحنين، قيل لي بأني كنت مريضاً أصاب بين الحين والآخر بنوبات صرع وأعيش كوابيس تفسد نومي ويقظـتي ولهذا قررتْ أمي أن تأخذني لمزارة "سي مولى لنشاد"(1) والحقيقة أنا لا أذكر شيئاً سوى بعض المشاهد المبتورة التي لا أستطيع أن أجمعها في نسيجٍ واحد ومن أبرزها صورة الزهدي.
الزُهدي
دخلت القبة في آخر المساء وكان الظلام قد بدا يخيم على المكان لولا أن بعض الشموع المتقدة تبدد أوصاله والبخور والجاوي يزكم الأنوف،كان الضريح يتوسط القبة مُغطى بعدد كبير من المآزر الخضراء والبيضاء العط نة بروائح العطور وماء الكولونيا، شعرت بخوفٍ شديد و لكن صوت ما قال: لا تخاف تقدم لتقبل الضريح.
- ماما راني خايف
- عيب تخاف من سيدي الشيخ
تقدمت بخطى بطيئة وقبَّلت إحدى جدران الضريح ولم أكد أفعل حتى ذهب عني الخوف ربما لأنه استقر في ذهني أن تقبيلي للمزار كان مدعاة لرضا ساكن هذا القبر درتُ حول الـضريح تأملت الجدران البيضاء التي رسمت عليها أيادي وعيون وأشجار النخيل وكانت أيضاً بقايا الشموع تجلل المكان كشلالات من الفضة كل ذلك ذهب بلبي ولم أشعر حتى دست على شيء بض لقد دست على شخصٍ ما.
- " أمشي يا واحد الخامج...أعمى ماتشوفش؟ "
ولا أذكر إلا أن قلبي كاد ينخلع من شدة الرعب فهربت بكل ما أُتيت من قوة حتى سقطت مغشياً عليّ وقيل لي بعد ذلك أن الذي دست عليه كان الزهدي وأن "(ربي برك حفظني من لعنتو)"
المِـعزة
ومن أهم المشاهد التي لم أنساها - أيضاً - رأس معزة كانت جاحظة العيون شعرت أنها تنظر إلي في عتابٍ ما ولهذا كانت أكثر شيء ترعبني في الكوابيسِ التي تمزق النوم عن خلدي.
- ماما المعزة المعزة.
- ماتخافش يا وليدي راحت وراح الشر معاها...
لقد أشتريتْ من أجلي لتقدم في مذبح المزارة والحقيقة أني تعلقت بتلك المعزة التي اشتريناها بمدة قبل أن نزور القبة وكانت الوالدة تقول دائماً: هذي معزتك، و من شدة تعلقي بها أنني كنت أقضي ساعات طوال معها أراقبها أسمع مأمأتها وصياحها...
لقد ألفتها جداً وفجأةً لم أرى منها إلا ذلك الرأس المقطوع الذي ينظر اليّ في عتاب مرٍ لم أفهم معناه.
بـراءة
كان الوقت منتصف النهار والحرارة لا تطاق مللت المكوث في تلك الغرفة المجاورة للقبة فخرجت وبدأت أتجول بين تلك الأكواخ المتناثرة هنا وهناك وفجأةً رأيت باباً يفتح فاسترقت النظر فرأيت امرأة غريبة الشكل والملامح عظيمة الأرداف، وأشارت برأسها
- تشرب قازوزة؟ (2)
فدخلت وجلست بالقرب منها، سكبت لي كأساً وأعطته لي ولا أذكر ما قالت لي بعد ذلك ربما تفوهت بكلام فاحش ثم قبلتني عدة قبل لزجة وأردفت قائلةً:" (روح يا وليدي راها القايلة والقايلة وقت شين تخرج فيه الجنون )"، فخرجت أجري لا أفكر في شيء سوى الابتعاد عن هذا المكان. والغريب أن هذه السيدة وقبلها اللزجة أمست هي أيضاَ تطاردني في كوابيسي، وقيل لي فيما بعد أني شفيت مما كنت أشكو منه بعد هذه الزيارة - لقبة مولى النشاد - ولا أعرف إن كان هذا الكلام صحيحاًُ إلا أنني أدركت حينها بحسي الطفولي أن هذه الزيارة إنما كانت رحلةً من أجمل ما رأيت في تلك السنين البائسة من حياتي.
اشارات
:1-ضريح
2-مشروب غازي
/ الجزائر
Bergouth_abdelkade@yahoo.com