قص

كائنات فضائية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما استيقظت على مكالمة جاري "أبو حكيم" لم تنظر عينيّ إلى الساعة، و لكني أجزم أن الوقت كان قد تعدى منتصف الليل. وكان صوته في غاية القلق ولا أبالغ إن قلت كان مسكونا بالفزع.
- لابد أن أقابلك الآن يا دكتور.
- الان..!! ألا يمكن تأجيل الأمر إلى الصباح..؟؟
- كلا..كلا.. أرجوك يا دكتور! الأمر هام جداً و لا يمكن الانتظار حتى الصباح.
- حسناً سأنتظرك بعد نصف ساعة من الآن - أرغب فقط في تغيير ملابسي.
- لو سمحت اجعلها عشر دقائق ودعنا نتقابل خارج المنزل، فالأمر هام جداً و الجدران لها آذان.
عندها بدأ ضيقي يزداد وصبري ينفذ، ورغم ذلك حاولت جاهدا التماسك وأن أكون لطيفاً معه وأن أهدئ من روعه، فقلت له :
- أين تقترح الذهاب في مثل هذا الوقت وقد تعدى منتصف الليل و لا توجد مقاهي مفتوحة.
- أفضل أن نتقابل في مكان عند الكورنيش أمام بئر مسعود.
- حاضر سأقابلك هناك بعد ربع ساعة.
- أرجوك يا دكتور عشر دقائق..
كنت أعلم جيداً بان جاري أبو حكيم لا يمكن أن يقابلني في عيادتي، أكثر المرضى النفسيين يرفضون الذهاب إلى عيادات الأطباء لأنهم يدركون بأن مجرد زيارة الأطباء النفسيين في عيادتهم هو اعتراف بأنهم مرضى و بحاجة إلى علاج و مساعدة وسيلحقهم العار وسط المجتمع والناس.
كانت الساعة الواحدة و عشرون دقيقة عندما أوقفت سيارتي و عبرت الطريق متجهاً إلى أبو حكيم الذي كان يقف متلثماً بكوفية من الصوف الرمادي الداكن، رغم أن برد نوفمبر لم يكن قد اشتد بعد.
كانت الكوفية تخفي فمه و أنفه عدا عينيه فقط , فكان أشبه بشخصية من شخصيات أفلام الكرتون و الأقرب كان شخصية النمر الوردي " بينك بانتر"..!!
سلمت علي " بينك بانتر" أقصد أبو حكيم و لم أرغب بسؤاله عن سبب دعوته لمقابلتي مباشرة بهذا الاستعجال بل أردته أن يبدأ لحديث بنفسه.
نظر إليّ أبو حكيم بعينين زائغتين لا تكاد تستقران في مكان واحد قائلاً:
- هل تحمل هاتف جوال في جيبك..؟؟
هززت رأسي قائلا نعم.
عندها قال وبفزع : من فضلك يا دكتور أترك جوالك فوراً في سيارتك و أيضاً ساعتك و أي أجهزة الكترونية معك...
قلت له بإمكاني أن اقفل الجوال بدلاً من تركة في السيارة، لكن أبو حكيم رد بحزم !: كلا لن أتحدث حتى تترك جميع مقتنياتك الإلكترونية في سيارتك.. أرجوك يجب أن تتفهم مخاوفي و هذا الأمر لا يحتمل الاحتمالات.
عندها رضخت للأمر الواقع فوضعت هاتفي الجوال و ساعتي في السيارة ثم عدت إلى "أبو حكيم" الذي بدا و كأنة قد أرتاح قليلاً عندما لاحظ بأني قد بدأت أتعامل مع مخاوفه و قلقه بجدية. قلت له خيراً يا رجل ما هو الحدث الذي جعلك متوتراً هكذا.:.؟؟
بدأ أبو حكيم حديثه قائلاً: "صدقني يا دكتور أنهم في كل مكان".. ألم تسمع عن الكائنات الفضائية التي تزور كوكبنا من حين إلى آخر؟ أنا مثلك تماماً لم أعر الأمر في البداية كثيرا من الاهتمام، إلاّ أنني الآن مقتنع تماما بأننا محاطون بكائنات فضائية رهيفه الحس تتسلل أرواحها إلى كل ما هو من صنع أيدينا, ثم تتقمصها و تسيطر عليها, همها الوحيد مضايقتنا وتنغيص حياتنا و تحويل سعادتنا و فرحنا إلى تعاسة و حزن و نكد و في النهاية تحطيم مجتمعنا.
هنا بدأت الاقتناع فعلاً بمرضه، وانه فعلا بحاجة إلى جلسات علاج مركزة، لكنني أردته الاستمرار في الحديث كي أفهم مدى سوء حالته.. فشجعته على الاستمرار قائلاً : و كيف ذلك؟ هل من الممكن أن تحدثني أكثر عن هذه المخلوقات الفضائية..؟
تنهد أبو حكيم طويلاً وبحرقة، ثم قال : أعرف أن الأمر غير قابل للتصديق و لكن حسناً سأعطيك مثلاً.. قبل سنتين استلمت مبلغ 700 دولار كحصة أرباح شركة تأمين أساهم فيها أنا و زوجتي. فجلست مع ام حكيم زوجتي في المطبخ كي نناقش مجموعة من الأفكار لاستثمار تلك الثروة الهائلة التي هبطت علينا.
في اليوم الثاني أدركنا أن الثلاجة كانت تتنصت لحديثنا. فقد انتابها نوع من الجنون فتوقفت تماماً عن التبريد. أخبرنا عامل الصيانة أن البقاء لله وحدة و لا أمل في إصلاحها..
وهكذا اضطررنا شراء ثلاجة جديدة بمبلغ الـ 700 دولار.
قاطعته محاولاً استفزازه للحديث بإسهاب قائلاًً: "و لكن حتى الآن لم أفهم ما دخل المخلوقات الفضائية بما حدث لثلاجتك ؟. "
- نعم..نعم.. حتى حدوث تلك الواقعة بدت الأمور و كأنها أحداث عادية لا ترتقي للمؤامرة و لكن تلك المصائب لم تتوقف أبدا , فقبل فترة وجيزة تكرمت علينا مصلحة الضرائب و أعادت لنا مبلغاً من المال، غير أني لم أكن مدركاً أن مكيف الغرفة كان يشاهدني ويصغي إليّ بدقة، وبينما كنت أفتح الشيك و أسلمه لزوجتي أم حكيم كي نشتري هدية معتبرة بولادة حفيدنا لابنتنا التي تسكن في العاصمة، راح مكيف الغرفة للتعبير عن عدم رضاه لخطط التهنئة و تعاطف المكيف اللعين مع مصلحة الضرائب فقام بإطلاق وابل من الدخان الأسود الذي كاد يزهق أرواحنا، وبذلك ضاع المبلغ المسترد في شراء مكيف جديد عوضا عن المكيف القاتل الذي حاول اغتيالي أنا و أم حكيم..!!
- ولكن تلك الإحداث هي مجرد صدفة.. ربما كان مكيف الغرفة قديماً و انتهى سنوات خدمته الافتراضية..
- كلا يا دكتور.. قالها "أبو حكيم" بإصرار شديد، إنهم في كل مكان يراقبوننا، لينغصوا علينا حياتنا. يوم أمس فقط استلمت جزء من مكافأة نهاية الخدمة من عملي, و عندما ذهبت إلى البيت أخذت حرصي منهم ومن تجسسهم علينا فهمست في أذن زوجتي: "لدي ما أقوله لك... على انفراد!" فاقترحت على قائلة: ما رأيك في غرفة المكتب؟". وقبل أن ارتكب أي خطأ آخر تذكرت أن جهاز التلفزيون موجود هناك فأجبتها" كلا, لنخرج من المنزل." و هناك فتحت محفظتي لكي أريها مبلغ المكافأة. كنا واقفين على الرصيف المقابل لبيتنا و كنا في غاية الفرح والسرور غير عابئين بالمطر المنهمر بشدة.
- كانت سيارتي متوقفة على الرصيف المقابل و لم تراودني في تلك اللحظة أي أفكار أو شكوك أن تكون الكائنات الفضائية قد استولت على سيارتي أيضاً فسكنتها الأرواح... في اليوم التالي انطلقت في طريقي إلى عملي و قبل أن أصل إلى مكتبي بدأت السيارة تصدر أصوات رهيبة و كأن الذعر أصابها، إلى أن توقفت تماماً.
عندما حضر الميكانيكي أخبرني بأن محرك سيارتي قد تلف وأصبح في ذمة الله ويلزمني شراء محرك جديد لاستبداله.
أكد العطل غير المبرر الذي حدث لسيارتي وجود هذه الكائنات الفضائية فوق كوكبنا هذا، و تأكدت بلا أدنى شك بأنهم يراقبوننا و يتجسسون علينا.. حيث أنني في كل مرة أستلم مبلغاً من المال طوال السنوات العشر الماضية, فإنهم لا محالة يستولون عليه بلا رحمة ومن خلال عملائهم على كوكب الأرض، أتعرف من هم عملائهم ؟؟
انهم سخان الماء و الموقد الكهربائي و الثلاجة و مكيف الهواء و جهاز التلفزيون و السيارة، و.. و.. و ماذا اقول لك وماذا اعد..!
وبينما كنت أصغي وأتابع هواجس ابو حكيم، تنبهت ليدي التي امتدت فجأة لكي تتحسس جهاز منظم ضربات قلبي الذي كان من المستحيل تركة في سيارتي..!!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف