الذين لا يعرفون ماذا يريدون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فصل من رواية بهذا العنوان
طيلة الوقت، أثناء الرحلة بالسيارة، كانت لمياء وناهدة تتحدثان، تقصان على بعضهما ما سمعتاه ورأتاه فيما يحصل لهما وللعالم كمقارنة وعبرة ومثال. المسافة طويلة تحتاج إلى مواضيع شتى تشغلهما مع حركة موج الطريق الخارجي الدائري لمدينة لندن الكبرى، السيارات فيه متسارعة كجراد ربيع يعرف أين يجد الخضرة في موقع صحراوي. لديهما ما يقرب من ساعة ونصف توصل شمال لندن (وتفورد) بجنوبها حيث تسكن الواحدة جنب الأخرى في منطقة (أبسن). تمران بطرق معبدة مخططة. السائقة لمياء مرتاحة من القيادة تتصور سيارتها، مشكورة، تسير لوحدها من شدة الدقة باشارات السير والمرور، سيما أنها تعرف كون السماء فوقهما غادرة، مشمسة مرة وأخرى متجلببة بالغيوم عابسة متغيرة في الدقائق والثواني. لا تدري بالضبط متى ستغير رأيها فجأة من الصحو إلى المطر لتبلل وتبهذل السائرين على الأقدام. وجدت الآن الفرصة سانحة للحديث في الوضع المتحرك بعد عودتهما من رؤية تشييع جنازة صديقتهما القديمة ( سالمة ) التي توفيت مؤخرا. كان أهل الفقيدة ومعارفها يهيئونها كي تعود مساء إلى وطنها العراق للدفن. وصلت الآخيرة قبل شهرين تقريبا للعلاج بلندن على متن طائرة اردنية لتوقف الخطوط الجوية العراقية عن الرحلات المباشرة منذ زمن طويل أي منذ دخول العراق في الحروب، كما هو معروف لجميع المشيعين. الجالستان في السيارة تعوضان عن الصمت الذي انتابهما فجأة، كعادة المرء، حين يرى ما يفعله الموت متجسدا أمامه، فينتابه الخرس والبكم :
- لو وصلت بسرعة للعلاج قبل أن يستشري المرض بها لنجتْ. سرطان الرحم يسهل علاجه في هذه الإيام ، شرط أن لا يستفحل، المهم الاسراع بالعلاج.
- سمعت أن الموظف المسؤول بوزارة التربية والتعليم رفض و أخّر معاملتها حين طلبت بعريضتها السماح لها بإجازة مبكرة للسفر.
- تقصدين الرجل المتعصب الذي قصت علينا سلوكه عندما شاهد زنود زميلتها المدرسة معها مكشوفة عارية، فامتعض منها وعقّد الأمور وتشدد.
- ها أنت تعرفين الحكاية.
- أعرف أكثر من ذلك . النساء بالعراق عدْنَ للفترة المظلمة ، إلى ما قبل ثلاثة قرون وأكثر. الخوف من السير في الطريق لوحدهن. العودة لإرتداء الحجاب . بعض الرجال يحرم حتى مصافحة المرأة والحبل على الجرار...
- هكذا رجعنا القهقرى . كل جهودنا ومساعدة الرجال الأحرار الشجعان لنا للخروج من القرون الوسطى، آنذاك، ذهبت هباء.
انشغلتا في الحديث حول شؤون المرأة والمجتمع العربي تجاهها عموما، لكن لمياء تريد أن توسع النقاش قليلا، ليشمل الرجال والنساء معا. لا تستطيع السكوت كعادتها، أفشت ما في صدرها بصراحة، من شدة الانزعاج :
- لاعجب سميت منطقتنا بـ ( الهلال الخصيب ) من كثرة ما سفكت من دماء بها لتجعلها خصبة.
- أوه ، أنت وتفسيراتك.
- من قديم الزمان، منذ بدأ التأريخ المدون الذي قرأناه، منذ حكاية آدم وحواء وشجرة التفاح الموجودة في وسط العراق، كما يقال ، أبراهيم الذي عاش في أور، الطوفان وهلم جرا.. ترينهم شاغلي أنفسهم وشاغلي العالم أيضا، أين أذهب ؟ إحدى الفتاوى ، لمعلوماتك، تحرم استعمال اهداء الزهور للمرضى بالمستشقيات على اعتبار أنها تقاليد غربية ، الفتوى الأخرى يُحرم فيها على المرأة كشف أجزاء من جسدها حتى مع زوجها في الفراش.
- أعرف ، كلّ ما حصل الآن من الأميركان. سرّحوا الجيش والشرطة بعد سقوط صدام ، دون أن يعبأوا بإهمية حفظ النظام والأمن. بقي البلد تائهاً لكل من يريد أن يفرغ مرارته ببغضه وتعقيداته مع الطمع والجهل والعنف.
- يا عزيزتي هذه استحقاقات 500 سنة وأكثر. ما بين تخلف العرب والمسلمين بالمنطقة وبين العالم الذي سار للامام مهدما الاصنام. ما يحصل الآن هو ردود افعال اشتعل فتيلها قبل زوال النظام السابق . بدأت بعض النسوة بالتمسك بالحجاب قبل سقوطه، بحجة الاحتجاج والرفض لسلوك صدام وأعوانه بسبب ما زاولوه من موبقات. نساء، هن صديقاتي ومن عائلتي، كنّ من أوائل المتعلمات السافرات المتحررات بالعراق تحجبن بمحض ارادتهن، مدافعات عن سلوكهن من أجل معارضة النظام السابق عن طريق الدين، متناسيات كون الحجاب نتج بعد صراع العقيدة في المجتمع الاسلامي، في البداية، بين من يفضل الآرتقاء بالغرائز عن طربق التهذيب والاخلاق العفيفة وبين المرتدين المنافقين الذين لم يغيروا ما بانفسهم سوى بمزاولة الطقوس الظاهرية، على السطح، لكنهم في عقلهم الباطن ظلوا على نفس الطبائع وسوء النية. لا يرون في المراة إلا جنسا وشهوات للاعتداء عليها ولو كانت سائرة في الطريق. انتصرالمرتدون والمنافقون أخيرا للاسف . من دواعي حزني وشعوري بالإحباط أننا نتطرق ونضّيع وقتنا، في الوقت الحاضر، في النقاش بمثل هذه القضايا وكنا نعتقد أنــّـا تخطيناها وانتهينا منها منذ زمان. تصورنا الإمور أصبحت واضحة للعيان للعالم والجاهل. نناقش بدلا عنها مساواة المرأة بالإجور أثناء العمل، حول إيقاف العنف المنزلي ، ضرورة تأسيس حضانات للأطفال لمساعدتهن في الترببة وما شاكل.
- أتذكرين كيف كنا مراهقات نسير في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى في الخمسينات والستينات وحتى بداية السبعينات، زاهيات بشبابنا، لم يتحرش بنا أحد للايذاء ما عدا رغبة البعض في الحديث معنا من كثرة الاعتزاز والمحبة . أمهاتنا نزعن العباءة حينها متشجعات من تحصيلنا العلمي وقبول المجتمع للتطورالتدريجي مواكبا القرن العشرين. هن اللواتي عرفن تعدد الزوجات والحرمان من التعليم مع أمهاتهن وجداتهن لقرون وفرضت عليهن الامية غصبا من أجل ضرورة المحافظة على سلوك الحريم .
السيارة تسيرعلى مهل، محملة بهموم البشر. متاعبه لا تشعر بها ماكنتها الحديدية. طريق طويل فيه على الجانبين مساحات خالية تنمو فيها اشجار سامقة خضراء، لا على التعيين، مستمرة بالنمو منذ بداية الربيع . تشرب امطارا هاطلة عليها بنهم لتأمين مصلحتها الضرورية الطبيعية كمخلوقات حية جميلة، عجماء . الحوار بين الجالستبن في السيارة لا يتوقف إلا ويعود، الواحدة تناقش الأخرى بشكل ودي ، كلتاهما تريد أن تصل إلى نتيجة قناعة تعرف أنها مطروحة عليها بسبب الحرص :
- بالمناسبة، قرأت مؤخرا حكاية طريفة حول أحد الاشخاص من ديانة السيخ بعد أن ملّ من كثرة مدّعي الاديان . أراد أن يفعل شيئا فيوحدهم ما دامت كلها تنادي بالفضيلة، كما يقال. ذهب إلى السوق ومعه قائمة بالمسائل التي يعتقد أنها ستوافق الجميع فينضموا اليه. قدمها لخمسة اشخاص فوافقوا على رأيه وصاروا من زمرته بعد أن قرأوا في بيانه أنه يدعو إلى الاحسان ومساعدة الضعيف، التزام الصدق و الرحمة ... الخ . اتجه إلى أحد الباكستانيين فشرح له فكرته بالموضوع ثم اطلعه على الورقة المكتوبة. بعد أن قرأها الأخير دفعها عنه منزعجا قائلا بتهكم : " وأين الجنة ؟! لماذا اتصف بهذه الصفات من دون جنة، كثواب" ! هذا ما يفكر به البعض عندنا في الماضي والحاضر.
- لا زلت أعتقد أن وجود الاحتلال، الآن، بالعراق سبب كل هذه المشاكل.
- طيب، على راحتك. لكن دعيني اعود للتفاؤل، على طريقة ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) لنتصور حالنا ، مع الفارق بالطبع، مثل حالة سويسرا سنة 1848 على ما أذكر،كانت الانقسامات فيها، حسبما فهمت، على اشدها أثناء كتابة الدستور، مثلنا مؤخرا، فرضت الكونفدرالية عليهم فرضا ، بعدئذ، من قبل الدول الكبرى، من أجل حماية الاديان والطوائف والاعراق المختلفة . يتكلمون أربع لغات : المانية وفرنسية وايطالية و(رومانش) لغة الغجر.أنظري لهم الآن؟ هل يعجب النظام السويسري، حضرتك؟!
- نحن نختلف. الدول الكبرى لاتريد مصلحتنا ، هي مشكلتنا ومصيبتنا، تتدخل في شؤوننا، عيني عينك.
عادت لمياء للمداهرة معها من أجل قضاء الوقت ولتحليل الوضع الصعب في الطريق المعبد السهل :
- وتريدين خروج قوات الاحتلال برأيك؟
- لا ، لا ، إذا خرجت ستحصل معارك بين الاطراف لا تعدّ ولا تحصى .
- ما الحل إذن؟
ابتعدت ناهدة الجالسة في السيارة عن السائقة لمياء ، وقد انتفخت إوداجها وتهيأت لكثرة الاراء التي صارت لديها فجأة متزاحمة :
- في رأيي...
ما كادت الأخيرة تبدأ جملتها حتى قاطعتها لمياء ضاحكة :
- آسفة ، اعذريني، تذكرينني ببرنامج يذاع بالعربية من إحدى المحطات، برنامج مخصص للحوار. يبدأ بمقدمة تتكرر كلازمة موسيقية وهي باصوات رجال ونساء عدة تقول بشهية قصوى : ( في رأيي، أنا لا اريد، أنا لا أوافق، أنا أعتقد.. ) وهناك برامج يسمونه ( الرأي المخالف) وما شاكل. كلها كلام طبعا للتنفيس . أليس هذا دليلا على الرغبة في ابداء الرأي عند أبناء المنطقة ، ودليل على نقصان الحرية الفردية في المنطقة المقموعة منذ أبد الآبدين؟
ضحكت الثانية مجارية لها وقد نسيت ما تريد أن تقوله اساسا ، منتقلة إلى موضوع آخر :
- بصراحة، نحن لا نعرف ما نريد. هذه هي المشكلة. نريد الغرب ولا نريده. نستعمل كل اختراعاته ونستفيد منها ، نركض اليه عندما نصاب بالامراض للمعالجة الصحية ولإنقاذ أنفسنا من الموت، لكننا نسميه الكافر.
- يعوزك أن تقولي ما قالته صحيفة المانية، مؤخرا، حول الارهاب كون البعض يلهو بالتكنلوجيا الحديثة بعقلية العصور الحجرية.
- أنت دائما تثيرين أوجاعنا. ألا يكفي منظر موت ( سالمة) في التابوت. بالمناسبة ، كنت أحتفظ بمجموعة بطاقات تهنئة للمناسبات دوما. إما للزواج أو للولادة، أو لعيد ميلاد، سعيد طبعا، أما اليوم فقليلا ما استعملها مقارنة باستهلاك ضبة بطاقات للتعزية التي توشك أن تنفذ من كثرة الاستعمال.
- تتصورين كبرنا وهذه من استحقاقات أعمارنا .
- ربما.
خلعت ناهدة الجالسة قربها في السيارة نفسها عند وصول بيتها مع الكلمة الإخيرة . دفعت الباب جيدا للتأكد من إغلاقه، مكثرة، أثنا ذلك، من الشكر للمياء التي اوصلتها حيث تقيم مع جمل اخرى تقليدية للوداع ، توصلها عبر النافذة المفتوحة. ذهبت مسرعة في السير فضغطت لمياء على الزمارة وهي تتحرك مغادرة المكان. علا صوت نقّ، نقّ ، ضعيفا مداعبا، في محاولة للقول إني أعتذرإذا قلت شيئا يزعجك، وفي نفس الوقت اريد المصالحة. بدت محاولتها كقرصة خد بوجنة عزيز ترجو ارضاءه بعد الزعل.
خلاص ، انتهينا من النقاش والمشاكسة. سارت لمياء متألمة قليلأ. ليس بسبب وفاة ( سالمة) فقط
بل لرؤية المعزين من الجالية المتعاونين مع أخيها المتواجد بلندن وهو حزين في حالة موت شقيقته. رأتهم كتلة متراصة تشد أزره . ليتنا في مثل هذا التعاون في كل الأوقات، وليس بمناسبة الموت فحسب. أين كنا قبل ذلك ؟ نفتش عن اختلاف للنزاع والمشاحنة فيما بيننا. نخاف وننهش بعضنا بعضا بالنميمة والحسد، إصدار أحكام بالجملة للايذاء. ماذا قال والد جدتي لها بعد سنة 1914، عندما أخبرتني أمي كجزء من ذكرياتها. كانت والدتها طفلة تريد وترغب بشدة الانضمام لمدرسة البنات الوحيدة التي فتحها الانكليز بالبصرة أبان إحتلالهم للعراق بعد الحرب العالمية الأولى . احتج ابوها مؤنبا أياها : " لا ، لا ، لا يمكن أن تدخلي المدرسة، ماذا سيقول عنا بيت الفرطاس، وبيت النهيب، وبيت الطامل . ستتشوه سمعتنا. عيب، عيب أن يكون ذلك " وفعلا أخذوها إلى بيت الملاية فخرية، خوفا من القال والقيل، بدلا من المدرسة النظامية. كانت الملاية فخرية تعلم الأطفال في بيتها. جلبوها اليها وجلست مع بقية الاطفال . سمعتها تقرا لهم بصوت عال وهم يرددون: " القارعة، ما القارعة وما أدراك ما القارعة" شعرت من كثرة الضوضاء والضجة قرعا على رأسها الصغير. استمرت الملاية في القراءة. كلام لا تفهمه رغم التكرار . أرادت في منتصف الحصة الذهاب لقضاء الحاجة. خافت أن تصرح بذلك. لا زالت تحس مطارق فوق راسها ومثانتها تضايقها فتريد البكاء. ماذا تفعل. هداها تفكيرها أن أقعتْ على الأرض لقضاء الأمر، بدأ الصبيان يضحكون عليها قربها. صاحت الملاية فخرية على الجميع واقبلت عليها بعصى غليظة لضربها. بعد ذلك اليوم لم تر وجهها إطلاقا . حرنت كالبهيمة في أقصى زاوية بـبـيتهم مصرة على عدم الذهاب اليها مرة اخرى ، بقيت تعيش أميّة في الظلام طيلة حياتها. هذه قصتها مع الأعراف والتقاليد. روتها لها أمها مع ذكريات قديمة تتداول باستمرار من امرأة إلى امرأة ثانية ومن جيل لجيل.
تسمع ما يجري، الآن، بالعراق، يتكرر مرة أخرى. التأريخ يعيد نفسه، دائما، بهذه المنطقة. عودة المراة للبيت وانتشار الامية بين النساء. انتهاز الرجل للفرصة من أجل الزواج بعدة نساء، من دون اعتراض أو أخذ و ردّ، بعد أن صارت المرأة جاهلة لا تعرف حقوقها . دشنت العملية الذميمة بإرجاع المجتمع اللاعادل الظالم عن طريق الرئيس السابق. مارسها وشجعهم عليها كرئيسهم يعلمهم الأصول والآداب، مستعيدا نظام تعدد الزوجات بنفسه بكل جدارة ولياقة. لاحاجة للقول، جرى ما جرى، بداية، قبل سنوات من سقوطه، دون مساءلة أو صدور فتوى كعادتهم في مثل هذه الاحوال، حين يشمرون عن سواعدهم ويتصدرون المنابر ترهيباً وتخويفا من أجل التدخل في الامور العائلية الشخصية بشكل مقرف. كان لمبيعات النفط وموارده الجمة الأثر البالغ في تغيير المناخ السياسي لصالحه ولكم افواه أغلب الناطقيين بلغة الضاد.
بالعكس، كتبتْ ودبجتْ، بدلا من ذلك، مقالات ورسائل أثناء حكمه لمدحه، والثناء عليه، على صفحات المطبوعات الرسمية وغيرها. لو وجدت نقطة حياء، لتبرأ منها كاتبها بعد سقوطه وانكشاف أمره . " لكن الذين استحوا ماتوا " كما يقول المثل الشعبي . هراء، لنكن واقعيين، إنهم أنفسهم، أمواتا أو أحياء، معظمهم ، سواء . استراتيجيتهم واحدة ، لسان حالهم غالبا : " هل هناك شغلة أو عملة تنفعُ" . بالحقيقة، لا حاجة للتعب والعمل الآن . لماذا، وكيف ؟! نسيتم قول الخليفة : " اعطوه ألف ألف درهم " طبعا من أموال بيت المسلمين العام. شيء مشابه، لكنه ربما أكثر سخاء من الماضي للمداحين والمنافقين. هناك سائل اسود يسمى النفط اكتشفوه يجري في الأرض ، يجلب سيارة مرسيدس آخر طراز واقفة في الآنتظار، كهدية متواضعة، أو اكرامية بنصف مليون دولار أو أكثر من وارداته نقدا أو على شكل كوبونات نفطية للبيع . كل هذا من الأرض العراقية السخية الطيبة، التي تروي بحليبها، دوما، من لا يستحقه. يكتب عنه حينها ما يلي :
( سيادة الرئيس الفذ المناضل صدام حسين - حفظه الله
" إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيدا " صدق الله العظيم
يبدو أن إرادة الله وقدرته الالهية قد اختارتكم لتكونوا المنقذ لامة نبي الله وخاتم الانبياء الرسول الكريم محمد (ص ) . ولسنا بصدد التذكير بانجازاتكم التي لم يعد بالامكان نسيانها لانها أصبحت جزءا من شخصية العراق والأمة العربية ، وكما استطعت في الماضي البعيد والقريب قيادة المركب العراقي وسط كل ما واجهه من صعوبات ومخاطر والابحار به نحو شاطيء الأمان .. فإنكم بقيادتكم الحكيمة ستقودون هذه المرة ليس العراق فحسب بل كل الامة العربية نحو حاضر مشرق ومستقبل زاهر...)
لا عجب أن يبدأ قبل سقوطه بسنوات قليلة أيضا ، باشهار حملة سميت بـ ( الحملة الإيمانية ), والأصح لو سميت بـ ( الحملة الغوغائية ) متغيرا بـ 180 درجة. من العلمانية التي كان يبديها في سلوكه العام أمام العالم الخارجي، إلى الدين المتوفر في الشارع العادي المعادي بالداخل. لم يقصر، وزيادة في الحيطة، سلك ، بشطارة، سلوك أول شيء يخطرببال دعاة الإسلام، ليبدأ بالمرأة. ألبس نساءه الحجاب فجأة، بعد أن كنّ سافرات، يلبسن فساتين ( المني جوب). أخذ زمام الأمور بشكل جدي رسمي باسمه شخصيا، بعد أن رأى قوة مفعول الدين على العوام والبسطاء ، مدركا أن ارتياده بالنسبة للبعض من الحكام سهل. من يجرؤ على الاحتجاج أو الانتقاد بعدها فليتقدم إذن ؟! خصوصا بعد أن بدأوا بتقطيع رؤوس نساء قرب أبوابهن بحجة كونهن زانيات مومسات. لو كانت ابنتها معها الآن وتعاد الحكاية مرة أخرى أمامها بلندن لما ترددت في القول ، بعد فتح فمها اندهاشا متعجبة مما تسمع من العرب الجالسين حولها في الغرفة : " ماما هذه قصص ألف ليلة وليلة، والله ِ، حكايا تصلح لشهرزاد بعينها "
مسكينة ، مولودة ببريطانبا، قليلة الخبرة بالمنطقة. متمسكة بالقسم بـ ( الله ِ) مع حركة الكسرة دوما على طريقة لهجة صديقتها المصرية عندما يجري الحديث عما يدورهناك.
ماذا سيقول المؤرخون عنا في المستقبل؟! وقفت لمياء وكأنها تطيل التساؤل أمام دارها، لكنها في الواقع ، أثناء ذلك ، كانت تنظر في حقيبتها اليدوية مفتشة عن مفتاح الباب الذي نسته داخل البيت، بسبب العجلة أثناء الخروج، بعد أن اقتربت ساعة موعدها، وتبديل حقيبة بأخرى لتلائم ظرف اليوم . لم تنتبه حتى للقطة ( عبلة ) قربها التي جاءت راكضة تقفز للوصول للبيت من فوق حائط الجيران حين رأتها قادمة. تطالبها بـ ميوو ، ميوو . تريد الملاطفة ، أين أنتِ ؟! وأين نحن؟! بطرانة.