ثقافات

إليك مع أطيب المتمنيات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عزيزي منير بولعيش طال غيابك...

عبارتك الأخيرة ما زالت تحفر عميقا في ذاكرتي:"إننا نذبل في أحضان الحقيقة". أقرأ الآن يوميات مومياء، ياباني يتذوق الموت في صيام طويل وعزلة تامة وشعرية مفارقة، تأملت هذا الإختيار الوجودي الصعب، خطر ببالي أن تفعلها، لم يبدد هواجسي سوى SMS من هاتف صديقنا المشترك محمد السدحي: "إطمئن إنه في خلوته الشعرية".
في سكينتي ألمحك مخلوقا سرديا عالي الوعي، تقرأ طول الليل وتتأمل طول النهار، تتجمع حول لحيتك الغيفارية فراش زاهي الألوان، تتكدس في سريرتك مئات المشاريع الثقافية التي لا تنزل إلى الأرض.
سبع سنوات مرت على تعارفنا، تتذكر صخب اللقاء الأول، أن تتشبث ببذخك الشعري وتعتق أفكارك الجميلة لزمن فضائي قادم، وأنا أصر على كتابة متسكعة تجوب الشوارع مثل ساعات Rolex المزيفة.
تفرع بنا الحديث ذاك الأصيل إلى أفق مشترك، وهو الثورة على كل الأجوبة النهائية، أنت تسخر كل قوتك الشعرية لتعصف بكل درجات السلم السماوي، وأنا أمتطي صهوة جنوني لأربك تلك الأيادي الخفية التي تعمل على هندسة القبح.
انطلقنا بعد ذلك نجوب كل فصول المعرفة، نسخر حواسنا وأذواقنا وجوارحنا، نحفظ مذكراتنا الجلدية Notebook كما يحفظ الجندي بندقيته في الجبهة، نرتاد المسارح والمعارض والندوات والسينما وحفلات الموسيقى، ونصغي إلى الأغاني وهلوسات الحمقى وتراتيل الصبايا والصبيان بحثا عن الكتاب المفقود.
أغبطك، تتفقد سلمى غيابك عن ساحة مقهى "النجمة"، وتنكس رموشها بحزن خفيف، أغبط شفاءك من هواها.
أتلفت سنتين في رصيف مقهى النجمة، صورك وأشعارك في انتظار قدومها من أعلى الشارع، تشرق عيناك بفرح خجول حالما تلمح التفاتتها الرقيقة الشحيحة، وهي تتأبط ذراع أمها، تركض في عينيك خيول الفرح الأعمى وتشرد بعيدا.
صفعتك يوما بلا جدوى حبك الصامت، تبالغ في عجرفتها، كنت أتخيلها تفطر بالكرز، كنت تتمادى في تأويل التفاتتها الشحيحة، تصف كثبان الفرح في نظرتها وأزهار الأمل في انفراج شفيتها ودعوة وردية من انسدال رموشها... أبصرت أخيرا.
أنا ما زلت أعمى تدمرني أغنية وتفرحني أخرى، تتسلل نورا عارية الكتفين، نهدان عنيدان يطلان على بياض مهيب و حذاء ذو كعب ياقوتي، الملامح هي هي، لكن حجمها لم يكن طبيعيا، ترفل في أضواء خاطفة بيضاء... اللعنة سيلاحقني الحلم حتى مماتي.
شاهدت ليلة أمس belle de jour، عمق جراحي لم أكن أتوقع أن يكون بونويل بهذا الحجم، إنه إله، حاولت أن ألخص الفيلم في عبارة متشظية لبوب مارلي:
No women no crie".
كاترين دونوف أو العاهرة الملغزة تحترف الدعارة في إحدى البيوتات الخاصة، زوجها طبيب وسيم وثري استجابت له في السرير بعد أن خبرت رجالا كثيرين في بيت مدام ناييس القوادة المحترفة، كاترين دونوف في يناعة شقرتها تشبه إلى حد كبير نورا، لم أعرف عن حبيبتي غير ما تتشبث به من ادعاء على أنها لا تعرف من الرجال غيري، تقسم على أنه لن يقبلها أحد سوى حليلها، إنها تضمن لي العفاف المطلق، زوج belle de jour مات وهو في كامل ثقته بأن زوجته مخلصة إخلاصا لا نهائيا، مات كسيحا برصاصة مرصودة من أحد زبائن مدان نابيس الهانم في belle de jour مات وهو لا يعرف ذلك.
أقضي أياما رهيبة، الموسيقى تجعلنا تعساء بشكل أفضل كما يقول رولان بارت.
أحدس جراح عبد الحليم حافظ رغم أني لا أصيخ السمع إلى كلماته، أقلب مجلة أزياء بعنف، سقطت ورقة بخطها أردت تمزيقها لم أستطع، إنها تحمل كلاما جميلا رغم رطانته تقول:"ُيا فارس أحلامي يا حبيبي، أنزل عن صهوة فرسك، وابني لي بيتا يجمعنا ولو بجذوع الدفلى، يا حبيبي نريد أطفالا يحملقون في عين الشمس، يا حبيبي رتب أمورك وتزوج بي حالا" ابتسمت لطرافة ما كتبته.
نلتقي قريبا

محمد الأزرق
المغرب

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف