قصص برقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
رسالة من امرأة مجهولة
عزيزي..
حينما يحل الظلام ينتابني الرعب، فأشعل مصابيح جميع الغرف حتى الصباح..مع ذلك أتمنى أن ينقضي النهار ليعود الليل ثانية بوجهه الكالح وصوت خطواته المرعبة.
لقد أخذوا زوجي وهو الآن نزيل مستشفى الأمراض العقلية، بعد أن بدأ يقول لكل من يصادفه نهارا: مساء الخير!، ولكل من يصادفه مساء: صباح الخير!
ظل يكرر هاتين العبارتين مئات المرات يوميا. لم يعد يتحدث بقاموس اللغة التي نسيها بل ظلت هاتين العبارتين في عقله.
وحدي استلقي على السرير. وحدي أنام. وحدي أتناول الطعام، وحدي استحم. عندما أتطلع إلى وجهي في المرآة. تتأملني في نفس اللحظة عشرات الوجوه و مئات العيون، هي جميعها وجهي أنا، وعيوني أنا.
أرى من النافذة صبيا حافي القدمين، يطارد صبية شعثاء صارخا وراءها:
ـ قحبة.. قحبة!
أصرخ من النافذة بدوري:
ـ قحبة.. قحبة!
يتوقف الصبي على صوتي، يرفع عينيه إلى نوافذ البيوت باحثا. يعود بعد لحظات مواصلا الجري دون أن يراني، يطارده صوت رجل غاضب:
ـ يا لك من صبي وقح، يالك من صبي قليل الأدب!
حوار
كانا يتشاجران، بينما كانت الدبابات الأمريكية تزمجر في الشارع.
ـ يابن الكلب!
ـ يابن العاهرة!
ـ اخرس والا مزقت فمك!
ـ عندما أكبر سأشتري كلاشينكوف، وسأخطف أختك أمام عينيك!
ـ عندما أكبر سأشتري قنبلة وافجر بيتكم!
كان المذيع يصرخ بحماس نبأ القبض على عشرة إرهابيين في عملية (النسر الأكبر). وكان الشارع خائفا ينتظر قدوم الليل بفارغ الصبر.
رفيقة النضال
وجدها فجأة أمامه. عبر الماضي من أمامه عينيه كوميض من البرق.
كانت قد شاخت مثله، لكن ظلال السنوات لم تستطع أن تمتد إلى عينيها الخضراوين اللتين طالما باس رموشهما.
تحدثا عن الماضي، فلم يكن في الحاضر ما يستحق الحديث:
ـ هل تذكر كيف كانت هذه الشوارع تحمل قلقنا وخوفنا ونحن نلقي بالمنشورات هنا وهناك؟
ـ منشورات تتحدث عن النضال والحرية وهزيمة الأشرار.
ـ كان الحزب هو كل حياتنا.
ـ كنا نظن أن الحق المبين هو أفكارنا.
ـ كنا نحلم بأطفال سيولدون مبتسمين.
ـ وان الشر سيلفظ أنفاسه على يد حزبنا المناضل.. وأن...
دوى انفجار عنيف ومرعب. هرع كل منهما مع الجموح الخائفة المنطلقة إلى كل الاتجاهات.
الحرب
رددت الأم كل ما تحفظ من أدعية، وأسماء الأولياء وهي تقبل وجنتي صغيرها.
هبط السأم إلى قلبه الصغير. رفع رأسه محتجا وهو ينظر إلى أمه متأففا:
ـ ماما!.. أنا ذاهب للمدرسة ولست ذاهبا للحرب!
المتنبي
تجول (المتنبي) ليلا في الشارع الذي يحمل اسمه في بغداد.
انتابه الرعب من رائحة الدم وبقايا كتب ملطخة بالدم. ود أن يرتجل قصيدة عصماء في رثاء ضحايا الانفجار والشارع الذي يذكر الناس به كل يوم. أخفق في أن ينجز المهمة التي يجدها أكثر من أي شيء آخر. فرت (الميمية) من ذاكرته وانتحرت القوافي وانطفأت الأضواء في الشارع، وولى المتنبي الأدبار وفي قلبه ألف غصة.
حرامي!
عاد خلسة إلى بيته الذي غادره قبل. حمته ظلمة الليل كأم حنون.
كان ضوء الشارع يلقي حفنة من النور على الصالون. مد يده إلى صورة أطفاله بفرح غامر وكأنه عثر على ثروة في قارعة الطريق. عندما هم بالخروج وهو يحمل الصورة من الباب الخارجي لبيته، ارتفعت أصوات مرعبة تطارده كالرصاص:
ـ الحقوا حرامي..حرامي!
ـ إرهابي.. في بيتنا إرهابي!
فر مثل طير مذعور من بيته، وهو يلعن نفسه الأمارة بالسوء، التي زينت له العودة في العتمة إلى منزله الذي أرغم على مغادرته قبل أيام مضطرا، بعد التهديد الذي تلقاه من قبل إحدى الجماعات.
10 /3/ 2007