شهوة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبثا كنت أحاول تصديق رؤية العرافة الأمريكية السوداء وهي ترسم لي خريطة أيامي القادمة، كانت صديقتي "فلورانس " ترمقني بنظرة مبتسمة تكاد تنفجر سخرية من كلامها، تمسك العرافة بيدي وتقلبها في جميع الجهات باحثة عن خط الحظ وهي لا تعلم أن خطوط يدي كلها فجيعة عمر. لم يكن الحظ بمفهومه المطلق يعني لي أكثر من معناه، لكنها استمرت باقناعي أن خلال شهر أو أكثر سأتحول الى امرأة جد غنية.
وصلت بيتي وبداخلي غصة فراق " فلورانس " التي غادرتني الى نيويورك حيث وظيفتها الجديدة فأنا لست اجتماعية بالقدر الكافي خاصة في هذا البلد المفتوح على العلاقات الانسانية طولا وعرضا، مشكلتي أنني أختار أصدقائي بدقة مقرفة وأمتحن صدقهم ألف مرّة ثم أعلنهم بداخلي أصحاب روحي وعندما أغرق فيهم لا يخلصني غير الموت، لكنني لم أمت وهاهي " فلورانس " تغادر فرجينيا وتغادرني معها، هي واحدة من الأصدقاء الذين شاركوا في تعديل أفكاري المتخلفة عن عالمهم والتي تسببت لي في متاعب كثيرة خلال أول سنة لي في أمريكا، كان كل شيء بارد ومختلف ومتحرك بسرعة البرق، وكنت بارعة في نقد الأمور كلها وكأنني عالمة كون، اختلفت مع تركيبة بشر من طينة ثانية لا يعترفون بالهزيمة أبدا لكنّهم لا يتركونك تعبرهم من دون أن يتركوا فيك آثار فعاليتهم التي غطت العالم واختصرته في قبضته.
كنت بحاجة الى سماع " فيروز " في غربتي وحزني الذي يشبه الطيش والفوضى والحلقة المفرغة، غنت لي " فيروز " ودموعي الثكلى تعيدني الى طفولة ضبابية الصورة وأنا أحلم بالمستحيل، كانت أحلامي غير عاقلة وغير هادئة ولم تكن عرائسي تعني لي شيئا على الاطلاق. كبرت وتحولت الى قنبلة على قول أحد أعمامي وانطلقت
تلك العرافة السوداء التي خدشت حظي بنبوءة بنكية ستتعب تفكيري لأيام وأنا أقلب بريدي اليومي علّي أعثر على شيك بمليون دولار أخطأ عنوانه اليّ. أحب البحر وأتخيله أعمق من قراراته بكثير فهو السكينة والتمرّد والصفاء والارتواء والعطش الى أجساد منهكة لنساء عاريات فيه، ليتني أستطيع شراء بحر، البحر كالرجل في شهوته، لكنّه لا يخون الجمال والمرأة هي جمال الكون كلّه، البحر كالرجل في تمرده، لكنّه حالم ووديع وغير جارح، اذن على الشيك الذي من المقرر أن يخطىء عنوانه اليّ أن يكون بلايين بأقل تقدير رغم أن الدولارات لن تتحمل ملوحة البحر وستذوب أرقامها في زرقته التي لا ترضى بغير النساء أجسادا أو الشيكات العارية من الأصفار الفارغة المعنى والملتاعة بالعد المناقض للانسانية.
لست بحاجة الى قطعتي المايوه كي أناشدك أن تبتلع جسدي فيك، أنت الغول الأزرق المبتسم في سخاء، سأغرق في جوعك وأنا عارية تماما كدهشة ينقصها بعض مليمترات من الانتباه. دوختني تلك العرافة وأفزعت خسائري التاريخية كلها،ها أنا أصل مكتب المحاماة للاستفسار عن رسالة مستعجلة وصلتني هذا الصباح تقول( احضري عنوان هذا المحامي فورا ) اندهش المحامي الآسيوي من جنسيتي العربية فزاد من ارتباكي وتخيلت الموضوع له علاقة بابن لادن فقلت له ( لا علاقة لي بابن لادن لكن زوجته أختي هذا كلّ ما في الأمر )، كشّر في وجهي ثم تركني وذهب يوشوش في أذن صاحبه، فارت أعصابي من طريقة معاملتهم لي فصرخت مرة واحدة وكأنني الوحيدة الموجودة في المكان وقلت ( ما المشكلة هنا؟ لماذا هذه العنصرية في معاملتكم لي؟ أريد أن أفهم ما الخطأ في كوني عربية؟)، حينها همس أحدهم في أذني : ألديك علاقة بفلورانس تريفل؟
قلت : هي صديقتي، قال : القصة وما فيها أن صديقتك قبل وفاتها كتبت لك ثروتها كلها والتي تعادل بليون ونصف البليون دولار أمريكي، اجتاحتني رعشة موت كادت توقف أنفاسي وقلت : فلورانس ماتت؟ كيف ماتت؟ متى ماتت؟، رد عليّ أحدهم : هذه أمور يطال شرحها هلا أعطيتنا معلوماتك البنكية كي نحول المبلغ لك؟
قلت : هذه مسخرة وقلة أدب سأطلب لكم الشرطة حالا
قال أحدهم : يا سيدتي هذا مكتب محاماة محترم واذاكنا أخطأنا في حقك فليس لكونك عربية، اقرئي الرسالة وستفهمين جيدا الالتباس الذي نحن فيه
والرسالة تقول امنح هذا المبلغ لفلانة... وعلانة...الساكنة...الحاملة لجواز...البيضاء اللون من أصل آسيوي...
قلت ودموعي منهمرة : كيف ماتت فلورانس؟
قال أحدهم : انتحرت ثم أردف هل أنت عربية أم آسيوية؟
قلت : أنا بطيخ وتركت المكان وخرجت أجري وغصة فلورانس تكبر، تكبر وتكبر.
رن محمولي النقال، استفقت من غفوتي مفزوعة
ألو
هاي سهيلة أنا فلورانس لقد وصلت مطار نيويورك
هل أنت بخير؟
مشتاقة اليك
وأنا أيضا عزيزتي
هل تمانعين اذا طلبت منك سلفة مادية؟
أكيد لا
أنا بحاجة الى خمسة آلاف دولار
سيصلك المبلغ غدا اعطني عنوانك
اكتبي...شكرا جزيلا سهيلة
أنت صديقتي لا تشكريني أبدا
لمن أشكو كذبة العرافة؟
ولمن أشكو ضيق صدري؟
ولمن أشكو افلاسي يا بحر؟
واشنطن