مسرح إيلاف

الحياة بدون وهم عالم لايطاق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من أمستردام صالح حسن فارس: لايحتاج الروائي الهولندي الشاب (ارنون غرونبيرغ) الاكثر شهرة وشعبية في هولندا الى شهرة أوسع مما هو عليها الان، ولم يكن في حسبانه أن تُعد روايته ذائعة الصيت( اللاجئ) التي صدرت عام 2003 في هولندا الى عمل مسرحي، وتقدم في مثل هذه الاجواء المتوترة، الحساسة، والحرجة ازاء المغتربين في اوربا. كونها لم تكتب للمسرح اولاً، وتخلو من الحوار الدرامي ثانياً، حتى جاء الكاتب (كون تاشيليت) وأعدها للمسرح وقُدمت بالفعل على أشهرالمسارح في بلجيكا، ومؤخراً في العاصمة الهولندية أمستردام على مسرح (ستاتس سخاوبورخ)، وما زالت تقدم على مسارح المدن الهولندية حتى نهاية هذه السنة.
مسرحية ( اللاجئ) هي أول نشاط مسرحي من إنتاج فرقة Nt Gent)) في مدينة خينت البلجيكية.من تمثيل: اليسا دي براو، فم اوبروك، اوس خريدانس، و سيرفي هيرمانس، دراماتورج باول سلانكن، سينوغراف بيرت نومان. أما مخرج العرض فهو المخرج الهولندي المعروف (يوهان سيمونس)، الذي عمل طويلاً مع فرقته المسرحية الهولندية (زاود هولنديا) وأنتقل موخراً للعمل في بلجيكا.

العرض:
أصوات مختلفة لطيور متنوعة تصدر من أفواه الممثلين، يتقدم الزوج ( الكاتب) الى الجمهور يتكلم عن حياته وعلاقته بزوجته المثالية :
"أنا كرستيان بك، ولدتُ في هولندا، وأعيش في قرية صغيرة في ألمانيا، كنتُ أعمل كاتباً (روائياً) وتوقفتُ عن الكتابة، أعمل الان في ترجمة دليل استخدام الاجهزة الكهربائية، من الانجليزية إلى الألمانية".
بهذه الكلمات يبدأ العمل المسرحي، حتى يفاجئنا صوت أحد الممثلين وهو جالس بين الجمهور:
- لماذا توقفت عن الكتابة؟
الكاتب: لم أعد أكتب!

يحاول البطل (الكاتب) أن يهرب من الاجابه، وهذا المشهد بمثابة محاكمة الجمهور له.
من الوهله الاولى جعلنا المخرج نمسك بتلاليب حكايته المثيرة، ونقلنا معه الى أمكنة ومدن مختلفة مثل: الصحراء، المانيا، إسرائيل، حيث توزعت احداث الحكاية.
العرض منحنا فرصة أن نتأمل المكان وسينوغرافيته، سرير نوم هوائي كبير ومنتفخ (مملوء بالهواء) قلق متحرك، يقترب من الجمهور يكاد يلامسهم، يحتل مساحة كبيرة هي عبارة عن غرفة النوم، مرسومة عليه بشكل جميل ومثير خارطة تشيرالى بلد ما، وزمن ما.
لم يحدد لنا المخرج المكان بالضبط ، بل جعله مفتوحاً للتأويل، الا أنه تخيل ان السرير كبير جدا بحجم الوهم أو بحجم الواقع. جعلنا نتخيل معه ان السرير عبارة عن وحش كبير يهيمن على البيت والعالم. خلفية المسرح عبارة عن صور كبيرة الحجم بالابيض والاسود للاجئيين عرب وافارقه تلتصق على جدران المسرح الثلاثة أي خلف وعلى جانبي قاعة العرض والتي هي غرفة النوم، أضوية مصابيح حمراء تؤطر الصور وهي دلالة البغاء والفساد في هذا العالم الغائبة ملامحه.
اعتمد العمل على اربعة ممثلين، الزوج وهو الروائي، المرأة وهي الزوجة، الشاب وهو اللاجئ، وممثل شاب اخر يجلس بين الجمهور، ومثلَ أربعة ادوار: أحد الجمهور، حفار قبور، معاق جسدياً، و صحفي.
الكاتب توقف عن عمله وعن التواصل مع الناس، أراد أن يقضي على الاوهام، وبعد أن أعتقد أنه تحرر من الاوهام لم يعد يستطيع أن يعيش، لان الحياة بدون وهم هي عالم لا يمكن العيش فيه ولا يطاق.
الزوجة بملابس النوم وترتدي قناعاً فنطازياً على وجهها لأحد الطيور، وهي إشارة واضحة الى مكان الحدث الذي يدور في غرفة نومها، وتقول الممثلة:
"أسمي (طير)، درستُ كثيراً عن الطيور، ومكثتُ طويلاً في الصحراء، كنتُ أريد أن أفهم لغتها، كنتُ أعمل وأهتم بالطيور، توقفتُ عن عملي، لانه بعيد عن الواقع، أعمل الان مع المنظمات الخيرية التي تهتم بالناس المحتاجين وخاصة اللاجئين".
تخلع القناع ويبدأ الصراع وتتأزم الاحداث، حين تفصح عن علاقتها الجنسية مع لاجئ جزائري قادم من الجبال، وتقرر الزواج منه من أجل مساعدته.
اللاجئ يتحدث عن حياته، وهروبه من وطنه ، ليتضح في ما بعد أنه كان مجرماً ومداناً في عملية قتل.

يهرب الكاتب من زوجته ويمارس الجنس مع العاهرات، وزوجته تمارس الجنس مع اللاجئيين.
أتضح جلياً أمام أعيننا إتصال اللاجئ بزوجة الكاتب، حيث جامعها أمام زوجها في غرفة النوم وعلى نفس السرير. وفي نهاية العمل تموت الزوجة بعد أن تصاب بمرض السرطان، بينما يستعيد الكاتب حياته وحريته.
على مدى 150 دقيقة خلا العمل من الموسيقى بالرغم من طوله، مما جعل الملل يتسرب إلى الجمهور، هذه نقطة الضعف الوحيدة في العمل. وفي المقابل فان العنصر المثير والجميل في هذا العمل هو أداء الممثلين التلقائي البسيط ، عفوية الحركة، والقدرة التعبيرية الهائلة. أخص بالذكر مشهد محاكمة الكاتب من قبل الممثل الشاب وهو بين الجمهور، كان من المشاهد الجميلة والمؤثرة، وكذلك مشهد المضاجعة بين الزوجة واللاجئ، الذي كان مشهداً متميزاً في البناء والتعبير والمعالجة الدرامية.
إعتمد المخرج على طاقات الممثلين البارعة والمدهشة في الاداء والتعبير، وكذلك على قوة النص، ما عدا الطريقة التي أنهى بها المخرج دور اللاجئ، التي بدت ركيكة ومربكة حيث جعل اللاجئ يقرر العودة إلى وطنه ليهتم بقضية حقوق الامازيغ وحريتهم! هل أراد المخرج أن يقول لنا إن اللاجئ إحتج على الغربة والضياع في أوربا؟ أم إن المخرج أراد أن يسخر من الأفكار النمطية السائدة لدى الكثيرين عن شخصية اللاجئ أو المهاجر؟

سؤال بقي عالقاً في ذهن المشاهد!
الديكور كان جميلاُ لكنه بقي جامداً ولم يتغير طيلة العمل المسرحي على عكس ما أثارته الرؤية الأولى من توقعات.
إضاءة عامة فيضية توزعت على الخشبة لتكشف عالم الحكاية وتجعله لنا عالماً مفضوحاً ومكشوفاً.
أظهر لنا العرض الكثير من الاشارات المخفية في عالم الرواية الاصلي.يكاد يكون العرض متكاملا لولا الاطالة، والسرد الطويل، وأعتقد لو أن المخرج أختصر بعض المشاهد لما أثر ذلك على البناء الدرامي للعرض.
لقد لعب المخرج (يوهان سيمونس) في توزيع الادوار بكل فهم ووعي ودراية، وهذا ليس غريباً على مخرج قدم اعمالا مهمه للمسرح الهولندي، وتميز بأسلوبه الاخراجي وله طريقه معروفه في خارطة المسرح الهولندي في تقديم الاعمال الكلاسيكية الاغريقية، والشكسبيرية، بمفهوم عصري حديث، ويعتمد في طريقته الإخراجية على كسر قاعدة المألوف، حيث قدم أغلب أعماله في أماكن مفتوحة أو مغلقة، أي ليس في مسرح تقليدي (مسرح علبة).

فياخر حوار له في مجلة ( uitkrant) الهولندية صرح المخرج الهولندي يوهان سيمونس حول مسرحية اللاجئ فقال: "دائماً في أعمالي المسرحية يوجد شئ حول ما يحدث الان، وحالياً يوجد الكثير من الروايات أفضل من الاعمال المسرحية لما تحتويه من نقد للمجتمع الذي نعيش فيه ولما يحدث الان في العالم".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف