المسرح والحرب الثالثة في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تشكل الحروب، في العادة، مادةً لكل أنواع الأدب والفن الى جانب التحليلات العسكرية والسياسية والتاريخية بسبب ما تخلفه من نتائج وآثار تطال مختلف جوانب الحياة المادية والمعنوية، وللمسرح من بين تلك الأنواع الأدبية والفنية حصة كبيرة منذ بواكيره في الحضارات الغربية والشرقية القديمة، فالنص الدرامي الأسطوري السومري (رثاء أور) يحكي عن فاجعة خراب أور عقب الاحتلال العيلامي لها، وثاني نص مسرحي مما بقي من نصوص شيخ الكتاب المسرحيين اليوناني أسخيلوس، وهو (الفُرس) عام 472 ق.م، كان عن حرب (الماراثون) بين اليونان والفُرس، وكذلك ثلاثيته (الأوريستيا: أجاممنون، حاملات القرابين، والصافحات) التي تدور حول حرب طروادة. وتناول بعده هذه الحرب، وغيرها من الحروب، كل من سوفوكليس ويوربيديس واريستوفان وميناندر، والكتاب الرومان. وتدور نصوص الكاتب الهندي (كاليداسا - القرن الرابع الميلادي) الثلاثة (مالافيكا وجانيمترا، فكرامرفاسيا، و ساكنتالا) حول الحرب والحب والأسطورة. والمعروف أن معظم تراجيديات شكسبير تجري أحداثها في أجواء الحرب. وفي المسرح المعاصر كانت أحداث الحربين العالميتين، وحرب فيتنام مادةً أوخلفيةً لعشرات النصوص المسرحية في العالم. وكانت الحروب العربية الإسرائيلية ولا تزال إطاراً مرجعياً للعديد من النصوص والعروض في المسرح العربي، ربما كان اشهرها (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) لسعد الله ونوس. وقدم المسرحيون الكويتيون مجموعة من المسرحيات التي تتناول احتلال بلدهم. ولذلك كان أمراً متوقعاً أن تشكل موضوعة الحرب الأخيرة في العراق مادةً لبعض كتاب المسرح ومخرجيه في الغرب والشرق والعالم العربي، فيتناولونها من منظورات مختلفة، وقد استطعت أن أرصد حتى الآن خمسة عروض مسرحية استلهمت أجواءها أو أحداثها من تلك الحرب وتداعياتها هي: العرضان الكويتيان (ذوبان الجليد) للمخرج سليمان البسام، و (حب في الفلوجة) تأليف محمد الرشود، و إخراج حسن المفيدي، والعرض البريطاني ( أمور تحصل) تأليف وإخراج ديفيد هير، والعرض المصري (نساء السلام)، تأليف وإخراج لينين الرملي، والعرض الأسترالي (محاكمة صدام) تأليف وإخراج الدكتور جعفر الباقري (عراقي مقيم في أستراليا).
ذوبان الجليد
كانت مسرحية (ذوبان الجليد) للمخرج الكويتي سليمان البسام أول مسرحية تستلهم أحداثها من تداعيات الحرب في العراق، وسقوط النظام السابق، فقد بدأ عرضها في الكويت، بتمويل من لجنة التآخي الكويتية العراقية، وهي لجنة شعبية كويتية تهدف الى إعادة روح الإلفة بين الشعبين، بعد أقل من شهرين على دخول القوات الأميركية الى بغداد. كما تعد أول عمل مسرحي يجمع بين مسرحيين كويتيين وعراقيين، إضافة الى إنجليز وأميركان، منذ أكثر من 15 عاماً، وقد شاركت أيضاً في الدورة الخامسة عشرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وتدور أحداثها في خمسة مشاهد اقتبسها الكاتب عباس حداد عن مسرحية (المذبحة) للكاتب الألماني هاينر مولر، ومسرحية ( الزريبة) للكاتب الانجليزي توربين بيتس، و هي تحمل رؤية مأساوية للأحداث التي يعاني منها العالم العربي، و ترمز الى السعي لإذابة الجليد الذي بالت يفصل بين الشعبين الشقيقين العراقي والكويتي بعد احتلال النظام السابق لدولة الكويت عام 1990، وتهدف الى طي صفحة الماضي، و إعادة جسور الأخوة والتعاون بين العراقيين والكويتيين، كما تدعو بشكل غير مباشر الى التسامح والمحبة ونبذ العنف والكراهية، وتسلط الضوء على حقبة نظام صدام في أيامه الأخيرة، ثم عملية انفراج الفنان والمثقف العراقي، وتآخيه مع أشقائه العرب في دول الخليج، وخاصة في الكويت (1).
ومن الأحداث المؤسفة التي رافقت عرض هذه المسرحية وفاة الممثل الكويتي كنعان حمد وهو يؤدي دور وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف في اليوم الثالث لبدء العرض، فحل محله الممثل ناصر كرماني. ويعد مخرج المسرحية الشاب سليمان البسام ، الذي يمارس نشاطه بين لندن والكويت منذ تأسيسه فرقة (زاوم) مع فيرجينيا جيرفيس، من المخرجين المبدعين الجدد في المسرح الكويتي، إذ فاز عرضه المسرحي (مؤتمر هاملت) بجائزة أفضل إخراج في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان القاهرة التجريبي عام 2002، وهو يسعى الى تقديم قراءات جديدة لنصوص شكسبير من خلال استلهام خطوطها العريضة بما يتناغم وروح العصر، أو البيئة المحلية، كما في عرضه السابق (ماكبث 60 واط)، وعرض (المقايضة)، المأخوذ عن (روميو وجوليت)، الذي قدمه في المهرجان المسحي لشباب دول مجلس التعاون الخليجي في دورته السابعة.
حب في الفلوجة
العنوان الأصلي لهذه المسرحية الكوميدية السياسية، التي ألفها المسرحي الكويتي محمد الرشود، وأخرجها حسين المفيدي، وعرضت قبل شهرين، هو (كويتي في الفلوجة)، ولكن جهاز الرقابة على الأعمال المسرحية اعترض على اسمها وغيره قبل بدء العرض بأيام قليلة لأنه، حسب رأيه، " قد يتسبب في سوء تفاهم مع أبناء الشعب العراقي". وتدور أحداثها حول شاب كويتي يسافر إلى العراق بعد سقوط النظام السابق، ليبحث عن خالته وابنتها التي كان يرتبط معها بعلاقة حب، وذلك بعد أن حُرم منها طوال 14 عاماً ، أي منذ احتلال الكويت عام 1990، وحينما يعرف أنها في الفلوجة يذهب إلى هناك، إلا أن احدى الجماعات المسلحة تختطفه، ويتضح ان قائد تلك الجماعة التي اختطفته هو ابن خالته الكبير وشقيق حبيبته، وتستمر الاحداث التي تطرح العديد من الرؤى السياسية في اطار كوميدي.
وواجهت هذه المسرحية مشكلة ثانية خلال عرضها في البحرين، إذ إثارت غضب نواب الكتلة الإسلامية في البرلمان، معتقدين أنها تسيء الى أهل الفلوجة، فحاولوا منع صدور التراخيص المخولة بوضع إعلاناتها الدعائية في الشوارع العامة، وانضمت إليهم جمعية المحرق الأهلية، مؤكدةً أنها لا تتناسب وطبيعة المعاناة التي يعيشها الأشقاء في العراق، الأمر الذي أدى الى استغراب منتج المسرحية محمد العليوي، واتهام النواب بأنهم هاجموا المسرحية من دون أن يشاهدوها. ولم تحل المشكلة إلاّ بعقد اجتماع بين مؤلف المسرحية ومخرجها ومنتجها من جهة، وعدد من النواب المعارضين لتقديمها في البحرين جرى خلاله الاتفاق على تغيير اسم المسرحية من(حب في الفلوجة) الى اسم آخر. كما اضطر المنتج الى عقد مؤتمر صحفي في المنامة أوضح فيه أن نص المسرحية لم يطلع عليه أحد من النواب، وهولا يتضمن إساءة أو إشارة من قريب أو من بعيد الى هدف سياسي أو طائفي، بل على العكس فيه دعوة صريحة للتقارب والحب بين الشعبين العراقي والكويتي، ونبذ الخلاف، وتجنيب الأبرياء سفك الدماء مع عودة العراق بلداً آمناً. كما ذكرت أنباء صحفية، لا أدرى مدى صحتها، أن جماعة من أهل الفلوجة هددت طاقم المسرحية ومؤلفها وجمهورها بالقتل، إلاّ أنها غيرت موقفها بعد دعوة المؤلف لها لمشاهدة العرض، وإعلانه عن التبرع بجزء من ريعها لأبناء المدينة، وو جهت له دعوةً لتقديمه في الفلوجة! ولكنه اعتذر عن قبول الدعوة بسبب الظروف الأمنية الخطيرة (2).
وأياً كانت دوافع الاعتراض على هذه المسرحية، أو مهاجمتها، أو محاولة منع عرضها، فإنها تكشف عن مدى غياب حرية التعبير في العالم العربي، وضيق أفقه، واستفحال الوصاية التي تفرضها الجماعات السلفية والتيارات المتشددة والظلامية على النشاطات الإبداعية والفكرية فيه. ومن المؤسف أيضاً أن يمر عرض المسرحية، التي واجهت كل تلك المواقف الغريبة، من دون أن يكتب عنها ناقد مسرحي واحد مقالةً يحلل فيها نصها وعرضها تحليلاً رصيناً يسلط الضوء فيه على جوانب الإبداع والضعف فيهما. وقد أضعت وقتاً وجهداً غير قليلين في البحث، من خلال الانترنيت، عن كتابات تفصيلية حول هذه التجربة المسرحية فلم أعثر إلاّ على أخبار ومتابعات صحفية موجزة يركز جلها على ذكر موضوعها في أسطر قليلة، أو يتطرق الى المواقف التي واجهتها.
أمور تحصل
استوحى ديفيد هيرعنوان مسرحيته (أمور تحصل)، التي عرضت على المسرح الوطني بلندن في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، من تعليق لوزير الدفاع الأميركى دونالد رامسفلد على مشاهد النهب فى بغداد خلال مؤتمر صحافى فى 11 نيسان/ابريل 2003 قال فيه إنها " أمور تحصل.. الحرية غير منظمة والناس الأحرار أحرار فى ارتكاب أخطاء، وارتكاب جرائم، والقيام بأمور سيئة "! واعتمد هير أسلوب التحقيق الصحافي فى صياغة النص، الذي أمضى أشهراً عدة في كتابته بعد أن التقى دبلوماسيين ومستشارين حكوميين وشهوداً على ما حدث فى العراق. ويحتوي العرض على مشاهد قصيرة تلقي نظرة لاذعة على حجج مؤيدى الحرب، ويضم تصريحات علنيةً ملصقةً بعضها ببعض، ومشاهد مضحكةً جداً من نسج خيال الكاتب " اتصالات هاتفية بين تونى بلير وجورج بوش حول اختفاء أسامة بن لادن، واجتماعات عمل غير رسمية فى البيت الأبيض بين الصلاة وتناول السندويشات ". ويقدم المخرج الشخصيات بطريقة ساخرة ولاذعة أحياناً، ويركز بشكل خاص على جورج بوش، وكوندوليزا رايس، وكولن باول، وديك تشيني، وتونى بلير، وجاك سترو، وجاك شيراك، ودومينيك دو فيلبان. وعلى الرغم من أن العرض يحمل على الرئيس الأميركي، فإنه يبقي على شيء من الغموض، ويظهره أحياناً فى بعض المواقف الصادقة، كما أنه يعطى فرصةً لأحد المدافعين عنه، وهو صحفي ليقول بغضب " إن شعباً كان يعانى بات الآن يعانى بدرجة أقل". وينتهى العرض بحديث منفي عراقى مع نفسه، يكاد يكون مأخوذاً من حملة المرشح الديموقراطي جون كيرى، يقول فيه " أتوا لانقاذنا، لكن لم يكن لديهم خطة لمرحلة ما بعد الحرب " (3).
سلام النساء
أعد لينين الرملي مسرحية (سلام النساء)، التي عرضت على المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، عن مسرحية (ليستراتا) لأرستوفانيس، التي تقوم أحداثها على دعوة بطلتها ليستراتا نساء أثينا (مدينتها)، ونساء إسبارطة (مدينة الأعداء) على توحيد جهودهن لإجبار الرجال فى بلديهما على إيقاف الحرب الدائرة رحاها منذ أربعة وعشرين عاماً من خلال وسيلة الضغط التي تقترحها البطلة الإغريقيّة على بنات جلدتها، وهي التمنّع على الرجال، ورفض معاشرتهنّ جنسياً إلى أن يعقدوا معاهدة سلام. وتنجح الخطّة في المسرحيّة، أما في الواقع، فقد استمرت الحرب سنوات بعد ظهورها.وقد نقل الرملي أحداث المسرحية الى بغداد قبيل بداية الهجوم الأميركي البريطاني على العراق، حيث تحاول بطلة المسرحية لبيبة العراقية، التي تعيش وحيدة منذ زمن طويل بسبب اختفاء زوجها في المنفى، وابنها في الحرب، أن تفعل مثل ليستراتا فتدعو بعض صديقاتها مع بعض الأجنبيات اللاتي حضرن الى العراق للتظاهر ضد وقوع الحرب، وتشرح لهن فكرة الامتناع عن أزواجهن حتى يعلن السلام. وبعد نقاش ومداولات توافق النساء ويؤجلن خلافاتهن العقائدية الاجتماعية إلى أجل غير مسمى، لأن قضيتهن الأساسية الآن هي السلام. وتختار لبيبة احتلال وزارة النفط والاعتصام داخلها، وترفع النساء لافتات بالعربية (لا حب من دون السلام)، وبالإنكليزية (لا جنس من دون السلام)! ويتصدى كورس من رجال قوات مكافحة الشغب للنساء، ويلقون عليهن القنابل المسيلة للدموع، فيعلن الانتفاضة، ويضربن الرجال. وتكلف الاستخبارات أحد رجالها بمصاحبة أميركية من المجموعة تدعى (مادونا) ليعرف منها أسرار الحركة النسائية، في حين تنشأ صداقة بين صحفي أميركي يتابع الأحداث وشاعر عراقي ينقل له طبيعة ما يدور خارج حسابات السياسة. ومع تصاعد الأحداث تنتهي المسرحية بقيام امرأة عراقية بتفجير نفسها وسط المتظاهرات " الكافرات"، كما يأمرها شيخها، فتبكي فرحاً لأنها ستدخل الجنة! ويتضح أن شخصية (مادونا) هي في الحقيقة رجل استخبارات أميركي تأمره قيادته بالهرب لأن الهجوم على العراق وشيك... وبعد بدء القصف يتصور الشاعر أن الانفجارات ما هي إلاّ ألعاب نارية ابتهاجاً بوقف الحرب!! وتهبط الستارة على لبيبة التي تبحث بهلع عن ابنها وسط سحب الدخان (4).
ويتضح من سياق أحداث هذه المسرحية أنها تنطوي على قدر غير قليل من السذاجة في رؤيتها الدرامية، وجهل للوقائع التي سبقت الحرب في العراق، فالمعروف أن النظام السابق كان يريد تجنب هذه الحرب بأي وسيلة لئلا يسقط، وقد لجأ الى استقدام المئات من الأجانب، واستخدمهم دروعاً بشرية كوسيلة ضغط على الإدارة الأميركية لمنعها من شن الحرب، فكيف يتسق ذلك مع تصدي قوات مكافحة الشغب التابعة للنظام لاعتصام النساء من أجل منع وقوع الحرب كما جاء في المسرحية؟ وأي شاعر عراقي هذا الذي يتصور أن الانفجارات ما هي إلاّ ألعاب نارية ابتهاجاً بوقف الحرب؟ وهل سجلت الأحداث حالةً واحدة شبيهة بحالة قيام امرأة عراقية بتفجير نفسها وسط متظاهرات أو متظاهرين يسعون الى منع قيام الحرب؟ إن مثل هذه الأحداث والمواقف التي تتضمنها مسرحية الرملي تجعل من المتلقي العراقي الذي يشاهدها يغرق في الضحك على سذاجتها وجهلها لوقائع الأمور، ناهيك عن تبسيط القضية أصلاً، وتصويرها على النحو الذي قامت عليه المسرحية في زمن يسبق وقوع الحرب، مقارنة بالمسرحية الأصلية التي تجري أحداثها في زمن كانت الحرب مستمرةً فيه منذ عقدين ونصف، وكلا الطرفين ماض في إدارة فصولها. ولو قدمت مسرحية الرملي خلال الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت ثمانية أعوام، لأمكن استساغتها الى حد ما بعد إجراء تعديلات عليها.
محاكمة صدام
تتألف هذه المسرحية الهزلية الساخرة، التي ألفها وأخرجها الدكتور الشيخ جعفر الباقري (متخصص في الفكر الإسلامي والفلسفة)، وقدمتها فرقة (الغدير)، التي تضم عددا من الممثلين العراقيين اللاجئين، في عدد من المدن الأسترالية، من ثلاثة فصول، يتناول الفصل الأول اجتماعاً يعقد بين الرئيس العراقي السابق وأعضاء مجلس قيادة الثورة في احدى صالات القصرالجمهوري قبيل سقوط النظام بليلة واحدة، أي يوم 8 أبريل/ نيسان، وهو في أوج مجده، وخاصة بعد خروجه منتصراً من الحرب مع إيران.. ويحتوي هذا الفصل على مشاهد مليئة بالمواقف الكاريكاتورية التي تبرز شخصية الرئيس المخلوع وسطوته وبطشه، وتشدد الحوارات، في أحيان كثيرة، على الفضائع التي ارتكبها بحق شعبه على اختلاف أعراقه وأديانه، وتكشف عن المواقف المتصلبة التي كان يتصف بها وهو في قمة الهرم، والآمرالناهي، والزعيم المطاع، وقد تجلى ذلك في تعامله الفظ مع وزرائه ومستشاريه بطريقة فوقية لا حدود لها تعكس نفسية المتسلطة على الآخرين بشكل بدا فيه هؤلاء الوزراء والمستشارون وكأنهم دمى تقف عندما يطلب هو منها أن تقف، وتتكلم عندما يطلب هو منها أن تتكلم، وتصمت عندما يأمرها هو أن تصمت. ويصور الفصل الثاني الرئيس السابق وهو مختبئ في حفرته، وقد أرخى لحيته الكثة الرمادية، وغطى رأسه بكوفية يخفي بها وجهه خوفاً من أن يراه أحد، وينام في فراش ملقى على أرض الحفرة، وبدا خائفاً يرتعد لمجرد سماع صوت أو حركة مفاجئة ، ويحاول أن يحتمي، أو يختبئ تحت طاولة أو خلف ستار، مستعطفاً حماية أفراد بسطاء وفروا له الملجأ طمعاً في الحصول على الدولارات التي كان يحملها في كيس من الخيش. وتتخلل هذا الفصل، أيضاً، مواقف هزلية في أثناء زيارة بعض الرفيقات الحزبيات له لتعزيته بمقتل ولديه ، وخاصة حينما ينقلب العزاء الى مظاهر من الشماتة والتشفي بالمصير الذي آل إليه مصيرالرئيس. أما الفصل الثالث فهو يصور مشهد محاكمته أمام محكمة الشعب وضمير العراقيين.. المحكمة مؤلفة من قاضٍ ومستشارين، وهيئة الدفاع تتكون من محام هو من رجال العهد السابق، وبعض المرتزقة والمتطرفين الذين يحاولون تبرير جرائمه، ويفتون بمشروعية قطع رقاب الناس، وإباحة دماء الأبرياء، واختطاف الرهائن. وقد وضع المتهم في قفص الإتهام، وهو يتصرف وكأنه لا يزال الحاكم الآمر الناهي، ويتحدث بعنجهية، على الرغم من كل ما أصابه من مهانة وإذلال.. ويتناوب أعضاء الادعاء على الكلام، فيعرض كل منهم باقتضاب التهم الموجهة ضد المتهم، مع تقديم الشهود، وهم من ضحاياه، فينبري ممثلو الدفاع لتسويغ ما ارتكبه المتهم من جرائم بأقوال وفتاوى تنم عن تزمّت وتعصّب واستخفاف بقيمة الإنسان وكرامته وحقوقه، بيد أن أحد ممثلي الإدعاء يرد عليهم داحضاً حججهم الباطلة.. وهكذا تستمر المحاكمة بين مد وجزر، متضمنةً مواقف هزلية وطرب وتصفيق يشترك فيها جميع أعضاء هيئة الدفاع والمتهم نفسه، وحين يتدخل رئيس المحكمة، في نهاية كل موقف هزلي، لفرض النظام في المحكمة، لا يجد من يسمعه أو يرد عليه (5)!! ويتضح من سياق عرض الفصول الثلاثة للمسرحية أنها قد اقتربت في صياغتها، نصاً وأداءً وإخراجاً، الى أسلوب مسرح الكباريه السياسي، على الرغم من أنها تدور حول قضية هي من أخطر قضايا العصر.
الإحالات:
(1) ينظر: تقرير وكالة رويتر المنشور في جريدة (الوطن) العمانية، 9 /9/ 2003. وموقع (السي إن إن) الالكتروني العربي، 2/9/ 2003.
(2) ينظر: جريدة (الوسط) البحرينية اليومية، 9/1/2005.
(3) ينظر: مقال كاترين مرتشيانو عن المسرحية في موقع (ميدل ايست اونلاين) الالكتروني، 2/11/ 2004.
(4) ينظر: سيد محمود، " لينين الرملي يعود الى المسرح من طريق العراق"، جريدة الحياة، لندن، 17/12/
2004 .وكذلك: مقال " سلام النساء: مسرحية ضد الحرب في العراق" في موقع (موجة) الالكتروني، د. ت.
(5) ينظر: كرار المنصوري، " محاكمة صدام.. أضخم عمل مسرحي عربي في استراليا" في موقع (المسرح دوت كوم) الالكتروني، عدد يناير 2005.