مسرح إيلاف

مردوخ.. قصيدة الجسد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إنها لعبة ذكية أن يسعى الفنان لتتويج الجسد و الصمت كآلهة مطلقة عبر أدواته الإنسانية البسيطة، لعبة مليئة بالمفارقات بدءاً من التسمية و وصولاً إلى الفعل. الحديث هنا طبعاً يتناول فرقة "مردوخ" المسرحية وهي فرقة مسرحية عراقية جريئة اختارت أكثر الطرق صعوبة لطرح ما تملكه من أفكار تنطلق من ذات الإنسان المعذب والساقط تحت حد قسوة الحياة. حين تتعرف على هذه الفرقة تشعر بأنك أمام قصيدة مرئية يجب تفكيكها، فهي تعتمد على الرقص الدرامي الحديث والمدروس بشكل عميق كمعادل موضوعي للنص المكتوب، فالجسد هنا يحل مكان الكلمة، لربما لأن اللغة أصبحت عاجزة عن التعبير عن المعاناة و بات من الأفضل أن نستبدلها بلغة الصمت والجسد الراقص. لطالما آمنت بأن الجسد بحد ذاته قصيدة، لكنني لم أعرف أن هنالك من يستطيع ممارسة هذه الفكرة كفعل منفصل وبشكل متمرس، " مردوخ " مزج أنتلوجي لأنك ترى في أعمالهم أرضاً كونية، فأعضاء الفرقة يتعاملون مع الجسد بدراية ذكية عبر اليوغا و الأكروباتك و يطلعون على أساليب الرقص العالمية، خاصة تلك المدفونة والمغيبة من ذاكرة الشعوب الشرقية، و قد قدموا بذلك الصدد عدة أعمال من المسرح الصامت الراقص، يمكن اعتبارها من أهم أعمال المسرح العراقي التي عبرت عن معاناة الإنسان العراقي الذي فُرض عليه الصمت والموت فترة التعسف الصدامي والذي قابله تعسف عالمي مسمى بـ " الحصار".
عدا ذلك اهتمت هذه الفرقة بشكل خاص بـ الميثولوجيا سواء عبر اختيار اسم الفرقة "مردوخ – إله الآلهة" معبرة بذلك أن هذا الإله لقب للصمت – سيد الحياة، وقد تكرر هذا الاهتمام الميثولوجي في عدة أعمال : كَلكَامش – صراع الإله – نار من السماء - أسطورة الإله زوو. من جهة أخرى تحدثت الفرقة عن خطها المسرحي بخصوصية لافتة، فهي فرقة تضع أعمالها بمثابة منطقة مشتركة بينها وبين المشاهد، تمنحه أفكارها وتنسج معه الرؤية عبر الخيال وكسر الإيهام النسبي و الفضاء السينمائي، إنهم يتكئون على الإرث العالمي من بالية كلاسيكي و رقص درامي و الفن الإيمائي و غيره لتتخذ طابعاً خاصاً، إنني لا أرى في هذه الفرقة فرقةً مسرحيةً فقط، بل هي فرقة تؤمن بوحدة الفنون ترفع الفكرة الإنسانية بصمتها و من جهة أخرى تجد في ديكورات أعمالها لوحات تشكيلية، أما الموسيقى المصاحبة التي تصبح بمثابة النص المسرحي الذي يقرأه الممثل الراقص فهي مجرد دلالة على ذائقة مغايرة يتميز بها مخرج العمل – الفنان علي طالب، فموسيقى Era التي استخدمها في عرض "عطيل" تترك في روحي الدهشة، تتكون مردوخ من 17 ممثل وراقص يحترفون لغة الجسد بشكل أكاديمي و يتركون لأرواحهم أن تقود أجسادهم عبر الموسيقى.لربما من اللافت أيضاً أن هذه الفرقة التي تأسست في عام 2000 اتجهت لتقديم عمل جماعي بديلاً عن العمل الفردي و هو ما يزيد الأمر صعوبة، فالفكرة هنا لا ينفذها جسد واحد بل عشرات الأجساد التي كما يبدو يجب أن تتماهى فيما بينها بحيث لا يصيب العمل أي حالة انشطار مؤذية، فقد اختار مؤسس الفرقة
"علي طالب"أن يتلقى جسد الراقص تدريباً مرناً يحوله إلى كائن يستوعب الموسيقى والرقص و الديكور والمساحات الضوئية المدهشة من حوله.
يُذكر أن فرقة مردوخ شاركت في عدة مهرجانات محلية و عالمية منها : "نار من السماء" في فرنسا 2001، وهي مسرحية قاتمة تعبر عن الجحيم وعلاقة الخير و الشر أو الصراع الأزلي بينهما منذ بداية الخلق، وهي تملك كماً كبيراً من السوداوية التي يواجهها البشر في الواقع المر، كما قدمت في مهرجان الوفاء في البصرة و مهرجان المربد ومهرجان يوم الفن ومهرجان المسرح التجريبي في مصر عام 2002، و قد جعل هذا العرض الجمهور يصفق على مدى ساعة كاملة، فقد ذكرهم العرض بالإيقاع الرائع لفيلم ( باريس و الآخرون ) للمخرج الفرنسي كلود ليلوش الذي اعتمد على موسيقى ( البوليرا ) لرافيل. " أسطورة الإله زوو " 2002 في مهرجان بابل الدولي – العراق، و " ليطع الشيطان " 2003 بعد سقوط النظام في العراق و شاركت أيضاً في مهرجان ( هامادان ) في كوريا 2003 و أعمال أخرى : دكتاتور - ليلى - أشنع الخطايا - صراع الإله – كَلكَامش - عطيل.

http://mona0.jeeran.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف