ترجمة عربية لـزورق من الورق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
زورق من الورق: كل واحد منا يرجع ليبدأ من جديد
صالح حسن فارس-أمستردام: "غالباً مانقول أن الحياة هي عبارة عن رحلة، مسيرة فردية ليس بالضرورة أن تتصف بتغيرات المكان. فالأحداث ومرور الزمن هما اللذان يغيران الشخص". بهذه الكلمات أفتـتح الكاتب والمخرج المسرحي الايطالي المقيم في الدنمارك (ايوجينو باربا) كتابه "زورق من الورق.. عرض المبادئ العامة لأنثربولوجية المسرح"، الذي ترجمه إلى العربية الدكتور (قاسم بياتلي() وصدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 310 صفحات من القطع المتوسط،.
بحس شعري ممتع وموضوعية رصينة سلط الكتاب الضوء على أهم المبادئ الفكرية والتجارب الميدانية التي تدخل ضمن "انثربولوجية المسرح" التي بدأ "باربا" البحث فيها منذ أن أسس "مدرسته العالمية للمسرح الانثربولوجي" وما حدث وما جرى في تلك المسيرة المسرحية التي ظهرت بداياتها في كتاب "مسيرة المعاكسين" الذي لا يقل أهمية عن هذا الكتاب بل إنّ (زورق من الورق) أمتداد له مع إضاءات مسرحية جديدة في تجليات واضحة طرحها المؤلف في كتابه هذا وبصياغة شعرية جديدة عودنا عليها في مؤلفاته السابقه وبعناوين شعرية أشبه ماتكون عناوين قصائد.
الكتاب هو دراسة في أصول فن الممثل من الداخل وليس دراسة حول الممثل. ينطلق من رؤية الممثل المعني بالشأن من خلال كلامه وتقديمه البراهين حول عمله وتحليل السلوك المشهدي للممثل ودراسة تكنيك الممثل والتطبيقات العملية في المسرح، وكيف يكشف الممثل حياته على الخشبة للمتفرج. وكذلك البحث عن الهوية الشخصية (الفردية) والمهنية.
يتضمن الكتاب ثمانية فصول بعد تمهيد للمؤلف: (أصل نشأة أنثربولوجية المسرح) (تحديد) (مبادئ تتكرر) (ملاحظات ونقاط للحائرين"ولنفسي") (الطاقة، أوبالاحرى الفكر) (الجسد الممتد.. نقاط حول البحث عن المغزى) (ماهو المسرح؟ هل هو عبارة بناية؟) (زورق: فراشة وحصان) و(حصان من الفضة.. أسبوع من العمل).
ووضح المؤلف معنى الانثروبولوجية المسرحية والفرق بينها وبين الانثربولوجية العامة أو الانثربولوجيا الثقافية، حيث يرى "أن انثربولوجية المسرح هي دراسة السلوك المشهدي (المسرحي) لـ "ماقبل- التعبير"Pre-espresivo الذي يوجد كأساس لمختلف الأجناس والاساليب والأدوار للتقاليد الشخصية والجماعية. ان قاعدة ما قبل- التعبير تشكل المستوى "الاولي- الابتدائي" لتنظيم المسرح. انثربولوجية المسرح هي دراسة حول الممثل ومن أجل الممثل وينبغي ألا يكون هناك نوع من الألتباس:ان انثربولوجية المسرح لاتهتم بكيفية تطبيق مقاييس الأنثربولوجية الثقافية في المسرح أو الرقص. ولاهي تعتني بدراسة ظاهرة العروض في الثقافات التي هي، في المعتاد، موضوع التحري لدى الانثربولوجيين".
وركز الكتاب على قضية مهمة تتلخص في العلاقة بين اليومي المعتاد - والخارج عن المعتاد، وعن البيئة المختلفة التي ينتمي اليها الممثلون، وكيفية توظيف استخدام الجسد في الحياة اليومية المعتادة بشكل مختلف عن توظيفه في حالة العروض، وبطريقة جوهرية. وأكد ذلك من خلال قوله: حيث يكون تكنيك الجسد في المحيط اليومي مشروطاً بثقافة معينة، وبظروف اجتماعية وبالمهنة. بينما في حالة العرض هناك نوع من التكنيك المختلف للجسد. فالثقافات المختلفة لها تكنيكات جسدية مختلفة. وحسب المؤلف هناك ثلاثة أنواع من التكنيك الخارج عن - المعتاد، المختلفة عن التكنيك الجسدي الذي نستخدمه في الحياة اليومية( الالية)، المعتادة، والتي ندعوها بالتلقائية- والطبيعية، بينما هي حبيسة المشروطات التربوية والمحيط. التكنيك المعتاد يهدف الى الابلاغ، وهناك تكنيك معتاد يهدف إلى الابهار- مثل الاكروباتيك- وتكنيك ينحو بالجسد إلى التسامي في المهارات الفائقة - مثل البالية، لكن التكنيك الخارج عن - المعتاد يهدف إلى وضع- الجسد في شكل، جسد "طبيعة ثانية" فجسد الابهار وجسد المهارات الفائقة يميلان إلى الابتعاد عن الواقع، بينما "جسد الطبيعة الثانية" لاينقطع كلياً عن الواقع، لاينفصل عنه، وهو الوحيد الذي له علاقة بمفهوم ما قبل - التعبير بشكل مباشر، وله حياة عضوية مشهدية تنمو منها المقاصد والمغزى.
واخيرا يأخذنا المؤلف بزورقه الورقي في طريق وعر وملتو حيث يقول: "وأحيانا يكون الطريق الأقصر مابين نقطتين هو نوع من (الارابيسك) الالتواء لاثار طريق تركه الزورق في تيار المياه، ان الزورق هو هذا الكتاب، أما التيار فهو المادة المتحركة للعديد من المسارح والممثلين العاملين فيها، والتجارب، والذكريات. ويسير الزورق بخطوط ملتوية ولكن بموجب طريقة (Metodo) معينة."
حين تضيق مساحة الحياة يطلق "باربا" اشرعته المسرحية ويبحر في زورقه الورقي في عمق البحر متحديا الصعاب باتجاه المجهول. في محاولة للهروب من ضجيج اليابسة الى ضفاف البحر للامساك بما تبقى في عمق المياه من ذكريات وتجارب فنية وشخصية محض، ولقد نجح حين أغرانا بدخول زورقه الورقي السميك الذي لا يبتل، صعدنا الزورق بكل هدوء وحذر كي لا نقلق قائد الرحلة، ودخلنا معه في عوالم جديدة، ومدن وأمكنه وأسماء، مسرحيات، فنانين، في بحر خال من عواصف هوجاء، انتهت الرحلة بنا على شواطئ الحياة من جديد. وفي نهاية الرحلة يُرسي باربا مركبه الورقي على الشاطئ يتنهد قائلا: "يمكنني أن أقول لكم فقط: استخدموا عدم وضوح التوجه من أجل الكشف عن وجهكم المخبأ وراء قناع الرقص. لاتنسوا: ينبغي أن يدفع عملكم وحضوركم إلى جذب شخص اخر يقع في "حبكم". لقد بلغنا النهاية، وكل واحد منا يرجع ليبدأ من جديد."
ختاما فبهذه الترجمة رفد الفنان المسرحي والمترجم العراقي "قاسم بياتلي" المكتبة المسرحية العربية بكتاب اخر عن تجربة المخرج العالمي ايوجينو باربا بعد أن ترجم له سابقا ( مسيرة المعاكسين).