مسرح إيلاف

حياة إيديث بياف حدثا مسرحيا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"لست آسفة على شيء"!
"إن صوت إديث بياف أشبه بعاصفة من عقيق"(جان كوكتو)

"سيقال عني الكثير حين أغادر هذا العالم، لكن لا أحد سيعرف أيّ إنسان كنتْ!"(مقطع مجتزىء من آخر حديث للمغنية الفرنسية بياف وهي على فراش الموت)

ليس بإمكان أحد سبر أغوار ذلك الطائر الليلي دون الأصغاء لأشجانه، ولا يمكن لأحد أن يدرك أي إنسان كانت إديث بياف ما لم يتابع ظل تلك الفتاة الصغيرة الهزيلة والقصيرة بردائها الأسود وهي تجوب مساءات شوارع باريس كأنها حارس ليلي، تدندن سكرى بأناشيدها العذبة والحزينة.ُترى من هي تلك المرأة الصغيرة البسيطة الشكسة ذات الجسد الهش والصوت اللازوردي؟

***
في 11 أكتوبر من عام 1963 رحلت عنا إديث بياف، وهو نفس اليوم الذي رحل فيه صديقها الشاعر الفرنسي جان كوكتو، الذي علق يومها لحظة سماعه بموتها في ذلك الصباح الأوكتوبري قائلاً: "آه.. ماذا؟ ماتت بياف!؟ محتمل جداً إذاً أن أموت أنا أيضاً ". وقد تحققت نبوءته تلك فعلاً، فبعد سبع ساعات تماماً توفي كوكتو إثر سكتة قلبية!!.

ولدت إديث بياف عام 1915 تحت عمود نور في أحد أزقة باريس الفقيرة وكان إسمها الحقيقي إديث جيوفانة كَاشن. والدتها كانت مغنية شارع ووالدها أوكروبات جوّال. هجرتها لأم وهي ما زالت طفلة فترعرعت في أحضان جّدتها التي كانت تدير مبغىً في نورماندي شمال فرنسا. لكنها لم تستطع مقاومة حنينها إلى باريس وهو ما دفعها إلى مغادرة جدتها والعودة إلى العاصمة للعيش مع والدها الكحولي لفترة قصيرة والعمل معه في تجواله المتواصل تحمل قبعة تجمع له فيها النقود من السابلة.
غادرت والدها فيما بعد وكان عمرها أنذاك ستة عشر عاماً، متتبعة خطى والدتها لتصبح مغنية في شوارع باريس بصحبة صديقتها سيمون بيرتو، حيث كانتا تقدمان سوية أغان عاطفية ثنائية مشتركة في الحانات والمقاهي والطرقات.. وسيمون تلك، ستصبح فيما بعد رفيقتها الروحية لوقت طويل.
في عام 1935 يعجب صاحب نادٍ ليلي إسمه لويس ليبلي بصوت بياف مقترحاً عليها الغناء في ناديه كل مساء، ولويس ليبلي هذا هو من سيطلق عليها فيما بعد إسم بياف، أي العصفور. الأسم الذي سيظل مرافقاً لها حتى وفاتها.
من هناك، من ذلك النادي الليلي الصاخب هبت عاصفة العقيق ففتحت باريس سمائها لأحتواء عصفور النار هذا وقد تحرّر تواّ من سجون عتمته الخانقة ليملأ دنيانا غناءاً وضياءاً وجمال.
هكذا وفي سن العشرين ربيعاً ومضَ بريقها في الوسطين الشعبي والثقافي على حد سواء، متزامناً وألق أسماء مضيئة في عالم الفكر والأدب والفن لعل أكثرهم بريقاً جان بول سارتر و ألبير كامو وكوكتو وشاغال وآخرون. في تلك الفترة تعرفت بياف على الشاعر جان كوكتو، الذي سيصبح الصديق القريب والحميم لها، والذي سيكرّس كتابة مسرحيته الشهيرة " اللامبالي الجميل " خصيصاً لها.
وقد تعرفت في ذات الفترة أيضاً على شخصيات شهيرة كالممثل موريس تشيفالير والشاعر جاكويس بورغيت وآخرون. هذا المناخ الفني والشعري ترك بصماته عليها فصارت بياف وكوكتو كتب الكثير من أشعار أغانيها، وتشارك الموسيقيين ألحان معظم تلك الأغاني. أما الشيء الآخر الأجمل والأنبل في شخصية بياف فهو حميميتها في رعاية المواهب الغنائية والموسيقية الشابة أنذاك، فقد كانت هي وراء بزوغ ألق المغني الشاب تشارلس أزنافور الذي مّدت له يد العون حيث كانت تصطحبه معها في جل ترحالها الدائم في باريس وأوربا وأمريكا. كذلك الحال مع مونتاندس وبيكود وغيرهم كثيرون. إلا أن ضياء أوربا وبريقها سيخبوان على إيقاع طبول الحرب، فهاهي الحرب العالمية الثانية تدق على الأبواب وهاهي إديث بياف مثل طير شريد تتجول في الجبهات تصدح بأغانيها وسط دخان الموت لتخفف بعضاً من أحزان الجنود وأوجاعهم.
تنتهي الحرب لتواصل بياف تجوالها الذي سيتخطى تخوم أوربا ليصل أمريكا، هناك سيذيع صيتها ليمتد إلى كل الأرجاء، فيكثر حينها معجبوها وعشاقها، وستغمرها الأضواء من جديد، تلك الأيام التي كانت تعج بالبهجة والحب.. والدموع أيضاً. ومع ذلك، ورغم كل ذلك ضياء، لم تنس بياف شجن سنوات العتمة والجوع، فعن ذلك كتبت تقول:
" لقد كنت جائعة ولا مبالية، نعم، لكنني كنت حّرة أيضاً.. حّرة في أن أستيقظ متى اشاء، وحرة متى آوي إلى الفراش.. حرة أن أشرب إن أحببت، وحرة أن آمل.. وحرة أن أحلم.. ".
عشقها الكثير من الرجال وعشقت هي البعض منهم، إلا أنها لم تكن مخلصة لأحد، ربما بإستثناء علاقة واحدة عابرة وقصيرة لكنها صادقة وحميمية تلك التي ربطتها بالملاكم العالمي مارسيل سيردان الذي مات فجأة عام 1949 إثر سقوط الطيارة التي كانت تقله إلى أمريكا. تلك الميتة التي ستترك جرحاً غائراً في روحها لوقت طويل، والتي ستجعلها تلجأ إلى تعاطي الكحول والمخدرات عزاء تطفىء من خلاله شجنها وفجيعتها بذلك الفقدان. بعدها يأتي حادث السيارة الذي تعرضت له عام 1951 ليضاعف من سوداويتها وتبدد عافيتها وشل حركتها ونشاطها الإبداعي لفترة غير قليلة. تزوجت بياف مرتين، كانت زيجتها الأولى عام 1952 من المغني جاكويس بيلز، تلك الزيجة التي لم تدم سوى سنوات أربع. أما زيجتها الثانية فقد إقترنت بالحلاق ثيوبانس لامبوكاس الذي كان يصغرها بعقدين! والذي تحول فيما بعد مغنياً وممثلاً، وقد تزوجا قبل عام واحد فقط من وفاتها

بياف بين بام جيمس وبيتر هول
إلى جانب كاريل تشرتشل تعتبر الكاتبة البريطانية بام جيمس (*) واحدة من أبرز الكاتبات في ميدان الدراما النسوية البريطانية المعاصرة، فهي قد ولجت ميدان الكتابة في وقت

بام جيمس

تأخر من عمرها، في عقدها الرابع على وجه التحديد، وذلك بسبب نشاطها الملحوظ كعضو بارز في الحركة النسوية البريطانية أنذاك. تتمحور جّل مسرحيات جيمس حول ثيمة المرأة، ليس فقط كونها مصدراً للخصب والعطاء والأمومة والحب، بل لأنها أيضاً كائن إنساني يبحث عن مغزى لوجوده في مجتمع ذكوري غاية في القسوة والتعقيد. لقد عثرت تلك الثيمة ترجيعاتها في معالجات مختلفة عّدة: فمسرحيتها " السمكة الميتة " مثلاً عالجت مصائر فتيات الأقاليم القادمات إلى لندن بحثاً عن العمل، وهي تعكس صور المعاناة المريرة التي كنّ يواجهنها تحت الظروف القاسية للعاصمة لندن. أما في مسرحياتها "مصيبتي" و "بعد عيد الميلاد" و"المغازلة الودية لفينوس والمنقار الوحشي" فقد عكست جيمس تلك المواجهات غير المتكافئة ما بين النساء والرجال في ميادين إنسانية يومية كعلاقات الحب والزواج والأمومة. لقد إستطاعت جيمس التعبير عن الكثير من ثيماتها بإستخدامها البارع والفطن لتقنية البورتريه المسرحي، فقد ضّمنت إطاره خزين تلك الطاقات الكامنة عند المرأة ومن خلال نماذج نسوية شهيرة أمثال " كاميليا " التي إقتبست شخصيتها عن رواية الكسندر ديماس، أو مغنية النادي الليلي البرليني لولو في مسرحيتها " الملاك الأزرق " المقتبسة عن رواية هنريش مان (البرفيسور رايت).
أما " بياف " فهو البورتريه الأكثر نضجاً وتكاملاً من بين الجميع، والذي صّورت من خلاله القصة الغرائبية الرومانتيكية الحزينة والمدهشة لحياة هذه الفنانة المعجزة التي دوتّ أصداء أغانيها في كل أرجاء الدنيا في ثلاثينات القرن الماضي.
لقد أنجزت جيمس هذه المسرحية عام 1978 وكانت يومها قد ظهرت على خشبات المسرح البريطاني أكثر من مرة، ولعل أكثرها ألقاً، العرض الأول الذي ظهر في نفس العام والذي لعبت فيه الممثلة والمغنية جان لابويتر دور بياف، المغنية التي عثر عليها المخرج البريطاني هاورد دافيز عن طريق الصدفة، حين كانت تنشد أغاني بياف بالفرنسية في إحدى محطات قطار الأنفاق اللندنية "محطة أكسفورد سيركس". يومها إنتزعت جان لابويتر وبجدارة جائزة افضل ممثلة ومغنية بريطانية لذلك العام. أما العرض الذي تولى إخراجه السير بيتر هول فقد أسند الدور إلى الممثلة البريطانية الموهوبة والمغنية العذبة إيلين بيج.(**) لم تكتف جيمس بكل ذلك بل راحت تتابع بحثها عن شخصياتها النسوية في نصوص شهيرة أخرى ولكن بمعالجات جديدة ومبتكرة. فقد قامت على سبيل المثال بإعداد مسرحيات شهيرة مثل "الأشباح" و"حورية البحر" و"بيت الدمية" و"إمرأة من البحر" للكاتب النرويجي هنريك إبسن، أو "الخال فانيا" و"بستان الكرز" و"طائر البحر" لتشيخوف، كذلك مسرحية "يرما" للوركا، ومسرحيات وروايات وقصص كثيرة أخرى.(*) ليس هذا حسب، بل أن ثيمة المرأة تلك وجدت لها تعبيراً ساطعاً أيضاً في روايتين ضخمتين أنجزتهما جيمس بين عام 1989 وعام 1990 هما " السيدة فرامبتون " وتكملتها "الرحلة السعيدة للسيدة فرامبتون" وهذه الأخيرة قد حّولت في أسبانيا إلى فيلم سينمائي حمل إسم "Expresso/Fortunata"

المعالجة الدرامية
لم تتابع جيمس في هذا البورتريه السيرة الوثائقية بكل تفاصيلها، بل إسّتلت منها الجانب الذي يتعلق بحياة بياف كإنسانة أولاً ومن ثم مغنية، تلك المرحلة التي تبتدأ منذ ثلاثينات القرن الماضي وتنتهي بوفاتها عام 1963، أي إبتداءً من مرحلة التشرد والبغاء وغناء الشارع مروراً ببزوغ نجمها في عالم الغناء وصولاً إلى موتها المفجع والمفاجىء وهي في أوج ألقها وشهرتها.
إن روحاً قلقة كروح بياف، ماهي إلا صورة لطاقتها القصوى ورغباتها العاصفة التي ليس بمقدور أيّ راهن أن يحتويهما، لذا سيصبح وجودها من هذه الوجهة وجوداً مجازياً، وهكذا كانت هي حياة بياف حقاً وهكذا كان رحيلها المبكر أيضاً. لقد أظهرت المعالجة الدرامية شخصية بياف وهي منشطرة بين عالمين متعارضين، عالم العتمة وعالم الضوء.
الشيء الجوهري الذي أبرزته جيمس إلى السطح في هذا البورتريه هو ضياع هذا الطائر بين كلا الفضائين، لإفتقاده الطمأنينة والحب. هذا الضياع الذي سيعثر على عزائه الحقيقي في فضاء ثالث هو الغناء والغناء وحده.
واضح جداً أن جيمس تتعاطف وتحنو كثيراً على بطلتها حين تظهرها ضحية لعالمين يكاد يكون الرجل فيهما هو السيد المهيمن والمنتفع بشكل شره من نبع تلك الموهبة التي هي بدون شك تمثل المعادل الحقيقي لكينونة بياف وإنسانيتها. ومع ذلك لاتترك المؤلفة بطلتها ضحية هشة جاهزة للأفتراس، بل تفتح أمامها طريقاً سالكاً لخيار آخر، إنه الفضاء الثالث، المنطقة المقدسة والمحرمة والتي لن يدخلها أحد بيسر، نعم، إنها مملكتها الخاصة بها تلك المتجلية ببهاء موهبتها وجلال صوتها.
بهذه المعالجة الواثقة والحميمة تكون جيمس قد إجتازت حدود وثائقية الحدث وواقعيته لتدخلنا إلى فضاء المجاز، هناك حيث العناق الحميم ما بين القلب والحنجرة، بين جمال الطبيعة وعذوبة الروح، الذي هو وحده حقاً من يفتح آفاقاً رحبة للطيران.
تقول بام جيمس: "... إن العمل التوثيقي لشخصية شهيرة مثل بياف يفترض ويقتضي عرض الواقع بعتمته وضيائه. لذا حين باشرنا في كتابة المسرحية كنا ندرك جيداً أننا ندخل المنطقة الخطيرة للفن. ومع ذلك، فالثمرة الطيبة التي جنيناها من رحلتنا تلك أننا إستطعنا أن نوّظف الواقع كمجاز لا أكثر، أما الجوهري في عملنا، فهو إضاءة الركن الذي تقبع فيه الروح اللائبة لذلك الطائر الصغير المدعو بياف.".

الرؤية الأخراجية
لجأ بيتر هول إلى توظيف جل حوارات ومونولوغات النص كي تستجيب لمقتضيات الشكل الموسيقي الغنائي للعرض، فبإختزاله الفطن لتلك الحوارات إستطاع أن يجعل العنصر بيتر هول لغنائي للثيمة يحتل المقام الأول بإعتبار أنه يشكّل العصب الرئيس لما يسمى بالدراما الموسيقية. بمعنى آخر، وظف هول ذلك المختزل من الحوارات والمنولوغات تلك لتكون بمثابة مداخل أو مخارج مونتاجية تتحكم بتسلسل وتدرج الأغاني من جهة وُتخضع من جهة أخرى الأيقاع العام للأحداث الدرامية لأيقاع خاص بتلك الثيمة الموسيقية.
من هنا تصبح الأغنية بمثابة إستجابة مجازية لحدث واقعي يجري التعبير عنه بإسلوب المونولوغ الداخلي. يمكن القول بكلمة أخرى أن خشبة المسرح قد إنشطرت إلى واقع ومجاز، عالمين متجاورين ومنفصلين في ذات الوقت. لقد إستطاع السير بيتر هول أن يعثر على مفتاح شخصية بياف عبر الغوص في دلالات أغانيها، وسحر صوتها، ذلك الصوت الذي كان يضيىء عتمة روحها، عاكساً عبر مراياه رحلتها العاصفة والمأساوية تلك. الأطار الخاص الذي وضع المخرج صورة بطلته فيه إستعاره من طفولة قاسية كانت تفتقد دفء حنان ذوي القربى، ومن مراهقة متهتكة داعرة سائبة، إلى ألق مفاجئ مدهش ومقلق، وأخيراً من موت وغياب قبل الأوان.
الأطار الأوسع الذي إحتوى صورة بياف تضمن عالمين متجاورين إلا أنهما ليسا متناغمين، أحدهما فني جمالي بحت يحمل صفة أنثوية، والآخر ذكوري يتناوشه النهم والقسوة والعنف والمال. إنه تضاد بين العتمة والضوء، بين العطاء والأخذ، بين الحلم والواقع.
لقد أظهر بيتر هول بياف أشبه بزهرة نبتت وسط قمامة. ففي اللحظة التي تبدأ فيها الغناء تتلاشى تماماً الصورة البشعة والمقززة التي عاشتها بياف في ماضيها.
لم ينسَ المخرج أيضاً من أن يضيء وثائقية الأحداث كنوع من الباكَراوند التوثيقي لحياة بطلته ولا سيما ذلك المتعلق بنوعية الناس الذين كانوا يحيطون بياف، أعني النساء والرجال الذين رافقوها رحلتها الفنية الشاقة والعذبة. فقد أضاء شخصية صديقتها تونيا التي عاشت وأياها سنوات التشرد والبغاء وأغاني الشوارع الليلية وتعاطي المخدرات(لعبت الدور الممثلة وندي مورغان)، كذلك المغنية الأمريكية الزنجية جوزفين التي لازمتها في باريس ورحلاتها إلى نيويورك، والتي كانت يومها بمثابة الجسر الذي ربط بينها وبين عشيقها الملاكم العالمي مارسيل سيردان وقد لعبت دورها (المغنية والممثلة البريطانية داون هوب). أما الشخصيات الرجالية من عشاق وموسيقيين ومغنين ورجال أعمال وأصحاب نواد ليلية الخ.. فقد إظهرهم العرض أشبه بدمى تتقافز هنا وهناك أو ظلال تتخاطف من وراء الكواليس. الشيء الذي وحدّ ما بين معالجة بام جيمس ورؤية بيتر هول هو أنهما إظهرا سيرة بياف من خلال عيون بياف نفسها، فكل فعل يحدث على خشبة المسرح كان مصدره ذاكرتها الذاتية الخصبة وهي تستدعي الأحداث التي عاشتها، معبّراً عنها بوسيط غنائي هو بمثابة إستجابة ذاتية لتلك الأحداث.
الممثلة والمغنية ألين بيج التي لعبت دور بياف كانت قد إجتازت أكثر من إمتحان قبل الشروع في لعب هذا الدور العسير والشيق، فأدوارها الموسيقية والغنائية السابقة أثبتت ألين بيج بدور بياف نى طاقتها الغنائية والتمثيلية على حد سواء، كدورها الشهير كَريزابيلا في أوبرا " القطط" لأندريو لويد ويبر الذي لعبته عام 1981 والذي ميّزها بنحو خاص على أنها أول ممثلة تقوم بإداء أغان كلاسيكية على خشبة المسرح البريطاني. وقد لعبت أيضاً أدواراً هامة أسهمت في صقل موهبتها في الوقوف على خشبة المسرح كمغنية وممثلة في آن، كدور إيفا بيرون في مسرحية " أفيتا " لنفس الكاتب، ودور فلورنس في مسرحية " لعبة الشطرنج" ومسرحيات أخرى، فضلاً عن تجربتها المشتركة السابقة مع بيتر هول ذاته في أعمال مسرحية أمثال " عدو الشعب" لهنريك إبسن ودور أنجيلا في مسرحية " هناك حيث تكون الرغبة ". هذه الممثلة برنين حنجرتها الصافية ونطقها الفرنسية بطلاقة شاعرية وإجادتها محاكاة أغاني بياف على وجه الحصر، مضافاً إليه الشبه المدهش بين الأثنين ولاسيما دورة الوجه تلك وقصر القامة، والحساسية المرهفة في أداء تلك الأغاني، كله أسهم دون شك في تقريب الصورة ما بين الفنانتين، خلق لدينا إيحائاً ووهماً جميلين هو أننا في حضرة بياف نفسها حقاً!. العناصر الفنية والتقنية من ديكور وملابس وشكل طاقم العازفين، ساهمت هي الأخرى في إعادة خلق طراز حياة باريس النصف الثاني من القرن الماضي، ذاك الذي عكس مزاج ومناخ الفترة التي عاشت في فضائها إديث بياف.
لابد من القول هنا أن الفرقة الموسيقية التي كان يقودها الموسيقار لاوري هالواي لعبت دوراً أساسياً وحاسماً في التحكم بإيقاع عرض موسيقي غنائي كبير كهذا، طوال ساعتين دون إحداث ثغرة في مسار تطور الأحداث الدرامية للنص.
ربما القراءة الأكثر مجازاً في رؤية المخرج هو مشهد الختام، أعني مشهد موت بياف، فقد أظهره بيتر هول بشكل يكاد يتماهى و صورة الأنبعاث، فهو لم يميت بطلته، بل وّجه نحوها بقعة ضوء زرقاء وهي مستلقية على سرير الموت بعد أن أطفأ أضواء المسرح جميعاً وتبع ذلك بفترة صمت طويل، لكنه صمت مفعم بالرهبة والحزن والتوقعات.
فجأة تفتح كل أضواء القاعة وترتفع الموسيقى عالياً فتستيقظ بياف من غفوتها مبّددة لحظة الصمت الطويلة والحزينة تلك بواحدة من أجمل أغانيها. وهكذا يتحول موتها إلى مجاز لتحيا ثانية في مخيلتنا مدى الدهر.


هامش

(*) بام جيمس (1925)

قائمة بمؤلفاتها

1972 ـ مسرحية Bettyrsquo;s wonderful Christmas
1973 ـ = " مأربتي بعد الميلاد "My warren after birthday
" سارة. بي. ديفينيل " كتابة مشتركة مابين جيمس و توم إيين
1974 ـ = " المغازلة الودية لفينوس والمنقار الوحشي ".
" Go west young man "
1975 ـ =" Up in Sweden "
"الغابات والأنهر " مقتبسة عن مرغريت دوراس.
" Guinevere "
" إسمي روزا لوكسمبورغ "
" آكا، دوسا، سمكة و في" " مأخوذة عن نصها الأصلي "السمكة الميتة ".
" مشروع عمل "
1977 ـ =" الملكة كريستينا "
" Franz into April "
" Ladybird, Ladybird ".
1978 ـ =" بيـاف".
1979 ـ ="ساندرا ".
" الخال فانيا " معالجة جديدة لمسرحية تشيخوف.
1980 ـ = " بيت الدمية " معالجة جديدة لمسرحية إبسن.
1982 ـ =" أمسية منوعات ".
" العمة ماري ".
" الدعوة ".
1984 ـ =" إمرأة محبوبة ".
" كاميليا " مقتبسة عن الكساندر ديماس.
" بستان الكرز " معالجة جديدة لمسرحية إنطون تشيخوف.
1985 ـ =" Pasionaria ".
1986 ـ = " قضية دانتون " إقتباس وإعداد عن ستانسلافا بريزيبسويسكا.
1991 ـ = " الملاك الأزرق " مقتبسة عن رواية هنريش مان (البرفيسور رايت).
1993 ـ = " الأشباح " معالجة جديدة لمسرحية إبسن.
1993 ـ =" يرما " معالجة جديدة لمسرحية لوركا.
1994 ـ =" طائر البحر " معالجة جديدة لمسرحية تشيخوف.
1994 ـ = " إبنة ديبورا ".
1996 ـ =" ستانلي " تتناول حياة الرسام ستانلي سبنسر.
1996 ـ =" مارلين " تتناول حياة الممثلة مارلين ديتريتش في باريس.
1998 ـ =" قصر الثلج ".
2003 ـ =" إمرأة من البحر" معالجة جديدة لمسرحية إبسن.
2004 ـ =" حورية البحر " = = .

(**) الممثلة والمغنية إيلين بيج (1948)

عروضها المسرحية

1964 ـ Smell of the Crowd.
1968 ـ Hair لعبت دور رينو سويني ترايب.
1971 ـ " ربما هي غلطتك ".
1972 ـ روك كارمن. لعبت دور ميشيل.
1973 ـ مسرحية Jesus Christ Superstar بالاس ثياتر.
1974 ـ مسرحية Grease بدور ساندي. و لعبت دور ريتا في مسرحية بيللي. رويال ثياتر.
1981ـ تألقت في دور كَريزابيللا في أوبرا " القطط " التي تحولت إلى فيلم تلفزيوني عام 1998 ولعبت فيه إيلين الدور ذاته، وقد حقق الفديو كاسيت أعلى مبيعات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
1983 ـ مسرحية أباكابادرا لعبت دور كارابوس.
1986 ـ مسرحية لعبة الشطرنج . لعبت دور فلورنس.
1989 ـ مسرحية " كل شيء يمضي " إخراج: جيري زاكس. حازت على جائزة أوليفيه عن أفضل دور.
1987 ـ لعبت دور إيفا بيرون في مسرحية (إيفيتا).
1994ـ1997 لعبت دور " نورما ديسموند " في مسرحية " سانسيت بوليفار " على خشبة مسرح مينكوف. في عرض لندن حصلت على جائزة أوليفيه كأفضل ممثلة في عمل موسيقي.
1998 ـ لعبت دور سيليمين في مسرحية موليير " عدو البشر " مع المخرج بيتر هول، وهو الدور الأول لها كممثلة فقط وليس مغنية.
2000 ـ لعبت في نفس العام دور آنـّـا في مسرحية " الملك وأنا ".
2003 ـ ظهرت مع بيتر هول ثانية في مسرحية "Where Therersquo;s A Will " بدور أنجيلا.
2004 ـ أوبرا Sweeney Todd لعبت دور الآنسة لوفيت.
2005 ـ لعبت دور الآنسة ماربل في الفلم التلفزيوني " الإعلان عن جريمة قتل " المقتبس عن رواية أجاثا كريستي.


لندن
alikamel50@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف