مسرحية مجهول الاقامة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لماذا اشعر ان بيتي مليء برائحة الجرذان الميتة؟
صلاح حسن من لاهاي: تبنت مدينة لاهاي العاصمة السياسية لهولندا، وهي مدينة كوزموبليتيكية بأمتياز، في السنة الماضية مشروعا مسرحيا لاقامة حوار بين الثقافات المختلفة التي تعيش في ظل الثقافة الهولندية. ونظرا للنجاح الذي تحقق في العام الماضي، فقد قررت بلدية العاصمة ان تكررالتجربة هذه السنة ايضا من خلال فرقة - بين فصلين
تقوم فكرة مسرحية " مجهول الاقامة " على ثيمة الانتظار والعزلة، اختان تجاوزتا سن الاربعين احداهما هجرها حبيبها وغادر الى مكان مجهول وهي تنتظر عودته في كل لحظة، بينما تحاول اختها الاخرى اقناعها بنسيان الماضي والخروج الى الحياة من جديد دون جدوى. في عيد ميلاد الاخت المهجورة يحضر زائر طارئ لشرب الشاي مع الاختين (رجل اجوف او رجل من ورق) فتقوم الاخت الصغرى بتقديمه هدية الى اختها المنكوبة بمناسبة ميلادها.
النص واضح ولا يقبل أي تأويل اخر كما هو حال اغلب النصوص المسرحية الهولندية. والكاتبة مونيك كرامر لا تشذ عن هذه القاعدة، فأغلب اعمالها تتناول المرأة وعزلتها وعوالمها الحزينة غير ان ما يميز كرامر عن الكتاب الاخرين هو قناعتها الراسخة بأن المرأة هي السبب الرئيسي في كوارثها الشخصية وان اللوم يقع على المرأة نفسها في عدم البحث عن حلول حقيقية لهذه المشاكل. تقول الكاتبة على لسان احدى شخصياتها (اشم في البيت رائحة جرذان ميتة) دلالة على قذارة الروح والخواء الداخلي والنكوص.
وقد نجح المخرج مجيد شكري بأضفاء لمسة عربية وشرقية على روح العرض حين استخدم موسيقى ورقصات شرقية اعتمدت حركات بسيطة اقرب الى الاختزال والهدوء وتجنبت الايحاءات الايروسية. وكان الحوار برغم فجائعيته سلسا ويوحي بقهر داخلي مكتوم جاء متساوقا مع الحركات البطيئة للممثلين، متجاوزا الفكرة التقليدية عن العربي الذي عادة ما يلجأ الى الصراخ والندب حين تصيبه مصيبة. لقد استخدم المخرج اثناء الاحتفال بعيد المرأة المهجورة كاميرا وتلفزيون لتوثيق الحفلة غير انه لم يفلح في تقديم فعل جمالي يكسر الاطار التقليدي لهذه الاداة التي كان يمكن استثمارها في تقديم جانب غامض من حياة الشخصيات كتسليط الضوء على العالم الداخلي لهذه الشخصيات وحجم المرارة التي تعانيها. غير ان السينوغرافيا اظهرت للمشاهد الجو العام للعرض رغم اختزالها لكثير من التفاصيل غير الضرورية.
يمكننا ان نقول في النهاية ان العرض كان اقرب الى الفرجة المسرحية برغم طابعه التراجيدي، فقد عمد المخرج الى تقديم حكاية ذات ايقاع بطيء ولكن حيوي ومتواتر بمشاركة موسيقى حية يؤديها الممثلون انفسهم مع رقصات تغذي هذه الحكاية وتوصلها الى ذروتها وقد نجح في مسعاه.
مقدمو العرض الذي جرى على قاعة مكتبة لاهاي كلهم غير هولنديين ومن ثقافات مختلفة نيكولا هيرمانس التي ادت شخصية كيتيكا المرأة المهجورة من اصول فرنسية، تميزت بدقة حركاتها وادائها الذي تميز بالعمق والشفافية والصدق وهي عازفة غيتار وذات صوت شجي ظهرت براعته حينما انهت العرض بأغنية معبرة للغاية للفنان البلجيكي المعروف جاك بريل. تاسكين خودابكس التي ادت شخصية سوز الاخت الاصغر من اصول هندية تتمتع بقدرات كبيرة على اظهار المشاعر الداخلية واتساقها مع الافعال الحركية التي تتطلب جهدا نفسيا وجسديا متوازنا. اما شخصية الرجل الاجوف فقدمها الفنان الروسي عازف الكلارنيت خيورخيس دفداريني وهو عازف اكثر من كونه ممثلا ولكنه قدم مع نيكولا موسيقى جاك بريل بطريقة مدهشة .