مسرح إيلاف

عوني كرومي.. لوحة وذكريات

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صالح حسن فارس: عرفتُ الفنان الراحل عوني كرّومي منذُ منتصف الثمانينات وكنتُ حينها طالباً في اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، وقد أثارت شخصيته أهتمامي خصوصا ً في تأثيرها على تكوين وبلورة الشخصية الفنية لطلبة المسرح انذاك، سيما وأن حضوره اليومي كأستاذ ومخرج جعل منه جزءا أساسياً في حياتنا.قبل فترة رحل عوني وظلّت روحهُ حمامه ترفرف على محبيه وأصدقائه الذين رافقوه في كل أيام المنفى. كثيراً ماتساءلتُ عن شخصية عوني والروح التي يعكسها دائماً، كيف تكون وماهي؟ وكيف أصل الى حقيقتها؟ وهل من سبيل إلى سبر أغوارها؟ فرجعت بيّ ذاكرتي إلى الاسابيع الماضية أذ كتب الكثير عن فنانا الراحل حين وفاته، ولكن توقفتُ عند شئ لايشبه ماكتب عنه فقد أستملتُ رسالة الكترونية ومرفقاً معها صورة للفنان عوني. وحين أمعنتُ النظر في اللوحة رأيتُ خلاصة الروح وذروة الشخصية مكثفة بشكل واضح، فعرفتُ بأن خير من يسبر أغوار الروح ويمسك بأطار الشخصية هو الرسام عندما يطلق العنان لفرشاته كي يرسم " موديلاً" حياً.. وهكذا فقد وجد الفنان العراقي أحمد الشرع- الذي يقيم في برلين - جواباً لأسئلة سبق وأن راودتني. وبمناسبة اربعينية الفنان الراحل التقت إيلاف الفنان احمد الشرع وكان هذا الحوار:

*هل تنبأ كرومي بموته في تلك الجلسة التي جمعتكما؟
- نعم فقد قال لي كلنا سنرحل انا وانت ولكن ربما ستبقى هذه اللوحة وحينما كنا نرجوه أن يقلل من التدخين كان يقول صدقوني انه غير مؤثر دعوني أمارس الحياة قبل أن أموت ويتلاشئ كل شئ .

* كيف رأيت عوني وأنت ترسمه؟
- رسم الموديل يختلف عن أي لوحة اخرى انه فنُ متكامل قائم بذاته. أنا أراه أقرب للمعالجة النفسية من أجل الوصول إلى الشخصية الحقيقة، ينبغي لي كرسام أن أبدأ ببناء علاقة خاصة وألفة وثقة طوال فترة عملية الرسم .. انها شئ من الترويض وكبح الذات لكلانا.
وعند ذاك فقط تجد ان روح الموديل أنطلقت وطفت على شكله أكثر من وقت أخر.. وهذا بالضبط ماحصل مع الفنان عوني كرّومي الذي كان واعياً جداً للأحداث عبرحسّاسية مرهفة. لقد عرفته بصفاته الجميلة، التواضع والتسامح، ولكن يبقى الجانب الأعمق فيه الصرامة والانفه والأعتداد بالنفس.. النظرة الحادة التي تعكس طاقة كبيرة جداً تلك النظرة المليئة بالتساؤلات والدهشة، عن هذه التقطه بالذات أحسست فعلاً ان عينيه تعكسان طاقة مكنونه أكبر ممّا يحتويه جسمه الضئيل. و هذا ما لاأستطيع الحصول عليه فيما اذا لو قمت بتصويره فوتوغرافياً.

* كيف لي أن أفهم كمشاهد أن عوني كان صارماً من خلال هذه اللوحة؟
- لاينبغي للمشاهد أن يفهم المسألة تقنياً فالمسألة التقنية من شأن الرسام وربما الناقد ايضاً فأنا أرى أن الفهم يأتي من خلال ايصال هذا الأحساس للمتلقي.
أن توزيع الأضاءة- وهذه مسألة تقنية- على المساحات السودالممتزجة بالخضرة الداكنة يعطي هذا الأحساس الذي تحدثنا عنه. فالضوء الخفيف المنتشر بدرجات مختلفة على المساحات الداكنة يكسر هذه الصرامة والجديّة ويضفي عليها شيئاً من المرونة والشفافية ناهيك عن المفردات التي تختفي بشكل متدرج وجزئي في الظلال.. أضف إلى ذلك لمناطق الصريحة جداً بأضاءتها كما في الرأس والوجه واليدين..هذه قراءة تقنية مختصرة لشخصية عوني كما في اللوحة اما القراءة الحسية فهي شخصية صارمة ممتزجة بالمرونة والحنين والألفة تشعرك بقربها منك.

* هل نفهم من ذلك أنه شخصية قلقة؟
- نعم إنه شخصية قلقة ولكن ليس بالمعنى المرضي بل بالمعنى الأيجابي أنه قلق الفنان الذي يمتلك طاقة قابلة للانفجار في أي لحظة.. وهذا واضح جداً من خلال ملامح هذه الصورة التي أمامك الان، أنظر إلى السيجارة المشتعلة. للتأكيد على حالة القلق، لقد كان شخصية واثقه بموهبته وفنه المستند على قاعدة صلبة، وهذا ما تؤكده وضعية جلوسه على الاريكة الجلدية، أما عن خلفية اللوحة فهناك ضلال متساقطة من خارج اللوحة مما له أشارة الى عالمه المحاط بالأخرين الذين يغنون حياته بأيقاعية وتنوع جميل.. هكذا بدى لي عوني" تقنياً" وشعوريا.ً

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف