مسرحية الرسالة الثانية للعراق، هل تصل؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هباس بوسكاني من سيدني: التجارب المسرحية العراقية في أستراليا وبسيدني تحديداً، قليلة الفعالية ولكنها تجارب غنية بأرتباطها الكوني مع الهم الأنساني عامة و العراقي
الحاج راضي كحل قيّمي:
تبتدأ المسرحية بمحاولة مخرج مسرحي يحاول القيام بعمل مسرحي أسترالي مع الممثلة الشهيرة "سهام السبتي" الواصلة حديثاً لسيدني، والتي تمثل وصول الألم الحديث الى الذات العراقية المهاجرة هنا. تبتدأ المسرحية بضرورة القيام بالبحث عن "الحجي راضي" و الذي مثل "تحت موس الحلاق" مع سهام. ضرورة البحث هذه هي (كما تريد المسرحية أن توصِلها) إيجاد القيمة المفقودة لدى الجيل الجديد والذي لا يقبل بالآخر المختلف. الحاج راضي هوهم المسرحية النوستلجي برحلة معاكسة للزمن الغابر، أيام زمان حيث الناس في تناغم مع أنفسهم ومع قضاياهم وشِِجاراتهم.
الحاج راضي- الزمن الماضي، الحاج راضي زمن التمني للحاضر، هذا الحضور القيّمي للحاج راضي تشكل إشكالية تاريخية ومعرفية، بمعنى الأفتراض بالحضور الأيجابي الكامل لمفهوم- الحاج - وزمنه الذي كان الناس يعيشون فيه بوئام تام!!! لا تتناسق هذه الرؤية مع تاريخ العراق الستيني والذي كان زمن الأنقلابات العسكرية والظهور البعثي في الساحة السياسية والحرب الدائمة على الكورد في كوردستان. وإذا ما إفترضنا بأن الحاج راضياً يمثل ماضٍيا ً ما، أي ماض، أيضاً نتسائل أي ماضٍ هذا الذي كان العراقييون فيه على وئام سياسي تام؟
الحاج راضي هو موضوع العراق ومفتاح الحل لمآسي البلد يُمَثَل بأن تعثر المسرحية المبتغاة إنجازها على المعنى القَيّمي لزمن الحاج حيث الناس سيقبلون على بعضهم بالتفاهم والقبول، وهنا تبدأ ركاكة القراءة السياسية للعراق الحالي، حيث تلخصها سهام بـ "صار الشمال لأهل الشمال، والوسط لأهل الوسط و الجنوب للجنوبيين" هذا التلخيص لوضع العراق والذي تحَذِر المسرحية منه قد تكون عند البعض مفتاح الحل لأزمة العراق وعقدة أثنياته ومذاهبه.
الكوميديا، الأنقاذ الأهم:
الكوميديا تعمل على مستويين، الأولى أفقية توصِل أزمة الشخصيات ببعضها من خلال شجارات يشتهر برقتها العراقيون، مع إن هذه الضحكات تمنح إستراحات وجدانية للمشاهد ولكنها لاتقتل التراجيديا المفاجئة التي تخرج من خلال شخصية ما. هذا التكنيك قد أنقذ المسرحية من ضياع رسالتها بالكوميديا وظل الألم الجدّي حاضراً.
المستوى الثاني للكوميديا عمودي، حيث تصعد الكوميديا بالسخرية من الزمن الحاضر المزري، زمن القتل والنهب المنظم، زمن النسيان، نسيان الماضي- زمن الحاج راضي. تصعد الكوميديا من الأزدراء من الحاضر الى التاريخ القديم حيث الأمجاد، ومن خلال شخصية "بائع الباقللاء" والذي أدى دوره عباس الحربي بروعة أكاديمية. والتاريخ هنا يمثل إنقاذاً وجدانياً لحالة التقزز الآني من الحاضر.
الذي يمثل المستويين الذين ذكرناهما، هي إن المستوى الأفقي مضحك ينتهي بتراجيديات محددة، أما المستوى الثاني العمودي فما هو بمضحك ولا مبكي، لكنهما يهيئان لحالة عقلانية تذكر بالتاريخ حيث الأمجاد والذي هيأ لزمن الحاج راضي إنقاذاً لحاضر الأنحطاط.
مسرح الصورة والواقعية معاً كما هي!!:
تبتدأ المسرحية بأنفجارات وأناس يترنحون بألم، حيث مصدر الشر صور على ملامح الممثلين الذين يشتركون في العذاب، ثم يحول المخرج واقع البداية التجريدي الى تمثيل واقعي، لم يخلو من نقاط ضعف جمالية حيث الممثلين والممثلات يقفون على خط مستقيم ممل، ولا تملأ فضاء المسرح الذي يفتقر الى ديكور شامل يملأ الفراغات. ثم إن واقعة الرقص الأسباني و الذي أجادت الفنانة أداءه، لم يضف أي شيىء معرفي للمسرحية. إن إظهار مشهد الرقص من غير مناسبة قد خلق أسئلة، أهو للتعبير عن ضياع الفتيات العراقيات في الغربة وعدم إنتمائهن الى تراثهن الأصلي؟ أم كان جزءً من المسرحية المراد إنجازها؟ ففي كلتا الحالتين لا تؤدي عملية الرقص الأسباني هذه إضافة جدية الى أحداث المسرحية.
الرسالة الثانية ماهي برسالة أحد الى أحد، إنها رسالة الأصالة الذي مثلتها شخصية بائع (الباقلة) بالرجوع الى هدوء الماضي وتناغمه، رسالة أحادية الجانب تدين الجميع لتصعد هاجس القبول للجميع، الرسالة لا توجه أصبع الأتهام الى هؤلاء الذين أحتلوا الأرصفة وفرضوا قوانينهم، مع كل ذللك تصل الرسالة الى الشعب والى "الجراوية التي ماحلت عقدتها" لتقول بأن هناك متبقياً من الحجي راضي بملابسه و براءته، لنأخذ منه ونستريح.