أضواء على رواد التلحين والتمثيل في القرن العشرين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سعد القرش -القاهرة: أراد مؤلف كتاب (تاريخ المسرح العربي) أن يؤرخ لبدايات فن المسرح في مصر فقدم بانوراما بها بعض الطرافة عن رواد التلحين والتمثيل. فسيد درويش الذي ترك آثارا موسيقية كثيرة أهلته ليكون أول من يحمل لقب "فنان الشعب" لم يزد عمره الفني على خمس سنوات أما المطربة منيرة المهدية أول ممثلة مصرية ففلم تقدم في سنواتها الأولى دور امرأة بل كانت تؤدي أدوار الرجال. ويقول فؤاد رشيد مؤلف الكتاب ان سنوات الحرب العالمية الاولى (1914 - 1918) كانت لها انعكاساتها على مصر حيث أُعلنت الأحكام العُرفية وفُرضت قيود على الاضاءة بالمسارح والملاهي كما امتلأت الشوارع بجنود بريطانيا التي كانت تحتل البلاد انذاك. ورغم تلك الظروف فان تلك الفترة شهدت انتعاش المسرح المصري ففيها انتهت "أكبر العقبات في سبيل قيام التمثيل العربي" بظهور أول ممثلة مصرية هي منيرة المهدية.
والاسم الاصلي للمهدية (1885 - 1965) هو زكية حسن وتعد أكثر المطربات المصريات شهرة في بداية القرن العشرين وكانت ندا قويا وعقبة كبرى أمام صعود أم كلثوم. ولقبت بسلطانة الطرب حيث كان صوتها قويا وجذابا ومن أغانيها (أسمر ملك روحي) و (ارخي الستارة) و(يمامة حلوة). وصدرت الطبعة الاولى للكتاب عام 1960 وتقع الطبعة الثانية في 111 صفحة كبيرة القطع وطرحتها هذا الاسبوع الهيئة العامة لقصور الثقافة في سلسلة (ذاكرة الكتابة) التي يرأس تحريرها الناقد المصري رجاء النقاش.
ومنذ بدأ فن التمثيل في مصر كانت المشاركة النسائية تقتصر على عناصر من الشاميات من غير المسلمات حيث وجدت المصريات في هذا الفن الجديد ما يتعارض مع ما يتصورن أنه الفضيلة. ويقول مؤلف الكتاب رشيد ان صيف 1915 شهد ظهور "منيرة المهدية كأول ممثلة مصرية... فتاة جميلة رشيقة القوام. وغنت منيرة (ان كنت في الجيش) احدى قصائد الشيخ سلامة (حجازي) فسمع الجمهور صوتا قويا صداحا عذبا وصفق لها كثيرا." ويضيف أنها سرعان ما فهمت أن وجودها في المسرحيات سبب اقبال الجمهور الذي "لا تهمه الرواية في قليل أو كثير" فانسحبت وكونت فرقة خاصة بها وقدمت بعض مسرحيات سلامة حجازي ومنها (صلاح الدين) و(روميو وجوليت) و(عائدة) وكانت اعلانات العروض مسبوقة بجملة "أول ممثلة مصرية. والعجيب في الامر أن أول ممثلة مصرية لم تمثل على الاطلاق دور سيدة وانما كانت تقوم بأدوار الشيخ سلامة حجازي وتلبس بذلة الرجال وتمتشق الحسام ومع هذا أحبها الجمهور وأقبل عليها كل الاقبال مأخوذا بذلك الصوت الملائكي الساحر."
ويرى أن 1917 كان "أزهر عام في تاريخ المسرح المصري" حيث تعددت الفرق وزاد الاقبال على العروض ومنها مسرحية (كارمن) المأخوذة عن الاوبرا الشهيرة وعهدت المهدية بتعريبها الى فرح أنطون وبتلحينها الى كامل الخلعي وشهدت اقبالا "يفوق الوصف حتى أن جميع التذاكر نفدت قبل الحفلة بأسبوع كامل" وفيها مثلت المهدية دور كارمن وكانت أول مرة تمثل فيها دور امرأة. في ذلك العام توفي سلامة حجازي (1852 - 1917). ويقول المؤلف ان عصر الغناء لم ينته بوفاة حجازي الذي "شعر القائمون بالأمر بالفراغ الكبير الذي خلفه وراءه وبحثوا عن أصحاب الأصوات ولما أعيتهم الحيل لجأوا الى الفتية والفتيات وأظهروهم على المسرح وهم لم يتجاوزا سن البلوغ" ليقدموا مقطوعات غنائية بين فصول المسرحيات وكان منهم محمد عبد الوهاب. وشهد عام 1917 انتقال سيد دوريش (1892 - 1923) من الاسكندرية الى القاهرة التي حقق فيها المال والمجد والشهرة خلال خمس سنوات فقط.
ويقول رشيد ان سيد درويش لحن أغاني مسرحيات منها (فيروز شاه) لفرقة جورج أبيض الذي تعاقد معه على أن يحصل على 17 جنيها مصريا كراتب شهري "اعتبره ثروة. وسقطت رواية فيروز شاه ولكن (نجيب) الريحاني العبقري سمع ألحان الرواية فاذا به أمام أناشيد بديعة وألحان قوية وروح جديدة. بل رأى فنا جديدا يسمو على كل ما عداه فسأل عن الملحن وسرعان ما اتفق معه ورتب له مرتبا شهريا قدره أربعون جنيها ولحن سيد درويش رواية (ولو) فنجحت نجاحا رائعا وذاعت ألحانها بين يوم وليلة. ومنذ ذلك التاريخ عرف سيد درويش كأكبر ملحني عصره." ويضيف أن درويش لحن أغاني أكثر من 20 مسرحية للريحاني وعلي الكسار ومنيرة المهدية ثم توفي في سبتمبر أيلول 1923 وهو في الحادية والثلاثين قبل أن يتم تلحين مسرحية (مارك أنطوان وكليوباترا) وأكمل عبد الوهاب تلحينها "ومثل بنفسه دور مارك أنطوان أمام منيرة المهدية التي مثلت دور كليوباترا. وكانت هذه هي المرة الاولى والاخيرة التي مثل فيها عبد الوهاب على المسرح."
ويسجل المؤلف أنه بين عامي 1916 و1922 انتعشت العروض الفكاهية في المقاهي والملاهي التي استعانت براقصات أجنبيات وممثلين أجانب يقدمون حركات هزلية صامتة. واستعان صاحب أحد الملاهي واسمه روزاتي بالممثل استيفان روستي ومنحه 60 قرشا يوميا "وكان هذا المبلغ يعتبر ثروة ضخمة." ويضيف أن روستي مر في مايو ايار 1916 بالريحاني الذي كان يعاني "البطالة والفاقة والحرمان فعرض عليه أن يعمل معه في ذلك الملهى فقبل الريحاني على الفور وأخذه استيفان وقدمه الى صاحب الملهى فقبل وأسند اليه دور خادم بربري يظهر في اسكتش (استعراض) خيال الظل ورتب للريحاني أجرا يوميا قدره أربعون قرشا واغتبط الريحاني بذلك الأجر."
وينتمي روستي (1891 - 1964) الى أب نمساوي ويعد أحد أشرار السينما المصرية لكنه يختلف عن الجميع بخفة الظل. كما يعد من رواد الاخراج السينمائي حيث أخرج عام 1927 فيلم (ليلى) الذي يعتبره نقاد أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما المصرية. أما الريحاني (1887 - 1949) فصار من أبرز ممثلي الكوميديا بعد معاناة في الفن والحياة تغلب عليها بالذكاء والحيلة.
ويروي المؤلف أن الريحاني بعد أن ضاق بتقديم دور الخادم البربري في استعرض خيال الظل بذل محاولات متعددة لاقناع صاحب الملهى بتمثيل مشهد فكاهي قصير وهو الذي تجسد في شخصية كشكش بك العمدة الريفي الساذج ولم يستغرق تمثيل الدور أكثر من نصف الساعة بداية من يوليو تموز 1916 ونجح العرض وصفق له الجمهور فصعد "الخواجة" روزاتي الى المسرح وهنأ الريحاني ورفع مرتبه الى 60 قرشا في الليلة. ويضيف أن الريحاني فرح كثيرا بالنجاح "وأخرج لسانه لصديقه استيفان وقال له لقد تساوت الرؤوس" في إشارة الى الأجر اليومي. (رويترز)