هل يليق الحداد بالكترا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هل يليق الحداد بالكترا؟
حين يجتمع المسرح بالتكنلوجيا
من أمستردام صالح حسن فارس: الحرب، الحب، الخيانة، الفضيحة، الانتقام. اسئلة كثيرة تطرحها مسرحية "الحداد يليق بالكترا" تأليف الكاتب الامريكي "يوجين أونيل" وتقديم فرقة أمستردام المسرحية للمخرج الهولندي من أصل بلجيكي "ايفو فان هوفه" على قاعة "ستادس خاوبورخ" الأسبوع الماضي في أمستردام.
(كريستين) جاني خولسليفنا تقتل زوجها عندما يعود ظافراً من الحرب بعد أن وجدت عشيقاً أثناء غيابه وهو قبطان السفينة (أدم برانت) "هانس كيستن" الذي مثل دور مزدوج العشيق والزوج معاً وأبنتها لافينيا (هيلنينا راين) تقرر الثأر لأبيها وتخطط للانتقام بمساعدة اخيها أورن "اليكو سمث".
هل الحداد يليق بالكترا؟ هذا ما يجيب عنه العمل المسرحي الخالد (الحداد يليق بالكترا) كما صرح بعض النقاد. - وود كروتش-:( ان أشخاص هذه القصة الحداد يليق بالكترا يمتازون بالحيوية الدافقة. أن كلا منهم يستطيع أن يقول- بحرارة- أنني أحببت وكرهت. وفرحت وحزنت. وظلمت وقسوت. وعلا أنيني الفاجع كما علا غنائي الماجن، وخفق قلبي بالحب الكبير كما خفق بالحقد المرير. يستطيع أن يقول أني عشت حياتي كلها. طولاً وعرضا. وهذه الماساة- كاحدى القطع الادبية الخالدة- لاتقصد مايقصد اليه "ابسن" مثلاً أو "شو" أو "جالزورثي" من كتابة مسرحياته - وانما تتفق فيما تقصد اليه مع هملت، أوديب، وماكبث).
هذه العلاقات العائلية المرتبكة تقودنا إلى مشاهدة خطوطها الخفية والعلنية من خلال انهيار الراوبط العائلية. وذلك بأستخدام تقنيات السينما أو التكنلوجيا (الملتي ميديا). أو مايسمى بــ الوسائط المتعددة الحديثة، التي بدأت تغزو العالم الغربي المسرحي وتزحف ببطء كالسلحفاة إلى العالم العربي. غالباً ما يساء أستخدامها في العروض المسرحية كونها سلاحا ذا حدين ولا تخدم الأعمال بل تربكها وتشتت ذهن المتلقي اذا لم تستخدم بشكل سليم. لكن مافعله المخرج في هذا العمل كان خير مثال على الاستخدام المبدع والناجح، أذ حافظ على روحية العمل ولم تتمكن التكنلوجيا (الملتي ميديا) التي أعتمد عليها من الغاء الممثل، بل كانت متعة جمالية وفكرية. حيث بدأ العمل بأغنية:
"أوشينادوه.. أنني أشتاق لأن أسمعك
ألا ابتعد أيها النهر المنساب
أوشيناندوه.. لا أستطيع الاقتراب منك
فأنا مقيد بعيداً
وراء نهر الميسورى الفسيح"
المطاردون: يبدأ الفصل الثاني بعودة الابن (اورن) من الحرب وفي هذه الاثناء عرفت (لافينا) بجريمة أمها. وتقرر أن تثأر من أمها لأبيها. (اورن) له علاقة حميمية بأمه وأخبرته أخته عن علاقة أمه (بأدم) فتشعل عنده الغيرة ويقتل عشيقها (آدم) كي يحتفظ بأمه له. تصبح الحياة بالنسبة للام لا معنى لها فتضطر إلى قتل نفسها ويظل الابن (اورن) حائراً لايعرف ماذا يفعل.
حيث تعود الأرواح: أما الفصل الثالث فيُفصح عن مجريات الأحداث المتوترة كما أن (اورن) لايستطيع أن يتخلص من عقدة مافعله بأمه، وأشباح الموتى يطاردونه وفي النهاية يُنهي حياته بالأنتحار وتبقى أخته (لافينا) لوحدهها تواجه اشباح الراحلين لكن هذا كله ليس هو الحل الأمثل الذي يشبع شعور البنت بالثأر، مما يجعلها تختار العزلة وتحبس نفسها في البيت وتعيش حالة صعبة من المواجهة ومحاصرة بالخسارات والأنكسارات بعد أن فقدت الذين أحبتهم.
يتواصل العمل بمشاهده الاخرى الرائعة والاكثر جمالية حيث تمتد الاسلاك الكهربائية لكاميرة الفديو والشاشة التلفزيونية التي وضعت أمام المشاهد عبارة عن فيلم تسجيلي لتاريخ العائلة التي لايمكن لها أن تخفي تاريخها الملوث. وكذلك كاميرة الفديو التي تلاحق الشخصيات التي كانت تشكل دوراً رئيسياً في العرض، فهي تمثل تاريخ الشخصية ونقل ملامحها مباشرة إلى شاشة العرض.
أتسم العرض بالتناغم بين الملتي ميديا واداء الممثلين من خلال ابراز الطاقات القصوى للادائهم وخبرتهم الطويلة في مجال التمثيل. حيث جاءت حركاتهم التعبيرية التي جعلت المشاهد يغوص معها ومع الاحداث. وهذا ما أكد على فرادته وخصوصيته وسطوته على المشاهد عبر حركة الجسد والكلام والتعبيرات الحسية الأخرى والتكنلوجيا في حالة من الانسجام والتكامل على مدى ثلاث ساعات من العرض.
المخرج الهولندي(ايفو فان هوفه) أشتغل على التفسير النفسي للأحداث، حيث تظهر (القوى المدمرة) قوى العقل الباطن مجسدة عبر مشاهد الفديو، التلفزيون، الانترنيت، المسنجر وغيرها ليصوغ لنا عرضاً مسرحياً متكاملاً بشكل مؤثر وعميق. لم يبتعد المخرج كثيراً عن النص الأصلي لكنه أستغنى عن بعض الحوارات التي ربما رآها أقل أهمية في العرض المسرحي. في الختام نجح المخرج بواسطة "الملتي ميديا" في خلق الاجواء العصرية، واضفاء حيوية على العرض المسرحي دون أن يفقد جانبه الانساني. كما اظهر قدراته الاخراجية والابداعية وخبرته الطويلة في مجال الاخراج بشكل واع ومدروس وهذا ينم عن تجربته الطويلة ودرايته الفنية كما في أعماله السابقة :
كاليغولا، هيدا جلبرا، الشقيقات، عطيل، روميو وجوليت، مكبث، ريتشارد الثالث، تحت شجرة الدردار. حيث يقول المخرج (ايفو فان هوفه) عن المسرح: ( المسرح هو محطة التنقية للمجتمع). وهو مغرم بتقديم أعمال (اوجين اونيل) المسرحية كما تشكل جزءً ثابتاً في أعماله ويقول عن أونيل بأنه شكسبير أمريكا. ومن الجدير بالذكر أن المخرج كان قد عمل مديرا ومخرجا في فرقة أمستردام المسرحية لعدة سنوات. ويذكر أن مسرحيته هذه يعاد عرضها الآن في المسارح العشر الكبرى في هولندا باعتبارها من افضل أعمال الموسم الماضي.
يوجين أونيل يعتبر من رواد الحركة المسرحية في أمريكا في القرن العشرين، حصل على جائزة نوبل عام 1936، ومن أعماله :الامبراطور جونز، رغبة تحت شجرة الدردار، الاله الكبير براون، وراء الأفق، القرد كثيف الشعر، الحداد يليق بالكترا.