مسرح إيلاف

(شبكة) بريخت تأخر عرضها ربع قرن بسبب السادات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

القاهرةمن سعد القرش: تسبب صعود النازي في وقف عرض مسرحية (صعود وسقوط مدينة ماهاجوني) للكاتب الالماني برتولد بريخت في مطلع عقد الثلاثينيات من القرن الماضي.. لكن في مصر تأجل عرضها لاكثر من ربع قرن بسبب تعليق أدلى به الرئيس المصري الراحل أنور السادت. وتدور أحداث المسرحية التي ترجمها الى العربية الشاعر المصري يسري خميس وتعرض حاليا في المسرح القومي بالقاهرة تحت عنوان (الشبكة) في مدينة أمريكية افتراضية اسمها ماهاجوني أو (الشبكة) التي أسسها بعيدا عن أعين الشرطة لصوص ومحتالون تتزعمهم امرأة.
والمدينة التي يرفع مؤسسوها شعار (كل شيء مباح) أصبح لها علم تحتل مساحته صورة كبيرة للدولار الذي يلائم طبيعتها حيث يقول بريخت على لسان أحدهم.. "في زماننا هذا-أعظم جريمة على وجه الارض.. هي قلة النقود." وتصبح المدينة ملاذا لاثرياء تغريهم فكرة وجود مكان لا تحكمه الا الغرائز الجسدية.. الاكل والشرب والجنس والعنف. ويصل أربعة أصدقاء من الاسكا وتغريهم المدينة التي يفاجئهم أهلها قائلين "كل شيء مباح ما دام معك فلوس" لكن عرائزهم تتسبب في قتلهم اذ يموت الاول من كثرة الاكل بشراهة ويقتل الثاني في حلبة للملاكمة في معركة غير متكافئة مع أحد اللصوص.
أما الثالث فيعجز عن دفع ثمن الويسكي الذي شربه ودعا الجميع اليه بعد نفاد أمواله التي خسرها كلها في الرهان على صديقه أثناء الملاكمة. وينفذ فيه حكم الاعدام عقب محاكمة صورية تكون فيها زعيمة المدينة هي القاضي المرتشي وأحد رجالها هو هيئة الادعاء حيث يرفض صديقه الرابع الذي يميل الى اللصوص أن يدفع بعض المال لانقاذه من الاعدام. وفي نهاية العرض الذي أخرجه سعد أردش وقام ببطولته سميحة أيوب ومحمود حميده وأحمد فؤاد سليم تحترق المدينة بكل من فيها وما تمثله من قيم في وفاء من بريخت لمسرحه ذي البعد التعليمي.
لكن خميس مترجم النص يرى أن "أسس وفلسفة مدينة ماهاجوني التي كتبت عام 1929 هي هي لم تتغير. فبمفردات اليوم (2007) ما هي الا الشبكة الدولية الحالية التي تلتف حول الكرة الارضية لتثبيت العولمة الاقتصادية والثقافية. لاتزال الشبكة بنفس الاسس والفلسفة والاهداف وان اختلفت المصطلحات والوسائل." وأضاف قائلا لرويترز أن بريخت اعتبر ماهاجوني مدينة "تمثل بشكل بسيط وواضح قيم الرأسمالية التي يعريها كنظام اجتماعي غير انساني يعمل على تدمير كل قيمة ذات معنى كالعمل والحب والصداقة" وأنه في مثل هذا المجتمع تسيطر الفردية وينتفي الاحساس بالاخر ولا يرى الانسان سوى نفسه ولا تعنيه سوى مصلحته الشخصية." ولايزال بريخت (1898-1956) مصدرا ثريا ومغريا لكثير من مسرحيي العالم ويعتبره مسرحيون تاليا للكاتب البريطاني وليام شكسبير (1564-1616) والالمانيين جوته (1749-1832) وفريدريش شيللر (1759-1805). وصودرت أعمال بريخت الشعرية والمسرحية في بداية الحكم النازي في 1933 فاضطر للهرب الى النمسا وسويسرا والدنمرك وفرنسا وفنلندا واستقر في 1940 في نيويورك الى أن عاد الى برلين في 1948.
وكتب في فترة المنفى أعمالا منها (حياة جاليليو) و/بؤس الرايخ/ و/السيد بونتيللا/ و/الاستثناء والقاعدة/ و/الانسان الطيب/ و/دائرة الطباشير القوقازية/. وأخرج أردش الاعمال الثلاثة الاخيرة بالقاهرة في الستينيات أما مسرحية (الام شجاعة) فعرضت في مصر في 2005 بترجمة أستاذ الفلسفة المصري عبد الرحمن بدوي (1917-2002).
وقال خميس ان مسرحية (صعود وسقوط مدينة ماهاجوني) أو الشبكة عرضت على أكثر من مسرح في ألمانيا الى أن اقتحم ممثلو النظام النازي المسرح عام 1933 وأوقفوا العرض وطردوا المشاهدين "بقوة السلاح وكانت فضيحة بكل المقاييس في تاريخ المسرح في القرن العشرين تعادل فضيحة حرق الكتب من قبل رجال النازي في برلين. ولم يعرض هذا العمل بعد ذلك الا في الستينيات ثم قدم في أهم مسارح أوروبا وأمريكا."
وأضاف أنه انتهى من ترجمة نص المسرحية في مطلع الثمانينيات وأثناء الاستعداد لتقديمها "شتم السادات (زعيم ألمانيا الشرقية انذاك فالتر) أولبريشت. لم ينطق السادات الاسم صحيحا وانما قال.. بريشت. وخشي مخرج مصري أن يقدم عملا لبريخت ظنا منه أنه المقصود بكلام السادات" مشيرا الى أن تلك النكتة تسببت في تأجيل التفكير في تقديم المسرحية انذاك ثم جرت في نهر المسرح المصري مياه كثيرة الى أن قدم العرض الان.
وقال أردش في كتيب خاص بالمسرحية ان "جمهور المشاهدين سيدرك الاسباب الحقيقية التي أدت الى تقديم هذا العمل في هذه المرحلة التي تتميز بسيطرة عناصر القلق الشديدة في أنحاء العالم وفي مقدمتها العولمة والارهاب وانكماش مساحة الحرية والعدل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في معظم قارات العالم."
لكن العرض يكاد يفرض وصاية على المشاهدين اذ لا يتركهم في مواجهة الدراما ليحتفظوا بحالة الاستفزاز "الصحية" ففي مشهد النهاية يقدم الممثلون -وبعضهم لايزال بملابس الشخصيات الشريرة التي أداها- هتافا تعليميا يلخص النصائح التربوية بالمسرحية ويحذرون على سبيل المثال من الاستسلام لاغراء المال باعتباره "الرب" العاجز عن تحقيق السعادة. (رويترز)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف