مسرحية لبنانية تروي حكاية تقهقر وطن منذ العام 1916
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت من ليلى بسام: بين الضحك والبكاء تسرد مسرحية لبنانية رواية تقهر وطن وتراجيديا شعب على مدى 91 عاما وتشرذمه بين ويلات الحروب الخارجية والمذهبية والطائفية وهجرة أبنائه. يقدم المخرج والكاتب اللبناني ايلي كرم في مسرحية تحمل عنوان "شلاح الطربوش" حكاية تقهقر عائلة بيروتية تشكل نواة المجتمع اللبناني منذ العام 1916 تاريخ شنق عدد من اللبنانيين في ساحة في وسط بيروت حملت اسم ساحة الشهداء حتى العام 2007. ويذكر ان ساحة الشهداء هي نفسها التي تجمع فيها مئات آلاف اللبنانيين للمطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان بعد شهرين من اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في فبراير شباط العام 2005. ففي العام 1916 يتم اعدام غالب عبد النور الذي لقب لاحقا بغالب المشنوق لكن لحظة اعدامه يرفض ان يخلع طربوشه الأحمر بلون الدماء الذي يرمز الى الشرف وتتوارثه ثلاثة أجيال من عائلته التي تواجه نفس المصير في ما بعد.
ويسلط كرم الضوء في هذه المسرحية التي تعرض على مسرح المدينة في بيروت منذ منتصف مارس اذار الماضي من خلال هذه العائلة على حالة الغليان التي يعيشها المجتمع اللبناني وحالة التهميش التي ترافق الفرد وتفاقم التشرذم الطائفي والمذهبي. وعلى قاعدة ان التاريخ يعيد نفسه نجد ان هذه العائلة تقع بنفس الاخطاء وتواجه نفس المصير من دون ان تتعلم من التجارب السابقة فنجد نجل غالب عبد النور يشنق نفسه بعد ان أقام علاقة سرية مع امرأة من غير طائفته فانتفض أهلها وأرادوا قتل أحد الحبيبين فانتحر الشاب ليفدي حبيبته. ونجد ان زوجة غالب عبد النور تسقط ميتة في احدى مكاتب الدولة وسط الفساد الاداري. انه مجتمع ينخره السوس ويتآكل من الداخل كما يبدو من خلال المسرحية. ويقول كرم لرويترز ان المسرحية "تخرج من صرخات عديدة من صرخة وطن يريد ان يعيش بسلام. أنا أضع المسرحية كمرآة للبنانيين"
اضاف "أظن انه حان الوقت بعد قرن من العذاب ومن الهجرة ومن النزف ان يرتاح المواطن في وطنه. هذه المسرحية مهداة الى كل الشعب اللبناني عله يغير مجرى تاريخه ذات يوم. انها رسالة وطنية". وقال كرم "الرسالة التي أردت إيصالها هي اننا منذ سنوات نعيش بالحالة نفسها أي ان كل خمس أو عشرات سنوات لدينا مشاكل سياسية واجتماعية وحروب وغزوات ولم نستفق حتى اليوم. لماذا هذا الشيء يحصل لنا. هذا سؤال."
يظهر كرم في المسرحية ان الافراد ليس لديهم ثقلا اجتماعيا انما لديهم ثقل طائفي وبرأيه ان ذلك يقود دائما الى الهاوية ويجعل الاخرين يغزو بلدهم ويقول "ممكن بلدان تأخذ بلدنا بكل سهولة ليس لانه لا يمتلك طائرات حربية بل لانه ضعيف من الداخل لان تركيبته الاجتماعية والطائفية والسياسية تجعله يتشتت يتكسر يهشم ويتهمش".
يتكرر مشهد الموت في المسرحية مرارا تحت عنوان "الشهادة" التي تبدو وكأنها قدر شعب لكن العرض يبرز ان هذه الدماء التي سالت على مذبح الوطن لم تستطع ان تحقق تغييرات تذكر.
وبرايه فان "الشعب اللبناني يجب ان يعي ويكون مواطنا لبلده قبل ان يكون طائفيا ومسيسا. الفرد يتعذب جدا في لبنان. اذا ما تخيلنا ان كل انواع الشهداء جاؤوا منذ 1916 ووقفوا في ساحة الشهداء اليوم ونظروا الى هذا البلد والوضع الذي نعيشه ماذا سيقولون. هل سيقولون ان دماءهم استطاعت ان تغير امورا كثيرة. التغيير ليس على مستوى الشهداء الذين سقطوا."
اضاف "الشهادة لها عدة معان تستطيع ان تكون من اجل قضية نبيلة او من اجل وطن وهناك الشهادة بسبب الثغرات الاجتماعية او بسبب وطن لا يستطيع ان يؤمن لك ولو بنسبة ضئيلة تحقيق احلامك فيضطر الفرد للهجرة والقبول بالقليل." ومضى يقول "الشهادة قد لا تكون شهادة جسدية هي شهادة روح شهادة احلام شهادة مفاهيم وليس فقط الشهداء هم الذين سقطوا دفاعا عن الوطن هناك شهداء كثر يسقطون بالوطن مع الوطن لان الوطن لا يؤمن لهم شيئا". ويعتبر ان "بيروت تقهر سكانها وتبسط سياحها.. بيروت متناقضة جدا بين المضحك والمبكي". ويستعين كرم في مسرحيته بطاقم من الممثلين الذين حفروا عميقا بذاكرة اللبنانيين فبعضهم لم يقف على خشبة المسرح منذ اكثر من عشر سنوات كما هو الحال مع الممثل يوسف فخري.
ويقول كرم "ان الطاقم يشبه هذه الفترات التاريخية لم أكن لأريد ان أستعين بممثلين جدد يمثلون ادوارا قديمة اردت ان اظهر الجيل التمثيلي اللبناني الاجيال العدة التي وصلت ولاظهر ان هؤلاء الناس الذين اعطوا منذ زمن ماذا تعطي الان كذلك يوجد شهادة من هذا النواع." وتركز الديكور والسنيوجرافيا على مسرح متقشف الا من بعض صور الموتى التي علقت على الجدران اضافة الى مكتب وكرسي. لكن الصور الخلفية لبيروت أعطت العرض زخما إخراجيا فبدا المشاهد وكأنه يتمشى في داخل هذه العاصمة التي تهدمت وتعمرت مرارا.